تقاريرصحافة التعليم

من القاع إلى القمة نماذج للنهضة التعليمية.. الجزء الأول (التجربة الماليزية)

التجارِب عديدة حول الدول التي استطاعت النهوض من سباتها التعليمي والوقوف في مصاف الدول المتقدمة بعد أن اهتمت بجودة تعليم أبنائها؛ فلا تقدم حقيقيًا ونهضة للشعوب دون وجود اهتمام بالعلم؛ ولا دولة استطاعت القيام من ركودها الاقتصادي وبناء قلعتها الصناعية الخاصة التي غزت بها أسواق العالم دون الالتفات إلى أهمية التعليم كطوق نجاة للوصول بها إلى بر الأمان.

ولعل من أهم هذه التجارِب هي التجربة الماليزية التي صارت من الدول التي يُشار إليها بالبنان واستطاعت تحقيق معدلات اقتصادية مرتفعة وغزت بمنتجاتها أسواق العالم وصارت تجربتها التعليمية نموذجًا يُحتذى به، فيما يلي نستعرض أهم مقومات وعوامل نجاح التجربة التعليمية الماليزية وكيف نجحت في القضاء على الأمية والوصول إلى أعلى المستويات الاقتصادية.

ماليزيا والتعليم

اعتمدت الحكومية الماليزية سياسات تطوير التعليم بصفته جزءًا لا يتجزأ من سياساتها التنموية منذ استقلالها عن الاحتلال البريطاني عام 1957؛ لذا فعبر الثلاثين عامًا السابقة شهد قطاع التعليم الماليزي عمليات تطوير ممنهجة ومستمرة أدت إلى إحداث طفرة في القطاع التعليمي وإعادة هيكلة كاملة للقطاع التعليمي.

اشتهر المجتمع الماليزي بتعدد أجناسه واختلاف فئاته وطوائفه وهذا ما كان يجد فيه المستعمر بيئة خصبة لبث الفرقة والشقاق الدائم بينهم ليصير مجتمعًا مفككًا متفرق الطبقات متسمًا بوجود تفاوتٍ ملحوظٍ في مستوى الدخول؛ حيث كانت المناصب العليا مقصورةً على الإنجليز وبقية عامة الشعب يتولون المناصب المختلفة إلى أن جاء الاستقلال ليعطي الفرصة أمام الجميع لتولي جميع المناصب محققًا بذلك العدالة الاجتماعية.

اعتمدت ماليزيا عدة نقاط ومحاور أدت إلى انخفاض نسبة الأمية بها وارتفاع أعداد الملتحقين بالمدارس والجامعات، وهو ما انعكس بدوره على مستوى خريجيها وكافة المجالات الأخرى:

– إرسال الطلاب الماليزيين إلى الجامعات الغربية والأوروبية لنقل علوم وحضارة العالم المتقدم الحديث إلى ماليزيا.

– اعتماد مبدأ إلزامية التعليم ومعاقبة من لا يرسلون أبناءهم إلى المدارس من الآباء وهو ما جعل نسبة الأمية تنخفض من 47% إلى 1%.

– العناية بالمعلم والاهتمام به علميًّا وماديًّا، والاهتمام بالطالب المتفوق بل إقامة مدارس خاصة للطلاب المتفوقين.

– تطوير كافة المؤسسات التعليمية للدولة.

– مواكبة التعليم مع متطلبات سوق العمل في التخصصات الجامعية.

– ابتكار فكرة المدرسة الذكية.

سمات المدرسة الذكية في ماليزيا

ترتكز المدارس الذكية في ماليزيا على عدة مبادئ أهمها تطوير مهارات الطلاب وفكرهم، وذلك عبر البحث عن المعلومات بوسائل التكنولوجيا الحديثة والاتصالات، وعلى توظيف الدراسات والأنشطة التعليمية المختلفة؛ كالبرمجة وتصميم الجرافيك إلى جانب إمكانية حصول أولياء الأمور على تقارير دراسية للطلبة والشهادات عبر الإنترنت.

سمات النظام التعليمي في ماليزيا

يتسم النظام التعليمي في ماليزيا بعدة سمات منها أنه يهدف إلى خلق مواطن نشيط قادر على مواجهة تحديات العصر فضلًا عن قدرته على الابتكار، كما يهدف إلى خلق مواطن متزن على المستوى العقلي والديني والروحي والعاطفي والجسدي.

كما يهدف إلى خلق مواطن قادر على تحمل المسؤولية والبناء والإنتاج وتحقيق الرخاء.

ومن أهم ما يميز النظام التعليمي في ماليزيا أنه يشجع الطالب على الابتكار والإبداع كما يعتني بالمواهب الخلاقة وينميها.

المراحل التعليمية في ماليزيا

1- رياض الأطفال: هي مرحلة تبدأ بين سن 4 – 6 سنوات وهي غير إجبارية، وليست جزءًا من التعليم الرسمي؛ ويقدم التعليم من هذا النوع من قبل المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة والمنظمات الحكومية، وتصل عدد ساعات التدريس في رياض الأطفال إلى 3 ساعات ونصف الساعة يوميًّا لمدة خمسة أيام أسبوعيًّا.

يتم تقديم تعليم في هذا السن يكون متوافقًا مع المرحلة العمرية للأطفال، ويناسب جميع فئات المجتمع المختلفة، كما تلتزم جميع دور رياض الأطفال في ماليزيا بتدريس النقاط الرئيسة التي تُقرها عليهم وزارة التعليم.

2- التعليم الابتدائي: مدة هذه المرحلة 6 سنوات، ويهدف التعليم بها إلى تنمية مهارات الطفل وتنمية إدراكه العقلي والاعتناء بجوانب نفسه البدنية والعقلية والروحية والبدنية ويهدف التعليم الابتدائي في ماليزيا إلى ما يلي:

 –  إجادة التحدث والكتابة باللغة الماليزية كونها اللغة الرسمية للبلاد.

 –  إتقان مهارة الحساب وتوظيفها.

 –  تعليم الطفل مهارات قراءة القرآن الكريم وحفظه وفهم معانيه.

 –  غرس مبادئ عقيدة الإيمان بالله وأداء العبادات الإسلامية.

 –  إتقان المهارات التقنية والعلمية.

 –  إجادة اللغة الإنجليزية.

 –  إتقان مهارة الاستماع والقراءة والكتابة.

التعليم الثانوي: وينقسم إلى مرحلتين: المرحلة الثانوية العليا، المرحلة الثانوية الدنيا.

المرحلة الثانوية الدنيا:

ينتقل الطالب إليها بعد إتمامه المرحلة الابتدائية بنجاح وتكون مدة الدراسة بها 3 سنوات، يكون تعليم هذه المرحلة عامًّا وموحدًا للجميع؛ عدد الحصص 45 حصة أسبوعيًّا ومدة الحصة 40 دقيقة؛ حيث يتم فيه تدريس الرياضيات، والعلوم، والجغرافيا، والتربية البدنية، والتربية الفنية والدين الإسلامي، والتربية الأخلاقية والصحية، واللغة المالاوية (الماليزية) والإنجليزية إضافةً إلى اللغة الصينية.

يتم تقديم بعض المهارات الحياتية في هذه الفترة، ويتم تصنيفها إلى صنفين:

–   القسم الأساسي: يتم في تعليم الحرف اليدوية، والتجارة، والتربية الأسرية.

 –  القسم الاختياري: يتم فيه تدريس مهارات يدوية مثل الاقتصاد المنزلي والزراعة.

المرحلة الثانوية العليا:

يلتحق بها الطالب عقب نجاحه في المرحلة الثانوية الدنيا ومدة الدراسة بها سنتين، ويقوم نظام التعليم بها على 3 أقسام رئيسة:

– المسار الأكاديمي: وهو ما يضم التخصصين العلمي والأدبي ويحصل الطالب في نهاية المرحلة على شهادة اختبار التعليم الماليزية.

– المسار الفني: وهو تعليم عام يركز بعض المجالات الفنية، الزراعة، التجارة كما يقدم الطالب في نهايته على شهادة اختبار التعليم الماليزية.

– المسار المهني: ويرتكز بشكلٍ رئيس على الحرف الهندسية ومجالات الزراعة والاقتصاد المنزلي، وهنا يتم تقديم دورات تدريبية مهنية لصقل المهنة المختارة مثل: صناعة الأثاث، السباكة، خدمات الراديو والتلفزيون، دورات ميكانيكية عامة، التبريد والتكييف، مهارات اللحام.

التعليم العالي في ماليزيا

هناك الجامعات الحكومية التي تمولها الحكومة الماليزية وتدعمها، وهناك الجامعات الخاصة، كما أن هناك الجامعات الأجنبية على الأرض الماليزية مثل: جامعة موناش الماليزية وجامعة نوتنجهام الماليزية.

تعتبر الجامعات الماليزية من أفضل الجامعات على مستوى العالم من حيث الجودة، وتضم ماليزيا عددًا من التخصصات مثل: الهندسة، الاقتصاد، البرمجيات، إدارة الأعمال، كما ترتفع نسبة التنافسية فيما بين الجماعات نظرًا لكثرتها، وهو ما ينعكس على مستوى جودة الدراسة فيها.

اهتمت ماليزيا بعنصر التعليم لأبنائها لسنوات طويلة وهو كونه البذرة الأساسية لنجاح أي مجتمع، ومن ثم استطاعت جني ثمار تلك التجربة التعليمية بعد عدد معين من السنوات، الأمر الذي كان كفيلًا أن يجعلها في طليعة الدول المتقدمة المصنعة والمُنتجة.

المصادر:

التجربة الماليزية.. نموذج للنهضة التعليمية

تجارب دولية.. التعليم في ماليزيا

نظام التعليم في ماليزيا

نظام التعليم فى ماليزيا .. كيف أصبحت “معجزة شرق أسيا”؟

أسماء مجدي بدوي

كاتبة تعتز بعروبتها تبحث عن ضالتها وسط الكلمات المبعثرة وتحاول تجميعها لتقديم الإفادة والمعرفة
زر الذهاب إلى الأعلى