صحافة التعليم

الاستجابة لاكتئاب الطّالب

عندما يلاحظ المعلّمون وجود الاكتئاب لدى طالب ويتدخّلون بدعم مرن، فيمكن لهذا الطّالب أن يشعر بتحسّن ويتعلّم أفضل.

ظلّت “ريتا” ذات الـ14 ربيعًا في حالة تراجع خلال النّصف الأوّل من العامّ الدّراسيّ في مدرسة “برنتوود” الثّانويّة، وهي أكبر من أيّ مدرسة ارتادتها قبل ذلك. فقدت “ريتا” الاهتمام بمعظم الأنشطة اليوميّة، وغالبًا ما تبكي، وتواجه صعوبة في التّركيز. ورغم أنّ “ريتا” كانت تحصل دائمًا على درجات مرتفعة قليلًا، فقد انخفضت درجاتها بشكل مُطرَد. لم تعقد “ريتا” صداقات، وتميل لقضاء وقتها الزّائد في المدرسة مع معلّمين محدّدين. ويصف طلّاب آخرون “ريتا” أنّها سريعة الغضب وتقاوم محاولاتهم لعقد صداقة معها أو حديث. وغالبًا ما تئنّ “ريتا”، وهي خجولة ولا تقبل الاهتمامات المشتركة بين المراهقات.

ولاحظ الأشخاص القليلون الّذين تتفاعل معهم “ريتا” بالمدرسة علامات خطر. فقد أخبرت”ريتا” الأستاذة “شانون”ـ وهي معلّمة مادّة التّاريخ ـ أنّ والديها يتشاجران. لقد اعترفت “ريتا” أنّها تشعر بالعزلة والقلق الشّديد بشأن اجتياز متطلّبات المدرسة الثّانويّة. وتشعر “ريتا” أنّه لا يوجد أحد تتحدّث معه بالمنزل، فكلا والديها بالعمل، وهي تشعر بالوحدة في المنزل ـ حتّى رغم وجود أشقائها معها ـ كما أنّها أطلعت الأستاذة “شانون” أنّها تفكر في الموت مخرجًا من الوحدة.

توضّح قصّة “ريتا” السّمات الأساسيّة للاكتئاب السّريريّ لدى الأطفال والمراهقين، وهو حالة مزاجيّة حزينة أو غاضبة مستمرّة، وفقدان للطّاقة، وانخفاض في الاهتمام بالأنشطة اليوميّة أو الأشطة المفضّلة سابقًا، وشعور مستمرّ بانعدام القيمة أو الذّنب، والانسحاب، وامكانية تَكرار التّفكير في الانتحار. وربّما يبدو على الأطفال والمراهقين المصابين بالاكتئاب تغيرات في الشّهيّة، تؤدّي إلى زيادة أو نقصان في الوزن، واضطرابات في النّوم، وزيادة الجموح وسلوكيات مناقضة، وضعف في التّركيز.

إدراك “ريتا

رغم أنّ الاكتئاب مصنّف أنّه اضطراب لدى البالغين، ومع ندرة الاكتئاب بشدّة لدى الأطفال، فإنّ المرحلة الوسطى أو الأخيرة في المراهقة هي المراحل العمريّة الّتي من الشّائع ظهور أعراض الاكتئاب فيها، أو تحدث بها أوّل نوبة اكتئاب كبيرة.

في العام 1993م، اختبر”لوينسون وهوبس وروبرتس وسيلي وآندروز” مراهقين داخل مجتمع أمريكيّ، واكتشفوا أنّ متوسط العمر الّذي يبدأ فيه الاكتئاب الحادّ هو 14. ومع الأسف،كلّما كانت بداية الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين مبكّرة، كلّما كان الاضطراب حادًّا وطويل الأجل.

وتظهر الخبرات البحثيّة والسّريريّة أنّ الاكتئاب يظهر نفسه بشكل مختلف لدى الأطفال عنه لدى المراهقين، من حيث ما يراه المعلّمون في الفصل المدرسيّ.

خصائص الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين

خصائص الاكتئاب لدى الأطفالكيف تبدو في المدرسة
شكاوى حسّيّة/بدنيّة.شكاوى من الشّعور بالمرض، غياب عن المدرسة، انعدام المشاركة، النّعاس أثناء اليوم الدّراسيّ.
الانفعال.الانعزال عن الأقران، ومشاكل في المهارات الاجتماعيّة، وعدم اكتراث.
صعوبة في التّركيز في إنجاز المهامّ/الأنشطة.العمل يُنجَز بشكل رديء.
ضعف في الذّاكرة قصيرة الأمد.نسيان إنجاز الفروض، ومواجهة صعوبة في التّركيز.
.رفض إكمال العمل وتفويت المواعيد النّهائية.
العمل ببطء.
حساسية مفرطة.مشاعر يمكن إيذاؤها بسهولة، بكاء وغضب.
أداء رديء ومتابعة غير جيّدة للمهام.إنجاز رديء للأعمال.
عدم الانتباه.التّشّتت والأرق.
نسيان.أداء أكاديمي متغيّر.
اضطراب قلق الانفصال عن الأهل.بكاء وشكاوى جديّة، وغياب متكرّر ورفض المدرسة.
خصائص الاكتئاب لدى المراهقين:كيف تبدو في المدرسة:
ثقة قليلة بالنّفس وانخفاض في الشّعور بالقيمة.تعليقات تنطوي على استنكار للذّات.
انفعالات خفيفة.تحدّ لرموز السّلطة، وصعوبة في التّفاعل مع الأقران، والجدل.
تصوّرات سلبيّة عن ماضي الطّالب وحاضره.تعليقات متشائمة وأفكار انتحاريّة.
رفض للأقران.العُزلة وتغيير متكرّر للأصدقاء.
نقص في الاهتمام والاشتراك في الأنشطة المفضّلة في السّابق.العُزلة والانسحاب.
الضّجر.قطب الجبين وعدم الامتثال.
سلوك متهوّر وينطوي على المجازفة.السّرقة ونشاط جنسيّ، ومعاقرة الخمر أو تعاطي المخدّرات، والتّغيّب عن المدرسة.
تعاطي المخدّرات.الإتيان بسلوك مغاير للطّبيعة والنّوم في الفصل.

عندما يتمّ التّعرّف على الاكتئاب مبكّرًا ويقدّم المتخصّصون العلاج، يمكن للشّباب أن يشعروا بتحسّن في المزاج ويؤدّون بشكل أفضل في المدرسة وفي حياتهم. ويلعب طاقم المدرسة دورًا في التّعرف على الاكتئاب والتّدخّل. ويتوجّب في هذا السّياق على المعلّمين والمديرين وطاقم المدرسة أن يكونوا على علم بشأن الاكتئاب، لأنّ ذلك الاضطراب يمكن أن يضعف السّلوك الأكاديميّ والعلاقات الشّخصيّة في المدرسة.

ويرتبط الاكتئاب إلى حدّ كبير بالدّرجات الأكاديميّة السّيّئة، ويكون الطّلّاب المصابون بالاكتئاب بدرجة كبيرة أقلّ ميلًا للتّخرّج من المدرسة الثّانويّة. وقد تشمل المشاكل الإدراكيّة تحمّلًا أقلّ للإحباط وأنماط التّفكير السّلبيّة. وييأس الطلّاّب المكتئبون بشكل أسرع من المهام المُسندَة إليهم والّتي يعتبرونها شاقّة، ويرفضون الاهتمام بالتّحصيل الأكاديميّ، وسريعًا ما يشكّكون في قدرتهم على إنجاز المهامّ الأكاديميّة أو حلّ المشاكل وحدهم. ويمكن أن تتأثّر الذّاكرة والحديث وكذا النّشاط البدنيّ والحركيّ، وأيضًا القدرة على التّخطيط. ويكون الكثير من الأطفال والمراهقين المكتئبين، كسولين، ويتحدّثون بعناء، ويواجهون صعوبة في التّعبير عن أفكارهم بشكل كامل.

وتوضّح حالة “ريتا” ثلاث مشكلات أخرى فيما يختصّ بالتّعرف على الاكتئاب. أولًا، السّمات الأساسيّة للاكتئاب يمكن التّعرّف عليها في الشّباب مثل البالغين، ويتمّ استخدام المعايير التشخيصيّة ذاتها لكلا المجموعتين. ثانيًا يكون الانفعال شائعًا بين المصابين بالاكتئاب من البالغين. ثالثًا يغفل المعلّمون عن الأطفال المصابين بالاكتئاب، لأنّ الأعراض مثل الحزن أو الإرهاق تكون داخليّة وشخصيّة أكثر من أنواع السّلوك المضطرب الّذي يبدو على الأطفال مع اضطرابات أخرى، كاضطراب نقص الانتباه. وغالبًا ما لا يطلب الشّباب المصاب بالاكتئاب المساعدة في المدرسة، ويرجع ذلك لأنماط التّفكير السّلبية، مثلًا لا أحد يهتمّ لمشاعري، لا يمكن فعل شيء لمساعدتي، وهكذا… وفي كثير من الأحيان يفتقر الطّلّاب الأصغر سنًّا للمهارات اللّغويّة اللّازمة والوعي بالذّات للحديث عن أو التّعرف على حالة الاكتئاب.

مساعدة الطّلّاب المصابين بالاكتئاب

تحتاج المدارس لتوفير مجموعة متنوّعة من وسائل الرّاحة والاستراتيجيات التّعليميّة لزيادة نجاح الطّلّاب، لأنّ الاكتئاب يمكن أن يكون له آثار سلبيّة كبيرة على الإنجاز الأكاديميّ للطّلّاب وراحتهم في المدارس.

إليكم بعض الاستراتيجيات الّتي يمكن أن تفيد الطّلّاب والمراهقين الّذين يعانون من الاكتئاب:

  • اعطوهم تعليقات متكرّرة عن أدائهم الأكاديميّ والاجتماعيّ والسّلوكيّ.
  • علّموا الطّالب كيفية تحديد الأهداف ومراقبة ذاته.
  • علّموهم مهارات حلّ المشكلات.
  • درّبوا الطّالب على تنظيم وتخطيط وتنفيذ المهامّ المطلوبة يوميًّا أو أسبوعيًّا في المدرسة.
  • طورّوا تعديلات ووسائل راحة للتّجاوب للاستجابة لتقلّبات الطّالب المزاجيّة، والقدرة على التّركيز، أو التّأثير الجانبيّ للأدوية. خصّصوا شخصًا واحدًا بحيث يكون جهة اتّصال أساسيّة، ونسّقوا التّدخّلات.
  • امنحوا الطّالب واعطوه فرصًا للمشاركة في التّفاعلات الاجتماعيّة.
  • راقبوا باستمرار إن كانت لدى الطّالب أيّ أفكار انتحاريّة.
  • طوّروا نظام اتّصال بين المنزل والمدرسة، لمشاركة المعلومات عن سلوك الطّالب الأكاديميّ والاجتماعيّ والعاطفيّ، وأيضًا التّطّورات الخاصّة بالأدوية وآثارها الجانبيّة.

في كثير من الأحيان، تكون أفضل مقاربة هي تلك الفرديّة. وهنا نتحدّث عن مقاربة يمكن أن يستخدمها طاقم المدرسة لمساعدة “ريتا”.

شاركت الأستاذة “شانون” مخاوفها حول “ريتا” مع ذويها، وذلك بسبب ازدياد قلقها. وشعر الوالدان بالارتياح لاتّصال المدرسة بهما، وتمّ تشجيعهما من خلال المدرسة على الرّغبة في التّعاون معهما لمواجهة حالة التّراجع، واتّخاذ قرارات حول طرق مساعدتها. وبالتّعاون معهما، تمكّنت الأستاذة “شانونّ وبتوجيهات مستشارة المدرسة، من تكوين فريق لتوفير تدخلات لحالة “ريتا”. وشمل ذلك الفريق اختصاصي الطّب النّفسيّ في المدرسة، والّذي اقترح في البداية بقوّة أن يقيّم طبيب العائلة النفسيّ”ريتا”، لمعرفة إن كان من المناسب تحويلها لطبيب نفسيّ للأطفال.

وتمكن فريق التّدخل المدرسيّ المكوّن من اختصاصي الطّب النّفسيّ المدرسيّ وذوي “ريتا”، من تطوير خطّة ووسائل راحة فرديّة واستراتيجيات تعليميّة لمساعدة “ريتا” على التّأقلم. وبعد تحديد بعض التّدخّلات المناسبة، التقى الفريق مع “ريتا” لمناقشة الإجراءات والحصول على رأيها، فقد علموا أن ذلك سيزيد من فرص موافقتها. واتّفق الجميع على اللّقاء شهريًّا لمراجعة استجابة “ريتا” لهذه التّدخلات، وللحرص على أنّ ما يفعلونه يساعدها، وإجراء أيّ تعديلات لازمة.

إيجاد معلّم مختصّ

بدأت “ريتا” والمعلّمة “هانت”ـ من غرفة الموارد بمدرستها ـ في اللّقاء أسبوعيًّا لمساعدة “ريتا” على تطوير أهداف محدّدة حول كيفية النّجاح بشكل أفضل أكاديميًّا واجتماعيًّا، ومن النّاحية السّلوكية أيضًا. وتمّ اختيار الأستاذة “هانت” لأنّها كمعلّمة موارد لديها مرونة في لقاء “ريتا”، وبإمكانها تنسيق الخدمات مع كل معلّمي “ريتا”. والتقت المعلّمة “هانت” مع المعلّمين صباح كلّ يوم اثنين لمراجعة أيّ عمل أكملته “ريتا” طوال الأسبوع، ولتحديد الأهداف، واستهداف أربعة مناطق يؤثّر عليها الاكتئاب لدى الطّلّاب بشكل قويّ، وهي إنجاز العمل وتسليمه والتّفاعلات الاجتماعيّة والنّشاط البدنيّ.

ورأى الفريق أنّه من المهمّ لـ”ريتا” أن يكون لها دور فعال في تحديد وتحقيق الأهداف، وهو ما قد يساعدها في تعلّم مهارات الإدارة الذّاتيّة، الأمر الّذي ربّما يساعدها في التّحكم بأعراض الاكتئاب لديها، وتحقيق المهامّ الصّعبة. وفي أيّام الجمعة، تلتقي “ريتا” مع الأستاذة “هانت” مرّة أخرى لمراجعة التّقدّم الّذي أُحرِز في الأسبوع من حيث الأهداف، ولمناقشة أيّ واجبات في عطلة الأسبوع. وكانت “ريتا” تسجّل حضورها بشكل غير رسميّ مع الأستاذة “هانت” قبل الغداء وفي نهاية معظم الأيّام.

وأصبحت الأستاذة “هانت” وصلة اتصال لا تمثّل تهديدًا بين “ريتا” ومدرّسيها. والتقى معلّمو “ريتا” بشكل أسبوعيّ مع معلّمة الموارد لتحديد خطوط توجيهيّة واضحة واستثناءات من أجل مقرّرات “ريتا” الدّراسيّة. ولهذا فإنّ الأستاذة “هانت” تساعد تنسيق جهودها في الموادّ الدّراسيّة والمتابعة من خلال قائمة تدقيق للإدارة الذّاتيّة للواجبات داخل الفصل. ووُجد أنّ استخدام الأطفال لوسائل مراقبة الذّات تلك يساعد في تحسين السّلوك في آداء المهامّ داخل الفصل المدرسيّ.

ونتيجة لهذه الأمزجة المتقلّبة، يواجه الطّلّاب المكتئبون صعوبة في تنظيم العمل والاستمرار فيه. وتُعَدّ الاستراتيجيات المدروسة ضروريّة، مثل مراقبة التّقدم وإعطاء ردود أفعال باستمرار حول ما إذا كان الطّلّاب يلبّون توقّعات معلّميهم.

تعليم استراتيجيات الدّراسة

راقب معلّمو “ريتا” مزاجها ومستوى طاقتها عن كثب، وكانوا يعطونها راحة قصيرة بشكل دوريّ حال صارت ضعيفة أو مع زيادة شعورها بالإحباط. وطوّر المعلّمون نظامًا لـ”ريتا” لتأخذ قسط الرّاحة بنفسها، فكانت تنتقل إلى منطقة هادئة في الفصل الدّراسيّ، أو كانت تتركه وتتّجه لمكتب مستشار المدرسة لمدة 10 دقائق. وبعد تلك الرّاحة، كانت تعود لإكمال المهمّة المكلّفة بها.

وكانت المدرسة تضع في حسبانها الآثار الجانبيّة للأدوية المضادّة للاكتئاب الّتي تتناولها “ريتا”. وكان يُسمَح لـ “ريتا” بوضع مياه أو عصير على مكتبها بسبب جفاف الفم. وكان مكتب “ريتا” قريبًا من باب الفصل المدرسيّ، وكان يُسمَح لها بمغادرة الفصل بهدوء للذّهاب لدورة المياه.

وقسّم معلّمو “ريتا” الواجبات المدرسيّة إلى مهمّات منفصلة، وساعدوها على تطوير وإدارة جدول زمنيّ، يحدّد توقيت إكمال كلّ مهمّة اعتمادًا على مزاجها ومستوى طاقتها. ومن خلال ذلك، تمكّن معلّمو “ريتا” من تقليص أو تعديل الأعمال. إنّ تعليم الطّلّاب المصابين بالاكتئاب أن يتعرّفوا على مزاجهم بالتّحديد وتغيّر طاقتهم طيلة اليوم، واتّخاذ قسط من الرّاحة قبل معاودة إنجاز المهامّ المكلّفين بها، يزيد من تحكّمهم بأنفسهم.

وكثيرًا ما يجد الطّلّاب المصابون بالاكتئاب، المذاكرة من أجل الامتحانات أمرًا شاقًّا، لأنّ اضطرابهم ذلك يعوّق الدّراسة المستقلّة والتّركيز. وسُمِح لـ “ريتا” بتسجيل الدّروس الّتي تُلقَى في الفصل الدّراسيّ، والّتي يمكن لها مراجعتها خارج الفصل ومساعدتها في تدوين الملاحظات وتنظيم الموادّ الدّراسيّة للتّركيز على المعلومات. ودرّب المعلّمون”ريتا” على استراتيجيات التّعليم والمذاكرة، لزيادة استقلاليتها داخل الفصل المدرسيّ، ويشمل ذلك تحديد خطوط عريضة ورسم خرائط تصوريّة واستخدام إمكانات الذّاكرة (يمكن لمهارات الذّاكرة أن تتبلّد نتيجة الاكتئاب). وينتفع الطّلّاب المكتئبون من الإرشادات الدّراسيّة الّتي طوّرها المعلّمون من أجل الامتحانات، والّتي تمكّنهم من التّركيز على الجوانب الأكثر أهميّة في المنهج الدّراسيّ.

ودمج معلّمو “ريتا” في الفصل الدّراسيّ، تدخّلات محدّدة داخل المنهج المدرسيّ. فبعد أن يبدأ الفصل في إنجاز أعمال فرديّة، تراجع المعلّمة مع “ريتا” الواجب والتّوقّعات. وخلال الدّرس تتفقّد المعلّمة التّقدّم الّذي تحرزه “ريتا” بشكل متكرّر وتعطيها رأيها بخصوص أدائها. وفي نهاية الدّرس، تراجع ما أنجزته “ريتا” وتعطيها المواد اللّازمة أو المساعدة الّتي تحتاجها حتّى تكمل المهمّة المكلّفة بها.

تعزيز التّفاعل الاجتماعيّ

وكثيرًا ما يواجه الطّلّاب الّذين يعانون من الاكتئاب، صعوبات ومشاكل في الحفاظ على صداقاتهم، وذلك نتيجة للتّقلّبات المزاجيّة وميلهم إلى النّظر نحو العلاقات والتّفاعلات بشكل سلبيّ. ومن أجل تشجيع بيئة اجتماعيّة متجاوبة لـ”ريتا”، ضمّن المعلّمون أنشطة تعاونيّة تُنجَز وسط مجمّعات داخل الفصل، واختاروا بعناية الأشخاص الّذين يضعونهم في مجموعة “ريتا” لزيادة احتمالية أن تحظى بتفاعلات إيجابيّة. ومكّنها العمل وسط مجموعات من مشاركة مسؤوليّات معرفيّة، ومن تخفيف حدّة الإجهاد الّذي يشعر به الطّلّاب المكتئبون بشأن الاشتراك وإكمال المتطلّبات التّعليميّة باستقلالية. وراقب معلّمو “ريتا” تفاعلاتها مع أقرانها وإسهامها داخل المجموعة للحرص على أنّها تشارك معهم.

ويتوقّف الطّلّاب المصابون بالاكتئاب كثيرًا عن المشاركة في الأنشطة الجماعيّة الّتي كانوا يشاركون فيها ويرون التّفاعل مع الآخرين بشكل سلبيّ، ولذلك فالتّدخّل في هذه الحالة مهمّ، ومن المهمّ أيضًا جدولة أنشطة لهؤلاء الشّباب. وبالنّسبة لـ “ريتا” فقد تعاون والداها وطاقم المدرسة في إلحاقها ببرنامج بعد المدرسة، يركّز على تعليم المهارات الاجتماعيّة، واتّفقوا على استشارة فرديّة مع اختصاصي الطّب النّفسي بالمدرسة. وعمل والدا “ريتا” مع طاقم المدرسة بحرص على أن تشارك “ريتا” في نشاط بدنيّ لفترة وجيزة يوميًّا.

التّواصل مع ذوي الطّالب

وطوّرت مدرسة “برنتوود” نظام تواصل ومراقبة بين المنزل والمدرسة، والّذي سهّل سبل التّواصل بينها وعائلة “ريتا”. وأنظمة التّواصل هذه تزيد من مشاركة المصابين بالاكتئاب في الأنشطة الدّراسيّة، من خلال رسم تجاربهم الشّخصيّة، وإطلاع الوالدين على ما يحدث في مناسبات الفصل المدرسيّ والمواعيد النّهائية، كما توفّر مكانًا لحلّ المشاكل وتراقب سير التّقدّم.

ودوّنت الأستاذة “هانت” التّقدّم اليوميّ الّذي تحرزه “ريتا” صوب أهدافها، وأعطت ردود فعلها عن مزاجها وتفاعلاتها من خلال كرّاسة التّواصل بين المنزل والمدرسة. ومكّنت هذه الكرّاسة العائلة من إطلاع المدرسة على ما يحدث في المنزل، وعلاج “ريتا”، ومعلومات مفيدة أخرى.

مواجهة مشكلة الانتحار

كان حتميًّا على طاقم المدرسة مراقبة الأفكار أو النّوايا الانتحاريّة لدى “ريتا” بما أنّها أتت على ذكرها. ومن المهمّ بالنّسبة للكثير من الطّلّاب أن يتمّ التّوصّل لاتّفاق بينهم والمدرسة، ومن خلاله يَعد الطّلّاب أنّه حال راودتهم أفكار انتحاريّة، فعليهم إبلاغ اختصاصي الرّعاية الصّحيّة، أو أحد أفراد العائلة أو المدرّس، بدلًا من أيّ سلوك ينطوي على إصابة النّفس بأذى. وفي حالة “ريتا”، فقد وقّعت عقدًا بينها ووالديها والمعلّمة “هانت”، يحدّد الشّخصيات الّتي يجب أن تتوجّه إليهم “ريتا” حال جاءتها الأفكار الانتحاريّة، والإجراءات والعمليّات الّتي يجب إتّباعها. وإن أخبرت”ريتا” أحد أفراد طاقم المدرسة بوجود هذه الأفكار، فعيلهم في الحال التّواصل مع ذويها، والّذين بدورهم سيصحبونها إلى غرفة طوارئ للحصول على تقييم نفسيّ.

تكرار هذا المنهج

تعكس دراسة حالة “ريتا” مقاربة مثاليّة في مدرسة تتواجد فيها درجات عالية من التّعاون. ورغم أنّ الكثير من المدارس عملت بكدّ من أجل أن تصبح أكثر تعاونًا في محاولتهم للعمل مع طلّاب مثل “ريتا”، فإنّ هناك الكثير من الأماكن الّتي لا يجد المعلّمون فيها هذه الدّرجة من التّعاون والدّعم. وقد لا يكون المعلّمون الّذين يجدون أنفسهم في مدرسة بدرجة تعاون ودعم قليلة، قادرين على تنفيذ مقاربة كاملة مثل تلك التي نُِفّذت مع “ريتا”، ولكن بإمكانهم تنفيذ الكثير من الاستراتيجيات المُشار إليها سابقًا.

وعلى سبيل المثال، أيّ معلّم يمكن أن يشرع في لقاءات صبيحة الاثنين مع الطّالب الّذي يعاني من اضطراب مزاجيّ لمناقشة ما سيجري في الأسبوع المقبل، وتطوير الأهداف، والتّحدث بشأن كيفية مجاراة الطّالب للتّفاعلات الاجتماعيّة. ويمكن للمعلّم في الفصل أن يدعم طالبًا مثل “ريتا” بتوفير لائحة واجبات يوميّة تُنجَز داخل الفصل، وأيضًا تدريب الطّالب على التّنظيم والبدء في هذه المهام، إلى جانب إعداد جدول لمراقبة التّقدم المُحرَز، ومدّ الطّالب بردود فعل. وحال رأت معلّمة أحد الطّلّاب يواجه تقلّبات مزاجيّة مثل “ريتا”، فبإمكانها إجراء تعديلات وتسهيلات على المهامّ المُكلّف بها لإنقاذه، وتوفير الدّعم الدّراسيّ الّذي نوقش معه، وتوفير أقساط متقطّعة من الرّاحة على مدار اليوم بشكل مرن.

إن الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين له انعكاسات كبيرة على النّواحي الأكاديميّة والسّلوكيّة والاجتماعيّة والبدنيّة. ويتوجّب على طاقم المدرسة أن يعلّموا أنفسهم خصائص وآثار الاكتئاب، حتّى يوفّروا التّدخّلات الأكثر فاعلية. ولا تقع على عاتق المعلّمين مسؤولية تلبية المتطلّبات الأكاديميّة للطّلّاب المكتئبين فحسب، ولكن أيضًا الحرص على سلامتهم ورفاهيّتهم.

Back to top button