تحقيقات زدني

نظام جديد لتقويم الطلاب في فِلَسطين.. بين الترحيب والإهمال

تخشى الأم الفلسطينية “دعاء الهباش من تأثر مستوى أبنائها المدرسي في المراحل الأساسية، بعد إقرار وزارة التربية والتعليم العالي في فلسطين؛ لمشروع جديد للفصول من الأول الأساسي، حتى الرابع من المرحلة ذاتها؛ يقوم على إلغاء نظام الاختبارات، وتعزيز نظام التقويم.

وترتكز فكرة المشروع الجديد، الذي أقرته الوزارة في كل من “الضفة الغربية” و”قطاع غزة”، على أساس اعتماد مسمى التقويم، القائم على تعزيز مهارات الاستماع والتفكير والكتابة والأنشطة اللامنهجية، إلى جانب الأنشطة القصيرة اليومية.

ويعاني القطاع التعليمي بـ”غزة” من أزمات حادة للغاية، لا سيما في ظل عدم انتظام رواتب المعلمين، الذين جرى تعينهم في أعقاب أحداث الانقسام الداخلي الفلسطيني عام 2007، وتلقيهم دفعات مالية لا تتجاوز 50% من رواتبهم الأساسية.

في الوقت الذي لا تتوافر فيه موازنات مالية، بفعل الواقع السياسي الذي نشأ حاليًا، وعدم الانتهاء من تسلم حكومة الوفاق الوطني لكامل مهامها بغزة، تتناسب مع تطبيق هذا النظام الجديد، الذي يتطلب توفير أنشطة لا منهجية يومية، تستلزم تصوير أوراق وطباعتها.

تجهيل للطلاب

وتقول دعاء الهباش لـ”فريق زدني”: “إن السياسة الحالية التي جرى إقرارها، من الممكن أن تؤدي لـ”تجهيل الطالب” -على حد وصفها-؛ لكون الطلاب سيتكاسلون عن الدارسة بفعل توقف الاختبارات، والاعتماد على التقويم أمام فئة المرحلة الأساسية”.

وتضيف “دعاء”: “الفئة الأولى من الأول حتى الرابع الابتدائي؛ هي مرحلة تأسيس بالنسبة لأي طالب، واعتماد هذا النظام الجديد من شأنه أن يؤثر سلبًا على جودة التعليم كونه لا يتناسب مع طبيعة الطلاب الذين اعتادوا على تقديم الاختبارات”.

وترى الأم الغَزِّيَّة أن النظام التقليدي للاختبارات يعتبر الأفضل مع الطلاب؛ لكونه يضمن استمرار الطلاب في مراجعة دروسهم، وتقويم مستواهم المدرسي أولًا بأول، بالإضافة لكون الطلاب بعد السنة الدراسية الرابعة يسيرون على نظام الاختبارات العادية.

وتبين أن التطبيق الأول للنظام الجديد من قبل وزارة التربية والتعليم؛ عليه العديد من التساؤلات، وعلامات الاستفهام؛ لكونه جاء بشكل مفاجئ، من دون مراعاة للنظام القديم التقليدي، الذي كان متبعًا -وما يزال- في المراحل الصفية المختلفة.

يحظى التعليم في الأراضي الفلسطينية عمومًا، وفي قطاع غزة خصوصًا؛ باهتمام شديد من قبل الأهالي، والقائمين على القطاع التعليمي، إذ تُعتبَر نسبة الأمية هي الأقل على الإطلاق، مقارنة مع مختلف الدول العربية، ووفقًا لبعض الإحصائيات الرسمية؛ فإنها لا تزيد عن 3%.

لا يعتبر عائقًا

أما المربية الغزية “آية أبو حسنين؛ فرأت في النظام الجديد الذي أقرته وزارة التربية والتعليم في المدارس الحكومية، والمدارس التابعة لوكالة “غوث”، وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)؛ أنه لا يشكل عائقًا أمام الطلاب؛ لكونهم يقدمون -بشكل شبه يومي- أنشطة صفية على شكل اختبارات قصيرة، يُطلَق عليها كِوِزَّات.

وتوضح آية لـ”فريق زدني”، أن:

النظام الجديد يخفف من حدّة الاختبارات وكميتها، التي يقدمها الأطفال، خصوصًا في المراحل الصفية، كالسنة الأولى والثانية، وتخفف من حدّة التعب المُلقى على كاهل ذوي الطلبة بشكل كبير.

“التقويم” يدفع للكسل

أما الأم الغزية “يمان فارق” فتقول لـ”فريق زدني”: “إن الفرق الحقيقي بالنسبة لها هو المنهج مع بناتها الثلاث، ففي حين ترى أن الكبرى متميزة، وتقوم بالمراجعة والحفظ أولًا بأول، تميل الأخرى إلى التقاعس؛ كونه لم تعد هناك اختبارات”.

وتضيف: “حالة التقاعس التي ستنعكس على الطلاب، بفعل النظام الجديد الذي أقرته وزارة التربية والتعليم، والأونروا على حد سواء، من شأنها أن تنعكس على مستوى التحصيل الكلي للطلاب، في السنوات التي تعقب تجاوزهم للمرحلة الصفية من الأول حتى الرابع”.

وتشير إلى أنه ومن واقع تجربتها مع ابنتها الصغرى؛ فإنها تميل إلى عدم الدراسة تحت ذريعة عدم وجود أي اختبارات، من شأنها أن تشكل دافعًا لها، وبسبب لجوء المعلمين للاعتماد على التقويم الصفي، وهو ما أدى لتقاعس كبير لدى الطلاب.

وتنوه إلى أن بعض المعلمات يشعرون بالراحة من وجود النظام الجديد الذي أقرته وزارة التربية والتعليم؛ لكونه يعفيهم من إعطاء الطلاب الاختبارات الشهرية والنصفية والنهائية، في الوقت الذي تلجأ بعضهن إلى إعطاء الطلاب والطالبات أوراق عمل وأنشطة صفية؛ من أجل تقويمهم.

وخلال السنوات الماضية؛ تعالت العديد من الأصوات، وقدم الكثير من المختصين في القطاع التعليمي؛ العديد من الأفكار الرامية لتطوير العملية التعليمية، بشكل يطور منها ويجعلها أكثر حداثة، مقارنة مع الأنظمة التقليدية، لاسيما في المراحل العمرية المختلفة، وتحديدًا الثانوية العامة.

انقسام المعلمين.. بين التأكيد على الفشل واحتمالية النجاح

أما آراء المعلمين تجاه البرنامج الجديد، الذي أقرته وزارة التربية والتعليم، في المدارس الحكومية ومدارس الأونروا في الأراضي الفلسطينية؛ فبعضهم رأى فيه سلاحًا ذا حدين، وآخر رآه نظامًا ومشروعًا مصيره الفشل؛ لكونه سيعزز حالة اللامبالاة لدى الطلاب.

وفي السياق تصف المعلمة “ابتهال عروق لـ”فريق زدني”، المشروع “بالفاشل بامتياز” -بالنسبة لها-؛ لكونه سيقلل من اهتمام الطلاب، وسيؤدي إلى زيادة حالة الكسل، وعدم الاهتمام من قبل الطلاب والأهل على حد سواء، بسبب تفاصيل النظام الجديد.

وتلفت المعلمة “عروق” إلى أن النظام الجديد -والذي دخل حيز التنفيذ، يعتمد على التقدير وليس الدرجات، من خلال جعل الطلاب متساوين تقريبًا في التقدير، مقارنة مع النظام القديم الذي كان يعتمد على الدرجات.

وتستطرد المعلمة بالقول: “على سبيل المثال -ووفقًا للنظام الحالي- فلدي الصف الأول الدراسي، غالبية الطلاب حصلوا على تقدير امتياز، وبالتالي فهو لا يظهر المستوى الحقيقي للطلاب، ويظلم الطلاب الأوائل، بالإضافة لكونه متعبًا وشاقًا جدًا على المعلمين”.

في حين اعتبرت المعلمة “سامية صلاح، أن نظام التقويم الجديد ممتاز؛ لكونه مستمرًا على مدار العام، ويجعل الطالب والطالبة في حالة من الاستعداد الدائم نهاية كل درس، للتعامل مع ورقة عمل، وهو ما يتيح للمعلم الوقوف على مواطن القوة والضعف لدى التلاميذ.

وتقول سامية لـ”فريق زدني”: “إن النظام الجديد الذي جرى إقراره؛ يزود المعلم بالتغذية الراجعة المستمرة عن مستوى طلابه وطالبته، عبر التقويم المتواصل لهم، إلا أن حالة سوء الفهم لدى الكثير من أولياء الأمور؛ أن ما جرى هو بمثابة إلغاء الاختبارات.”

ورأت المعلمة الفلسطينية؛ أن نظام التقويم الجديد من شأنه أن يؤدي للتخفيف عن أولياء الأمور، وأبنائهم الطلاب على حد سواء؛ لكونه سيخفف من الضغط النفسي والفكري والجسدي، الذي يتعرض له الطلاب في أوقات الاختبارات، خلال العام الدراسي.

أما المعلمة “عايدة المنسي، فسجلت العديد من الملاحظات السلبية على نظام التقويم الجديد، من ضمنها: إهمال الأهالي وتدني المستوى بشكل واضح للطلاب، وحالة الإهمال التي حلت بالطلاب، تحت ذريعة عدم وجود اختبارات مدرسية كتابية.

وتلفت “المنسي” في حديثها لـ”فريق زدني”، إلى أن النظام الجديد يتطلب توفر موازنات مالية كبيرة، في الوقت الذي تعاني فيه المدارس -بشكل كبير-؛ بسبب عدم وجود ذلك، نتيجة الواقع السياسي الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، وخصوصًا قطاع غزة.

وتتابع: “المعلمون اليوم يتحملون أعباء إضافية؛ لتوفير الوسائل ومتطلبات نظام التقويم الجديد للطلاب؛ لكونه لا تتوفر موازنات مالية كافية، وكل ما يجري من تطبيق للنظام هو من إنجاز المدرسات، اللواتي يتحملن كل هذه الأعباء”.

بين الترحيب والإهمال

أما الأخصائية الاجتماعية والمرشدة التربوية “ميرفت عباس؛ فتقول لـ”فريق زدني”: “إن النظام الجديد بالنسبة للطالب يعتبر مشجعًا للغاية له داخل الفصول الدراسية، من خلال الحضور والمشاركة الفعالة مع مدرسيه خلال الحصص الدراسية.”

وتبين “ميرفت”، أن البرنامج -على تفاعل الطلاب معه- يعتبر مرهقًا للغاية بالنسبة للمدرسين؛ لكونه يتطلب منهم البقاء على استعداد دائم كل حصة دراسية؛ من أجل تقويم الطلاب، وفقًا لمهارة معينة، وهو ما يعتبر أمرًا صعبًا للمدرسين.

وتلفت المرشدة التربوية إلى وجود حالة من التراخي، أصابت الأهل في عملية متابعة أبنائهم، منذ إقرار النظام الجديد خصوصًا لو كان الأهل غير متعلمين أو أصحاب مستوى دراسي متدني فهو سيكون صعب عليهم أن يتابعوا أبناءهم.

الوزارة تدافع عن نظامها الجديد

يقول مدير عام الإشراف والتأهيل التربوي في وزارة التربية والتعليم العالي بـ”غزة” “محمود مطر من جانبه: “إن عملية التقويم الجديدة التي تشمل الصفوف من الأول حتى الرابع الابتدائي؛ يناسبها هذه الطريقة؛ لكون المعلم الذي يتعامل معها يعتبر معلم صف واحد”.

ويوضح مطر لـ”فريق زدني” أن الفكرة ليست إلغاء الاختبارات؛ لكون هذا تعبيرًا مجحفًا بحق نظام التقويم، حيث إن ما جرى هو إلغاء الاختبارات أداة وحيدة للتقويم، خصوصًا وأن الكثير من المهارات الموجودة في المناهج الجديدة تعتمد على مهارات مختلفة من المهارات المعرفية، ومنها: مهارات أدائية.

واستطرد المسؤول الحكومي قائلًا: “على سبيل المثال هناك مهارات الاستماع أصبحت أساسية في اللغة العربية، والتي لا يمكن تقويمها من خلال الورقة والقلم، أو الاختبارات الكتابية، ووجدت أساليب أخرى”.

ويتابع: “التقويم يعتمد على أوراق العمل اليومية والأسبوعية والشهرية، وجانب آخر يعتمد على تقويم المعلم ونشاطات الطالب والمهارات الأدائية، سواء قوائم الرصد، بالإضافة إلى الحقائب التعليمية، إلى غيرها من المهارات، وبالتالي فهي عملية شمول في عملية التقويم، وليست اقتصارًا على اختبارات الورقة والقلم”.

وينوه مدير عام الإرشاد والتأهيل التربوي أنه سيكون هناك تغذية راجعة في نهاية العام لدراسة النظام، ومعرفة الكثير من النقاط والوقوف عليها، ودراسة بعض المعيقات، وكيفية تحسين جودة الأداء، وطريقة توعية الجمهور بهذا الأسلوب في التقويم.

ويوضح “مطر” أن عملية المراجعة للبرنامج ستتم مع نهاية الفصل الدراسي الثاني الجاري، وقبل بداية العام الدراسي الجديد؛ للحصول على كافة الملاحظات، ونقاط القوة والضعف، ومعالجتها بشكل أفضل، ومن الوارد أن يُعاد النظر في عملية التقويم التي جرى إقراراها.

ويضيف أنه في الصفوف من الخامس حتى الحادي عشر؛ تم تعزيز هامش التقويم، ليصبح نسبته 30% من الدرجات الكلية، و70% من الاختبارات الكتابية، حيث تم تعزيز التقويم للجانب العملي، كالتجارب والحاسوب، وغيرها من المهارات الموجودة في المنهاج الجديد.

ولم يستبعد “مطر” أن يُعاد النظر في طريقة تقويم الموضوع حاليًا، بحيث يجري إعادة النظر فيه خصوصًا، وأن البرنامج في فترة تقويم حاليًا، ومن المبكر الحديث عنها، في الوقت ذاته قد يجري تعميمه بشكل أوسع وأفضل مما هو عليه الآن.

وتعاني وزارة التربية والتعليم من أزمات مالية شديدة، رغم أجواء المصالحة الفلسطينية، وتسلم حكومة الوفاق الوطني مهامها بـ”غزة”، إذ لم يجرِ صرف أي أموال تشغيلية لصالح المديريات التعليمية والمدارس؛ تمكنها من توفير الاحتياجات الأساسية.

يعتبر القِطاع -الذي دخل الحصار الإسرائيلي عامه الثاني عشر على التوالي-، المنطقة الأكثر اكتظاظًا في العالم، من ناحية مساحة الأرض، مع عدد السكان الذين يتجاوز عددهم 2 مليون نسمة، يعيشون في مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، في حين يحظى التعليم في المراحل الأساسية -لاسيما الابتدائية والإعدادية- باهتمام كبير.

يوسف سامي

صحفي فلسطيني، من قرية نعليا المحتلة عام 1948، حاصل على درجة البكالوريس في الصحافة والإعلام، عملت في عدد من الصحف المحلية والعربية والمواقع الإلكترونية منذ عام 2010.
زر الذهاب إلى الأعلى