تقاريرصحافة التعليم

معلمون مكافحون بادروا بأنفسهم ليغيروا الواقع!

ثمة مبادرات نرى فيها النور، لا يتردد أصحابها في تنفيذها بروح تتدفق بالحب والولاء؛ “زدني“ في التقرير التالي تصغي إلى معلمين تمتعوا بحس المبادرة وكان نِتاجهم من أجمل ما يكون.

غناء ومرح وتعليم

ألفت مكي معلمة رياضيات منذ ٢٥سنة في مدينة غزة، حصلت على لقب المعلم المتميز عام 2016؛ درَّست من الصف الثالث حتى التاسع على مدار سنوات عملها؛ ولاحظَتْ أن لدى الطلاب هاجس من مادة الرياضيات؛ حتى أنهم ينظرون لها على أنها “بعبع“.

تقول ألفت مكي عن تجربتها ما يلي:

ركزت في عملي على الصف الرابع؛ لأن فيه تبدأ المرحلة الصعبة؛ لم أشأ أن أكون معلمة تقليدية وباشرت في استخدام أساليب تربوية عدة من إستراتيجيات التعلم النشط ومن بينها الدمى والأناشيد والمسرحيات.

في عام ٢٠١٧ أعلنت الوزارة عن مسابقة “مبادرتي“ فتقدمت بمبادرة عنوانها (أغني لأتعلم الرياضيات) وفازت على مستوى وزارة التربية والتعليم؛ ثم ألَّفت كتاب “الأناشيد في موضوعات الرياضيات“ للمرحلة الأساسية، ونتائج التعليم بهذه الوسيلة كانت رائعة على صعيد التحصيل والسلوك، وقد ساعدني في ذلك العلاقة ذات الطابع الأسري مع الطالبات وعائلاتهم.

لاحظت في بعض الطالبات الخجل والانطواء إلى درجة أن ولي أمر إحداهن لجأ إلى المرشدة التربوية في مدرستنا يطلب منها مساعدته في علاج ابنته من الخوف؛ ويا للأسف باءت كل المحاولات بالفشل؛ فقررت أن أجرب معها أسلوب الأناشيد وبعد فترة تحسَّنت هذه الطالبة، وأصبحت جريئة ومتفاعلة ونشيطة.

وفي عام ٢٠١٨ تقدمت بمبادرة (افرح وامرح مع الرياضيات) وأنشأت جروب على فيس بوك، ولاقت المبادرة بفضل الله نجاحًا كبيرًا؛ فقد استخدمت التمثيل والألعاب الشعبية إلى جانب الأناشيد.

لم يقف نشاطي عند تدريس الرياضيات فحسب، بل اجتهدت أيضًا في مجال الصحة المدرسية كوني منسقة هذا الجانب في مدرسة التفاح؛ إذ نفَّذت أساليب مختلفة لنشر الوعي الصحي وتعديل سلوك الطلاب مثل الألعاب والأناشيد والمسابقات والمسرحيات بدلا من الندوات والمحاضرات التي سَرعان ما يملُّها الأطفال.

وكذلك قدمت مبادرة (صحتي تاج راسي) وعملت من خلالها على نشر الوعي الصحي والتغذوي وتعديل سلوك الطلاب بواسطة اللعب؛ وقد قمت بانتخاب مجلس أمهات وشكَّلت منه “مثقفات صحية“ وهذه كانت أول فكرة تُطبق في غزة، وانطلقنا نحو عقد ندوات واجتماعات داخل المدرسة وخارجها.

مبادرات إنسانية

يوسف الطلافحة معلم أردني مميز؛ نفّذ مؤخرًا مبادرة “كاسة زيت من كل بيت“ لصالح العائلات العفيفة ودُور الأيتام، وقد نالت رواجًا كبيرًا، وأخذت تُطبق في معظم مدارس المملكة حتى وصلت إلى الجامعات، وتحدث عنها بعض أئمة المساجد ولفتت أنظار وسائل الإعلام.

يقول يوسف الطلافحة:

إن التعليم رسالة سماوية ومهنة إنسانية؛ ما يميزني بفضل الله أني أتعامل مع الآخرين بتقبُّل واحترام دون النظر إلى اللون أو الجنس أو الدين.

ولتحقيق رؤيتي في إعداد جيل واعٍ متسلح بالإيمان والثقة والعلم، اندفعت بحماسة نحو تقديم أساليب تدريس متنوعة ومجرَّبة وفعالة؛ وعمدت إلى تطوير رسالتي من خلال تجاربي وتبادل الخبرات مع الآخرين محليًّا وعالميًّا وحضور الورش التعليمية والدورات والمحاضرات التربوية.

بادرت إلى التواصل مع عدد كبير من المدارس محليًا وعالميًا ونفَّذت برنامج “مشاركة الأهل“ الذي حظي بانتشار فاق الحدود؛ فقد تسنى لي كسب عدد من المتطوعين والمتطوعات للتعاون من أجل تحسين العملية التعليمية، هناك سيدات بدأن برواية قصص بشكل أسبوعي، وأخريات رسمن صورًا شخصية لطلابي من باب التحفيز، وأخريات ساهمن في إنتاج الوسائل التعليمية؛ ولم يتوانى أفراد من المجتمع المحلي والعربي عن تقديم الدعم المادي لتأمين كل ما نحتاجه من هدايا.

وعلاوة على ما سبق أطلقت عدة مبادرات إنسانية وتحفيزية من أهمها:

  –مبادرة “فرحة أم“ لتكريم الأمهات المميزات في متابعة أبنائهن، وذلك بتقديم رحلة عمرة إلى الديار المقدسة شاملة الإقامة والمواصلات والنفقات الشخصية.

–مبادرة “رمضان الخير“ لصالح العائلات العفيفة بالتعاون مع أفراد ومؤسسات المجتمع المحلي والتي من خلالها تم دفع فواتير كهرباء مستحقة، ووزَّعْنا عددًا كبيرًا من الطرود الغذائية، وأقمنا إفطارات جماعية لعدد كبير من العائلات؛ وتضمنت المبادرة توزيع مبالغ نقدية عدة مرات لتأمين احتياجات العائلات وملابس العيد.

–حتى يتعلم الطلاب قيم التكافل والتضامن الاجتماعي؛ بادرتُ إلى حث الطلاب على إحضار كأس واحد من زيت الزيتون من بيوتهم لنجمعها في أوان كبيرة، ومِن ثَم وزَّعنا الزيت على عدد من العائلات المحتاجة.

وبدوري أتقدم بكل الشكر والتقدير لكل من أسهم في إنجاح المبادرات؛ ولا أنسى في ذلك جهد إدارة مدرستي ايدون الأساسية للبنين والهيئة التدريسية.

وأمتن لجهود جميع المنظمات العالمية والعربية والمحلية والجمعيات الخيرية التي كرمتني تقديرًا لجهودي التي أبذلها مع طلابي.

ولا يفوتني أن أتقدم بفائق العرفان من جلالة الملكة رانيا العبدالله؛ فهي تسعى دائما من أجل تقدير أصحاب الإنجاز والإبداع من خلال إطلاق جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي، والتي سبق أن شرفتُ بنيلها.

مبادرات أدبية

رنا بني علي معلمة متميزة حائزة على جائزة الملكة رانيا لعام 2018، مضى على تجربتها سنوات قليلة إلا أن حبها للتعليم كان لا يوصف، حرَصت منذ السنة الأولى على البحث عن كل ما هو جديد، ووضعت نُصب عينيها رؤية وأهدافًا سعت إلى تحقيقها.

تقول رنا بني علي:

المعلم هو ثالث الأبوين ومهنة التعليم لا ينالها إلا من كان أهلا لها؛ تبلورت رؤيتي بإعداد طالبة موهوبة تمتلك المهارات المعرفية وحل المشكلات لإعدادها للحياة؛ تحب لغتها وتعتز بها؛ ولتحقيق هذه الرؤية عملت على تفعيل إستراتيجيات وأساليب عدة وتوفير بيئة تعليمية غنية، وذلك بتنفيذ مجموعة من الأنشطة المنهجية وغير المنهجية واستثمار قدرات الطالبات وتطويرها بمواكبة المستجدات وتنمية مهاراتهن في البحث والاكتشاف وتنمية والقدرات.

ومن أجل بناء طالبة أديبة وشاعرة أطلقتُ عدة مبادرات أهمها مبادرة “أقرأ“ لتشجيع الطالبات على القراءة، ولأن الكتابة روح الأدب واللغة جسده تبنت مبادرة “أقلام واعدة“ لغرس حب اللغة العربية في نفوس الطالبات.

أطلقت المسابقات الأدبية مثل مسابقة “أجمل خط“ على مستوى مدرستي الناصرة الأساسية للبنات، وأنشأت مجموعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “اقرأ وتعلم“؛ ومن ثمار مجهودنا في مجال الإبداع الأدبي حصدنا المراكز الأولى بالمسابقات الأدبية لعدة سنوات.

وانطلقت بجد نحو المشاركة في مؤتمر يقف على سبب ضعف الطلبة في اللغة العربية، ومؤتمر آخر يتناول الأخطاء الشائعة في لغة الضاد.

وفي مجال الغرفة الصفية أضع بداية كل فصل خطة تتماشى مع مستوى الطالبات وما أصبوا إليه من أهداف، وأخطط لكل موقف تعليمي، ناهيك عن إجراء اختبار مستوى للطالبات في مهارات اللغة العربية كافة، وأضع خطة علاجية مدروسة للطالبات وأخرى للموهوبات وثالثة لأدوات التكنولوجيا وبعدها أقوم باختبار مستوى لتحديد قدرات الطالبات وميولهن وأنماط التعلم وتوزيعهن في مجموعات وعلى أنشطة مختلفة وكل مجموعة تنفِّذ النشاط الذي تختاره.

وأركز على توظيف إستراتيجيات تدريس متنوعة وجاذبة كالعصف الذهني والتفكير الناقد والبحث والاستكشاف والتعلم التعاوني، وأوظف هذه الإستراتيجيات من خلال التعلم التعاوني وخلق المنافسة المحببة في كتابة موضوع الإنشاء.

وأحرص على التعليم المتمازج الذي ينمي الإبداع والتفكير لدى الطالبات وأربط الخبرات التعليمية مع الحياة العملية من خلال تطبيق بعض المواقف التعليمية، وأحرص على الاطلاع على مصادر المعرفة وتبادل الزيارات الداخلية والخارجية.

نعم أنا ما زلت معلمة جديدة إلا أنني أسعى دوما لتنمية نفسي لأكون متمكنة قادرة متميزة، واعتبر حصولي على جائزة الملكة رانيا العبدالله هي نقطة انطلاقة في تتويج مسعاي لنشر ثقافة التميز وخلق جيل ذي قريحة مستقلة وفكر واسع قادر على الإصلاح لما فيه خير الوطن؛ وإن جلالة الملكة رانيا تستحق منا كل الشكر؛ لأنها تسعى لتجذير التميز والإبداع لكونها وقفت نصيرًا ومساندًا للمعلم.

وفي هذا المقام أتذكر أحد المواقف الصفية، عن طالبة في الصف الرابع الأساسي كانت تعاني من صعوبات التعلم، ولديها ضعف في مهارات اللغة العربية؛ إلا أنها كانت تحفظ القصائد والدروس عن ظهر قلب، ولكنها لا تستطيع قراءتها إلا بعد مجهود، ومن خلال التواصل مع والدتها والخطة العلاجية والتحفيز المستمر لها ودعمها وتكثيف حصص القراءة والإملاء تحسَّنت الطالبة بشكل كبير، وهي الآن تدرس في الصف السابع، وقد أصبحت كأقرانها تجيد المهارات كافة، والحمد لله.

“صحفنّجي“ مهارات ممتعة

شذى البو لديها تسعة أعوام من العطاء المتميز في حقل التعليم؛ وكانت من أهم المبادرات اللافتة التي نفَّذتها تأسيسها للفريق الإعلامي “صحفنجي“ عام ٢٠١٧، الذي يتألَّف من ثماني طالبات من الصف السادس في مدرسة إسكان الداخلية، بهدف تعزيز الثقة بأنفسهن، وتمكينهن من فنون الكتابة الصحفية والتصوير، ورفع قدراتهن على إقامة الحوار البنَّاء.

تتحدث عن تجربتها بأسلوب صحفي متمرس:

شذى البّو آمنت وسعت.. عملت وجدَّت.. ملأت أعوامها العملية بالتعاون والتطور والإنجاز، إلى أن نالت جائزة الملكة رانيا للمعلم المتميز لعام ٢٠١٨، وحصدت المركز الثالث عن الفئة الأولى فيها.

كان التفوق حليفها في أثناء الدراسة؛ وبعد تخرُّجها من الفرع العلمي في الثانوية العامة آمنت بضرورة البناء الصحيح والجذري للمجتمع مما دفعها إلى اختيار تخصص معلم صف.

تقول البو أن المعلم تقع على عاتقه مسؤولية بناء القيم لدى الأطفال؛ لذا اختارت أن تَدرس معلم صف في كلية العلوم التربوية التابعة لوكالة الغوث الدولية.

وبعد تخرجها بتقدير ممتاز بدأت مسيرتها بتدريس الصف الأول ثم درَّست الصف الثالث لعام ونصف العام ثم عادت إلى “الأول“؛ أكثر ما شدها إلى التعليم هو أن المعلم بإمكانه أن يكون مؤثرًا، وباستطاعته تغيير العالم من المكان الذي يرتاده كل يوم.

وتضيف أن “يوميَّات“ المعلم تسودها المستجدات والمواقف وإن بدَت في ظاهرها “رويتنية“، تحفل تلك اليوميات بالمشكلات المختلفة التي يواجهها الطلبة، وتتطلب من المعلم حنكة وبراعة.

ومن أهم إيجابيات التعليم التي التمستها البو خلال ممارستها المهنة محبة الطلبة لها، وتأثُّرهم بما تقدِّمه، واستجابتهم للمحفزات بالتنافس فيما بينهم على التفوق الدراسي، وتفاعلهم مع الأفكار التي تحثهم على فعل الخير ونشره بين الناس.

ومن أبرز الإنجازات التي حققتها مشاركتها في عام ٢٠١٢ بتأليف كتاب الأنشطة ودليل المعلم لمادة الرياضيات للصف الأول الأساسي التابعَين لمبادرة القراءة والحساب للصفوف المبكرة، التي تسعى إلى رفع مستوى الطلبة في المهارات القرائية والحسابية.

وتشير البو إلى أنها عرضت المسرحيات التي شارك بها الطلبة في مهرجان الطفولة عام ٢٠١٤، واستمرت بالعمل على تنمية مهارات الطلبة الإبداعية عبر إشراكهم في مسرحيات من تأليفها، وتعاونت مع أولياء الأمور والمجتمع المحلي بما يخدم العملية التعليمية.

وتذكر أنها بَنَت مع المعلمة عبير رشيد “مجتمع تعلم“ عام ٢٠١٦، من خلال إنشاء مجموعة على فيس بوك تسمح بتبادل الخبرات، ومناقشة كل ما يخص الصفوف الثلاثة الأولى، إذ وصل عدد الأعضاء فيها إلى حوالي ٥٠ ألفًا، منهم معلمات ومعلمون وأولياء أمور ومهتمُّون.

كما ألَّفت دليل أنشطة “حصير حصيف“ عام ٢٠١٧، وعملت جاهدةً على أن تضع خبرتها العملية بين دفَّتَيه، فهو يهدف إلى توضيح بعض الأنشطة الخاصة بطلبة الصفوف الثلاثة الأولى، والارتقاء بكفاءتهم التعليمية، وتعزيز قوة شخصيتهم ورفع مستوى تحمل المسؤولية لديهم.

وتضيف البو أن مشروع “صحفنجي“ يهدف إلى إنتاج جيل واعٍ، متحمل للمسؤولية، قادر على اختيار مستقبله بناءً على احتياجاته.

وتضمن مشروعها العديد من التدريبات وقد حظي بدعم كبير من المدرسة من خلال الفعاليات اليومية التي تشرف عليها، كالإذاعات الصباحية المميزة، والمسرحيات المعبِّرة، والاحتفال بالأيام العالمية، وإجراء المقابلات في محيط المدرسة ومع أولياء الأمور، وإعداد مقاطع الفيديو الهادفة، بالإضافة إلى كتابة وتصوير الأخبار المدرسية والمحلية.

وعن الأثر الذي زرعه “صحفنجي“ في نفوس الطالبات اللاتي أصبحن في الصف السابع الآن تقول إنهنَّ تعلمنَ معنى الفريق، وما يحققه التعاون والعطاء من نجاح وحوار وتفاهم فكري بين الزملاء.

لقد أصبح بوسع هؤلاء الطالبات التحدث بالفصحى، فقد اكتسبن مهارات الإلقاء والكلام بطلاقة كالمذيعين، وتعلَّمن كتابة الخبر بشكل احترافي، وتدرَّبن على إيجاد الأخطاء في أخبار أخرى، وغيرها من المهارات الممتعة.

وتجدر الإشارة أن مستوى الطالبات الدراسي تحسَّن بعد المشاركة في المشروع، وتكشّفت لديهن ملامح الاختصاص الذي يطمحن إلى الالتحاق به في المستقبل.

هديل عطاالله

كاتبة صحفية فلسطينية مهتمة بإجراء الحوارات التي تغوص في تجارب الشخصيات المميزة. صاحبة كتاب (حوارات في الفكر والحياة)
زر الذهاب إلى الأعلى