السجائر والمخدرات تجتاح المدارس في الجزائر
دقت عدة فعاليات في الجزائر جرس الخطر المحدق بـ8.5 مليون تلميذ في المدارس، متمثلًا في التزايد المستمر لعدد المدخنين ومستهلكي المخدرات من المتمدرسين في الطور الثانوي والمتوسط وحتى في الطور الابتدائي، ودعت إلى تحرك عاجل لإنقاذ هذه البراءة من شباك هذه الآفة.
الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث “الفورام” التي يرأسها البروفيسور مصطفى خياطي التي تتابع العديد من الجوانب المتعلقة بحياة الأطفال أجرت مسحًا ميدانيًا حول ظاهرة التدخين وتعاطي المخدرات في المدارس الجزائرية، لتكون النتائج مفزعة وأكثر مما كان يتصوره أكبر المهولين.
وقام بهذه الدراسة الميدانية 25 طبيبًا خلال شهر مارس 2015، والتي ينشر فريق “زدني” اليوم جميع نتائجها بالتفصيل لكشف حقائق مفزعة قد لا توجد في المدارس الجزائرية فقط، بل في كثير من مؤسسات التعليم العربية.
وشملت الدراسة عينة من التلاميذ في مدراس ببلديات شرق العاصمة الجزائر هي الحراش وبراقي والكاليتوس وسيدي موسى وباش جراحوبرج الكيفان وباب الزوار والدار البيضاء والرويبة ودرقانة وعين طاية، بمجموع 8645 تلميذ، 47% منهم ذكور و53% من الفتيات، 3419 منهم في الطور الثانوي تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 22 سنة، والبقية البالغة عددها 5226 تلميذ يدرسون في الطور المتوسط تتراوح أعمارهم بين 15 و22 سنة.
التدخين
وكشف التقرير الذي أجراه الأطباء أن 2.2% من تلميذات المتوسط يدخن، أي بين كل 2659 تلميذة، 60 منهن مدخنة، و8.3% منهن بدأن التدخين عند سن 12 عامًا و40% بعد سن 16 سنة، أما الذكور فـ14.8% منهم مدخنون أي 381 مدخن في كل 2567 تلميذ، 0.8% منهم بدؤوا التدخين عند عمر 12 سنة و40.8% بعد سن 16 سنة.
وفي الطور الثانوي، أظهرت الدراسة أن 3.6% من الطالبات يدخن أي 71 مدخنة في كل 1965 طالبة، و14.1% من المدخنات بدأن التدخين عند سن 15 أو 16 و85.9% بدأن في سن 17 سنة، أما الذكور فـ23.2% منهم بدؤوا التدخين في 15 أو 16 سنة و76% منهم بعد 17 سنة.
وأشارت الدراسة إلى أن 66.7% من تلميذات المتوسط المدخنات باشرن التدخين منذ أقل من عام، و33.3% منذ أكثر من عامين، أما الذكور فـ50.7% منهم يدخنون منذ أقل من عام، لكن 49.3% مدخنون منذ أكثر من سنتين، أما طالبات الثانويات المدخنات فـ 53.5% منهن يدخن منذ أقل من عام و46.7% انضممن لعالم المدخنات منذ أكثر من عامين، أما الذكور فـ63% يدخنون منذ أكثر من عامين و37% منذ أقل من عام.
وأحصت الدراسة أن 58.3% من المدخنات بالطور المتوسط يستهلكن أقل من 3 سجارات يوميًا، و31.7 % منهن يدخن بين 3 و10 سجائر، و10% يدخن علبة في اليوم، أما الذكور فـ26% منهم يدخنون أقل من 3 سجائر في اليوم و45.1% يدخنون بين 3 و10 سجائر يوميًا و28.9% يدخنون علبة سجائر كاملة.
أما الطور الثانوي، فإن 36.6% من المدخنات يكتفين بأقل من 3 سجائر في اليوم و35.2% يدخن بين 3و10 سجائر و28.2 % يدخن علبة ، أما الذكور فـ 22.2% يدخنون أقل من 3 سجائر يوميًا و48.7% يدخنون بين 3 و10سجائر يوميًا و29.1 % يدخنون علبة كاملة.
وأظهرت الدراسة تأثر التلاميذ المدخنين بالمحيط الذي يعيشونه، فـ13.7 % من تلاميذ المتوسط أساتذتهم يدخنون، و25% منهم يقدمون على التدخين داخل القسم، أما في الطور الثانوي فالمعضلة أكبر لأن 50 % من الأساتذة من المدخنين، و10% منهم يدخنون داخل القسم.
كما أشارت الدراسة إلى أن 33.5 %من المستجوبين في كلا الطورين أحد والديهم أو كليهما من المدخنين.
المخدرات
وبخصوص تحقيقها حول تعاطي المخدرات، أظهرت النتائج أن 89.5% من الإناث و86.6% من الذكور في المتوسط يعرفون ما هي المخدرات بالضبط، لكن في الثانوي فإن 89% من الإناث و72.6% من الذكور فقط من يعرفون ذلك.
وكشفت الدراسة أن 7.75% من الذكور (199 من2587 تلميذ) و1.27 (34 من 2859) من الإناث في المتوسط يتعاطون المخدرات، أما في الثانوي فـ 17.77% (273من 1454 تلميذ) من الذكور و2.21 (43 من 1965) من الإناث من مستهلكي هذه السموم.
وبحسب الوثيقة ذاتها، فإن 21.6 من تلاميذ المتوسط الذكور و8.8 من الإناث يتعاطون المخدرات يوميًا، أما في الطور الثانوي فـ26.4% من الذكور و18.6% من الإناث يتعاطون المخدرات يوميًا.
وتبين من خلال هذا البحث الميداني تأثير جماعة الرفاق على استهلاك هذه السموم، فثلثا متعاطي المخدرات في الطور المتوسط من إناث وذكور يستهلكونها في جماعة، أما في الثانوي فـ78% من الذكور يتناولونها أيضًا في مجموعات، أما الإناث فـ76.7 منهن يفضلن تعاطيها منفردات.
ولما سئل المستجوبون عن وقت تعاطي المخدرات، كانت النتيجة أن 46.7% من المتعاطيات و70.6% من المتعاطين في المتوسط يستهلكونها قبل منتصف اليوم و56.3% من الذكور و29.4% من الإناث يستهلكونها مساءً، أما في الطور الثانوي فـ84% من الذكور و75% من الإناث يتعاطون المخدرات مساءً.
وحسب الدراسة، فإن 17% من التلاميذ المتعاطين للمخدرات في الطورين ومن الجنسين يعلمون أن أحد الأبوين يستهلك المخدرات، كما أن 36.2% من الذكور و12.5% من الإناث في المتوسط و40% من الذكور و23.6% من الإناث في الثانوي لهم زميل على الأقل ممن يتعاطون المخدرات.
وأظهرت الدراسة أن 86% في الطورين ومن الجنسين يعلمون أن المخدرات لن تعالج مشاكل الشباب، و87 % فقط يعتقدون أن المخدرات تشكل خطرًا على صحتهم، و25ً لم يشاهدوا يومًا فيلمًا حول تعاطي المخدرات و73% منهم لم يحضروا مطلقًا محاضرة حول التحسيس بخطورة المخدرات.
وظهر في خصائص العينة المدروسة أن 96.5% من تلميذات المتوسط يعشن مع الأبوين، و3.5% منهن لا يعشن مع الوالدين معًا، و95.1%من الذكور يعيشون مع الوالدين والبقية عاشوا انفصال الأبوين.
أما في الطور الثانوي، فإن 94.7% من الطالبات يعشن مع الوالدين و5.3% لا يعشن معهما، و89.6% من الطلبة يعيشون مع الوالدين و10.4% لا يعيشون معهما.
وبخصوص مصدر مصروف التلاميذ، فقد أظهرت الدراسة أن 91.8% من تلميذات المتوسط يتحصلن على نقودهن من الوالدين و0.2% من العمل و8% من مصادر أخرى، في حين أن 84.9% من الذكور يحصلون على نقودهم من الوالدين و3.6% من العمل و11.5% من مصدر غير الوالدين.
وظهر في العينة أن 16.5% من تلميذات المتوسط قد أعدن السنة، و26.1% من الذكور أيضًا، و18.8% من طالبات الثانوية معيدات أما الذكور فـ34.7% منهم معيدون.
وأظهرت الدراسة ان 59.3% من تلميذات المتوسط يرون أن الحياة الدراسية جيدة، و11.7% يرينها سيئة، و16.2% يرينها مملة، و12.8% منهن يرينها صعبة، أما الذكور فـ44.8 منهم يرونها جيدة، و17.5 يرونها سيئة و24.2 يرونها مملة و13.5% يرونها صعبة.
أما طالبات الثانوية فـ58.8% منهن فنظرتهم للدراسة أنها أمر جيد، و17.5% يرينها سيئة، و18.4 يرينها مملة، و10% يرينها صعبة، أما الذكور فـ45.1% منهم يرونها جيدة، و12.8% يرونها سيئة، و18.4% يرونها مملة، و7.3% يرونها صعبة.
اختلاف وعقوبات
ورغم إقراره بصدقية هذه النتائج، إلا أن سمير محمد مدير متوسطة بغرب الجزائر يوضح لفريق “زدني” أن نسبة الإدمان أو تعاطي المخدرات والسجائر تختلف “حسب المناطق والبيئة المحيطة بالمدرسة، حيث تكثر في المناطق الحضرية وتقل في المناطق الريفية”.
وقال سمير محمد ” أنا مدير مدرسة في منطقة شبه حضرية، الظاهرة موجودة حقيقة وسط الذكور، لكن أعتقد أنها تغيب عند التلميذات”.
وأشار سمير محمد إلى أن القانون ينص على اتخاذ إجراءات عقابية ضد التلاميذ الذين يضبطون في حالة تلبس باستهلاك السجائر أو المخدرات، خاصة وأن الدراسة أشارت إلى أن المراحيض هي الأماكن المفضلة لتعاطي هذه السموم.
وأوضح أن الإجراءات تبدأ في البداية بالنصح والإرشاد والتحسيس والتحذير من خطر المخدرات، وفي حال إصرار التلميذ على تعاطيه سواء للمخدرات أو السجائر يحال على مجلس التأديب في محاولة لردعه وردع باقي زملائه الذين قد يحاولون سلوك هذا الطريق.
ورغم القوانين الردعية التي تمنع تناول هذه السموم داخل الوسط المدرسي، يشير محمد سمير إلى أن التلاميذ قد يكونون أحيانًا ضحايا أساتذتهم الذين لا يكتفون بالتدخين داخل المؤسسات التعليمية، بل يصل البعض إلى تكليف أحد تلاميذه بشراء السجائر له!
حلول
نادى خبراء خلال يوم دراسي حول “أضرار المخدرات والإدمان” – خاصة في الأوساط التعليمة من جامعات ومدارس – إلى ضرورة تعبئة المجتمع المدني، وتكثيف الجهود على مستوى الفضاءات الشبابية، لوضع برامج هادفة ونشاطات متنوعة تساهم في القضاء على الفراغ والإحباط.
وشدد خبراء على عمليات توجيه الشباب إلى ما يشجعهم على ترشيد طاقاتهم وحيويتهم نحو الأنشطة النافعة مثل الرياضة والثقافة والبحث المعرفي.
أما رئيس النقابة الوطنية المستقلة لعمال التربية والتكوين فيشدد على ضرورة التزام مديري المؤسسات التربوية بالحزم ومراقبة الأماكن الخفية في مؤسساتهم كالمراحيض والأروقة، التي غالبا ما تكون أماكن لتبادل الحبوب المهلوسة والسجائر والمخدرات.
أما الأخصائية الاجتماعية ثريا تيجاني فركزت في حديثه مع فريق “زدني” على ضرورة لعب الأسرة دورها التربوي في حماية التلاميذ والشباب من آفة التدخين وشبكات الاتجار بالمخدرات.
وترافع تيجاني لضرورة تكاثف جميع المؤسسات المجتمعية من أسرة ومدارس ومصالح الشرطة والدرك في تطويق نشاط من يهددون مستقبل التلاميذ، من خلال تكثيف العمليات التحسيسية وسط الحرم المدرسي.
ووقّعت وزارة التربية الجزائرية اتفاق تعاون مع وزارة الداخلية والجماعات المحلية ووزارة الدفاع، تقضي بحماية التلاميذ من مختلف الآفات خاصة المخدرات، ومحاربة مختلف الشبكات التي قد تستهدف التلاميذ.