صوت المعلم

واقع المناهج في سوريا

لا أود الخوض في معنى المنهج والمقصود به لغويا وتربويا، ولا في فلسفة المنهج، وسياسة المنهج العامة والخاصة، ولا فيمن المسؤول عن وضعه وعن تنفيذه. فهذه أمور يمكن أن تقال في الحديث عن منهج يحترم نفسه. أما منهج سوريا قبل الثورة، فهو لا يستحق كلمة تربوية، لأن المسؤولين عنه ثلة من هدامي المناهج والأمم.

أولا:

مظهر المنهج :  

  1. منذ انقلاب البعث في آذار 1963 لم نعد نرى عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) في رأس صفحة المقدمة، ولا عبارة (والله ولي التوفيق) أو (والله من وراء القصد) في نهايتها…ولا المشيئة وعبارة (إن شاء الله) في أي مكان من أي كتاب
  • المناهج قديمة مهترئة لا تعديل فيها ولا تجديد يذكر…ولا تسلسلية واضحة في الانتقال من مستوى تعليمي إلى آخر، ولا تحقق أي هدف من أهدافها، ولا تخرج أي مختص حقيقي قادر على تنفيذ عملي لأية نظرية مهما كانت بسيطة، فمهندس الكهرباء مثلا لا يستطيع تمديد الكهرباء في غرفة نومه.
  • الكتب سيئة الورق، سيئة الإخراج، سيئة الخط، سيئة الصور والنماذج المصورة، تتعب العيون، ولا يجد الطالب في الصور شيئا يشبه ما سيقت لأجله.

ثانيا:

التأليف:

  1. المؤلفون ليسوا هم المؤلفين الحقيقيين للكتب، وليسوا من واضعي المناهج، ولا يعلمون عنها شيئا…فالمؤلفون هم الموجهون الاختصاصيون، والموجهون هم مدرسون مخفقون غالبا، يتم انتدابهم للتوجيه لأسباب حزبية…إذ يجب أن يكون أحدهم بعثيا عاملا. وحين تكلف وزارة التربية كل واحد منهم بتأليف بضعة دروس، ينتقى كل منهم أفضل مدرس لديه ويكلفه بتأليفها له أو عنه بحكم الصداقة والزمالة، ويتم التأليف في أحسن الأحوال أكاديميا، دون علاقة بالأمور التربوية من فلسفة المنهج وأهدافه. ثم حين يجتمعون لمناقشة ما (ألفوه) فهم يشوهون بحجة (التعديل) كثيرا مما كتب، فتخرج الكتب مشوهة في مادتها العلمية، فوق خلوها من أية أهداف منهجية واضحة.
  • وهؤلاء المؤلفون (الناجحون أو المخفقون) هم اختصاصيون بموادهم، ولكنهم ليسوا مختصين لا بالتربية ولا بالمناهج ولا بالتأليف…ولذلك تأتي مؤلفاتهم شديدة الخلط والاختلاط…ولو رأى أحد مسودات البحوث التي كتبها الموجهون أنفسهم بأقلامهم، وليس ما كتبه عنهم المدرسون، كما رأيتها لرأى العجب العجاب، بل لرأى مصداق قوله صلى الله عليه وسلم (اتخذ الناس رؤوسا جهالا) وهذا مثال في النحو
  • جاء في مسودة أحد أبحاث النحو العربي التي طلب إلي (أخوياً) تدقيقها قبل طباعتها ما يلي: (قال الله تعالى : حتى يرثَ اللهُ الأرض ومن عليها) فقلت (للمؤلف) لا توجد آية قرآنية بهذا اللفظ، والآية تقول (إنا نحن نرثُ الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) وهذه الآية ليس في موضع الشاهد منها كلمة (حتى) كما هو مطلوب، وبما أن كلمة (نرثُ)  في الآية مرفوعة فقد صححوا الشاهد من عند أنفسهم، فجاء في الكتاب بعد تصحيحهم كما يلي: (قال تعالى: حتى يرثُ الله الأرض ومن عليها) ولا أدري كيف استقام لهم هذا؟ ولعلهم يتعمدون الخطأ عمد.
  • لم يستطع المؤلفون؛ لعدم اختصاصهم؛ قياس التناسب بين المادة العلمية والمستوى العمري أو العلمي للطلاب، من جهة، ولا بين المادة التعليمية والزمن المقرر لكل جزء منها، من جهة ثانية. فقد نجد في مناهج الصف الأول الإعدادي مثلا، مواد مستواها دون الصف الرابع الابتدائي ومواد مستواها فوق الصف الثالث الإعدادي، بحجة مراعاة (الفروق الفردية) أي اختلاف المستويات التعليمية. ومنها مواد خصص لها 45 دقيقة ويكفيها 20 دقيقة، ومواد تحتاج إلى 90 دقيقة وليس لذلك من سبب…
  • المدرسون في الميدان هم أدرى وأعرف وأعلم بحقيقة مراعاة المناهج للمستوى أو الزمن…ومع ذلك فلا فائدة من تقديم المدرسين في الميدان أية ملاحظات على المناهج، لتصحيح ما فيها من أخطاء؛ لأن الملاحظات ستمر عبر الموجهين أنفسهم، وهؤلاء سيقومون بإتلافها ولا يصححون منها شيئا ، حتى لا تفضح نقائصهم. هذا إذا كانوا يقومون بزيارات منتظمة، فقد لا يرى المدرس (موجهاً) مرة كل عام أو اثنين.
  • تركز المناهج على جوانب لفظية تافهة، لا قيمة لها في ميزان الواقع، فمثلا يركزون على عبارة (المواقف التعلمية التعليمية) ويقولون: لا يجوز القول (التعليمية التعلمية) على أساس أن التعلم يكون من الطالب وهو الأساس، والتعليم يكون من المدرس وهو مجرد مساعد أو موجه. أي إن التعلم يخص الطالب والتعليم يتعلق بالمدرس. مع علمهم أو جهلهم بأنه لا يمكن حصول تعلم بلا تعليم ولا تعليم بلا تعلم، والتقديم والتأخير لفظي بحت، لا قيمة تربوية له.
  • وذات مرة حضر الموجهون الأوائل من الوزارة مستغلين اجتماع المدرسين لتصحيح أوراق الشهادة الثانوية، وألقوا المحاضرات حول الألفاظ والحركات وتوترها وأكثرها توترا، وهو أمر لا قيمة له بأي منهج لأي مادة لأي مرحلة. والتوتر مصطلح فيزيائي في علم الكهرباء، جاء (الموجه) يحاضر به الناس في مادة اللغة العربية. فلما انتهى قلت له اسمح لي أستاذ لم أفهم إلى الآن قصدك من التوتر؟ قال (أقصد الأكثر دورانا في اللغة) وإذا به يقصد (التواتر) وهي محاضرة منقولة أصلا يعرفها علماء القرآن الكريم من مئات السنين، وتواتر الحركات على العكس من قوتها وضعفها، فكلما قويت الحركة كالكسر قل تواترها يعني ورودها. تماما كالموجة الصوتية أو الكهرطيسية، فكلما طالت الموجة قل تواترها. وهذا إن كان له علاقة بعلم اللسانيات أو (الألسنيات) في مراحل تخصصي عليا، فلا علاقة له بمناهج المرحلة الثانوية.
  • الحزب وتوجهاته أهم من المنهج ومن كل شيء. فذات مرة تساءل أحد المدرسين (وهو حزبي) عن أهمية الاجتماعات الطلابية الحزبية، التي تلهي الطلاب عن الدراسة والعلم، وتضيع كثيرا من أوقاتهم ودروسهم، فقال: الحزب أهم من كل شيء، وكل الناس وكل الأشياء مسخرون لخدمة الحزب، ومن مقررات الدستور والجبهة التقدمية أنه لا يجوز لأي حزب ممارسة أية نشاطات حزبية ضمن وزارة التربية سوى (حزبهم العظيم).

ثالثاً : المعلمون :

  1. الرجل المناسب في المكان غير المناسب…الناجحون مقموعون لأنهم غير حزبيين، والأغبياء يتحكمون، والأغلبية سامدون.
  • المعلمون المدعومون حزبيا يضيعون الأوقات والمناهج…ولا ينهون المناهج المقررة في الزمن المقرر، وخاصة في الصفوف الانتقالية، حيث لا حسيب عليهم ولا رقيب، وهنا تبدأ الصعوبة أمام الطالب، فقد ينتهي مع العام نصف المنهج فقط، وينتقل الطالب إلى مرحلة أعلى من دون استكمال ما سبق، ولما يدخل المرحلة الجديدة تمر به معلومات مبنية على ما سبق مما لم يدرسه، وهنا تبدأ معاناة الطالب، مما يظن أنه صعوبة في المنهج نفسه.
  • المعلمات يضيعن كثيرا من الأوقات في الطعام والقهوة والحكايات  وصنع الكيك وعمل التبولة وتناول فطور الصباح من فول وحمص وفلافل  في الفرصة (الفسحة) كلما استطعن إلى ذلك سبيلا. وإذا حضر الموجه أو الموجهة أو مدير التربية، شاركوهم نشاطهم المدرسي هذا! مما يمدد وقت الفرصة حصة أو بعض حصة. فلا يمكن استكمال المنهج ضمن الزمن المقرر، ومن يفعل ذلك يسلق المنهج سلقا فينضجه نصف إنضاج…والنيء والفج خير من نصف ناضج.
  • بعض المدرسين يدخنون في الصف، وبعضهم ينامون في الصف ويتركون التلاميذ يفعلون ما يشاؤون، وعند تبادل الحصص التي ليس بينها فرصة، يضيّع بعضهم في الانتقال زمنا ليس بالقليل، وكل ذلك على حساب زمن تنفيذ المنهج.
  • يسند تدريس مادتي التاريخ والتربية الإسلامية للصف الثاني الإعدادي (الثامن) حصرا، إلى مديري المدارس والموجهين وأمناء السر حصرا، وذلك لأن منهج هذا الصف يتضمن أهم أحداث التاريخ الإسلامي، من الغزوات والفتوحات، كما يتضمن أهم أركان الإسلام والإيمان، وذلك حتى يتجاوز الطالب هذه المرحلة بأقل قدر ممكن من الزاد الثقافي والعلمي عن عقيدته وتاريخه. هذا على الرغم من أن غزوة بدر مثلا لم تعط أكثر من بضعة أسطر. والسبب هو أن هؤلاء لا يفقهون شيئا في هذه المواد، التي ليست من اختصاصهم، وبالتالي فإن أعطوها اهتماما فلن يزيد عما في الكتاب نفسه مما لا يسمن ولا يغني من جوع. وفوق هذا فهؤلاء مشغولون في أعمالهم الإدارية، ولذا فغالبا ما يتركون الطلاب دون تدريس أو يخرجونهم في حصصهم إلى الباحة يلعبون ليتفرغوا هم إلى مهماتهم من تدخين وشرب للشاي وما إليها، مما جعل الطلاب يعتقدون أن هاتين المادتين تعنيان أنهما من حصص الفراغ أو الأعمال الحرة…وإذا أحب أحدهم أن يعطي درسه أعطى مادة الحصة كلها في خمس دقائق أو عشر فقط. فإذا جاء آخر العام لم يكن أحدهم قد أعطى من المنهج السنوي سوى منهج أسبوع أو شهر على أبعد تقدير، ويتم تنجيح الطلاب بلا حساب… وينتقل الطالب إلى مرحلة أعلى وهو يفتقر إلى كثير من المعلومات الجوهرية.
  • يلجأ بعض المعلمين ذوي العلاقة بأجهزة الأمن المختلفة، من أجل ضبط الطلاب في الصف، إلى تهديدهم بتسليمهم إلى فروع الأمن إذا لم ينضبطوا في حصصهم، فافهم وتعلم أيها الطالب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مدرس لغة عربية متقاعد من سوريا
 

زر الذهاب إلى الأعلى