رأي الوالدين

مجلس ممثلي أولياء الأمور…!

 لطالما إنتابني الفضول لمعرفة وظيفة ما يسمون ممثلي الأهالي في الصف في المدارس الألمانية Elternbeirat؟

ولكن كنت أقول لنفسي ربما لديهم مهام صغيرة تختص بالصف أو مساعدة المعلمة الأساسية في أمور بسيطة !

ولكن عندما رُشحت وأخترت قبل سنوات لأكون أحد أعضاء هذا المجلس، أدركت أهمية هذه المسؤولية ولم تكن مجالس ( طق حنك ) كما قيل ذات يوم من إحدى العربيات، وأهميته تكمن ليست بالشكل المنصبي وإنما لما له من دور  في التدخل في شؤون إدارية وتنظيمية، ولما له من نفوذ وضغط يصل حتى البلدية و وزارة الداخلية!

إنتخاب ممثلي المجلس، عملية ديمقراطية!

في أول اجتماع للأهالي عادةً في أول وفي كل أول سنة دراسية تطرح المعلمة أول الجلسة فكرة انتخاب ممثل للأهالي ونائبه وتتم الأمور ببروتوكول مكتوب من قبل كاتب الذي لا يحق له الترشح، وعادةً وليتخلص البعض من هذه المسؤولية يركض أحدهم ويستلم وظيفة الكاتب، تخرج المعلمة ومساعدتها ويتم التشاور بين الأهالي فيمن يجدونه الشخص المناسب ليمثلهم، وإذا عرض أشخاص أنفسهم مرشحين تتم عملية اقتراع رسمي وسري ويتم عد الأصوات، وأعلى عدد يكون الممثل في المجلس والمركز الثاني يكون النائب.

يتم التوقيع ومباركة الأهالي لممثليهم وتدخل المعلمة ويعلن لها الكاتب نتائج الانتخابات، فتصافح باليد أعضاء المجلس وتسلمهم دستور ينص على كل النشاطات والقوانين الخاصة بالمدرسة، ثم يقوم رئيس مجلس الآباء جميعًا والمنتخب من أعضاء مجلس الآباء من سنة خلت بعمل دعوة بالبريد الإلكتروني لعمل الاجتماع الأول لمجلس ممثلي الآباء بحضور أعضاء إدارة المدرسة، و يتم التباحث فيه عن أهم مجريات وإنجازات سنة مضت، وعرض أهم المشاكل التي تم حلها والتي مازالت عالقة.

 فمثلاً في أول حضور لي كان النقاش عن ملعب الأطفال والذي يعتبره الأهالي غير كافٍ، فقدموا عريضة لوزارة التعليم جاءت بالرفض، وكان هناك إنزعاج بالغ من رد الوزارة الذي قال “إنهم في مرحلة تجديد للمدرسة ولا يوجد ميزانية من أجل ملعب”، فلم يسكت أعضاء المجلس فتقدمت العريضة لتصل إلى الداخلية ورسائل من رئيس مجلس الأهالي مدعمة بالصور لحاجة المدرسة لتوسيع مكان لعب الأطفال ووصلت بتسجيل رسائل صوتية للأطفال تحكي أمنياتهم بملعب جميل، وفعلًا بعد شهور تمت الموافقة وأقيمت ساحة ألعاب مميزة وبألوان جذابة. كما أن ممثلي الأباء يقومون بالتنظيم والإشراف على نشاطات مميزة على مستوى الصف والمدرسة والمدينة.

على مستوى الصف

يتم عمل حفلات تعارفية للأهالي والتلاميذ والمعلمات المشرفات، كمان إنهم يقومون بترتيب قوائم بأسماء الأهالي وعناوينهم وإرسالها للأهالي، وبهذه الطريقة تكون مخاطبة الأهالي لبعضهم البعض أسهل وأيضًا للتعارف وبث الطمأنينة على صداقات أولادهم.

أما في حال وجود مشاكل بين التلاميذ أو حصل مشكلة بين طالب ومعلم يقوم الأهل بالتكلم مع ممثلهم وعرض المشكلة لتصل إلى المعلمة أو الجهات المعنية، وبهذه الطريقة أسلوب عرض المشكلة من طرف الأهل لممثلهم أسهل ويتم الوقوف على جوانب مهمة قد لا يلاحظها ولي الأمر إذا عرض مشكلته مباشرة على المعلمة أو الإدارة وبكل الأحوال يكون موقف الممثل دائمًا قوي ويستطيع أن يدعمه برئيس المجلس الذي له نفوذه القوي في المدرسة.

على مستوى المدرسة 

يقومون بطرح أفكار لتنظيم فعاليات مهمة في المدرسة أو تنظيمها إذا كانت الأمور مطروحة إداريًا، مثل حفل استقبال الصف الأول ويتم تنظيم هذا الحفل من قبل ممثلي المجلس من الألف إلى الياء ويتم العمل عليه شهور عدة، بعد استلام قوائم الأطفال المسجلين في الصف الأول وترتيبهم الصفي، يتم تحضير بطاقات الكراسي الملونة بإسمائهم، اختيار فكرة لتزيين القاعة وعادة الألمان يستوحون أفكارهم من قصص تراثية لديهم وشخصيات محببة للأطفال، ففي إحدى السنوات قام رئيس مجلس ممثلي الأهالي بلبس على شكل الفأر ووقف على رأس الساحة يُستقبل الأطفال الجدد الذين يعرفون من حملهم الكيس المخروطي التقليدي المليء بالهدايا والحلوى وهي هدية طفل الصف الأول الذي حلم بها طويلًا. ويسلم عليه هذا الفأر ويقوم بعمل حركات أو أصوات مضحكة لتخرج الطفل من حالة الإرتباك، أما باقي أعضاء المجلس يهتمون بترتيب الأهالي في المسرح وكذلك الأطفال المشاركين بعروض مسرحية وكذلك زواية الحلويات والقهوة.

ربما تتساءلون ما وظيفة المعلمات إذا كان الأهالي من يقوم بكل هذا؟

وظيفة المعلمات تتركز بالاهتمام بالأمور الدراسية والتربوية وعدم زُج أنفسهم في نشاطات قد تعطل من مسار المناهج والعملية التعليمية أي بإختصار ترك لها مساحة الإبداع في التعليم. وكذلك يقومون بتنظيم حفلات وفعاليات أخرى في المدرسة ويشاركون بالتنظيم بقوة، ومن الأمور اللطيفة أنهم يشاركون في بيع الحلويات والقهوة والنقود تضم إلى خزينة مجلس الآباء ليتم الصرف على مستحقات الإحتفالات من لوازم زينة وغيرها.

على مستوى المدينة

رئيس مجلس ممثلي أولياء الأمور يكون عضو ضمن رؤوساء مجالس الأباء لمدارس المدينة كاملة، وثقل هذا المجلس له وقعه خلال اجتماعاتهم لأنهم يتباحثون بأمور تخص المدارس على مستوى المدينة ويتم أخذ أي نداءات أو مشاكل في عين الإعتبار.

يشاركون في تنظيم الفعاليات الرياضية التي تكون تحديات مثل المدارس من مارثونات وألعاب رياضية مختلفة، وكذلك المشاركة في اعتصامات تهم العائلات. في النهاية هذا دور الأهالي المتضامن مع العملية التعليمية وعملية الاجتماعات بين ممثلي المجلس وليست مجالس ( طق حنك فارغ ) ولكن تتم فيها إتخاذ إستراتيجيات وقرارات وأمور من مصلحة التلميذ أولًا ومصلحة المدرسة، حيث يحرصون على تميز مدرستهم عن المدارس الأخرى.

من ضمن المواقف التي إتخذ فيها المجلس قرارًا ووضع في عين الإعتبار،  كان الإحتفال السنوي الصيفي في المدرسة والذي يصادف في شهر رمضان عادةً، ففي أول حضور لي في المجلس تم الإتفاق على الموعد فنظرت إلى الرزنامة وإعترضت قائلة: ( عفوًا هذا يصادف في شهر رمضان، ياليت يتم تقديم التاريخ ). 

فقال رئيس المجلس ( أها .. فعلًا معك حق ! وهناك أطفال يصومون وليس من الذوق عمل احتفال لا يستطيع الطفل المسلم المشاركة بسبب الصيام).

ردت أخرى معترضة من المجلس: ( لكن لا يمكننا تعطيل فعالية بسبب أقلية ).

فردت أخرى عليها بحزم ( وهل تقبلين أن تقام الفعالية في الكريسماس ؟ .. هذه مدرسة تضم جنسيات مختلفة وعلينا احترام ثقافات الشعوب !)

وكم كنت سعيدة عندما بدأت مراسلات بين رئيس المجلس ومدير المدرسة الذي رد فيها  برسالة إلكترونية موجهة لي مع نسخ لجميع أعضاء المجلس ( شكرًا لك سيدتي على التنبيه الذي يصلنا  و لأول مرة من سيدة مسلمة في مدرستنا ونتمنى أن تزودينا بكل الأعياد الإسلامية لنأخذها بعين الإعتبار ونقاوم بمعيادتكم ) .

من هنا يأتي اهتمام الأهل بتوطيد جسور الحوار بفعالية وأخلاق الحوار والنقد البناء بينهم وبين الإدارة والهيئة التدريسية من خلال ممثليهم في الصفوف، وإظهار روح التعاون والعطاء في أي عمل يخص المدرسة لإنها هي البيت التعليمي الثاني للطفل ولو كان هناك سيئات نحاول قدر الإمكان أن نساهم في حلها والتقليل منها وليس عمل دعايات مسيئة تقلل من شأن المدرسة التي على الأقل يبقى لها فضل في معلومة دخلت في رأس الطفل أو رسمت إبتسامة على شفتيه، فلا يوجد شخص مثالي وكامل في الحياة  وكما يقول الألمان:

( Niemand ist Perfekt )

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى