الدفء الذي يحتاجه الأبناء
مكثَ الطّفلُ بأعوامه الستّةِ عند أحد أقربائه فترةً قصيرةً مبتعدًا عن والديه وعلى الرغم من عدم تعرضه لأي أذى نفسي أو جسدي إلا أنّه عاد لأهله وهو يحمل الشوق والحنين والرغبة في البقاء معهم، مع وجود جو يشوبه بعض المشاكل والخلافات الأسرية ووصايا والدهُ الكثيرة وأمّهُ الصارمة.. التي سألته صدفة: ما الذي يعجبك في بيتنا؟
قال: إنه دافئ جدًا .. بالطبع لم يقصد الطفلُ حرارةَ الجو الطبيعية ولكنّ قصد الجو العائلي، الانطلاقة التي يمارسُها في بيتِه ومع أسرتٍه، ذاته الحقيقية بلا تصنع، أدواته الصغيرة وألعابه المتناثرة، الحريّة النفسيّة التي يتمتع بها في منزله حين يشعر أنّ عائلته تتقبله بلا رتوش وتحبه بلا حدود…
“الدفء” استوقفتني هذه الكلمة طويلًا…
ترى .. ما نوع الدفء الذي نقدمه لأطفالنا كل يوم كي لا يرغبوا عن منازلنا ولا يتمنوا فراقها ويتذكرونها مهما طال بهم زمن البعد فيعودون بذات الشوق أطفالًا نحو عائلاتهم؟
ووجدت بعضًا منها فيما يلي:
– القبلاتُ والأحضانُ بلا ميعادٍ وبلا سببٍ، وذكر محبتنا لهم صراحة بلا قيد ولا شرط ودون انتظار مقابل.
– التقبلُ لهم ولتصرفاتهم الصغيرة مهما كان بها من سخافاتٍ وغرابةٍ والتعامل معهم بمبدأ تصحيح الخطأ والتعليم وليس من باب العقوبة والانتقام.
– رائحةُ الأمّ الجميلة وصوتُها الهادئ وتزيُّنها لهم وغناؤُها معهم ولعبُها وملاعبتها، ومداعبةُ الأبِ ومشاركتُه لهم أعمالهم وألعابهم وعدم جعل العلاقة كأنّها بين رئيسٍ ومرؤوس أو ثكنةٍ عسكرية تقوم على الأوامر والنواهي والثواب والعقاب.
– الطفلُ يعلم الفرق بين الدلال والتربية وهو يشعرُ بالدفء حين يعلم أنّ عائلته تحميه وتحافظُ عليه من الأخطار، ويَسعدُ أكثر حينَ يعلمونَه كيف يتعاملُ مع هذه المشاكلِ ويُوجهونَه لطرقِ حلّها ويفتحونَ له نوافذَ التجربةِ مع الدعم والمؤازرة.
– حين يعبّرُ الطفلُ عن مشاعرهِ فيجدُ من يستمع له ويقوي عزيمته ويساعده في تخطي السلبيات ويكتشف لديه الإيجابيات.
– تعاملُ الوالدانِ مع بعضهما بالحبّ واللطفِ والتعاونِ والاحترامِ.
– التقديرُ للطفل وتعزيزهُ حين نجاحهِ والاحتفاءُ به والإشادة عليه والحديثُ عنه بخيرٍ أمام الغير بعلمهِ وبطرفٍ خفي نقصد إسماعه.
– اختصاصهُ بشيءٍ من المدحِ بين الحين والآخرِ ومناداتُه بلقبٍ جميلٍ، وإكرامُه ببعض العطايا والهدايا ومفاجأته بتحقيق أمنياته.
– إشعارُ الطفلِ بأنّه نعمةٌ من الله لنا وأنّنا سعيدون بوجوده بيننا، وأنّه ليس عالةً على الأسرة أو بلا فائدة، وأنّ حياتنا ستكون صعبةً بدونه وأنّ فراقه يترك وحشةً وأنّ له مكانةً في قلوبنا لا ينازعه فيها أحد.
كل هذه الأمور تشعرالأبناء بالامتنان الشديد والدفء العميق للعائلة، كما تجعل الجو يشع حنانًا واحتواءًا وتبعد الطفل عن الشحناء والعصبية والتوتر.