منتدى الشرق في إسطنبول…اللقاء المُنتظر
(هذا المقال هو جزء من تغطية فريق شبكة زدني ضمن مؤتمر منتدى الشرق الذي عقد في اسطنبول مابين 16 و 20 إبريل).
حرصاً منها على مسايرة الأحداث والاحتكاك أكثر بالنماذج الناجحة في الوطن العربي، قرّرت مؤسسة زدني للتعليم المشاركة في مؤتمر منتدى الشرق بمدينة اسطنبول التركية، والذي عقد في الفترة الممتدة ما بين 16-20 إبريل 2015، حيث شارك كل عضو في ورشات من اختياره تنوعت مواضيعها بين السياسة والاقتصاد والإعلام، وضمَّ الفريق كُتّابًا يمثّلون عدة دول عربية هي الأردن، مصر، سوريا، العراق، الجزائر، تونس والمغرب، والذين وُكّلت لهم مسؤولية تغطية أحداث المؤتمر، وكذلك الاستفادة قدر الإمكان من التجارب والندوات والورشات التي عقدت على مدى يومين كاملين.
وبقصد توفير جو من الاستعداد والتهيئة النفسية قرّر الفريق الخروج في رحلة سياحية إلى أهم المناطق السياحيّة في اسطنبول، حيث كانت البداية بجامع السلطان أحمد، ويسمّى كذلك بـ “الجامع الأزرق”، وهو منطقة سياحية مميّزة; الدخول إليه للوهلة الأولى يمنحك شعوراً رهيباً يمتزج بالعظمة والخشوع، ويجعلك تبتعد ولو قليلاً عن ضوضاء المدينة ليمنحك بعض السكون.
بعد ذلك كانت الوجهة إلى آيا صوفية والذي يعتبر معلماً بيزنطياً زينته الأيادي العثمانية بزخرفاتها المتقنة، وهو بدوره يكتسي أهميّةً سيّاحيةً بالغة، ويستقطب الكثير من الزوار حول العالم، كما يوفر للسائح خدمة الدليل السياحي بكل اللغات، وما شهدناه ولاحظناه خلال هذه الزيارة هو التواجد المكثّف للرحلات المدرسية، والتي تهدف في معظمها إلى غرس تاريخ الحضارة العثمانية في نفوس الأطفال، وكذلك الاعتزاز والفخر بما تركه الأجداد العثمانيون من تراث ضخم يسحرُ العقول، المحطة الأخيرة كانت قصر توبي كابي وهو مكانٌ جميل عبارة عن متحف عريق يضم كل ما يتعلق بالحضارة العثمانية، ولا تتم السياحة في اسطنبول بدون هذه الزيارة غالباً.
وصادف تجوالنا في المدينة مهرجان زهرة التوليب العاشر، حيث غرست حوالي ثلاثين مليون زهرة أضفت على المكان رونقاً وجمالاً، وبعد الرجوع فضل الفريق تناول وجبة الغداء في مكان هادئ على مضيق البوسفور، وهو المضيق “الفاصل والواصل”، فهو يقسم إسطنبول إلى نصفين: أوروبيّ وآسيويّ، ويوصل البحر الأسود ببحر مرمرة، تخلله تبادل لمختلف الآراء والأفكار والرؤى المستقبلية حول نشاط المؤسسة.
وبعد العودة إلى الفندق كانت هناك محاضرة قيمة قدمتها السيدة نعيمة ظريف والتي تعمل في مؤسسة creative commons حيث تحدثت عن رخص المشاع الإبداعي وإمكانية استخدامها في المواقع الإعلامية، وكذلك شملت المحاضرة الأنماط الجديدة التي تعتبر كبدائل للإعلام ومعرفة الأخبار، والتي تعمل تحت تراخيص محمية بالقانون، تعتمد في مجملها على الصحافة الممولة من المجتمع، بحيث تتيح مشاركة المعلومات المتدفقة عبر الانترنت بأخلاقيات محددة ودون احتكار في الوقت عينه، ومن دون أن يتحول استخدام منتج الآخرين إلى سرقة مشروعة، وهذه هي فكرة مؤسسة المشاع الإبداعي.
وفي ختام اليوم كانت لنا جلسة مع الدكتور بشير نافع وهو مؤرخ، يدرس تاريخ الإسلام و المشرق العربي – الإسلامي نشر عشرات الدراسات الأكاديمية بالإنجليزية والعربية حول تاريخ القومية العربية والقضية الفلسطينية، وحول الإسلام المعاصر والتاريخ الفكري للإسلام، سيما تاريخ السلفية والتصوف، في عدد من الدوريات المتخصصة، والذي أفادنا بمعلومات قيمة حول تطور النظام التعليمي على مدى العصور، وبدايات ظهور المدارس، حيث تكلم عن الجذور السلفية للحركات الإصلاحية في الوطن العربي، وكيف كان العلم مرتبطاً بالدين عن طريق السؤال والجواب من قبل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ظهور ما يسمى بـ “أهل الرأي” وهي جماعة ظهرت مع بدايات الدولة العباسية، كما ذكر أن أول الكتب في مجال الأحاديث هما “الموطأ والصنعاني” واللذان صُنِفا ككتابي فقه، كما عرّج إلى الحقبة التي ولد فيها مصطلح “أهل السنة”، وسافر بنا في عصور مضت تكلم فيها عن الأصول الإسلامية لنظام التعليم والتي كانت في بداياتها مُشكّلة من الحلقات، والتي لا يوجد فيها تصنيف للصفوف التعليمية، ثم جاء من بعدهم أشخاص كرسوا حياتهم للعلم على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، ليظهر بعد ذلك نظام المُلك، حيث كان النظام التعليمي يعتمد على الوقف ولا يحدد له سنٌّ أو وقتٌ معين، وكان المتعلم يختار شيخه والزمن الذي يريده للدراسة والدرس الذي يريده، ومنه نشأت المدارس التعليمية في بغداد ونيسابور خاصة.
في البداية كانت هذه المدارس تُدرّس الفقه الشافعي فقط، ثم انتقل الأمر للأحناف والمالكية وفي عشرينيات القرن التاسع عشر قام (جوزيف لانكستر) وهو مُربٍ إنجليزي وتحت ما يسمى بالسلطة المركزية بجعل التعليم يخضع لثلاث معايير وهي التحكم والانضباط والرقابة، ثم انتهت الجلسة بمناقشة ما تم طرحه في المحاضرة والإجابة عن التساؤلات المطروحة.
ومن الجلسات القيمة أيضاً تلك الجلسة التي أدارها السيد وضاح خنفر رئيس منتدى الشرق، والذي أكّد على أن الإبداع يكمن في الاختلاف، وأنه يجب على القائد الفذ أن لا يحوِّل لحظة الانكسار إلى لحظة يأس، كما حث على تجنب الانغماس في اللحظة، فالحياة هي المقصد في النهاية وليس الموت، وشدد على ضرورة تطوير آليات تخدم التعليم مستقبلاً مع وضع أهداف قابلة للتوجيه بدل محاربتها.
مما يجدر الإشارة إليه أن المؤتمر كان فرصة رائعة للالتقاء والنقاش مع نماذج شبابية رائدةّ، فرّقتها الحدود وجمعتها اللغة المشتركة، فبحكم تعدد اللهجات كنا مجبرين على التحدث باللغة العربيةّ الفصحى، وكانت الفرصة سانحة للتعريف بالمؤسسة وشرح أهدافها ومهامها ورؤيتها المستقبلية، وكذا تبادل الأفكار والمشاريع، ولما لا التنسيق مستقبلاً من أجل النهوض بالتعليم في الوطن العربي.
منتدى الشرق – استشراف المستقبل2015