الجامعات الأجنبية في الخليج.. ما لها وما عليها
قامت دول الخليج العربي كغيرها من الدول العربية باستقطاب الجامعات الأجنبية لفتح فروع لها، لأسباب عديدة، منها: المفاخرة والتباهي بوجود جامعات أجنبية في بلادهم، إلا أن وجود الجامعات الأجنبية كان له مميزاته وعيوبه التي واجهت دول الخليج العربي.
ومن أهم عيوب وجود هذه الجامعات، هي: الازدواجية في المعايير، حيث إن هذه الجامعات فَهِمَتْ طريقة تفكير الحاكم في الدول الخليجية، بأن يدفع الملايين مقابل أن تلتزم بما يريده الحاكم منها، وقد فعلتْ.
وبدأ انتشار الجامعات الأجنبية منذ منتصف التسعينيات، ففي قَطَر والإمارات العربية المتحدة؛ كانت الثورة في المشاريع التربوية عبر افتتاح فروع لجامعات خاصة عريقة غربية، أوروبية، وأميركية، بناءً على قرار من حكومات تلك الدول.
وطالبت حينها الجامعات التي فتحت أبوابها إلى اعتماد مناهجها كما هي من دون تغيير، مقابل فواتير ضخمة تقدر بمليارات الدولارات تدفعها الدول المضيفة.
تقييم التجربة
ويقول الباحث الأكاديمي “حسام عز الدين”: “إن الجامعات الأجنبية فتحت فروعًا لها في دول الخليج منذ ما يقرب من عقدين تقريبًا، وكانت لهذه التجربة من السلبيات ما يفوق الإيجابيات في أول إنشائها، لكن هذا الأمر تغير كثيرًا في السنوات الماضية.”
ويضيف في حديثه لـ”شبكة زدني التعليمية”: “إن الأسباب لفتح فروع للجامعات الأجنبية في دول الخليج العربي تنحصر في ثلاثة أسباب رئيسة، أولها: التفاخر والتباهي، وثانيها رفع مستوى التعليم العالمي في البلد المتواجد فيها الجامعة، إضافة للحد من الابتعاث للدول الأجنبية.”
ويتابع “عز الدين”: “تستهدف سياسة دول الخليج تعميق التعليم من خلال الاستفادة من الخبرات القادمة من الخارج، وتوفير فرص للدراسة للطلبة الذين لا يستطيعون السفر لأسباب عديدة، وخصوصًا الطالبات اللاتي لا يسمح لهن أولياء أمورهن بالسفر للخارج.”
ويكمل في حديثه: “إن الالتحاق بجامعة داخل حدود الوطن؛ يساعد على توفير أموال تُنْفَق على الطلبة المغتربين بالخارج، ويتم إهدارها هناك، ومن باب أولى استغلال كل هذه الأموال داخل الوطن، بتأسيس بُنْيَة تعليمية ناجحة.”
لا ازدواجية
وفي تصريحات سابقة نفى “د. أيوب كاظم” المدير التنفيذي لـ”قرية دبي للمعرفة”؛ وجود ازدواجية في الصلاحيات بين “قرية دبي للمعرفة” ووزارة التعليم العالي، مؤكدًا أن الإمارات ممثَّلةً في قرية المعرفة تتعامل باعتبارها مؤسسة ربحية، يقتصر دورها على استقطاب الجامعات الأجنبية، لتقوم بطرح برامجها لتلبية احتياجات السوق المحلي والإقليمي.
وأضاف: “إن جودة التعليم العالي لم تتأثر أو تتراجع بزيادة الجامعات الأجنبية؛ بل على العكس فهي في تطور”، موضحًا أن عدد الجامعات في القرية يفوق 20 جامعة وكلية من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وبلجيكا، وإيران، وروسيا، واستراليا، وفرنسا، وشبه القارة الهندية، وأن من أبرزها جامعة ولاية بوسطن، وهيروت وات، وكلية هالت انترناشيونال للأعمال، وأكاديمية مانيبال للتعليم العالي.
تقييد الحريات
فيما يرى “عبد العزيز الخالدي”- تربوي؛ أن الجامعات الأجنبية في دول الخليج -كما أن لها مميزات- عليها تحفظات أيضًا، من أهمها: تأثرها بالنظام السياسي، وخضوعها له من الحين للآخر، وإن كان هذا الخضوع جزئيًّا، إلا أن من شأنه أن يقيد الحريات، ويتحكم في نظام التعليم داخل الجامعة، على الرغم من أن أهم مميزات هذه الجامعات؛ هو: ارتفاع سقف الحرية الأكاديمي والبحثي.
ويضيف في حديثه الخاص لـ”شبكة زدني التعليمية”: “من أهم المشاكل التي تواجه هذه الجامعات؛ إنتاج البحوث بشكل غير صحيح، بسبب تقييد الحرية الأكاديمية والبحث العلمي، حيث إن الباحث يصطدم دائمًا بالمواقف السياسية التي تمنعه من البحث في أمر ما، وإن قام بالبحث فَيُمنَع من نشر نتائجه.”
ويؤكد “الخالدي”، على الرغم من وجود هذا التقييد وازدواج المعايير داخل هذه الجامعات، أنها تتمتع بمساحة من الحرية أو البحث أفضل من الجامعات الحكومية، فهي ما زالت يسود فيها الرقي والتنوع والتطور.
ما لها وما عليها
ورأت الكاتبة والأكاديمية الإعلامية السعودية “مها عقيل”، أن “وجود جامعات أجنبية في دول الخليج يجب أن يخضع لشروط عديدة، منها: أن تكون الجامعات الأجنبية ضمن أفضل 100 جامعة عالمية، وأن يخضع أعضاء هيئة التدريس فيها لمعايير القبول والتدريس في الجامعة الأم.”
وأضافت في مقالة خاصة بها عن أوضاع الجامعات الأجنبية في الخليج: “على الجامعات الفروع أن تُدَرِّس مناهج الجامعة الأم نفسها، مع إضافة مواد عن الثقافة الإسلامية واللغة العربية، وأن تتماشى أنظمتها مع عادات الدين الإسلامي وتقاليده.”
وأشارت “مها عقيل”، إلى: “أنَّ فَتْح جامعة عالمية ذات اسم رنان ليس كافيًا لتخريج طالب بنفس مستوى الطالب الذي يتخرج في الجامعة الأم، وربما لن يكون أفضل بكثير من مستوى الطالب الذي يتخرج في جامعة حكومية أو أهلية ممتازة، لذلك يجب على الجامعة الأم أن تحافظ على جودة التدريس والمناهج في الفروع.”
وقالت: “إنه رغم وجود تجارِب ناجحة في دول عربية أخرى، مثل: لبنان ومصر، ولكن لا نستطيع أن نقارن تجارب هذه الدول بدول الخليج؛ بسبب الاختلافات الجذرية بين تاريخ وثقافات تلك الدول ودول الخليج، وبين هيكلية ونظام التعليم العالي هناك، وأيضًا نظام ولوائح الجامعات الأجنبية نفسها، وتاريخ نشأتهم هناك.”
ولفتت إلى أن الهدف الرئيس من فتح فروع لجامعات أجنبية في السعودية تحديدًا، هو رفع جودة التعليم العالي وكفاءته في السعودية، إضافة للحد من الابتعاث الخارجي وتكاليفه، وتوفير جزء من مصروفاته على الدولة والمبتعثين، وكذلك خلق المنافسة بين الجامعات الأهلية.
أسباب تواجدها
وحول الأسباب الحقيقية وراء فتح فروع للجامعات الأجنبية داخل دول الخليج؛ يقول الاستشاري التربوي “حمود الخضر”، احتياج سوق العمل الخليجي لمتخصصين في مِهَن كثيرة، وهو ما دعا هذه الدول لاستقطاب جامعات أجنبية وتعليم أبنائها؛ حتى يفيدوا في سوق العمل، مثل: كليات الهندسة والطب.
ويضيف في حديثه الخاص لـ”شبكة زدني التعليمة”: “تسعى دول الخليج لتحويل بلدانها إلى مراكز عالمية للتعليم والبحث العلمي، ذات سمعة عالية، تستقطب من خلالها طلابًا وافدين من الدول العربية المختلفة، ونجحت في ذلك.”
ويتابع “الخضر”: “أن وجود هذه الجامعات يُسهم في ضمان مستقبل بلدان الخليج، وتقدمها وازدهارها، من خلال تخريج علماء مؤمنين بالمعرفة والتطور والبحث العلمي، ومن خلاله تزيد عجلة التقدم في جميع المجالات.”
ويؤكد أن خريجي هذه الجامعات، مقدمون في التوظيف دائمًا لدى الشركات العالمية والمحلية، ومُفَضَّلون على الخريجين من جامعات محلية حكومية، إضافة إلى أن الطالب يحصل على الشهادة بسهولة، من دون أن يخرج من وطنه، ويتحمل أعباء السفر والاغتراب والمصاريف الباهظة.
ويقول: “إن الجامعات الأجنبية تعمل -عبر فروعها- في مختلف الدول العربية على تكريس مبدأ التبادل، عبر استقبال أكاديميين من مختلف دول العالم؛ ليستفيد كل من الجامعة والطالب من خبراتهم في التعليم، لافتًا إلى أن أبوابها مفتوحة لجميع الجنسيات من العرب وغيرهم، من أجل الاطلاع على أحدث تقنيات التعليم المعتمدة، ومحاولة الاستفادة منها.”
تحسين العلاقات السياسية
وترى “عهود الحربي”- طالبة جامعية في إحدى الجامعات الخليجية بالإمارات العربية المتحدة، أن وجود مثل هذه الجامعات يُحَسِّن العلاقات بين الدول العربية والدول الأوروبية، مثل: أمريكا واستراليا وفرنسا وبريطانيا.
وتضيف في تصريحات خاصة لـ”شبكة زدني التعليمية”: “ليس هذا فحسب؛ بل تسعى هذه الجامعات لتحسين صور حكامها ورؤساءها في المنطقة العربية، وأنهم يحبون العرب، ويسعون لتنمية صداقات وتعاون تعليمي مشترك، وأنهم لم يكونوا يتخيلون أن تنجح جامعة خارج أرضها، لكن تحقق ذلك في دول الخليج.”
وتتابع: “تسعى هذه الجامعات دائمًا للتأكيد على التعايش السلمي، والتفاهم الحضاري بين شعوب العالم، وأن العلم لا علاقة له بمشاكل السياسة بين الدول، فهو سبيل الارتقاء بالعالم، إضافة لتبادل الثقافات بين الدول.”
وتقول “عهود”: “دائمًا يتم عقد مؤتمرات تنظمها الجامعات الأجنبية مع الدول المستضيفة، في مواضيع تخص الإسلام ومحاربة التطرف، والعلاقة بين الإسلام والإبداع، والحديث عن دور المرأة في الإسلام، وغيرها من القضايا المحورية في المنطقة، ونظرة الإسلام لها.”
دوافع غربية
ويشير “طلال بندر”- باحث أكاديمي، أن: “من العوامل التي تسببت في نشأة الجامعات الأجنبية في دول الخليج؛ بريقها وقوة جذبها بفعل عناصر القوة والكفاءة التي تتمتع بها من خلال منهاجها ومساهمتها في نهضة بلدانها.”
ويضيف في تصريحاته لـ”شبكة زدني التعليمية”: “هناك أسباب أخرى تتعلق بدول الغرب، وهي: رغباتهم في نشر نمط عيشهم ومعتقداتهم ولغتهم، وإبراز النموذج الغربي المتطور.”
ويتابع: “إنهم أيضًا يسعون إلى مقاومة ظاهرة الهجرة إلى بلدانهم، بسفر الطلاب للجامعات هناك، لذلك كان مُهمًّا لهم أن يقيموا فروعًا لهم في الدول العربية والخليجية، فنقل مدرجاتهم لنا يشكل أهم سور وحاجز يمنع الهجرة إليهم من دون مبرر، ويسمح بفتح الباب لاستقطاب المتفوقين فقط في الفروع للجامعة الأم.”
ويرى أن من أهم الإشكاليات التي تواجههم عند تقييم هذه الجامعات؛ وجود مناصرين ورافضين لها بشدة، فالرافضون يرون أنها عبارة عن غزو ثقافي وحضاري، وطمس للهوية العربية الإسلامية، خصوصًا أنها جاءت تزامنًا مع حملة أمركة الشرق الأوسط وعولمته.
ويضيف “بندر”: “أن من وجهة نظر الرافضين لها أيضًا؛ أنها تقوم بتخريج نخبة سياسية وثقافية مرتبطة بالغرب، ومؤمنة بِقِيَمِه؛ مما يجعلها منقطعة عن جذورها وأصالتها، وأول هذا الانقطاع التخلي عن اللغة العربية.”
فيما يرى الْمُرَحِّبون بهذه الجامعات -بحسب بندر- “أن هذه الجامعات مستقلة في طرق تسييرها ومناهج دراستها، وتكتفي الحكومات الخليجية والعربية بالرقابة الشكلية عليها، وأنه من السهل السيطرة عليها من خلال فرض قواعد وتشريعات تَحُدُّ من آثارها الضارة، بما يتناسب مع قِيَم المجتمع الخليجي والعربي وعاداته.”
طلاب متميزون
وعن أوضاع الطلاب المتقدمين لفروع الجامعات الأجنبية بدول الخليج؛ قال “د. مارتن جيزن”- عميد كلية الهندسة المعمارية والتصميم بالجامعة الأمريكية في الشارقة في تصريحات سابقة له: “إن الطلاب المتقدمين متميزون جدًّا، ومتفوقون، ويسعون لتطوير أنفسهم بسرعة عالية، وخصوصًا الطالبات اللواتي بالرغم من أنهن متزوجات، ولديهن أبناء، لكنهن لم يقصرن في دراستهن، وأثبتن أن المرأة العربية تستطيع أن تفعل كل شيء.”
وأضاف: “إنه دَرَّس طالبة متزوجة ولديها أطفال، حصلت على شهادة في الهندسة المعمارية، وتقود الآن فريق العمل لبناء أطول ناطحة سحاب في “دبي”، وطالبة أخرى من عائلة تجار معروفة بـ”دبي”؛ درست التصوير الفوتوغرافي، نالت الجوائز، وبتشجيع منا استطعنا إقناع والديها لإرسالها إلى جامعة في إنجلترا، وهذا شيء كان مستحيلًا في الماضي.”
وأكد “جيزن” أنهم يقومون بأفضل أنواع الاستثمار، وهو الاستثمار في مجال العقول ومستقبل تعليم أجيال من الشباب العربي، لافتًا إلى أن أصحاب التعليم في دول الخليج يسعون لتأسيس أجيال الشباب من الخريجين من الجامعات الأمريكية، الذين يعرفون ويقدرون القِيَم والمبادئ الأمريكية، حتى وإن اختلفوا مع بعض سياساتها.
وأضاف: “إن الطلبة الخريجين من الجامعات الأجنبية والأمريكية، يستطيعون أن يبنوا جسور التواصل، والبدء في حوار مجتمعي فعال، ممثلين لأوطانهم في أمريكا وأوروبا، يهدف إلى التعاون المشترك بين الدول.”