رأي الوالدين

منهجية الثواب والعقاب المثمرة في العملية التربوية

لماذا الثواب والعقاب؟

في الشهور الثماني عشرة (18) الأولى من العمر يكون بكاء الطفل وسيلته الوحيدة للتعبير. فيبكي عندما يجوع، ويبكي عندما يخاف، ويبكي عندما يحتاج إلى اهتمام أمه. لكنْ بعد ذلك العمر، يكون البكاء حيلة من الطفل يستخدمها لأغراض كثيرة، على رأسها جذب الاهتمام. والطفل الذي يبكي باستمرار يجب تعليمه وسيلة أخرى لجذب الاهتمام بدلًا من البكاء والصراخ. والطريقة ببساطة هي تجاهل بكاء الصغير حتى يسكت من تلقاء نفسه، دون أن يكون في ذلك تعريض الصغير لخطر من أي نوع. وإذا تكرر إهمال الوالدين لبكاء صغيرهما المستمر، فإن ذلك سيكون مَدْعاةً لسكوته عن البكاء، وانتهاج سبيل آخر للتعبير عن رغبته في اهتمام الآخرين به.

والصغير لا يتميز فحسب برغبته القوية في جذب الاهتمام إليه، ولكنه يتميز كذلك بقوة غريزة حب التملك. لذلك ينفجر الصغير غاضبًا في نوبة بكاء عنيفة، كلما انتهكت تلك الغريزة بصورة أو بأخرى! فمثلًا: استئثار أخ أو أخت باهتمام الوالدين سيدفع الصغير لا محالة للبكاء بعنف. وهذا التصرف الذي يوصف بأنه غِيرة من الصغير، ليس في الواقع إلا تعبيرًا عن غريزة حب التملك. ومثل ذلك يقال عن أخذ لعبة أثيرة لدى الصغير من بين يديه، إلى غير ذلك من الأسباب. هنا يأتي دور الثواب والعقاب، لتعليم الصغير كيف يكبح جماح غرائزه ويكتسب سلوكًا مهذبًا لائقًا.

منهجية الثواب

فمثلًا يجب أن يثاب الصغير عندما يقتسم حلواه المفضلة مع شقيقه أو شقيقته، أو عندما يتخلى طائعًا عن لعبته المفضلة ليلعب بها أخوه أو أخته بعض الوقت، والثواب يجب أن يكون فوريًا ومن جنس شيء يحبه الصغير ويهواه. أحيانًا يكفي أن تضم الأم صغيرها إليها وتقبله ليعرف الصغير أنه قام بعمل حميد. والثواب من شأنه أن يرسّخ السلوك المراد اكتسابه في نفس الطفل، ويقوي بواعث الصغير لمعاودة السلوك ذاته.

ومما يقال عن الثواب أن دوره أكبر بكثير في تهذيب سلوك الصغار وترويض غرائزهم من دور العقاب. ويكفي أن يثاب الصغير على كل فعل حسن يقوم به حتى تتحول أفعاله وتصرفاته كلها إلى السلوك القويم المراد اكتسابه.

منهجية العقاب

أما العقاب فيمكن أن يحل الحزم محله. وفي أحيان كثيرة يكفي تجاهل الصغير، وتجاهل الخطأ الذي ارتكبه، ليدرك الطفل من تلقاء نفسه فداحة ما أقدم عليه. أمَّا تصيد أخطاء الصغير والوقوف له بالمرصاد، ومعاقبته على كل خطأ يبدر منه، فهي سياسة خاطئة بكل تأكيد حسبما يؤكد طب الأطفال النفسي، لأنه يؤدى إلى عنادهم وإصرارهم على معاودة نفس العمل الذي عوقبوا عليه!

وعلى ذلك، فيجب أن يكون العقاب حلًا أخيرًا يلجأ إليه الآباء عند الضرورة القصوى، وأن يكون معقولًا ومقبولًا ويمكن أن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة، أما تخويف الطفل بأنه سيحبس في غرفة مظلمة بمفرده مع الفئران، أو أن أباه سوف يستدعي رجل الشرطة، أو أن أمه ستأخذه إلى الطبيب ليخزه بالإبرة، كل هذا يدخل في إطار العقاب العقيم، إذْ سرعان ما سيدرك الصغير أن كل تلك التهديدات غير جادة، وأن شيئًا منها لن يحدث! فضلًا عن أن تخويف الطفل بهذه الأشياء يخلق عنده مخاوف وحساسيات تؤثر على حياته في المستقبل. وكثير من البالغين ما زال يخاف الفئران ويخشى سطوتها بسبب تخويفه المستمر بها في طفولته الباكرة! كذلك يكره أكثر الأطفال عيادات الأطباء بسبب الخوف من وخز الإبرة!

وأقصى عقوبة توقع على الصغير هي الحرمان: الحرمان مما يحبه الصغير ويهواه، إلا أن هذه العقوبة لا يجب اللجوء إليها بين حين وآخر، ولمعاقبة الصغير على أخطاء تافهة. فالحرمان المتكرر له عواقب وخيمة على نمو الطفل النفسي والعقلي!  لذلك نعاود التنبيه إلى أن هذه العقوبة لا يجب فرضها على الصغير إلا في الحالات النادرة التي يصعب فيها تقويم سلوك الصغير بالأساليب الأخرى التي سلف بيانها، وأهمها تجاهل الصغير بعض الوقت.

ويأتي الضرب كسبب رئيسي من أسباب عناد الصغار. ومثله مثل الحرمان المتكرر، يقتل كرامة الصغير ويؤذى نفسه. لذلك فيجب عدم اللجوء إلى هذا النوع من العقاب إلا لضرورة بالغة. وفي هذه الحالة يكفي ضرب الصغير على كفّ يده مرة أو مرتين برفق. إذْ الهدف من الضرب التأديبُ وليس تكسير عظام الطفل!

تنبيه

ولكي يؤتي الثواب والعقاب ثمرته المطلوبة، فيجب ألا يعاقب الطفل على تصرف، ثم يثاب عليه في اليوم التالي، أو العكس. إذْ يجب أنْ يكون الاتجاه ثابتًا حتى لا يقع الصغير في حَيْرة، وحتى يستطيع اكتساب السلوك المُراد. بعض الآباء يصفّق لصغيره ويضمه في فرحة بالغة عندما يَسُبّ الصغير أحد أقرانه في اللعب. فإذا عاد الصغير وسب شقيقه، مثلًا، فإنه يعاقب بأشد صنوف العقاب!  وهذا تصرف لا حكمة ولا إنصاف فيه، لأنه كُوفئ مرة على سلوك ثم عوقب على نفس السلوك في مرة أخرى!

زر الذهاب إلى الأعلى