التكنولوجيا الحديثة ومخ الإنسان .. كيف عطَّلَتْ التكنولوجيا استخدام عقولنا؟

لا شك أن وسائل التكنولوجيا الحديثة قد وفرت لنا العديد من التسهيلات التي لم يعد أحد قادرًا على الاستغناء عنها؛ فالهواتف الذكية، والإنترنت، والألواح المكتبية، والحواسيب المحمولة وغير ذلك من أشكال الوسائل التكنولوجية؛ قد غزت حياتنا بمختلف مجالاتها وقدمت لنا العديد من المزايا القيمة.
لكن هل فكرت يومًا في الآثار المترتبة على استخدام وسائل التكنولوجيا على عقولنا؟
في الواقع لقد عبثت التكنولوجيا بعقولنا التي أهملنا استخدامها منذ أن اعتدنا استخدام وسائل التكنولوجيا؛ فكم من العمليات الحسابية التي أهملنا عقولنا في حسابها ولجأنا إلى الآلات الحاسبة لحلها؟
حتى أرقام الهواتف لم نعد نشغل بالنا بحفظها بعد أن صرنا نحفظها على ذاكرة الهاتف وأهلمنا ذاكرتنا التي لم نعد نشغلها بأي تمارين من شأنها تعزيز قدرتها على الحفظ!
حتى جدول الضرب ربما نسينا بعضه بمجرد أن تجاوزنا المرحلة الابتدائية؛ وذلك بسبب السرعة التي توفرها لنا الوسائل التكنولوجية الحديثة لمعرف النتيجة وبأقل جهد؛ حتمًا عطَّل ذلك من قدراتنا الذهنية وحدَّ منها.
التكنولوجيا الحديثة ومخ الإنسان
يتكون جسم الإنسان من عدد كبير من العضلات التي لها تقوم بالوظائف مختلفة؛ غير أن المخ هو أهم تلك العضلات.
باحثون ألمان عكفوا على دراسة سلوك المخ لدى الإنسان عن كثب ليخرجوا بعدة نتائج جديرة بالتفكر منها أنهم اكتشفوا أن المخ هو عضلة قابلة للتدريب من الممكن تقويته عن طريق تمرينه ببعض التمارين مثل استدعاء المعلومات من الذاكرة، وهو مثل سائر عضلات الجسد، تنمو وتقوى بتدريبها أي أنهم وجدوا أن بعض مناطق المخ تنمو بالاستخدام المستمر لها.
وبإهمال استخدام المخ قد يصدأ أي يفقد مرونته، ويصبح من الصعب استدعاء المعلومات المخزنة في الذاكرة بعد مرور وقت طويل على عدم استدعائها.
وفي هذا الصدد أوصى رئيس قسم علم النفس المعرفي بجامعة هامبورغ الألمانية بعمل بعض التمارين للمخ من أجل تنمية سلوكه مثل قراءة بعض الكتب ومن ثم محاولة استرجاع المعلومات التي قرأها بالكتاب من الذاكرة.
كما أنه من الممكن إعطاء المخ فرصة لاسترجاع بعض المعلومات المخزنة لديه في مجال ما بدلًا من اللجوء إلى استخدام محركات البحث كل دقيقة.
ماذا سلبت منا التكنولوجيا الحديثة؟
1- تضاءل عدد القراء: أحد الكتاب في صحيفة بوست الأمريكية ذكر العام الماضي انخفاض عدد القراء للمحتويات الأدبية في أمريكا إلى أدنى نسبة لها منذ 3 عقود، وهي نسبة تنذر بالخطر، وذلك بعد اتجاه القراء إلى الانترنت الذي يوفر المعلومات لمتابعيه بأقل جهد.
2- التكنولوجيا الحديثة قتلت فينا حس حل المشكلات: ربما تكون التكنولوجيا الحديثة قد ألغت استخدام بعض المناطق في عقولنا؛ فحينما تواجهنا أي مشكلة؛ نُهرع على الفور إلى جوجل واليوتيوب من أجل البحث عن حلول لها، وقد يكون الأمر أكثر بساطة فيما إن حاولنا التفكير وإعمال عقولنا من أجل إيجاد حلول لها؛ بالأحرى صرنا نبحث عن الحلول الجاهزة.
3- التكنولوجيا الحديثة تغير طريقة عمل المخ البشري: يتمدد المخ البشري ليستوعب المعلومات الجديدة، وهو ما يعني أن طبيعة المخ البشري تتغير كلما تعرضنا إلى جرعات أكبر من التكنولوجيا.
وصفت خبيرة البرمجيات الأمريكية ليندا ستون الحالة التي تنتاب عقولنا لدى تعاملنا مع وسائل التكنولوجيا الحديثة بـ “ الانتباه الجزئي المستمر“ وهو ما يعني انتباهنا لأكثر من شيء في نفس الوقت دون وجود تركيز حقيقي في شيء معين.
هذه الحالة تصب على المخ بحمل ثقيل؛ فيعمل الجسم على إفراز هرمونات التوتر وهي (الكورتيزول والأدرينالين) وهي ترفع من طاقة الجسم وتقوي الذاكرة على المدى القصير، أما على المدى البعيد فتصيب الجسم بالإجهاد وتؤثر على عملية تدفق التيارات العصبية في المخ، وهو ما يؤدي إلى الشعور بالاضطراب والقلق والكآبة، كما تعمل على انخفاض الطاقة، وتحد من القدرات التعليمية.
4- مهارات التواصل البشري على وشك الانقراض: قدمت لنا التكنولوجيا الحديثة العديد من وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثات والاتصال؛ مما جعلنا نفقد مهارة التواصل البشري وجهًا إلى وجه ودفء التواصل حتى بين أبناء الأسرة الواحدة وهو ما كان له أثره السيء على العلاقات الإنسانية الطبيعية.
التكنولوجيا الحديثة ومخ الإنسان معادلتان معقدتان ينبغي محاولة التوازن بينهما؛ كان للتكنولوجيا ضريبتها على مستخدميها. فقد حدت من القدرات الذهنية لدى مستخدميها. وحجبت العقول عن التفكير، وعطلت القدرات الإبداعية والخيال بقدر ما وفرت لهم مزاياها المريحة.
وليست هذه دعوة منا إلى اعتزال التكنولوجيا وعدم ممارستها.. بالطبع لا؛ فلا يستطيع أحد التخلي عن استخدام الوسائل التكنولوجية في عصرنا الحديث.
إنما يجب تقنينها بما لا يضر باستخدام العقل ومراعاة استخدامه وتمرينه بشكلٍ دوري حتى لا يصدأ وتنضب أفكارنا.