أول سقوط في حياتي
ماذا فعلت أمي يوم سقطت في أول امتحان في حياتي؟
لم أكن يومًا طالبًا سيئًا في المدرسة، ليس لأني ذكي ولا حتى عبقري، رُبما لأني اُحب أن أعرف أكثر فقط، ففي المدرسة لم اكن الأول على الصف بتاتًا، فلم أكن استطع أن أعيش حبيس المنزل مع المُنزل، كُنت أُحب الحُرية في كُل شيء، وفي العلم كذلك، كان من الصعب علي أن ألتزم بما تُريده لي المعلمة أن أتعلمه وكفى.
في الصف الخامس أو السادس، لا أذكر جيدًا، سقطت أول سقوط فادح في امتحان، يومها حصلت على علامة مُخزية جدًا، أظنها كانت 40 بالمئة، لم أكن الوحيد الذي حصل على علامة سيئة ويومها سمعت الكثير من الزُملاء يسخرون من بعضهم البعض، كونهم سيحظون اليوم بـ “عقاب شديد” من الأهل، يومها لم أكن أعلم كيف يُمكن لأهلي أن يتعاملوا مع سقوطي، هل سيتم ضربي؟ هل ستمر الأمور بشكل عادي؟ لم أكن أعرف … ولكنني كُنت خائفًا جدًا!
أذكر يومها أنني عُدت إلى البيت وأنا أبكي بحرارة وألم، وتوجهت إلى غرفتي مُباشرة، وعلى صوتي حتى جاءت امي تسألني عن السبب؟ لم أكن أعرف كيف سأخبرها بتلك “الكارثة”، كيف يُمكن لها تقبل أن ابنها انضم لقائمة الطلاب “الفاشلين” من أصحاب “الأربعينات”؟ بل هل ستحبسني كما تفعل بعض أمهات زُملائي في المنزل كُل يوم حتى ينتهوا من واجباتهم الدراسية؟ ثم ماذا إن علم أبي وغضب، حينها ستكون الكارثة… ألف كارثة!
أصرّت أمي أن اكشف لها سبب عويلي والبكاء، وما أن أخبرتها بحقيقة الكارثة حتى حصلت واحدة من أعظم الحوادث التي لا يُمكنني نسيانها أبدًا، يومها تعلمت معنى “العلم” لأول مرّة بشكل حقيقي وتطبيقي، مع أني كُنت في العاشرة من عُمري فقط، حيث راحت امي تُهدأ من روعي مؤكدة أن “العلامات لا يُمكن أن تكون مقياسًا للإنسان”، فالأهم من العلامة هو ” السعي نحو فهم الأشياء” من خلال الدراسة للامتحان، ففي النهاية الدراسة تعني أنك اجتهدت وأنك حاولت و”الباقي على الله”، ثم حتى لو سقطت فإن هذا ” مش آخر الدنيا “، فمن يسعى للفهم سينجح لاحقًا لا محالة.
أفكار أمي، قد تبدو بالمُطالعة، منطقية جدًا، ولكن من يُلاحظ المُحيط من حوله يجد أن مُعظم الأمهات تحلم بأن يحصل ابنائها على علامات اعلى من 99، بغض النظر عن مفاهيم عميقة مثل “الشغف” الذي يُعتبر اليوم عاملاً اساسياً في معايير اختيار الموظفين، والشغف في النهاية يُمكن ان يخرجنا “خارج الصندوق” و”الابداع”، اما الحصول على 100 فالابداع والشغف لا يُمكن ان يضمنه، لأنه يحتاج التقوقع على المادة والتمرن بشكل مكثف.
بل لعل في “الشغف” باكتشاف المزيد والمزيد دائمًا، يُمكن أن يوصلنا إلى السقوط، أذكر في المدرسة أنني كُنت في كثير من الأحيان، وخلال تحضيري للامتحانات بشكل خاص، أنني كُنت أغرق في مسائل كثيرة لا علاقة لها بالامتحان، كالتفكر في عوامل تأكسد الحديد وصدأه الذي نراه حولنا كُل يوم ومُحاولة فهم الظاهرة للمساهمة في الحد منها، بدلًا من الانشغال بحل المسائل التي يُمكن من خلالها الحصول على 100.
الحقيقة التي لا أخجل من ذكرها، أنني وحتى اليوم في الجامعة، لا زلت لم أندمج بشكل جيّد مع الجامعات، بل وأحيانًا أقوم بـ”قهر” شغفي كي أنجح في امتحان ما، وفي أحيانًا كثيرة، لا أستطيع المقاومة، فاغرق في تفاصيل مثيرة ومدهشة، لا علاقة لها بالامتحان غالبًا، على حساب المعلومات التي تضمن النجاح، وبالتالي لا بُد من الاعتراف بأن “الشغف” قادني لما يُمكن أن نسميه “فشل” بحسب النظام التعليمي الحالي، ويُمكن أن اسميه “مُحاولة فهم” كما علمتني أمي مُنذ الصغر!