من القاع إلى القمة نماذج للنهضة التعليمية.. الجزء الثاني (التجربة اليابانية)
نتعرف اليوم على ثاني نموذج من نماذج الدول التي استطاعت تحقيق النهضة التعليمية وهي اليابان؛ تلك الدولة التي استطاعت تحقيق التقدم الاقتصادي والحضاري بعد انطلاقها من واقع العزلة والتخلف والحروب والمدمرة التي أثقلت كاهلها حتى صارت اليابان اليوم تفتخر بانعدام نسبة الأمية فيها، وأحد أبرز الدول المتقدمة في العالم.
وفي الواقع فإن تجربة تقدم اليابان هي تجربة مثيرة تستحق الوقوف والتأمل؛ فهي أمة تحدت تاريخا، ألحق الهزيمة بها في الحرب العالمية الثانية، وقادت إرادة الشعب الياباني بلاده من مستنقع الحروب إلى طليعة دول العالم المتقدمة وذلك عبر التركيز على العلم والعمل.
فكيف تمكنت اليابان من تحقيق الرقي الحضاري والتقدم؟
هذا ما نسلط عليه الضوء في هذا المقال.
سمات نظام التعليم في اليابان
يركز نظام التعليم الياباني على أهمية العمل الجماعي وتنمية شعور الطالب بالمسؤولية تجاه بيئته من خلال مدرسته بما فيها من أصدقاء ومباني وأدوات ومعلمين، ومن ثم ينعكس ذلك على مستوى شعور الطالب بالمسؤولية تجاه مجتمعه ووطنه.
اعتمدت اليابان مناهجَ تعليمية أصبحت من المناهج التعليمية العالمية التي يقلدها من يحاول تحقيق التقدم.
– اتخذت اليابان نظامًا تعليميًا يعتمد على التفكير والفهم والتحليل وليس على الحفظ والتلقين.
– يهتم اليابانيون كثيرًا بتعليم الأخلاقيات ومبادئ الاحترام للجميع خاصة للمعلم.
– لا يوجد عمال نظافة في المدارس اليابانية؛ إذ يقوم الطلبة بتنظيف مدرستهم بأنفسهم نهاية كل يوم دراسي مما يخلق لدى الطالب شعورًا بالمسؤولية تجاه المدرسة، ويغرس بداخله حب النظافة، ويهذب نفسه.
– تعتمد اليابان سياسة ارتداء الزي المدرسي الموحد بهدف إزالة الحواجز الاجتماعية بين الطلاب؛ حيث يتم ارتداء اللبس العسكري للبنين وزي البحارة للبنات.
– ما زالت اليابان تحترم ثقافتها الخاصة وتقاليدها المعروفة منذ قرون؛ فإلى جانب المواد التقليدية التي يتم تدريسها للطلاب هناك بعض الفنون التي يتم تدريسها للطلاب كالخط الياباني الذي يتضمن غرس فرشاة الخيزران في الحبر ومن ثم الكتابة والنقش بها على ورق الأرز، وكذلك تعليم الشعر الياباني ومنه فن الهايكو الذي يعتبر أحد أشكال الشعر الياباني البسيط.
– لا يتم عمل اختبارات للطلاب حتى بلوغهم الصف الرابع أي في سن 10 سنوات، حيث يعتقد اليابانيون أن الهدف الرئيس من السنوات الثلاث الدراسية الأولى هو عدم الحكم على مستوى الطفل التعليمي وإنما تعليمه الأخلاق الحميدة مثل: كيفية التعامل مع البيئة المحيطة ومع الحيوانات، وصفات الكرم والأمانة والعدل والتعاطف مع الآخرين وسلوكيات ضبط النفس واحترام المعلم وغير ذلك من الصفات الحميدة.
– لا يتهرب الطلاب اليابانيون من الذهاب إلى المدرسة ولا يتأخرون عن موعد الحضور اليومي للمدرسة.
– يشعر الطلبة بالانتماء القوي تجاه مدارسهم فلا يشعرون أنهم ضيوف بها أو أنهم غير مرغوب فيهم؛ فهم يخلعون أحذيتهم بمجرد دخولهم إلى المدرسة وينظفوها ويلملمون أوراق الأشجار في الفناء ليشعر الطالب وكأن مدرسته هي بيته.
– يراود الطلاب اليابانيين شعورٌ بالسعادة أثناء قضائهم اليوم الدراسي وذلك بنسبة بلغت 85% منهم؛ حيث تتوفر لهم معظم وسائل الراحة خلال اليوم الدراسي مثل وجبات الطعام وفترة الراحة والأنشطة التفاعلية المثيرة.
– يتوفر لدى الطلبة اليابانيين عنصر الانضباط؛ فلا يحتاج المدرس إلى الانتظار طويلًا ريثما تستعد الطلبة، وغالبًا لا يتجاهل أيٌ منهم ما يقوله المدرس.
– للمعلم مكانة مقدسة ومرموقة جدًا لدى اليابانيين.
– يتم اعتماد عنصر المجموعات الدراسية والمسابقات فيما بينها من أجل بث روح العمل الجماعي والحماسة.
– الاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء في اليابان؛ حيث يُعتقد أن النجاح 99 % منه اجتهاد و 1% موهبة.
– ورش العمل هي من أهم السمات البارزة لنظام التعليم الياباني وبها يتعلم الطلاب معلومات إضافية عن الحصص المدرسية؛ لذا فليس غريبًا أن ترى طلبة يابانيين عائدين من تلك الورش في المساء وهي ظاهرة مألوفة هناك.
– التعليم ما قبل الابتدائي (رياض الأطفال) هو أهم مراحل التعليم بالنسبة لليابانيين؛ فهو الأساس المتين للبناء الذي سيتم تشييده طوال السنيين القادمة، وهو ليس إلزاميًا وبالرغم من ذلك فحوالي 99% من الأطفال اليابانيين يحضرون بعض أنواع التعليم في رياض الأطفال؛ حيث أثبت البحث أن الطلاب الذين تلقوا تعليم رياض الأطفال قد قدموا أداءً أفضل في سن الخامسة عشر مقارنةً بزملائهم الآخرين.
– غالبًا لا يقوم الطلبة اليابانيون بإعادة العام الدراسي في المرحلة الابتدائية أو بدايات صفوف الاعدادية والثانوية.
اقرأ أيضًا: التعليم: الركيزة الأساسية لنهضة اليابان
ملامح النظام التعليمي في اليابان
1- يكون التعليم مجانيًّا وإجباريًّا لمدة 9 سنوات الأولى، وهنا يُعتمد مبدأ تكافؤ الفرص والتربية المختلطة للجنسين.
2- يتوزع التعليم كالآتي 6-3-3 ( 6-3 إجباري) بينما التعليم الثانوي غير إجباري، ويتم مراعاة توافقه مع رغبات الطلاب وحاجات المجتمع ومتطلباته، وبالرغم من أنه غير إجباري إلا أن نسبة التسجيل به بلغت 96% على مستوى الدولة وهي نسبة مرتفعة في الواقع.
3- يكون التعليم الجامعي 4 سنوات.
4- اليوم الدراسي في اليابان في المتوسط يكون حوالي 6 ساعات وذلك بخلاف السنين الدراسية الأولى، وفي أوقات العطلة يتم إعطاء الطلاب بعض التمارين الرياضية والواجبات المنزلية وذلك لشغل أوقاتهم وتكون العطلة الصيفية حوالي 6 أسابيع بينما عطلة الشتاء والربيع حوالي أسبوعين.
اليابان وتدريس الرياضيات
قيل أن الطالب الياباني يستطيع حساب ناتج ضرب العدد 123X 321 في ثوانٍ معدودة وبالطبع دون استخدام الآلة الحاسبة، حيث يتعلمون كيفية فعل ذلك عن طريق رسم بعض الخطوط ومن ثم الحساب، حتى الأطفال دون سن الخامسة بإمكانهم فعل ذلك فالطفل الياباني لا يتعلم الأرقام والضرب من خلال الحفظ بل من خلال اللعب والمرح.
يعتمد أسلوب التعليم في اليابان على الكيف وليس الكم من حيث جودة الدروس، ولا بد وأنكم تتساءلون الآن عن كيفية تدريس حصة الرياضيات في اليابان؟
تبدأ الحصة في اليابان بتقديم التحية اليابانية المعروفة ومن ثم يقوم المدرس بكتابة مسألة ما على السبورة ويطرح سؤالًا على الطلبة قائلًا من يستطيع حل هذه المسألة؟
حينها يرفع أحد الطلاب يده ويذهب المعلم إليه ليرى ما إذا كانت إجابته صحيحة فإذا كانت صحيحة؛ نهض التلميذ ووقف أمام الطلاب ليرفع طالب آخر يده لكن هذه المرة يقوم التلميذ بدور المعلم ويذهب إلى الطالب الأخر ليرى ما إذا كانت إجابته صحيحة.
هناك اعتقاد ياباني يقول بأن الشخص لو علَّم شخصًا آخر ما تعلمه؛ فسوف يتذكر ما تعلمه بنسبة 90% وهو ما من شأنه أن يرسخ المعلومة أكثر.
تخيل معي لو أن المعلمين يقومون بالوقوف أمام السبورة للشرح كما المعتاد؛ حينها قد لا تكون جميع الآذان مصغية، وقد يحصدوا نسب انتباه أقل؛ فيما لو عمدوا إلى إشراك الطالب في توصيل المعلومة سيعطي هذا نشاطًا أكثر للطلاب ويسبغ على العملية التعليمية روحًا من الديناميكية والتفاعلية.
بعض أنواع المدارس في اليابان:
1- المدارس الثانوية المتخصصة ومدتها 5 سنوات تكون عقب المرحلة الاعدادية.
2- مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة.
3- المدارس المهنية لتعليم الحرف اليدوية والمهنية والصناعات.
4- مدارس إعداد المعلمين.
تابع أيضًا: لماذا اليابان متفوقة في التعليم؟!
تحولت اليابان من دولة إقطاعية تتلقى المساعدات، وتنهكها الحروب المُدمرة، إلى دولة حديثة اقتصادية كبرى تصدر ثقافتها وتجربتها الحضارية إلى دول العالم المختلفة، وليس غريبًا أن تنتقل إلى هذه المنزلة إذا اهتمت بتعليم أبنائها وتنشئتهم تنشئة بيئية صحيحة علميًا وأخلاقيًا؛ فقد أنشأت جيلًا مفكرًا محللًا مرتبطًا بوطنه؛ فكانت النتيجة حصولها على هذه المكانة العالمية المرموقة.
المصادر:
8 سمات مميزة للنظام التعليمي في اليابان
تعرف على أبرز محاور “تجربة اليابان“ في مجال التعليم
ماذا تعرف عن التجربة اليابانية في التعليم؟؟