الفلسطينية حنان الحروب: أفضل معلمة في العالم!
دائمًا ما يثير إعجابي أن أرى أشخاصًا يُضرب بهم المثل في الجدّ والمثابرة يخرجون من بيئات مليئة بالحروب والقتل والدمار .. مثل وردةٍ حمراءٍ تخرج من حقل قاحل لا يُرى فيه غير الرماد ..
لقد كانت المعلّمة الفلسطينية حنان الحروب مثالًا للوردة الحمراء التي ترعرعت وسط مجتمع فيه من الدمار ما فيه، وفيه من العنف والقتل ما يَرِقُّ له القلب ويسيل له الدمع، مع ذلك تمكّنت من التفوّق على بيئتها وأن تصنع تغييرًا كبيرًا في مجتمعها عبر وظيفتها كمعلمة.
من هي حنان الحروب؟
حنان الحروب هي معلمة فلسطينية حاصلة على جائزة أفضل معلّم في العالم في عام 2016، وكرّمها الشيخ محمد بن راشد بجائزة مليون دولار تقديرًا لتفوّقها ونجاحها في مجال التعليم.
ولدت حنان الحروب في مخيّم “الدهيشة” للاجئين الفلسطينيين في مدينة “بيت لحم”، حيث كانت معرضة للعنف بشكل منتظم من الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى معاناة أسرتها من الفقر الشديد..
“نشأتُ وترعرعتُ في بيئة كانت كلها عنف، أتذكر أنني لم أعِشْ طفولة ولا مراهقة ولا شبابًا!”
تخرجت حنان من مدرسة “بنات الدهيشة” في القسم العلمي، ثم تزوّجت وشجعها زوجها على الالتحاق بجامعة “القدس المفتوحة”، وهناك درست التربية الابتدائية، وعملت في مدرسة ابتدائية لكنها تحولت إلى تدريس المرحلة الإعدادية بعد ذلك.
وهي الآن تشغل منصب معلمة في مدرسة “بنات سميحة خليل” في محافظة رام الله.
كيف استلهمت حنان الحروب منهجها في التعليم؟
تصف لنا حنان الحروب ذلك اليوم المؤسف الذي قُتل فيه زوجها أثناء عودته من المدرسة برصاص الاحتلال الإسرائيلي، أُطلق الرصاص عليه وهو في سيارته ومعه أولاده، في هذا الوقت كان طفلهما في الصف الأول الإبتدائي، وابنتيهما التوأم في الصف الثالث، وقد شاهدوا أباهم وهو يلقى حتفه أمامهم، الأمر الذي سبب لهم صدمة نفسية عنيفة!
بعد هذه الحادثة، أصبح الأطفال منعزلين عن المجتمع، أصيبوا بعدم الثقة في النفس، كما عانوا من تدنّي تحصيلهم العلمي.. حاولت حنان علاج أطفالها بشتّى الطرق حتى توصلت إلى طريقة علاجهم بالألعاب!
قامت حنان بتصميم عدة ألعاب تفاعلية تساعد الأطفال على التعاون واكتساب الأخلاق وتعلّم المهارات واكتشاف المواهب عند الأطفال.
“أثناء فكّ منع التجوال بالانتفاضة الثانية كان الناس يخرجون للبحث عن الطعام، أنا كنت أبحث عن مكتبة لأشتري الألوان والبالونات وأدوات للرسم لأستطيع إخراج أولادي وطلابي من أزمة الحرب”.
لاحظت حنان النتائج الإيجابية للألعاب التي ابتكرتها على أطفالها، عندما دعت أطفال الحيّ إلى المشاركة في الألعاب لكي يستفيدوا كذلك، وأصبح بيت حنان الحروب علامة مميزة في الحيّ يُقْدم عليه الجيران لتقليد هذه الألعاب وتجربتها مع أطفالهم، وعلى مدى 7 سنوات، استطاع المنهج أن يتبلور في عقلها بالكامل فكانت مستعدة لتطبيقه على طلابها في الفصل.
نحنُ نُربّي، ثمّ نُعلِّم .. كيف أصبحت حنان الحروب على ما هي عليه؟!
“من اليوم الأول الذي دخَلتُ فيه الفصل، كنتُ مرشدة نفسية واجتماعية قبل أن أكون معلمة”.
يعتمد النظام الذي تنتهجه حنان الحروب في الفصل على القضاء على العنف بكل أشكاله، فكان شعارها الدائم الذي تقدّمه إلى الطلاب وتزرعه في عقولهم هو “لا للعنف”، وهي تزرع فيهم هذا الشعار المثالي عن طريق الألعاب التفاعلية التي يتعلمون من خلالها جميع الخصال الحميدة.
كما تقول بأنها تحوّر المنهج الدراسي لصالح شخصيات طلابها، ولصالح المنهج الذي تتبعه: “لا للعنف”، ولصالح إحداث تغييرات إيجابية في سلوكيات الطفل.
“منهجيتي في التعليم هي الحد من العنف باللعب والتعلم.. باللعب نستطيع تغيير الصفات السيئة والسلوكيات العنيفة، السلوكيات التي تشكل عائقًا للطالب في أن يتعلم شيئًا جديدًا”.
ويتضمن هذا المنهج الذي أسمته “نلعب ونتعلم” ألعابًا تعليمية وتربوية مع الصور والرسوم المتحركة والمسرحيات والأغاني..
في البداية لم يرغب الكثير في مشاركتها هذا المنهج، لكن مع النظر إلى النجاح الذي حققته في التدريس وظهور نماذج من طلاب تغيَّرت سلوكياتهم تحت أيديها بالفعل، اندفع زملائها المعلمون والإداريون لكي يستفيدوا ويتعلموا من الدورات التدريبية التي تنظمها.
“عن طريق اللعب، أعلّمهم آليات الحوار وكيف يحاكمون سلوكياتهم، وما هي السلوكيات التي أدّت للخسارة، الطالب أثناء ممارسة الطفل لهذه الألعاب يضطر لتغيير سلوكياته تدريجيًا لأنه يريد المشاركة والفوز والحصول على الجوائز، كما أنّ المجموعة تشجعه علي ذلك”.
في الألعاب الجماعية التي تنظمها حنان الحروب في فصلها، تلعب الجماعة دورًا رئيسيًا في عملية التعلم والتغيير، فالجماعة بنفسها تبدأ تدريجيًا بتطوير السلوكيات الإيجابية للفرد، كما تحاسبه على سلوكياته غير المرغوبة فيحلّ محلها سلوكيات إيجابية أخرى، كل هذا دون أن تُأنّب هي بنفسها الطالب، فهي في هذه الألعاب تلعب دور المشرفة والمصلحة الاجتماعية فقط.
أفضل معلمة في العالم ..
في أثناء حوارها مع لجنة الجائزة، تقول حنان الحروب في أسىً بالغ:
“نحن فقط نريد السلام.. نريد لأطفالنا أن يتمتعوا بطفولتهم في سلام”.
بدأ الأمر حينما بلغت الشهرة التي حققتها حنان الحروب الآفاق، فتم اختيارها ضمن أفضل 10 مدرسين حول العالم في 2016، وتم الإعداد لحفل ضخم شارك فيه 110 بلدًا، 22 وزيرًا للتعليم، 118 منظمة إعلامية وصحفية، كما حضره العديد من الممثلين مثل “ماثيو ماكونهي”، “سلمى حايك” و”أكشاي كومار”، وسياسيين مثل الأمير ويليام، والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.
بالإضافة إلى عالم الفيزياء النظرية الشهير “ستيفن هوكينغ” الذي دعم المؤتمر وأشاد بقيمة وأهمية الجائزة.
في يوم الحفل، اختارها البابا فرانسيس لجائزة “أفضل معلّم في العالم” من بين الـ 10 مدرسين الذين تم ترشيحهم مسبقًا، وكانت لحظة مهيبة.. بعد ذلك كرّمها الشيخ محمد بن راشد بمليون دولار، كما حصلت على العديد من الجوائز الأخرى، واشتهرت حنان الحروب في الصحف العالمية والدولية.
تقول حنان الحروب في اللقاء الذي أجرته مع جامعة هارفارد:
“حول العالم، التعليم لا يشكل القيمة التي تحصل عليها الوظائف الأخرى، ولكن المعلمون هم الطاقة الحقيقية للعالم، إنهم المُعلّمون الذين يضيؤون شرارة الفضول..إنهم المعلّمون الذين يقودون الطريق ويشيرون إليه.. إنهم المعلمون الذين يأخذون الجيل القادم في أيديهم ويُشكّلونه”.
لحظة تكريم حنان الحروب بجائزة أفضل معلم في العالم:
مشاهد من يوم الحفل: