تحقيقات زدني

مؤسسات التعليم العالي في غزّة.. وسيلة لكسب المال على حساب الجودة

لم يشفع للمتخرجة “وعد أبو زاهر” عشرون (20) عامًا، تخرّجها من كلّية الشّريعة والقانون، بإحدى جامعات قطاع غزّة، لتنضمّ كغيرها إلى صفوف البطالة؛ بعد أن فشلت جهودها في الحصول على وظيفة، أو الالتحاق بتدريب خاصّ يتناسب وتخصّصها كما هو حال بقيّة زميلاتها.

ولجأت “أبو زاهر” إلى كلّية أخرى لدراسة تخصّص آخر في إحدى جامعات القطاع؛ أملًا في الحصول على فرصة عمل، وتحسين قدراتها العلميّة بشكل أفضل ممّا هي عليه.

رسوم مرتفعة وجودة متدنّية:

وتقول “أبو زاهر” لـ “فريق زدني”: إنّ مؤسّسات التّعليم العالي في فلسطين، أصبحت وسيلة لجني المال فقط على حساب الخدمات العلميّة المقدّمة للطّلّاب والطّالبات؛ في ظلّ غياب المتابعة والرّقابة الحكوميّة الحقيقة على هذه المؤسّسات.

وتضيف: “إجمالي ما كنت أدفعه في المرة الأولى يقدر بنحو أربعمائة (400) دينار أردني، وهو ما يعادل خمسمائة وثلاثين (530) دولاراً أمريكي في الفصل الواحد، دون الحصول على استفادة حقيقية، تعمل على تنمية مهاراتي في هذا المجال؛ وبالتالي الانضمام إلى قوافل البطالة، كما هو حال بقيّة المتخرجين”.

وبحسب “أبو زاهر” فإنّ العديد من جامعات القطاع، تركّز بشكل أساسيّ على تحصيل أكبر قدر ممكن من الرسوم، تحت إطار بند الخدمات الطّلّابية وغيرها، دون وجود أيّ استفادة حقيقيّة للطلاب من وراء هذه الخدمات، الّتي لا تقل عن مبلغ مائة (100) دينار، وهو ما يساوي مائة وثلاثين (130) دولارًا أمريكيًا.

وتطالب الطّالبة الغزّاويّة وزارة التّربية والّتعليم العالي، بضرورة العمل على تعزيز الرقابة على مؤسّسات التّعليم، من كليات وجامعات، ووضع ضوابط محددة للرسوم الجامعيّة، والبرامج الدراسية المقدّمة للطلاب في ظلّ تفشي البطالة بشكل كبير.

هذا، ويقدّر عدد مؤسسات التعليم العالي في غزة بنحو ثلاثين (30) مؤسسةِ للتعليم العالي، وفق إحصائية حديثة، وتنقسم هذه المؤسّسات بين ثماني (8) جامعات تقليديّة، وتسع (9) كليات جامعية (أربع حكوميّة، واثنتان خاصّتان، وواحدة عامّة)، وعشر (10) كليات متوسّطة (واحدة حكوميّة، وواحدة عامة، وستة خاصة، واثنتان تحت إشراف وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين “أونروا”، إضافة إلى كليتي “بوليتكنك”، وأكاديميّة دراسات عليا واحدة (خاصة).

الطّالب “جهاد سالم”، لم يكن أفضل حال من سابقته، بعد أن أنهى دراسته في تخصّص المحاسبة من إحدى الكليات المتوسّطة في القطاع، دون أن يتمكن من الظفر بأي فرص عمل تحسن من وضعه المعيشي المتردي وتساهم في تحقيق أحلامه.

ويتحدّث “سالم” لـ”فريق زدني” بخصوص مؤسسات التعليم العالي في القطاع، فقد أصبحت وسيلة لكسب المال فقط، دون النظر إلى تكرار البرامج الدراسية في المؤسّسات الأخرى، أو العمل على تطويرها بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل.

ويشير إلى أن آلاف المتخرجين في القطاع أصبحوا يمثلون مجرد أرقام ضمن قوافل البطالة، التي تزداد بشكل سنوي تحت طائلة غياب التوظيف الحكومي، وبفعل الانقسام السياسي والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عشر (10) سنوات.

ويلفت انتباهنا إلى غياب الدّور الحقيقي للكليات والجامعات المحلية، في متابعة قضايا المتخرجين بعد إنهائهم لدراستهم، أو توفير برامج تدريبية تعمل على تأهيلهم بشكل مميّز للالتحاق بسوق العمل المحلي أو العربي.

ويشير “سالم” إلى ارتفاع الرسوم الدراسية للجامعات والكليات الغزّاوية، مقارنة مع الواقع المعيشي المتدني في القطاع المُحاصَر، والذي تعرض لثلاثة (3) حروب في أقل من تسع (9) سنوات، مطالبًا المؤسسات الحكومية بضرورة مراقبة عمل مؤسسات التعليم العالي.

ويؤكد على أنّ كافة البرامج الموجودة في القطاع أصبحت تقليدية للغاية، ولا تراعي حالة التقدّم العلمي والتّكنولوجيّ الموجود، ولا تساهم في وضع حدّ لمعدلات البطالة المرتفعة، والتي وصلت إلى نحو خمسين (50) في المائة غالبيتهم من الشباب.

واستنادًا للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، فإن الجامعات الفلسطينيّة في القطاع تخرّج نحو ثلاثين (30) ألف طالب جامعيّ سنويًّا، ومع ذلك فإنّ عدد العاطلين عن العمل ارتفع إلى نحو مائتين وثلاثين (230) ألف فلسطينيّ، تزامنًا مع اعتماد نحو ثمانين (80) في المائة من السكان على المساعدات الإغاثيّة.

ووفقًا لتقديرات المختصّين في القطاع، فإنّ نحو سبعين من المائة (70%) من متخرّجي الجامعات الغزّاوية في السّنوات الأخيرة، انضمّوا إلى قوافل البطالة، في حين أنّ نسبة ثلاثين من المائة (30%) فقط إمّا تحصّلوا على فرص عمل مؤقّتة في بعض الدوائر الحكوميّة، أو افتتحوا مشاريع تجاريّة خاصة خارج تخصّصاتهم الجامعيّة.

وسيلة استثمارية وغياب الرقابة:

من جهته يرى الأكاديمي “سامي عكيلة”، أنّ المؤسسات الأكاديمية تحولت إلى وسيلة استثمارية لا هم لها سوى جمع المال؛ وذلك على حساب الجودة والمخرج، وبعضها أخذ في توزيع الألقاب والشّهادات العليا على قطاع عريض من أبناء المجتمع، دون مراعاة لاستحقاقات تلك الألقاب والشهادات.

ويشدّد “عكيلة” في حديثه لـ “فريق زدني” على وجود حالة من الفوضى في التّرخيص للمؤسسات والبرامج، وكثير من تلك المؤسّسات الأكاديميّة لا تنطبق عليه معايير الترخيص التي أعلنت عنها الوزارة في لوائحها، ولا يتمّ دراسة جدواها، ومدى حاجة السوق المحلي لها.

وأوضح الأكاديمي الفلسطينيّ أن بعض المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، يستثمرون في قطاع التعليم الجامعي باعتباره قطاعًا مربحًا، نتيجة التّوجه العام لأبناء القطاع نحو التعليم، حيث ينظرون إليه على أنه الأمل الوحيد لهم ولأبنائهم.

ويضيف: “تلك المؤسّسات سبب في تفشي البطالة بين الشباب، حيث أنها تقنعهم ببرامج ليس لها أي فرص للعمل في السوق، وتسعى إلى تخريج المئات كل عام، اعتمادًا على برامج تعليمية ليس لها  أي قيمة في سوق العمل، ومع ذلك فهي مستمرة في فتحها، وضخ المتخرجين إلى السّوق، لاعتبارات ومصالح خاصّة بها”.

ويبين أن الكثير من البرامج الأخرى الأكثر فرصًا في سوق العمل، لا تحسن ـ بعض مؤسسات التعليم العالي ـ تدريب الطلبة بما يتناسب مع متطلبات تلك البرامج العملية في السوق المحلي، وتعتمد أساليب تعليمية تقليدية.

ويشير إلى أن هذه المؤسسات لا تستخدم الحد الأدنى من معايير الجودة المتعلقة بالإمكانات الفنية والعلمية، فضلاً عن عدم كفاءة بعض الأكاديميين في تلك المؤسسات لتأهيل الطلبة واعتمادهم على العمليات العقلية الدنيا والأساليب التلقينية في تعليم الطلبة.

وطالب “عكيلة” بضرورة إعادة النظر في آليات تنفيذ اللوائح الضابطة للترخيص لعمل تلك المؤسسات، وتوسيع دائرة الرقابة عليها واتباع الأساليب المستحدثة في مجال التعلم الفعال، وما وراء المعرفة، ووضع معايير الجودة الأكاديميّة في صياغة البرامج.

رقابة التّربية والتّعليم:

من جانبه يقر نائب رئيس هيئة الاعتماد والجودة في وزارة التربية والتعليم بغزّة “أحمد زعرب” بوجود عدد كبير من الجامعات والكليات في القطاع، حيث يقدر عددها بنحو ثلاثين (30) مؤسسة تقدم خدماتها لطلاب القطاع، الذي تتجاوز مساحته الجغرافية ثلاثمائة وستون (360) كيلو مترًا مربعًا.

ويقول “زعرب” لـ “فريق زدني” إنّ عمليّة الترخيص للمؤسسات الجامعية في غزة، تخضع للعديد من الشروط والمعايير التي تضعها وزارة التربية والتعليم، وهيئة الاعتماد والجودة، أمام المؤسسات والأفراد الراغبين في الحصول على ترخيص لمؤسسة جامعيّة أو كلية متوسطة.

ويضيف: “ينقسم الاعتماد في المؤسّسات الجامعيّة، إلى نوعين يتمثلان في اعتماد عام له شروط تتطلب توفير: قاعات دراسيّة، و”كافتيريا”، وملاعب رياضيّة، ومختبرات علمية، واعتماد خاص متمثل في البرامج والتخصصات الدّراسيّة”.

وينوه بسرعة تحصل كافة الجامعات والكليات على الاعتماد العام في المراحل الأولية، وتخضع لسلسلة من الزيارات والمتابعات من قبل هيئة الاعتماد والجودة، من أجل ضمان توافقها مع المعايير الموضوعة للترخيص لمؤسسات التعليم العالي في فلسطين.

ويشير “زعرب” إلى أنّ الهيئة في غزة، تتابع عمل المؤسسات الجامعية، من الناحية العامة بالإضافة إلى متابعة البرامج الدّراسيّة بشكل كامل ودائم؛ وقوفًا على مدى ملاءمتها للاحتياجات العامّة، في حين يقتصر عمل وزارة التربية والتعليم على متابعة القَبُول والتّسجيل والتحاق الطّلبة بها.

ويشدد على أن هيئة الاعتماد والجودة تحرص على القيام بجولات ميدانية وتفقدية للجامعات والكليات في القطاع، وتنظيم دورات للعاملين بها، ويجري تسجيل النقاط الإيجابية والسلبية، ورفعها لوزارة التربية والّتعليم لمتابعة هذه المؤسسات في حال وجود تقصير.

ويلفت “زعرب” النظر، إلى وجود عمليّة تقييم شاملة لكافة المؤسسات الجامعية والكليات المتوسطة، يجري من خلالها الوقوف على مستوى البرامج وأداء المؤسسة بشكل عام، وتشارك المؤسسات الجامعية في تقييم نفسها، وفق نماذج تطلبها هيئة الاعتماد والجودة، بالإضافة إلى تقييم خارجي من قبل خبراء ولجنة خارجية، للتأكد من صحّة التّقييم.

ويشدّد على أنّ التّوصيات التي يجري رفعها من قبل اللجنة، تتحوّل إلى توصيّات وقرارات ملزمة من قبل مجلس هيئة الاعتماد والجودة، كتجميد بعض التخصصات والبرامج الدراسية أو سحب الاعتماد الخاص بالتخصص أو الاعتماد العام للمؤسسة.

وعن أسباب تكرار التخصصات الجامعية في معظم الكليات والجامعات، يرجع “زعرب” ذلك إلى الحقبة الزّمنية الّتي سبقت تشكيل هيئة الاعتماد والجودة، من قبل وزارة التّربية والتّعليم، وهو ما تسبّب في تكرار غالبية التخصّصات لدى معظم الجامعات والكلّيات الغزّاوية.

وحسب المسؤول الفلسطينيّ، فإنه “منذ تسلم الهيئة، جرى رفض عشرات الاعتمادات لصالح كليات وجامعات محلية، جراء تكرارها في المؤسسات الأخرى العاملة، وطُلب منها تقديم تخصّصاتِ أخرى غير متوفرة في المؤسسات العاملة في القطاع”.

ويقرّ “زعرب” بوجود ضعف لدى الكثير من مؤسسات التعليم العالي العاملة في القطاع، بفعل التقصير والخلل في عملية الإدارة، ويجري منحها عدة فرص من قبل هيئة الاعتماد والجودة، في مدة لا تتجاوز ستة (6) أشهر لإعادة تصويب أوضاعها.

وينوه بتطبيق العديد من الإجراءات القانونية التي يجري اتخاذها بحق المؤسسات المقصرة، كمنعها من التقدم للحصول على اعتمادات برامج جامعية جديدة، وقد تصل في بعض الأحيان إلى إغلاق المؤسسة نهائيًا وسحب اعترافها العام.

وبخصوص تحول مؤسسات التربية والتعليم إلى وسيلة لكسب المال اكتفى “زعرب” بالقول: “الأمر متروك للقائمين على هذه المؤسسات، إلا أن وزارة التربية والتعليم وهيئة الجودة والاعتماد، تبذل كل جهدها لضمان تقديم أكبر قدر ممكن من الجودة”.

يوسف سامي

صحفي فلسطيني، من قرية نعليا المحتلة عام 1948، حاصل على درجة البكالوريس في الصحافة والإعلام، عملت في عدد من الصحف المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية منذ عام 2010.
زر الذهاب إلى الأعلى