خواطر باحثة علمية

هل تعلمين يا ماما؟

أسعد كثيرًا بمشاركة خبرتي في مجال دراستي في ألمانيا ولكنني أسعد أكثر عندما أشارك خبرات من أطفالي، ببساطة قد يتساءل البعض لماذا؟

ببساطة أكثر أجيب: لأن هؤلاء الأطفال هم صناع الغد القادم، هم تمامًا كالبذور التي نزرعها في الأرض، نسقيها وتدللها خيوط الشمس لتكبر وتكبر وكلما اعتنينا بهذه النبتة، خرجت براعمها إلى السطح بأمان، وهنا تشارك البيئة الخارجية في تربيتها وصقلها فإن أقحمتها بالتصحر فلن تزهر مجددًا، وإن روتها وأعطتها الحماية فإنها ستخرج شجرة قوية ترمي بذورًا أكثر، وتجعل الأرض من حولها جنات مثمرة.

منذ شهر تقريبًا بدأت طفلتي عهدًا جديدًا في حياتها وهو التمهيدي ولكن خلال شهر واحد لاحظت تطورًا ملحوظًا في تفكيرها وهنا أجزم بأهمية عمر الطفال في مرحلة قبل المدرسة، إذ إن الكثيرين قالوا لنا إن بإمكانها الدخول إلى المدرسة ولكن أنا ووالدها قررنا قرارًا جازمًا لا مدرسة قبل أن تتم السادسة من عمرها، لا نريد أن نخطف سنة من طفولتها البريئة ونحملها أعباء الدراسة والواجبات المدرسية والالتزام في دوام والجلوس في حصص، بل أردنا أن تكون هذه السنة التمهيدية في الروضة هي المرحلة التي ستبني فيها ابنتي حلمها بالدخول إلى المدرسة، أن تقرر هي أن تدخلها من أوسع أبوابها لا أن نزج بها إلى ذلك العالم لنرضي غرورنا أمام الناس أن ابنتنا دخلت المدرسة وعمرها خمس سنوات.

ولا بد أن أذكر أن لي تجارب سابقة مع نفس الروضة،  إلا إن الروضة بإدارتها وهيكلتها الجديدة تفاجأني ببرنامجها الممنهج في بناء الطفل وصناعة عالم صغير باللعب، الروضة هنا عالم من العلوم المفتوحة ولكن بلا دفاتر وكتب ولا حصص ، بل بالرسم واللعب والحكايات والموسيقى والرحلات الخارجية غير المكلفة، والتي تكون عادة في المنطقة المحيطة للروضة وفيها  فضاء مفتوح للملاحظة والأسئلة إلى ما لا نهاية، تقابلها إجابات من المربيات بكل صدر رحب وأمانة في المعلومة.

وبما أننا الآن في بداية الخريف، أذهلتني ابنتي الصغيرة بقولها: هل تعلمين يا ماما لماذا تسقط الأوراق على الأرض؟ قامت بتفسير الآلية بطريقة بسيطة جدًا جعلتني أتذكر أنني تعلمت ذلك ربما في الصف الرابع أو الخامس الابتدائي ولكن تلقينًا وحفظًا، لدرجة أنني لم أكن متأكدة تمامًا من دقة معلومتها إلى أن رجعت إلى جوجل وتفاجأت أنها صحيحة مئة بالمئة!

لم يكن هذا السؤال الوحيد، بل لاحظت الكثير من المعلومات الجديدة البسيطة خصوصًا خلال تمشينا أو جلوسنا على مائدة الطعام تبدأ بطرح الأسئلة علينا؟ هل تعلمون لماذا…؟

طبعا نتظاهر دومًا بعدم المعرفة لتقوم هي بالجواب، ونكتشف ماذا تخبأ في رأسها من معلومات علمية دقيقة ومبسطة.

مثل:  هل تعلم لماذا لا تتكهرب الطيور عندما تقف على الأسلاك الكهربائية في الشارع؟ هل تعلم لماذا لا يظهر القمر أحيانًا في السماء؟ هل تعلم أن الشمس تذهب لتشرق في مكان آخر؟ هل تعلم وهل تعلم …

أترك الإجابات لكم ولكن أنا بدوري أسألكم: هل تعلمون لماذا نحتاج إلى تعليم يجعل الأطفال ينطقون معلومات العلوم بكل شجاعة وثقة بدلًا من أن من ترديدها كالببغاء بدون فهم؟!

متى سنصل إلى تعليم تمهيدي أو روضة لا تُقيّم بعدد الكتب ووزنها ولغتها؟ تفاجأت من صديقة لي في بلد عربي تعرض لي كتب ابنتها بعمر ٤ سنوات، ما ذنب هذه الطفلة لتحمل هذا الكم من الكتب أو تجلس وتحل الواجبات لمدة ثلاث ساعات! وإن لم تستطع أن تنهي واجباتها فلن تكون نجمة الصف!

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى