اقتباساتثورة طالبمن الجامعة

هل .. لديك قصور فكري يا هذا ؟

تقول الحكمة الشائعة في الوسط التعليمي، والتي تربت آذاننا عليها من طرف المدرسين وآباؤنا خلال جميع فترات الخضوع الفكري الدراسية من مرحلة التعليم الابتدائي حتى التعليم الجامعي: “قم للمعلم ووفه التبجيل كاد المعلم أن يكون رسولا”،  من الجيد أن يتحلى الطالب منا ببعض الأخلاق المتعلم، و لكن متى يتحلى الكثير من أساتذة ببعض الأخلاق و الوعي التربوي؟

إن رسالة التعليم لا تعني التحقير والإستغباء الممنهج فيكفينا كوارث مناهجنا الدراسية التي قهرتنا كطلاب علم تحت رحمتها حيث يكفي أن تتلقى و لا تحاول أن تفكر عكس التيار وإن حدث وفعلت فاعلم أنه قد أصابك قصور فكري؟، كلنا نحقد على استدمار حين حاول تجهيل شعوبنا،  ولكن هل يحق لنا أن نحقد على كثير من ولاة نعمتنا فكرياً من الأساتذة أيضاً؟، مؤخراً لم أعد أحمل نفسي عناء الحقد، فكري فطيلة هذه الفترة من الإستدمار وجدت نفسي سأضيع بين العقد النفسية المحيطة بي، قد أصابني قصور فكري حسب تشخيص أستاذة لها كل احترام لأنها أعانتني على تصحيح أفكاري، هذه الأخيرة يبدو أنها لا تفقه في مناهج تدريس أدنى معلومات قد تساعدها في صياغة جمل النقد لطالب ما، قد يكون الشيء الوحيد الذي استفدته من تشخيصها، الذي أقل ما يمكن قوله كبداية أنه كان مدمراً لي داخلياً، فالصدمة التي تركها انطباع أنه لدي عجز سيرافقني مدى الحياة وحدها قهرتني، ربما كنت مغروراً فكرياً آنذاك و لكنه جعلني أبحث بالفعل عن أشياء أقوم بها لتعويض هذا القصور، لأجد نفسي أخوض في فكرة كيفية السعي إلى النمو الفكري و تحسين الذات التي خاضها عدد مقدر من المفكرين الغربيين حسب بحث بسيط قمت به، (كبرتراند راسل) والمفكر الذي غالباً ما أثر في مسار أفكاري نعوم تشومسكي و بعض مفكري اليوم مثل سير روبنسون، ولكن فكرة تم تبسيطها من طرف الكاتب الأمريكي جيمس مانقان في كتاب تحت عنوان: “انك قادر على فعل أي شيء”، هذا الأخير الذي يعتبر شخصاً غريب الأطوار إذ كان يدعي أنه يمتلك دولة في الفضاء الخارجي،  هو كاتب غزير الإنتاج رغما كل الادعاءات حاول هذا الأخير تلخيص 14 مرحلة يرى أنها تساعد علي اكتساب المعرفة تتراوح تلك الطرق ما بين الاعتبار بتجارب الآخرين وأهمية التفكير النقدي إلى فوائد التدوين وفن الاستماع والملاحظة. وقد يقول قائل إن ما أورده جيمس مانقان لا يستند إلى أساس علمي. وهذا لا ينافي الواقع، إذ يُعبر كتابه عن أراء شخصية قد نتفق أو نختلف معها إلا أن ذلك لا يعني أنها ليست ذات قيمة، خاصة إذا نظرنا إلى السياق التاريخي الذي كتبت فيه في وقت لم توجد فيه الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل الحواسيب والإنترنت والهواتف الذكية. وليس لدي شك أن القارئ لكتابته سيجد فيها ما يُفيد.

وجاءت نصائحه كتالي على كل من يشعر بأعراض القصور الفكري الانطلاق من هذه نقاط البسيطة، أولها أن تبدأ في المران على ما تريد تعلمه: وهي الأشياء التي تعرف إنك تستطيع فعلها، لأنك فعلتها مراراً وتكراراً حتى صارت طبيعة ثانية بالنسبة لك.

إن أي شخص طبيعي يعرف كيف يمشي ويتحدث، إلا أنه لم يكن ليكتسب هذه المعرفة أبداً دون مران. فالطفل لا يستطيع فعل الأشياء التي يراها البالغون سهلة إن لم يجرب فعلها أولاً مراراً وتكراراً، ييأس معظم الناس بعد المحاولة الأولى أو الثانية. ولكن الشخص الذي ينوي المعرفة والذي يصبح متعلماً هو الشخص الذي لا ييأس حتي يصل إلى مبتغاه هذا ما فعلته و لا زالت أداوم على فعله، ربما أحيان أجد ضغط من جهة كي لا أقوم بالأشياء التي أحببتها فغالباً ما كنت أقاوم نفسي أولاً وجميع الأشياء التي تحاول إرجاعي إلى نمطية الواقع، كخطوة ثانية نحو نمو المعرفي مبدأ “أسأل تعرف”: يصل الطفل الطبيعي إلى “سن التساؤل” في عمر الثالثة أو الرابعة، ويبدأ في إلقاء الأسئلة بإلحاح شديد، أين ومتى وكيف ولماذا؟ إلا أن الإجابة غالباً ما تأتيه على شاكلة.. ردود تمنعه من فعل ذلك …! أو لا تكن مزعجاً! أو لماذا لا تجلس بهدوء؟! إن هذا الرفض الذي يقابل أول أسئلتنا الطفولية البريئة الصادقة هو ما يقمع رغبتنا في إلقاء الأسئلة لاحقاً، فنكبر لنصبح رجالاً ونساءً وما زالت بداخلنا تلك الرغبة التواقة إلى المعرفة، إلا أننا نخشى ونستحي من السؤال لنحصل عليه، عن نفسي قد أعتبر هذه الخطوة هي البداية التي حاربت فيها ذلك الخوف، وأصبحت أبحث عن الإجابة فأحيان كثيرة كنت على علم كامل بالإجابة إلا أنني لكي أتخلص من المرعبات التي بداخلي أسأل مرار وتكرار، فقط لأن يرغب العلماء دائماً في نقل معارفهم إلى أي شخص يسأل برغبة صادقة.

إن إلقاء الأسئلة لا يجعل السائل يبدو غبياً أو ساذجاً، بل يجلب إلقاء الأسئلة باحترام الشخص المسؤول وتدفعه عملية الإجابة إلى التقرب للسائل بحيث يكون راغباً لمشاركته أي معرفة لديه في المستقبل، لذلك تواضع عندما تلقي الأسئلة، اعترف أنك لا تعرف فلا شيء سيء في ذلك؟ كلنا يدرك أنه لا يوجد إنسان يعرف كل شيء. إلقاء الأسئلة يجعل الآخر يعرف إنك أمين وصادق فيما يخص المعرفة . ولكي نقفز إلى درجات من اكتساب معرفي يجب أن نسأل أنفسنا سؤال إجابتنا عليه بداية مرحلة جد وهو حل حق نرغب في التعلم؟، لن تتعلم الكثير إذا لم تكن ترغب فعلاً في التعلم، هنالك ملايين الأشخاص تمنوا لو أنهم كانوا كذا وكذا! أو قالوا: يا ليت كنت أستطيع فعل ذلك! أو قالوا: لكم تمنيت لو أنني نلت قسطاً وافراً من التعليم! ولكنهم لم يكونوا يعنون ما يقولون فعلاً.. لقد كانت تلك مجرد أماني، إن الرغبة هي أساس أي تعلم، والطريقة الوحيدة لتصعد سُلم المعرفة هي أن ترغب في التعلُم، ومن لا يرغب في التعلم فهو إما أخرق أو متكبر، بعدها وجب عليك اكتشاف مكنونات المعرفة لديك: قد يُفاجئك أن تسمع أنك تعلم الكثير بالفعل! لأنك لم تكن لتعيش كل هذا الوقت لو لم تكن تمتلك المعرفة. إلا أن معارف الشخص غير المتعلم تكون في شكل لا يمكن استخدامه. تكون معرفته مدفونة في دواخله وليست في طرف لسانه. ولأنها لا يراها يظن أنها غير موجودة.

إن المعرفة تصبح معرفةً عندما تأخذ شكلاً أو عندما تستطيع أن تصغها في كلمات أو تختصرها في مبدأ، فأذهب ونقِب في منجمك الخاص لتستخرج هذه المعرفة الخام وتُنقيها، قلب الأمور على جميع الاوجه نحن عندما نتفحص أو نختبر شيئاً جديداً نقوم في الواقع بتقليبه على جميع وجوهه وننظر إليه من زوايا مختلفة لنعرف كل جوانبه. يتوقف ذوو الأفق الضيق في نقطة واحدة، بينما يبحث ذوو الأفق الواسع عن معرفة ما خفي من جوانب الشيء، فلا تغلق نافذة وعيك لتري الجانب الأعظم من الأشياء، ولا تخشى أن يؤدي تغيير فكرة مسبقة في ذهنك إلى إيذائك، اجعل عقلك مفتوحاً وحراً.. وأوزن كل أمرك.. فإن تقليب الأمور على جميع الوجوه يأخذ وقتاً قصيراً ويمنح معرفةً ستظل طويلة، ازرع بذور التعلم اليوم لتحصد ثمار المعرفة غداً. لا تنغلق في الماضي ولا تقل إن كل ما يستحق المعرفة قد أدركه الناس بالفعل، أحترم الماضي وخذ ما يقدمه لك، ولكن لا تعش فيه و تأكد من مدى صلاة معرفتك وجب تجريبها و دفع بها خارج الإطار الذي وضعت فيه، جرب لتتعلم! جرب شيئاً جديداً وانظر ماذا سيجري، إن المستكشفين الذين عبروا المحيطات والعلماء الذين استنبطوا الدواء والمخترعين الذين اكتشفوا الكهرباء كلهم كانوا يُجرون تجارب قادتهم إلى النجاح وإلى فائدة البشرية، ومعظم التجارب العظيمة عادة ما تكون ذاتية.. فالفرد الساعي إلى المعرفة يجرب الأشياء الجديدة على نفسه فقط.. فإن فشل لم يضر إلا نفسه، وإن نجح نفع الناس جميعاً، أجري التجارب في وقتك الخاص وبمالك الخاص وبمجهودك الخاص، وتلك هي الأمانة العلمية أما التجارب الرخيصة فهي ما يُجري ليلعب بمصائر الناس وأجسادهم وكأنهم فئران تجارب، علم غيرك إذا كنت تمتلك معرفة صحيحة وموثوقة، علم أطفالك وأصدقائك ومن حولك ستجد انك تكتسب معارف جديدة أثناء تعليمك لغيرك أكثر مما يتعلم أفضل تلامذتك، إن المعرفة نسبية، ونحن نمتلكها بدرجات متفاوتة، أنت مثلاً تعرف أكثر مما يعرف الطفل الصغير عن القراءة و الكتابة والرياضيات، ولكن علِم ذلك الطفل في كل سانحة وحاول نقل كل ما تعرف إليه وستجد أن هذا يزيد من معارفك أيضاً هنا أستحضر حكمة مؤرخ الإغريقي هيرودوت: “أكثر الأشياء إيلاماً للإنسان أن تتوفر له المعرفة وتنقصه القوة”، قد نظن للوهلة الأولى أنه يقصد بالقوة السلطة، ممكن أيضاً أن القوة هنا تكمن في القدرة على الحفاظ على تلك المعرفة وترسيخها هنا سنخوض مرحلة التميز المعرفي لذلك إقرأ فقد عرِف الإنسان منذ قديم الزمان أن أفضل طريقة للتعلم هي القراءة، ولكن القراءة تعطيك رأي الكاتب الخاص وأفضل طريقة للتعلم من القراءة هي أن تقرأ بالطريقة الصحيحة ليس المهم ما تقرأه، ولكن المهم هو كيف تقرأ؟ إذا عرفت كيف تقرأ ستجد عوالماً من المعرفة حتى في الصحف والمجلات واللافتات الإعلانية.

سر القراءة الصحيحة هو القراءة الناقدة، المادة التي تقرأها كتبها شخص ما، وهذا النص المكتوب هو تعبير ما يدور في عقله ويجيش في صدره، تخيل أنك تقف أمام الكاتب وجهاً لوجه مستمعاً له بدلاً من أن تكون قارئاً، وستجد انك أكثر انتقاداً لما يكتب من القارئ العادي، عبر الاستماع قد نستطيع الحكم على شخصية المرء وصدقه وإمكانياته، أما عندما نقرأ فنحن نسقط كل الاعتبارات ونقبل كلام الكاتب جملةً واحدة، وكأن “طباعة” كلامه جعلت منه حقيقة ثابتة. لا تصدق شيئاً حتى تفهمه وتجد من الدلائل ما يؤكد صحته بوضوح، لختام وإيجاز كمرحلة وجب على جيلنا ولوج إليها هي نعمة الكتابة، وهذا ما قد ينمي فكرك ويرسخه فإن كنت تكتب لتشرح شيئاً فأنت إنما تشرحه لنفسك. وإن كنت تكتب لتُلهِم غير فأنت تُلهِم نفسك أولاً. وإن كنت تكتب لتدون شيئاً وتحفظه على الورق فإنما تدونه وتحفظه في ذاكرتك. وستجد أنك لا تحتاج إلى النظر فيما كتبته لأنك حفظته عن ظهر قلب، إن من يمتلكون ذاكرة قوية هم أولئك الذين يدونون أفكارهم. إنهم لا يكتبون ليتذكروا، بل ليتعلموا، ولأنهم يتعلمون فعلاً بالكتابة فهم نادراً ما يحتاجون إلى الرجوع إلى مفكراتهم، أنظر كيف يختلفون عن غيرهم ممن يتكاسلون أو يتكبرون عن التدوين معتمدين في كل شيء على ذاكرتهم مما يجعلهم يمتلكون القليل من المعارف الحقيقية وينسون بسهولة، لذا أُكتب! فإن الكتابة هي صك المعرفة المعتمد.

آكسل منصوري

مهندس معماري شاب و ناشط ثقافي و إجتماعي ، بدأ نشاط كمدون مع الجزيرة توك ، مهتم بالتعليم و مشاكله المنهجية ،يشغل حاليا مسؤول عن برامج مشروع ناشئ MAXIme ماكسيم للتعليم إلكتروني كأول منصة _ MOOC تعلمية في الجزائر ، ناشط في مجال حقوق الفنية و الثقافية في إفريقيا مع ARTWATCH africa ضمن برنامج Arterial Network Algeria ، هو شاب يعشق الفن بكل أساليبه يعتبره لغة حوار الخالدة أما الثقافة هي النهر الرافد لهاته اللغة الإنسانية ، يعتبر إهتمامه بالتعليم أمرا وراثيا كون والده هو إطار سابق في مديرية التربية و التعليم . شعاره في الحياة : " ربمابمنظور الناس تكون إنسان ضائع و لكن يكفيك ان تكون في منظور الله انسان رائع ،لذلك أنثر بذور نضالك حتى تلامس عمق المجتمع ، فهناك فقط ستنمو على شفاه العاشقين للحرية . "
زر الذهاب إلى الأعلى