التعليم المختلط ورهاب الجنس الآخر!
“لا يوجد أي دليل علمي يدعم فكرة فصل الذكور عن الإناث. أنا ضد هذه الفكرة القائلة إن الأولاد والبنات يتعلمون بشكل مختلف، فجميع الاختبارات النفسية حول كيفية تعلم الأطفال القراءة والرياضيات، تذهب إلى أن الجنسين يستخدمان الجانب نفسه من الدماغ. نعلم أن الفروقات العصبية أو النفسية بين الجنسين في التعليم تكاد تكون غير موجودة. أعتقد أن الفصل بينهما كان لأسباب تاريخية وثقافية، فالآباء يشعرون براحة أكبر حين ينفصل الجنسان، وهذا بسبب الانجذاب الجنسي بينهما“
البروفيسورة إليزابيث إليوت من جامعة سيدني
تعد أقدم مدرسة تعليمية مختلطة في العالم يومًا ومدرسة داخلية هي أكاديمية الدولار Dollar Academy، وهي مدرسة ابتدائية ومدرسة للذكور والإناث من سن 5 إلى 18 عامًا في اسكتلندا، بالمملكة المتحدة. منذ افتتاحها في عام 1818م، اعترفت المدرسة بكل من الفتيان والفتيات في مؤسسة الدولار والمنطقة المحيطة بها. تستمر المدرسة في الوجود حتى يومنا هذا مع حوالي 1250 تلميذ.
في طفولتي حتى المرحلة الإعدادية كنت أذهب إلى مدرسة مختلطة ربما كانت المقاعد منفصلة غير أن الفصول الدراسية كانت مختلطة.
لم يشغل الأمر بالنا كثيرًا كأطفال ولم يشغلنا ما هو الفرق بين ذكور وإناث. فالمعلمون وأولياء الأمور أيضًا لم يكن هذا الفرق بيننا يظهر في أحاديثهم أو معاملاتهم. كنا جميعًا زملاء دراسة بغض النظر عن الجنس. غير أنه بالفطرة وبحكم مجتمعنا وتربيتنا الطبيعية كانت البنات تميل إلى صديقات بنات. والأولاد يميلون إلى أصدقاء من بني جنسهم.
إذن داخل الصف الدراسي كنا جميعنا أبناء صف واحد نتعلم ونجتهد ونتنافس للنجاح والتفوق. هكذا دون كثير من التعقيدات ومحاولات للبرهنة على أي شيء.
في المرحلة الثانوية كنت في مدرسة للبنات فقط. كانت الخلافات بين البنات أكثر مما كانت عليه عندما كنا في مدرسة مختلطة. وكنا نشعر بالحرج من المعلمين الذكور فَلِتَوِّنا انتبهنا لذلك الفرق _إن هناك ذكورًا وإناثًا، ويجب الفصل بينهم.
وكان المعلمون يتعمدون إشعارنا بهذا الفرق طوال الوقت، ربما أكثر من تركيزهم على إيصال المعلومات الدراسية، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. ربما كان هذا بسبب حكم فترة المراهقة أو بسبب فصل المدارس لا أدري حقًا.
ولكن حُكمًا محايدًا كانت مدارس الفترتين الإعدادية والابتدائية أكثر تقديرًا وتركيزًا على الناحية التعليمية وأقل شغبًا وأكثر تهذيبًا من ناحية السلوك الأخلاقي.
في الجامعة عاد الاختلاط مرة أخرى، فالجامعة مجتمع أكثر انفتاحًا ويعد تهيأة للمجتمع الكبير المفتوح. بحكم التطور الزمني خرجت المرأة للشارع، ولم يعد دورها يقتصر على المنزل فقط.
والاختلاط موجود في كل مكان في المواصلات وفي العمل وفي الأسواق وفي المستشفيات وأماكن الخدمات المختلفة حتى على الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي يوجد اختلاط. مما يجعل الفصل بين الجنسين في المدارس شيئًا منافيًا للعصر وغير منطقي.
تاريخ المدارس المختلطة
في الحضارات المبكرة، تم تعليم الناس بشكل غير رسمي: في المقام الأول داخل الأسرة. مع تقدم الوقت أصبح التعليم أكثر تنظيمًا ورسمية.
ركزت جهود المجتمعات اليونانية والصينية القديمة في المقام الأول على تعليم الذكور. في روما القديمة، امتد التعليم تدريجيًا إلى النساء، لكن تم تعليمهن بشكل منفصل عن الرجال. واصل المسيحيون الأوائل والأوربيون من العصور الوسطى هذا الاتجاه، وسادت المدارس أحادية الجنس للطبقات المتميزة خلال فترة الإصلاح.
في القرن السادس عشر، في مجلس ترينت Council of Trent، عززت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية إنشاء مدارس ابتدائية مجانية للأطفال من جميع الطبقات. تم إنشاء مفهوم التعليم الأولي الشامل، بغض النظر عن الجنس.
بعد الإصلاح تم إدخال التعليم المختلط في أوروبا الغربية، عندما حثت مجموعات بروتستانتية معينة على تعليم الأولاد والبنات قراءة الكتاب المقدس. وأصبحت هذه الممارسة شائعة للغاية في شمال إنجلترا واسكتلندا حيث كان الأطفال الصغار، من الذكور والإناث على حد سواء، يحضرون مدارس نوتردام.
في أواخر القرن الثامن عشر، تم إدخال الفتيات تدريجيًا إلى مدارس المدينة. جمعية الأصدقاء Society of Friends في إنجلترا، وكذلك في الولايات المتحدة، كانت رائدة في التعليم المختلط، وفي المستوطنات في المستعمرات البريطانية، كان الأولاد والبنات يحضرون المدرسة بشكل عام.
المدارس الابتدائية العامة الجديدة المجانية، أو المدارس العامة، التي بعد الثورة الأمريكية حلت محل المؤسسات الكنسية، كانت دائما مختلطة تقريبا، وبحلول عام 1900م كانت معظم المدارس الثانوية العامة مختلطة أيضًا.
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، نما التعليم المختلط على نطاق واسع. في بريطانيا العظمى وألمانيا والاتحاد السوفيتي، أصبح تعليم البنات والبنين في الطبقات نفسها ممارسة معتمدة.
مخاوف أم
أنا أم لم أعد طالبة الآن، وأصبح لزامًا علي أن أعالج شئون أطفالي بما يضمن لهم أفضل الظروف لتنشئة سليمة.
تذهب طفلتي لمدرسة مختلطة فأنا لا أريدها أن ترى الجنس الآخر ككائن أسطوري يجب أن تنعزل عنه وتتجنبه لا أريد أن ينمو لديها رهاب الجنس الآخر. ولا أريد أن أثير داخلها تساؤلات ليس لها أساس وغير مجدية.
أريد أن أجعلها تتقبل الآخرين من حولها وتتعايش معهم بغض النظر عن نوعهم أو ديانتهم أو اختلافاتهم. وأن تكون أكثر مرونة في التعامل مع الآخر وأكثر تقبلًا للاختلافات وأكثر إنسانية.
هذا بالنسبة للهدف الاجتماعي الذي ننشده من خلال الاندماج في المؤسسات الاجتماعية أما بالنسبة للهدف التعليمي؛ فهو أن يكون الهدف الرئيس الذي نضعه نصب أعيننا هو التفوق والتحصيل الدراسي الجيد، وتقبل البيئة المحيطة بنا.
ترى د. إليزابيث إليوت Professor Elizabeth Elliott وهي أستاذة في طب الأطفال وصحة الأطفال في جامعة سيدني ومستشارة طب الأطفال في مستشفى الأطفال في ويستميد. وقد كرست طوال حياتها المهنية لتحسين الصحة ونوعية الحياة للأطفال في أستراليا وخارجها، من خلال التعليم والبحث والرعاية السريرية والدعوة.
“أن المهم هو تنمية الطفل وتعزيز احترام الذات والانفتاح على العالم والإبداع.“
وترى أن المدارس أحادية الجنس هي بيئة غير واقعية فالمجتمع ليس أحادي الجنس بل قائم على وجود شراكة بين الجنسين. فإذا أردنا مجتمعًا سويًّا يجب عدم الفصل بينهم في مراحل الدراسة في الطفولة والمراهقة. والاختلاط في المدارس ككل أمر من أمور الحياة ذو وجهين وله مميزاته وعيوبه.
لكن، إن كان الاختلاط أصبح ضرورة عصرية وتطورًا طبيعيًّا للمجتمع كيف لنا أن نتجنب عيوبه قدر الإمكان.
في مجتمعاتنا العربية تختلط كثير من الأمور والمفاهيم ليس الأمر هو الفصل أو الاختلاط ولكن أن تُربى الفتاة على أن تخاف من الولد وتتجنبه لأن الأولاد يتسمون بالعنف. وأن يُربى الولد أن يتجنب الإناث ويتحاشاها وأن يتسم سلوكه بالعنف واستعراض القوة. هذا هو الخطأ فالأمر أولًا وأخيرًا ينبع من الأسرة والتربية.
‘لا توجد مزايا غالبة للمدارس من جنس واحد لأسباب تربوية. دراسات في جميع أنحاء العالم فشلت في الكشف عن أي اختلافات كبيرة.”
البروفيسور آلان سميثرز، مدير التربية والتعليم والبحوث التوظيف في جامعة باكنغهام.
المدرسة أحادية الجنس قد تكون الحل الأسهل للآباء وخاصة للأبناء في مرحلة المراهقة التي تتسم بميل طبيعي بين الجنسين. ولكن لماذا لا نؤدي دورنا أكثر من ذلك؟
التوعية الدينية والتربوية من داخل المنزل مهمة وخاصة في مراحل البلوغ والمراهقة. وضع ضوابط وحدود للزمالة والتوعية بالفروقات الطبيعية خير ألف مرة من تجنب الأمر وتحاشيه.
المصارحة والنقاش المستمر بين الآباء والأبناء ومتابعة المدرسة وزملاء الصف والتحاور المباشر مع أولياء الأمور وطاقم التدريس.
المدارس أحادية الجنس ليس بالضرورة أن تكون أكثر أمنًا؛ فغالبًا ما تعزز تلك المدارس سمات الجنس الواحد. فمدارس الأولاد تميل غالبًا إلى العنف والشغف. ومدارس البنات تميل إلى الشغب وعدم الانضباط.
كثيرًا ما تكون إدارات المدارس أحادية الجنس أشد صرامة وتعنتًا مما يكون له أثر سلبي على نفسية الطلاب.
“الممنوع مرغوب“ تلك القاعدة الدارجة التي تثبت صحتها في أغلب الأوقات. عندما تراهن على نفسية مراهق وتمنع عنه شيئًا عاديًّا يراه في كل مكان وهو الاختلاط. ولا يراه حصرًا في الصفوف الدراسية، فأنت تجعله يتساءل لا إراديًا لماذا ؟! أنتَ تَشغل فكره بما دون الدراسة وتعزز لديه كما ذكرنا سابقًا رهاب الجنس الآخر.
الاختلاط ربما يكون دخيلًا على مجتماعتنا الشرقية العربية، ولكنه مواكبة للتطور الطبيعي للعصر ولا سبيل لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.
وعلى هذا الأساس يجب أن نتعامل بحرص وبالتوعية التي تتناسب مع أخلاقنا وديننا بما نراه ملائمًا لأطفالنا.
تنتابنا المخاوف طوال الوقت ولكن يجب ألا تمنعنا مخاوفنا من تهيأة أبنائنا وتأسيسهم لمشاركة فعالة في مجتمعهم.
الاختلاط بين التأييد والمعارضة
تختلف الدراسات وتتضارب حول المميزات والعيوب حتى الآن في الغرب يوجد المؤيد والمعارض لنظام التعليم المختلط.
وسواء كان جيدًا أم لا فإن التجربة خير برهان. فهناك أطفال ومراهقون لا يناسبهم التعليم المختلط ولا يجدون به راحة. وهناك من لا يجدون ضررًا منه.
الأمر أولًا وأخيرا مرده الطالب والأسرة، فيجب تعزيز وتفعيل دور الأسرة ويجب ألا ينتصر الآباء لميول شخصية، بل يخير الطالب، ويشترك في كل قرار يشمل حياته.
المصادر: