تحقيقات زدني

المحرومون من التعليم الأساسي في مصر: قرى بلا مدارس

“جيزة …جيزة” كانت هذه نداءات طفل في الرابعة عشر من عمره في أحد مواقف سيارات الأجرة، حيث يعمل تابعًا لسائق السيارة ، يكسب في اليوم عشرات الجنيهات، لكنه لم يكن يتخيل يومًا أن يكون هذا مصيره، أن تلوح  الشمس وجهه بسمرة،  ويقتل الفقر براءته، لكنها الحاجة التي تجبر طفل  صغير على العمل.

ابتسامة رقيقة تعلو وجه محمد وهو يقول لـ “شبكة زدني”:  “أنا من محافظة الفيوم وكنت في المدرسة أتعلم ..كنت متفوقًا، ولكن وفاة والدي حرمتني من حلمي بأن أكون طبيب أسنان، فوجدت نفسي رجلًا وأنا في الثامنة من  عمري يجب أن أتحمل المسئولية وأصرف على والدتي، واضطررت لترك التعليم والاتجاه إلى العمل.

ويضيف طفل في سني هذا.. ما العمل المناسب له؟ ماذا سيعمل؟! كان لا بد من السفر  إلى القاهرة وعملت تابعًا لسائق؛ أقوم بجمع الركاب، وجمع الأجرة منهم، ثم أقبض راتب يومي عشرات الجنيهات، و بعد انتهاء العمل أنام على الأرض في الموقف، وفي آخر الأسبوع أذهب لأمي لأعطيها ماكسبته من عرق جبيني، ويقول في حسرة: “ضاعت الأحلام ولم أتعلم إلا مباديء القراءة والكتابة بسبب الظروف.”

محمد طفل مصري، ويوجد مثله أكثر من مليون  طفل آخر  حرمهم الفقر من التعليم، كما أن هناك نقصًا كبيرًا في الأبنية المدرسية في آلاف القرى والنجوع في أنحاء مصر.

أما أطفال الشوارع الذين ترفض المدارس قبولهم فهم مشكلة أخرى، ومع الكثافة السكانية وكل هذه المشاكل نجد أنفسنا في أزمة تعليمية كبيرة جدًا، والأزمة الأكبر عندما يكبر هؤلاء الأطفال ولا يجدون أي فرصة عمل أو حياة كريمة.

ويصل عدد الأطفال المصريين أقل من “18 عام” إلى حوالي 32 .5 مليون طفل، وصلت نسبتهم لـ 36.6% من إجمالي السكان حتى منتصف 2015، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، والذي بين أن الحالة التعليمية للأطفال وفقًا لإحصائيات وزارة التربية والتعليم المصرية، أظهرت أن نسبة القيد الصافي في رياض الأطفال سجل نحو 26.5% للذكور،في مقابل 26.3% للإناث من إجمالي السكان في الفئة العمرية (4  إلى 5) سنوات.

كما بلغت 89.6 % للذكور، 91.3% للإناث في مرحلة التعليم الابتدائي من إجمالي السكان في الفئة العمرية (6 إلى 11سنة)، وبلغت في مرحلة التعليم الإعدادي 77.4% للذكور، 84.6% للإناث من إجمالي السكان في الفئة العمرية من (12 إلى 14 سنة) للعام الدراسي 2013 /2014.

وأظهر التقرير  أن نسبة التسرب من المدارس بلغت  0.8% من إجمالي المقيدين في المرحلة الابتدائية “1% للذكور ، و0.6% للإناث”، بينما بلغت في المرحلة الإعدادية 4.9% لكل من الذكور والإناث من إجمالي المقيدين بهذه المرحلة بين عامي “2012 -2013/ 2013-2014”.

قرى بلا مدارس (إحصائيات ومقارنات)

بحسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم المصرية على موقعها الرسمي، فإن ازدياد عدد التلاميذ في المرحلة الابتدائية بالمدارس الحكومية وصل إلى 9 ملايين و906 آلاف تلميذ، موزعين على 231 ألفًا و196 فصلًا في 17 ألف و619 مدرسة، الأمر الذي جعل نسبة الكثافة تصل إلى 42.85 %.

وتعاني أكثر من 2370 قرية مصرية من عدم وجود تعليم أساسي بها لعدم توفر مدارس أو فصول دراسية، بحسب آخر إحصاء لهيئة الأبنية التعليمية لعام 2015- 2016 مما يعني حرمان أطفال هذه القرى والنجوع من التعليم، وهو ما يعد أزمة تتفاقم سنويًا في ظل ارتفاع عدد المواليد وعدم بناء مدارس جديدة، رغم وعود وزارة التربية والتعليم بحل هذه الأزمة.

وتحتل محافظة سوهاج في صعيد مصر، قائمة المناطق المحرومة من التعليم الأساسي، والتي حددها التقرير الذى صدر عن الهيئة العامة للأبنية التعليمية بـ2370 منطقة، في 17 محافظة، حيث يوجد بها  351 منطقة بلا مدارس، يليها مركز البلينا بمحافظة سوهاج، وبه 73 منطقة محرومة من المدارس، كما أن محافظة قنا يوجد بها 303 منطقة محرومة من المدارس بالقرى والنجوع والكفور، وعلى رأسها مركز قوص وبه 69 قرية بلا مدارس، وتلاه مركز “أبوتشت” بـ56 قرية، ومركز قنا وبه 49 منطقة بلا مدارس.

فيما تحتل محافظة المنيا المرتبة الثالثة بين المحافظات الأكثر حرمانًا من المدارس، ويوجد بها 291 منطقة محرومة من المدارس، ويأتى مركز سمالوط في مقدمة المراكز التي تحتاج إلى أبنية تعليمية بالمنيا بـ58 منطقة، يليه مركز المنيا بـ51 منطقة، ثم بني مزار، والعدوة وملوي ودير مواس، وباقي مراكز المحافظة.

ولم تخلُ محافظة البحيرة من قائمة المناطق المحرومة من المدارس بها، وفيها 270 منطقة بلا مدارس تعليم أساسي، واحتل مركز كفر الدوار القائمة وبه 72 منطقة محرومة، وتلاه مراكز دمنهور وشبراخيت وإيتاى البارود والرحمانية، وبدر، فيما رصد التقرير 217 منطقة محرومة من المدارس في أسيوط، وكان لمركز ديروط النصيب الأكبر بـ28 قرية بلا مدارس، تلاه مركز أسيوط بـ24 منطقة محرومة، ثم مراكز الغنايم، والقوصية، وصدفا.

وفي كفر الشيخ توجد 136 منطقة بلا مدارس للتعليم الأساسى بحلقتيه الابتدائية والإعدادية، وعلى رأسها مركز الحامول بـ34 قرية ثم مركز البرلس بـ13 منطقة، فى حين توجد 4 مناطق بمركز كفر الشيخ بلا أبنية مدرسية. وجاءت الشرقية تالية بعد كفر الشيخ بـ135 منطقة، وتلتها الفيوم بـ115 منطقة، ثم بني سويف بـ114 قرية، والجيزة وبها 70 منطقة محرومة من مدارس التعليم الأساسي.

وتلت الجيزة فى المناطق الأكثر حرمانًا من المدارس، محافظة الدقهلية، وبها 68 منطقة، والقليوبية وبها 45 منطقة، والغربية وبها 43 قرية، ثم كل من المنوفية والإسماعيلية بـ41 منطقة، ودمياط وبها 40 قرية، وجاءت الأقصر فى ذيل القائمة بـ 29 منطقة فقط.

الفقر يحرم التعليم

عبدالله محمد عبدالكريم طفل عمره 15 عام يعمل صيادًا، وهو من قرية منشأة بني عتمان التابع لمحافظة الفيوم، توفي والده وهو في الصف الخامس الابتدائي، مما اضطره إلى ترك المدرسة ليعمل بالصيد مع أقاربه،  فهو أكبر إخوته سنًا وذلك  حتى يستطيع تدبير نفقة عائلته المكونه من الأم وثلاثة إخوان.

ويؤكد  “أيمن محرم ” مدرس الدراسات الاجتماعية بالقرية، لـ “شبكة زدني التعليمية” أن هذا التلميذ كان من أوائل الطلاب في  المدرسة،  لكن العامل الاقتصادي هو الأساس علاوة على الفقر والجهل المنتشر  في قريته، فحرمه الفقر من إتمام دراسته.

ويضيف سوء الإدارة بالمدارس وقلة التشجيع على التعلم وعدم الاهتمام من قبل المديريات التعليمية علاوة على الكثافة العددية داخل الفصول كانت السبب في تسرب 25% من طلاب الفصل الذي أشرف عليه في إحدى مدارس ريف مصر، حيث أن نسبة الانقطاع الدائم تجاوزت نسبة 25% وخصوصًا بين الإناث.

ولذات السبب، يقول محرم تسربت الطالبة  “إيمان مسعود” من التعليم، بسبب عدم مقدرة الأسرة على تحمل أعباء الدراسة، علاوة على أن هناك عبئًا إضافيًا يتمثل في الدروس الخصوصية التي يحتاجها الطلاب، نظرًا لعدم استيعاب المدارس لهم.

لماذا يتسرب الطلاب من التعليم؟

وفي هذا السياق يقول أ. حسين سهل – مدير مدرسة السلام الابتدائية، لـ “شبكة زدني التعليمية” : إن مشكلة التّسرب من التعليم لها أكثر من شقّ، الأول شقّ مادي يتمثل في ضعف الحالة المادية للأسر وارتفاع الأسعار وسوء الأحوال الاقتصادية بشكل عام.

وشقّ تربويٌّ، يقع على عاتق الدولة يتمثل في ارتفاع كثافة الطلاب داخل الفصول، حيث يستوعب الفصل على حد قوله حوالي 40 طالباً بينما يتواجد حاليا في الفصل 80 طالبًا، وإذا كان المقعد يستوعب طالبين فإننا بالمدرسة نجلس 4 طلاب على كل مقعد نظرًا للكثافةِ العددية.

ويضيف المدير “سهل”  قائلًا: علاوة على ذلك لا توجد تجهيزات تساعد الطلاب على ممارسة الحياة التعليمية حتى أماكن جلوسهم سيئة ولا يجدون راحتهم، لافتًا إلى ضعف الاستيعاب مما يجعل الطالب محتاجًا للدروس الخصوصية، وهذا الأمر  يشكل عبئًا كبيرًا إضافيًا على الأسرة.

ويشير   المدير  “سهل”  إلى أن ارتفاع الكثافة العددية للطلاب يقلل الطاقة الاستعابية للمدرسة، وهذا يتسبب في تسرب الطلاب، ويتابع قائلًا: إن من أسباب التسرب الدراسي أيضًا أن المناهج غير مناسبة لبيئة الطلاب ولا أعمارهم.

ثم  فجّر أمرًا آخر وهو أنه يوجد عجزٌ كبير في عدد المدرسين علاوة على عمل المدرسين في غير تخصصاتهم وسوء توزيع حملة المؤهلات، مما يؤثر سلبًا على أدائهم أما بالنسبة لقلة الأعداد فيصل العجز بالمدارس داخل المدن إلى 10 مدرسين، بينما يتضاعف  هذا العدد في القرى مما يسبب ضغطًا كبيرًا على  المدرسين، على سبيل المثال يكون نصيب المدرس 24 حصه بدلًا من 12 وهذا يؤثر سلبًا على آدائه.

خطة الوزارة لحل الأزمة

تسعى وزارة التربية والتعليم إلى توفير الخدمة التعليمية للمناطق المحرومة حيث إن 5.6% من إجمالي القرى والتوابع على مستوى الجمهورية تحتاج إلى بناء (32108) فصلًا لتوفير الخدمة التعليمية بهذه المناطق، وذلك  من خلال الالتزام بتطوير محاور العملية التعليمية كافة بالتوازي، لا سيما المباني التعليمية والتي تعد محورًا رئيسًا من محاور العملية التعليمية.

وتؤكد الوزارة في بيان سابق حصلت “شبكة زدني التعليمية” على نسخة منه، أن 42% من المدارس الحكومية تعمل بكثافة أكبر من الكثافة المعيارية، وأن 18% من المدارس الحكومية تعمل بنظام تعدد الفترات، وللقضاء على مشكلة الكثافة بالفصول الدراسية لا بد من بناء عدد (53034 ) فصلًا.

وتشير الوزارة إلى أنه  تم الانتهاء من إنشاء عدد (419) مشروعًا تشمل مدارس جديدة، وتوسعات بمدارس قائمة بإجمالى (5815) فصلًا، وجارى التنفيذ فى (625) مشروعًا بإجمالى (9580) فصلًا، ومن المتوقع الانتهاء منها مع بدء العام الدراسى الجديد 2016/2017، وذلك من أجل توفير المساحة المطلوبة وخدمة المناطق المحرومة، بالإضافة إلى حل المشكلات الأساسية بالمبانى المدرسية، وخفض الكثافات فى جميع المراحل التعليمية.

وتعترف وزارة التربية والتعليم بوجود نسبة تسرب من التعليم تصل إلى 0.81%، وقسمته إلى نوعين، إما طلاب لم يلتحقوا بالتعليم من الأصل، أو طلاب مسجلين بالمدارس ولم يحضروا الامتحانات 3 مرات أي لمدة عام ونصف، وقامت الوزارة بتحفيز الطلاب والأهالي بالإعلان عن دفع 600 جنيه لأسرة الطالب المتسرب تستهدف عودة النوع الثاني من الطلاب، وهم المدرجون بالمدارس، وهو الأمر الذي يوضح أن الوزارة لا تعالج أزمة التسرب من التعليم كاملة.

ويلزم تنفيذ أكثر من 35 ألف فصل لتغطية هذا الاحتياج. بالنسبة للتعليم الأساسى فإن عدد المناطق المحرومة هو2367 قرية،  أما بالنسبة للتعليم الثانوى فتوجد 537 وحدة محلية بلا مدرسة ثانوية، وبالنسبة للتعليم الفني، فيوجد 66 قسمًًا بلا مدرسة للتعليم الفني.

أحمد مصري

صحفي وناشط حقوقي مصري وباحث في الشأن التركي
زر الذهاب إلى الأعلى