خواطر باحثة علمية

هل أنا المناسبة للمكان المناسب؟

في الفترة التي سبقت حصولي على خمسة طلبات وتحديد مواعيد للمقابلة لمكان تدريب في مختبرات مركز السرطان الألماني تمهيدًا لمشروع لرسالة الماجستير ، التحقت بورشة عمل صغيرة في الجامعة وهي تشمل تحضير السيرة الذاتية وفن المقابلات الشخصية . 

شدتني المدربة جدًا بطريقة عرضها وسلاسة ربطها للمعلومات والبساطة في العرض أيضًا، فالبعض يظن إنه كلما كانت السيرة الذاتية معقدة كلما كانت مقبولة وهذه مغالطة كبيرة جدًا، لإن المُستقبل ليس لديه الوقت للتحليل والتمحيص وإنما  يمر مرور الكرام عليها ويركز على نقاط معينة تهمه في الشخص المتقدم لوظيفة أو تدريب أو مقعد دكتوراة.

بدأت المدربة باربارا بأحد الطلاب وقالت له:

 – أنا الآن من يريد أن يقابلك لشاغر  مشروع ماجستير، حدثني عن نفسك؟ 

كان الطالب من الصين بدأ بالتعريف عن نفسه وأثناء كلامه كتبت المدربة  كلمة ( أنا ) وبدأت تضع بجانبها خطوط طولية تعدت ال ١٠ مرات !! من ناحيتي وجدت استعراضه لنفسه كان ممتازًا وتحدث عن مهاراته وخبراته العملية ..  وعندما انتهى إبتسمت قالت باربارا له:

– شكرًا لك على التعريف، ولكن لو كنت البروفيسور أو من يقابلك لشاغر ما سأقول لك مع هذا الكم من ( الأنا ) وبما إنك بكل هذه الخبرة والمعرفة فمكانك ليس عندي!!!

عم صمت عميق ونظرات استغراب بين الموجودين، ونحن من توقعنا أنه أجاد التعريف وطريقته ممتازة في التعبير.

نظرت إلينا وقالت موجهه كلامها لنا وهي تضع علامة خطأ كبيرة على كلمة ( أنا ) بأن تكرارها من الأخطاء القاتلة والتي تعتبر مهنيًا غير متواضعة أبدًا.. 

لن أتكلم أكثر عن ورشة العمل، ولكن سأحكي تجربتي في أول مقابلة لشاغر تدريب في إحدى مختبرات المعهد التي اخترتها بعناية. 

أولًا: مما تعلمته في ورشة العمل أن أهتم بمظهري وهندامي ليكون رسميًا غير مبالغ فيه وليس جينز أو ألوان صارخة وإلخ.

ثانيًا: أن أكون حاضرة قبل الموعد بدقائق لإن التأخير يدل على عدم الإهتمام، فقصدت الخروج مبكرًا حتي لا تحدث أمور خارجة عن سيطرتي مثل تأخر القطارات وما إلى ذلك فكل هذا لن يرحمني.

 ثالثًا: أخذت نفسًا عميقًا، قرأت في سري سورة الفاتحة وتذكرت أن أكون طبيعية قدر الإمكان غير مرتبكة وأن لا أتصنع في كلامي فكل هذه مآخذ علي إن حصلت.

 طرقت باب الغرفة التي وصلني رقمها في الإيميل، خرج البروفيسور سلم علي بإبتسامة مرحبة وقال لي: أهلًا سيدة علياء أنا هربرت، إبتسمت ورددت التحية وقلت: سعيدة بمعرفتك بروفيسور، رفع يده قائلًا لا داعي للرسميات فنحن زملاء عمل نادني هربرت وأنا سأناديكِ علياء إذا كان يروق لك ذلك …! 

صراحة تجمدت الكلمات في حلقي وأخذ عقلي يردد كلماته بدون وعي: نحن زملاء عمل !!! كيف ؟؟؟ ( مع الوقت أدركت إن معظمهم هكذا لا يحب أن نناديه بروفيسور بل بالإسم الأول لرفع الكلفة وتبسيط الأمور والشعور بالراحة في أي حديث أو في جو العمل بشكل عام وهذا ينطبق علي جميع الرتب والألقاب )

أيقظني من شرودي وقال لي:

  • قبل أن أتكلم معك سيقابلك طالب من طلابي الدكتوراة هنا وسيتحدث معك عن المختبر وعن خبراتك العملية ويأخذك بجولة في مختبراتنا وأنا سيكون لي الخطوة الأخيرة في المقابلة، أتمني لك وقتًا ممتعًا في مختبرنا وها هو أوزغار قادم . 

تقدم الطالب الذي سيقابلني وقد علمت إنه تركي الجنسية من إسمه، تركنا البروفيسور واصطحبني أوزغار للمختبر وجلسنا وهنا تذكرت ملاحظة من ملاحظات باربارا في ورشة العمل: إن قيام طالب من طلاب المجموعة البحثية بإجراء المقابلات دليل جيد على إن البروفيسور يهتم بطلابه ويعطيهم أولويات إدارية لا يحصرها فقط في نفسه وأيضًا على روح الفريق بينهم.

سألني أوزغار : 

  • الآن قولي يا علياء كيف تعرفتي على مختبرنا ولماذا قدمتي لنا؟ 

ابتسمت لإن هذا السؤال طرح علينا أيضًا في ورشة العمل والإجابة الوافية عليه دليل على إن المتقدم يعلم جيدًا ماذا يريد وهو واضح الأهداف! فرددت على الفور: 

  • أنا مهتمة جدًا بموضوع الخلايا الجذعية وقرأت كذا مقال عن دورها في علاج السرطان ومن إحدى المقالات كانت مقالة لمختبركم فزاد لدي الشغف بإن أتدرب وأضيف لخبرتي العلمية من فريقكم البحثي. 

هز أوزغار رأسه وقال: 

  • عظيم، حدثيني عن نفسك وعن خبرتك البسيطة من برنامج الماجستير بإختصار، أنا قد اطلعت على السيرة الذاتية وأحب أن أسمع منك. 

تكلمت عن نفسي من أين أتيت وماذا درست وما هي الخبرات التي تعلمتها وما إذا كانت متناسبة مع المختبر الذي تقدمت له. 

قام أوزغار وقال لي:

  • سأخذك بجولة على مختبراتنا تتعرفين فيها على الزملاء وعلى مكان العمل حتى تتضح لك الصورة على الواقع وطبعًا بإمكانك التحدث معهم ونقاشهم جميعًا ونحن هنا مجموعة من عدة جنسيات وطبعًا الأكثرية ألمان ولكن كلنا كعائلة واحدة وسعداء بالعمل سويًا. 

كم كنت سعيدة وأنا أتجول في أقسام المختبر وأوزغار يقدمني لكل من يراه على إنني قد أكون المتدربة الجديدة في مختبرهم وكلهم كانوا يبتسمون ويردون التحية ويتمنون لي التوفيق في المقابلة ويثنون على الفريق وجو العمل.

اصطحبني أوزغار ثانية إلى مكتب البروفيسور وتمنى لي التوفيق، رحب بي هربرت ثانية وقال لي: 

  • هل أعجبك مختبرنا؟  
  • كثيرًا …
  • ماذا ستضيفين إلى فريقنا العملي أذا حصلتي على الشاغر؟ 

تذكرت هذا السؤال من ورشة العمل وقلت: 

  • طبعًا خبرتي جيدة في بعض النواحي العملية في مختبركم، أستطيع أن أساهم في العمل بطريقة إيجابية وتقديم نتائج جيدة من المشروع الذي سأعمل عليه وطبعًا تطوير خبرتي العملية من خبراتكم وتقنياتكم الأخرى التي لم أتعلمها بعد.

هز رأسه مبتسمًا وقال: 

  • سيرتك الذاتية جيدة جدًا وواضحة وخصوصًا إنني أحب التنوع الحضاري في مختبري فأحببت جدًا التعرف على الأردن من خلالك، سعدت جدًا بمقابلتك لكن لن أضيق عليكِ أكثر في أسئلتي ووقتي صراحة ضيق لكن أين ترين نفسك بعد عشر سنوات من الآن؟ 

سؤال حساس جدًا وعميق وفيه يستطيع أن يرى البروفيسور مدى رؤيتي للمستقبل وإتساع الأفق ووضوح أهدافي ، هكذا قد علمتنا باربارا في ورشة العمل، فأجبت بدون تفكير طويل وبدون أن أقول أتوقع أو أتخيل أو ربما لإن كلها كلمات سلبية.

  • مديرة مجموعة بحثية في أحد معاهد الجامعة

إبتسم وقال لي: شكرًآ للمقابلة اللطيفة ومازال لدينا عدد من المقابلات سننجزها في اليومين القادمين وخلال الأسبوع القادم سأبعث لك بالنتيجة، حظًا موفقًا علياء. 

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى