صوت الطلبةمن الجامعة

مظهر الطلاب تحت وصاية جامعات مصر.. هل حدّ من التحرش حقًا؟

بين الحين والآخر تلجأ إدارات الجامعات الحكومية في مصر إلى إصدار قرارات تتعلق بالمظهر العام للطالب الجامعي، بحيث يمنعون الطلاب ذي هيئات محددة من دخول الجامعة بشكل عام أو الحرمان من حضور الامتحانات، ويُرجعون ذلك لأسباب تتنوع ما بين الحفاظ على الأعراف والتقاليد المجتمعية والحد من الظواهر السلبية مثل ظاهرة التحرش، ودائمًا ما تلقى القرارات انقسامًا في الوسط الطلابي.

خلال الخمس سنوات الدراسية الأخيرة صدرت قرارات منع في 5 جامعات، هم: القاهرة وعين شمس وحلوان وبني سويف والأزهر، بدأت بمنع البنطلونات “الفيزون” و”الشبشب” و”الشورت” و”الزواج العرفي” في جامعتي القاهرة وعين شمس، تلاها جامعتي حلوان وبني سويف، مرورًا بمنع التدريس بـ “النقاب” في جامعة القاهرة.

وصل الأمر إلى حد منع دخول زجاجات العطور وزجاجات المياه الغازية والمبرد (مقلم الأظافر) في جامعة الأزهر، إلى أن أصدرت الجامعة نفسها في نوفمبر الماضي قرارًا بالفصل مدة أسبوع للطالب في حال القيام بحلق شعر رأسه بالطريقة التي يطلق عليها البعض “القزع” أو في حال ارتداء البناطيل الممزقة أو الأساور والسلاسل الذهبية.

لم يتوقف الأمر هنا، فقد أصدرت حوالي 3 كليات قرارات منفصلة تضمنت منع ارتداء الجلباب بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وتحذير طلاب كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية من ارتداء الملابس غير اللائقة، في إشارة إلى البنطلونات الممزقة والملابس التي تظهر مفاتن الفتيات، أو تلك التي تميز الطلاب بالشعائر الدينية مثل: الجلباب.

وفي أبريل الماضي أصدرت كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر فرع المنوفية قرارًا بمنع حلاقة الشعر بطريقة “القزع” والبناطيل الممزقة للمرة الثانية، لكن تلك المرة نص القرار على فرض عقوبة تصل إلى الحرمان من دخول الامتحان لمن لم يلتزم بتلك التوجيهات، بعد أن تضمن القرار الأول، الصادر قبل 6 أشهر عن الجامعة، فصل الطلاب المخالفين أسبوعًا من الجامعة كعقوبة أولى، والفصل النهائي في حال تكرار الأمر، وكان القرار قد حظي على دعم من وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان.

آخر تحذير صادر بشأن المظهر الطلابي – كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، فرع المنوفية

74% من الطلاب يعترضون على تدخل الجامعات في المظهر العام للطالب

قبل التطلع إلى دوافع الإدارات الجامعية لإصدار مثل تلك القرارات، أود عرض نتائج الاستبانة التي أجريتها على عينة عشوائية من الطلاب الجامعيين، من الجنسين، لمعرفة وجهات نظرهم في هذا الشأن، حيث رأى 74% منهم أن المظهر العام للطالب حرية شخصية، بينما رأى 25.9% أن للجامعة الحق في تحديد المظهر العام للطالب.

وبشكل عام رجح 36% من المشاركين في الاستبانة أن ما يدفع الجامعات إلى ذلك هو الرغبة في عدم الخروج عن النهج الفكري للمجتمع، بينما رجح 22% منهم أن تلك القرارات تنبع من اعتقاد الجامعة بأن المظهر مؤشر ومعبر عن الأخلاق، فيما رأى 7.4% أن الهدف هو الالتزام بالتعاليم الدينية، و 7.4% تنوعت آراؤهم بين كون الجامعات تلجأ إلى تلك القرارات للحد من ظاهرة التحرش، وبين من يرى أنها قرارات غير مدروسة.

التقاليد والأعراف والحد من ظاهرة التحرش وراء قرارات الجامعات

دائمًا ما تصف الجامعات الممنوعات بلفظ “منافية للأخلاق” أو “تخل بالعادات والتقاليد”، وبحسب تقرير “التقاليد والأعراف فوق الجميع” لمركز عدالة للحقوق والحريات، وهي مؤسسة مهتمة بالشأن الأكاديمي في مصر، فإن القانون الجامعي لم يُعرّف في أي من نصوصه ما المقصود بمصطلح الأعراف الجامعية المذكور في المادة (124) من قانون تنظيم الجامعات، والذي تعتمد عليه الجامعات في قراراتها.

أما عن مضمون القرار، فقد جاء فيه أنه يعتبر مخالفة تأديبية كل إخلال بالقوانين واللوائح والتقاليد الجامعية، واختصت المادة بالقول: “كل فعل يتنافى مع الشرف والكرامة، أو مخل بحسن السير والسلوك داخل الجامعة أو خارجها”، إلا أنه لم يتم إيضاح ما المقصود بلفظ “التقاليد الجامعية”.

طلاب وطالبات في إحدى الجامعات الحكومية في مصر

وبالنظر إلى تصريحات الجامعات حول القرارات الخاصة بالمظهر العام للطالب، تجد أن جامعة الأزهر ربما هي الوحيدة التي حاولت تفسير دوافعها التي جاءت وراء بعض من قراراتها، حيث أوضح الدكتور سيد سلام، عميد كلية اللغة العربية، في تصريح صحفي سابق، أن المظهر العام للطالب الأزهري هو الذي لا خلاف عليه في الشريعة والذي يبعد عن الشبهات، مشيرًا إلى أن الشرع لا يعتبر البنطلون في حد ذاته أزمة.

التقاليد والأعراف في مصر قبل الألفينات.. كيف كانت وإلى أين وصلت؟

قررتُ أن آخذ جولة في طبيعة الأحوال في مصر بشكل عام وليست داخل الجامعات فقط، رغبة في التعرف على العادات والتقاليد التي يتغنى بها بعض الناس ويذمها بعضهم، ودورها في الحفاظ على هوية الشعب ومدى تعبيرها عن أخلاق البشر.

قبل ما يقرب من 25 عامًا لم يكن الحجاب منتشرًا إلى هذا الحد، يمكنك التعرف على ذلك من خلال النظر إلى صور نساء أسرتك الفوتوغرافية قديمًا؛ ومع ذلك تجدهن يصفن تلك الفترات من حياتهن بأنها أمان عن تلك الأيام التي نعيشها، وكما ترينا السينما القديمة فأن الملابس القصيرة والمفتوحة كانت مسيطرة على المظهر العام للفتيات والنساء قديمًا.

فساتين وتنانير قصيرة.. هكذا كان زي الفتيات في قديمًا

في مصر تنتشر مقولة: “المصري متدين بطبعه”، أي أن تصرفات الشعب وأفعاله يغلب عليها التفكير الديني، ولكن هل حقًا الشعب متدين بطبعه؟ بالرجوع إلى الأديان السماوية الثلاثة نجد أن مظاهر مشتركة للإيمان مثل: الصدق والأمانة وحب الآخر وصلة الرحم وغض البصر واحترام المرأة، لم يعد لها مكان كما كان الوضع من قبل، على عكس المظهر العام للمواطن، ففي حين نرى انتشار الحجاب والملابس الفضفاضة، تشير الإحصائيات إلى حجم الجرائم والانتهاكات التي تشكل الواقع.

ألقيت نظرة على بعض الإحصائيات التي ترصد حالات التحرش والطلاق ونسب الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، لكونها مهمة من شأنها المساعدة في التوصل إلى إجابات توضح حقيقة الأوضاع في مصر، وكما ستجد في السطور التالية فإن الأرقام تخبرنا بأن هناك فجوة ما بين الواقع والكلمات المتناثرة عن مدى تدين كافة الشعب.

هل حقًا التقاليد والأعراف المتعلقة بمظهر الطالب كفيلة للحد من التحرش؟

أظهرت دراسة لهيئة الأمم المتحد للمرأة في مصر، بتاريخ أبريل 2017، أن 99.3% من النساء قد تعرضن للتحرش، ما بين لفظي وتلامس؛ وأضاف التقرير أن طلاب المدارس والجامعات يأتون في المرتبة الثانية بعد العاطلين من حيث قيامهم بالتحرش بالنساء والفتيات.

وبحسب  التقرير السنوي عام 2016 لمنظمة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش، فإن العميد ناهد صلاح رأت أن السيطرة على تفشّي ظاهرة التحرش تكمُن في تفادي النساء الحديث أو الضحك بصوت مرتفع في الأماكن العامة والانتباه إلى ملابسهن.

بينما تعتبر التصريحات التي أدلت بها ناهد عبر وسائل الإعلام بعدما عينتها وزارة الداخلية في منصب جديد لمناهضة العنف ضد النساء، من الأمور التي يُدرجها بعض الناس تحت بند التقاليد والأعراف المجتمعية، فيوجهون اللوم إلى الفتاة كأقرب رد فعل لتبرير وقائع التحرش.

السؤال هنا: هل حقًا تدخل الجامعات في المظهر العام لطلابها يحد من ظاهرة التحرش؟ وفقًا لدراسة مشتركة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة في مصر، فإن ظاهرة التحرش تزداد سوءًا عن أي وقت مضى، وأن فتيات الجامعات هن الأكثر عرضة للتحرش، يليهن العاملات، ثم ربات البيوت، والسائحات.

أخبرتني إحدى الفتيات، والتي رفضت الإشارة إلى اسمها، أنه خلال سيرها في جامعة الإسكندرية عام 2010 بصحبة صديقتها، وقف أحد الأفراد مقابلها وفتح البالطو خلسة، واستطردت الفتاة: “جالي بانيك وقعدت أصوت ولساني ملجوم وهو طلع يجري، وما عرفتش أقول لحد لأني ما شوفتش وشه، وفضلت طول اليوم جسمي يرتعش”.

بينما يسرى عبد العزيز لجأت إلى الأمن الجامعي وطلبت تفريغ الكاميرات بعدما تعرضت إلى تحرش بالتلامس (جسدي) في حرم مدينة الثقافة والعلوم قبل أشهر، وقالت إن الأمن لم يسعفها، بل لجأ أفراد الأمن إلى توجيه العديد من الأسئلة التي تصب في صالح مبدأ أنه لا بد من حدوث شيء دفع الشاب إلى القيام بذلك معها.

تقول يسرى إنها شعرت بالندم، حيث كانت تلك المرة هي الأولى التي لا تسعى فيها إلى معاقبة المتحرش بنفسها واعتمدت على وجود كاميرات مراقبة داخل الحرم، لكنها ذهبت إلى المكتب المختص بإعطاء الموافقة على فتح الكاميرات، ولم تجد أحدً حينها.

ترى إحدى الفتيات، وهي عضوة اتحاد طلاب بجامعة القاهرة وقد تعرضت إلى تحرش لفظي سابقًا من قبل فرد أمن إداري بالجامعة، أن أفراد الأمن بالجامعة هم الأكثر تحرشًا بالفتيات، وتقول: “أفتكر أن كل حالات التحرش اللي اتعرضتلها كانت من أفراد أمن.. هما دايمًا بيبصوا ببجاحة”.

طلبت الفتاة عدم ذكر اسمها تجنبًا للتعرض إلى المخاطر في عامها الدراسي الأخير، وقالت عن دور وحدة مكافحة التحرش المتواجدة في الجامعة إن هناك نقصًا في التوعية بتواجدها وبالتالي بأهدافها، خاصة وأنها ترى أن تواجدهم داخل الكليات أصبح أقل كثيرًا عن ذي قبل، في إشارة إلى بداية عمل الوِحدة، وأضافت أنها على سبيل المثال لا تعرف ما الخطوات المطلوب من الفتاة القيام بها في حال تحرش بها أحد داخل الجامعة.

وربما انتشار ظاهرة تحرش الأساتذة بالطالبات، يخبرنا الكثير عما آلت إليه القيم الأخلاقية البعيدة عن شكل ونوع الملابس، خاصة بعد أن اتخذ تعامل الضحايا منعطفًا جديدًا من خلال شن حملات على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة للضغط على الجامعة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة المتحرش، وفي معظم الحالات التي أثارت ضجة يؤكد زملاء الضحية أن إدارة الكلية أو الجامعة لم يقدما إليهم يد العون على عكس المنتظر.

بسمة رمضان

صحفية متخصصة في شؤون التعليم العالي في مصر، ومهتمة بكل ما يتعلق بالشباب العربي بشكل عام. شغوفة بكل عمل يساهم في حل مشكلة فرد أو فئة من فئات المجتمع، وهو ما وجدته في العمل الإعلامي بشكل عام. أتطلع دائمًا أن يكون عملي فعالًا وذا قيمة، ويحقق
زر الذهاب إلى الأعلى