تحقيقات زدني

المدارس الخاصة… وجودة التعليم في الجزائر

يقول “ د. ساعد “ موظف جزائري وهو أب لثلاثة أطفال، إنه وفر مبلغًا ماليًّا معتبرًا وقرر إدخالَ ابنته إلى مدرسة خاصة، لأنه كان مقتنعًا في البداية أن هذه المدارس تمنح الطالب أفضلية من ناحية جَودة التعليم والدراسة والمناهج، إضافة إلى اكتساب اللغات الأجنبية، وهو ما تم فعلًا، حيث زاوَلَتِ ابنته “ريما“ دراستها خلال السنوات الثلاثة الأولى بمدرسة خاصة، إلا أنه قرر بعدها تحويلها لمدرسة حكومية لعدة أسبابٍ، أبرزها:

ضعف مستواها التعليمي بسبب عدم استقرار الأساتذة وانتقالهم من مدرسة إلى أخرى، زيادةً على هذا تكاليف الدراسة التي تتجاوز 16 ألف دينار شهريًّا لطبلة البكالوريا وأكثر من 7 آلاف دينار لطلبة الطور المتوسط وحوالي 4500 لطلبة الابتدائي.

ويطالب المتحدث من وزارة التربية في الجزائر بضرورة التدخل لضبط الارتفاع الذي حال دون مواصلة ابنته الدراسة في القطاع الخاص، فتحويلها إلى إحدى المؤسسات العمومية كان له عدة آثار سلبية أبرزها صعوبة تأقلمها، خاصة وأن تلاميذ المدارس الخاصة يحظون بمعاملة خاصة غير تلك المتوافرة في المؤسسات العمومية التي تتسم بانضباط كبير، كما أن الأستاذ داخل القسم يكون في معظم الأحيان صارمًا مع التلاميذ، وهو ما لا يتوافر في بعض المدارس الخاصة؛ فالتلميذ يحظى بمعاملة خاصة تجعله في بعض الأحيان يتغاضى عن أداء واجباته المدرسية،

المدارس الخاصة في الجزائر تتحول إلى مؤسسات مالية:

ويقول أستاذ سبق له أن درس بإحدى المؤسسات التربوية الخاصة، رفض الإفصاح عن هويته لأسباب مهنية بحتة، في تصريح لشبكة “زدني“ حيث كان من الصعب علينا الوصول إلى عينات من الأساتذة لفتح الحديث حول هذا الموضوع، فقد رفض الأساتذة العاملون فيها الحديث إلينا، وهو ما جعلنا نبحث عن أساتذة توقفوا عن التدريس بها، وعادوا للقطاع العمومي:

“إن بعض المدارس الخاصة تحولت إلى مؤسسات مالية بحتة تهدف بالدرجة الأولى لتحقيق الربح السريع بأي طريقة، فمن بين الملتحقين في بداية الموسم الدراسي تلاميذ مطرودين من المؤسسات العمومية يلتحقون بعدها بالمدارس الخاصة ويسمح لهم بمواصلة دراستهم والحصول على شهادات في نهاية المطاف“ ويضيف قائلًا: “كنا نحن الأساتذة نعقد مجلسًا في نهاية الموسوم الدراسي، ونُعِدُّ قائمة خاصة بأسماء التلاميذ المنتقلين وأخرى خاصة بالمعيدين، لكن في بداية الموسم الدراسي الموالي نجد أن التلاميذ المعيدين قد انتقلوا ولم يعيدوا“

900 تحويلًا في ظرف موسم واحد:

وكشفت دراسة أعدتها وزارة التربية في بداية الموسم الدراسي الحالي، اطلعت شبكة “زدني“ عليها، أنه يتم تسجيل هجرة جماعية للتلاميذ من مؤسسات التعليم الخاصة إلى مؤسسات التعليم العمومية، نظرًا لارتفاع تكاليف التسجيل، وعدم استقرار الأساتذة، كما سلطت الدراسة الضوء على نتائج شهادة البكالوريا، التي لم ترق إلى المستوى المطلوب، وهو ما دفع بعشرات التلاميذ إلى التحويل من المدارس الخاصة نحو المدارس العمومية.

حيث فاق عدد التحويلات التي تم تسجيلها خلال الموسم الدراسي الماضي 900 تحويلًا، وحسب الدراسة ذاتها ففي الامتحانات الرسمية الماضية قد تم تسجيل نجاح 5 مترشحين فقط من أصل 55 مترشحًا بإحدى المؤسسات الخاصة، في حين تم تسجيل نجاح 14 مترشحًا من أصل 47 مترشحًا بمؤسسة أخرى، كما أشارت الدراسة أن نسبة النجاح قد تراوحت بين 20 و28 بالمائة، وهي نتائج ضعيفة مقارنة بالنتائج التي حققتها مؤسسات التعليم العمومية عبر الوطن، وبخصوص فئة الأحرار، فقد تم تسجيل نسبة نجاح قدرت بـ51,87 بالمائة، وهي نسبة جيدة، خاصة وأن أغلب الناجحين من فئة الطلبة الجامعيين الذين يبحثون عن رفع معدلاتهم في الامتحان لاختيار التخصصات التي يرغبون في متابعتها بالجامعة.

وأعلنت الوزارة الوصية منذ ثلاث سنوات تقريبًا، عن فتح تحقيق في عمليات الانتقال غير القانوني للتلاميذ من المدارس العمومية إلى الخاصة والعكس، وأثبتت النتائج الأولية للتحقيقات التي أجرتها الوزارة أن بعض المدارس أصبحت تقدم خِدْمات من نوع خاصة للأولياء، حيث تقوم بامتصاص فئة “ المطرودين “ و“ المعيدين “ في المؤسسات العمومية على أن يتم إعادتهم إلى المدارس الأصلية بعد عام من الدراسة.

المدارس الخاصة تحت المجهر:

ووضعت وزيرة التربية نورية بن غبريت، مباشرة بعد تعينها على رأس القطاع منذ ثلاث سنوات، المدارس الخاصة تحت “المجهر“ بعد أن كشفت مختلف التقارير التي وصلت مكتبها تجاوزات ومخالفات بالجملة، أنعشت هذه “التجارة“ المربحة، وتضمنت تصريحات المسؤولة الأولى عن قطاع التربية في الجزائر، باعتراف مباشر وصريح بضعف مستوى تلاميذ المدارس الخاصة، وطالبتهم بتحسين النتائج كشرط لاستمرار نشاطها، وشددت مباشرة بعدها إجراءات منح تراخيص فتح المدارس الخاصة التي تضم أكثر من 20 ألف تلميذ مسجل فيها، فيما يتجاوز رقم أعمال سوق التعليم الخاص في الجزائر 16 مليار سنتيم سنويًا، ويتجاوز عددها 300 مدرسة خاصة معتمدة من قبل الدولة.

مالكوها لا علاقة لهم بقطاع التعليم: 

ويقول في الموضوع رئيس جمعية أولياء التلاميذ خالد أحمد، في تصريح لشبكة “زدني“: إنه على الرغم من أن هذه المدارس التعليمة الخاصة تدرس تلاميذها بمقررات ومناهج وزارة التربية الوطنية كما أن بعضها تتنافس لجلب خيرة الأساتذة، إلا إن أغلبها فشلت في رفع المستوى التعليمي للتلاميذ لعدة أسباب أبرزها أنها توظف الأساتذة المتقاعدين، فمعظمهم يدرسون بالمنهاج القديم الذي لا يتوافق مع برامج الجيل الثاني التي تحتاج إلى تكوين وكفاءات عالية، فتجربتهم أكل عليها الدهر وشرب، وهو ما كشف عنه وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي السابق، محمد الغازي، قائلًا إن: “أغلب الأساتذة يريدون التقاعد للعمل في القطاع الخاص”، ويؤكد أن 60 بالمائة من متقاعدي المدارس العمومية يشتغلون بالقطاع الخاص و90 بالمائة منهم يسعون إلى تحسين مستواهم المعيشي، فرغم خبرتهم في التدريس إلا أن المناهج التربوية الجديدة تحتاج لمتخرجين جدد يحملون شهادات الماستر والماجستير.

ويضف خالد أحمد، في تصريح لشبكة “ زدني “: “إن معظم مالكي هذه المدارس لا علاقة لهم بقطاع التربية، فرغبتهم الوحيدة هو جني المال لأن التعليم في القطاع الخاص يُدِرُّ على صاحبه أموال طائلة، فتكاليف الدراسة فيها قد تتجاوز 15 ألف دينار شهريًا بالنسبة لطلبة البكالوريا، وحوالي 8500 دينار لطلبة الطور المتوسط، وأزيد من 4500 دينار شهريًا لطلبة الابتدائي، خاصة وأن الحكومة الجزائرية غير قادرة على تحديد سقف التسجيل فيها باعتباره مؤسسات حرة، كما أن مالكي هذه المؤسسات يوظفون مديرين بدون أي صلاحيات تذكر، حيث يوضعون في الواجهة فقط، بينما يعتبر المالك هو المسير المادي والمعنوي للمؤسسة التربوية“.

ومن بين الأسباب الأخرى التي أسهمت في تدني المستوى التعليمي للتلاميذ في المؤسسات التربوية الخاصة، يشير خالد أحمد إلى عدم استقرار الأساتذة في القطاع الخاص، كما أن هذه المؤسسات لا تخضع للرقابة من طرف المفتشين التربويين وترفض تأسيس جمعيات أولياء التلاميذ هروبا من المتابعة والانتقاد لذلك انحرفت بعضها عن المسار الدراسي.

ويشير رئيس جمعية أولياء التلاميذ، إلى أن جمعيته تلقت شكاوى كثيرة من أولياء التلاميذ بسبب عدم التزام بعض المدارس بشروط التعليم كتنظيم الأنشطة الثقافية والتربوية، والزيادات غير المبررة في حقوق التسجيل، ودفعت كل هذه الأسباب بوزارة التربية الوطنية والتعليم سنة 2004، بغلق بعضها؛ لأنها قد خالفت القانون، وبلغة الأرقام يقول خالد أحمد أن 80 بالمائة من التلاميذ المتمدرسين في القطاع الخاص مستواهم التعليمي ضعيف،

وحسب الإحصائيات التي تحوز عليها جمعية أولياء التلاميذ فإن الوزارة الوصية قد أغلقت 9 مدارس خاصة لعدة أسباب أبرزها عدم احترام بنود دفتر الشروط، على غرار توفير الأمن والنظافة ومخالفة قوانين أخرى.

لا تخضع للتفتيش والرقابة:

ويقول عضو لجنة التربية والتعلم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية بالبرلمان، مسعود لعمراوي، في تصريح لشبكة “زدني“: “إن الكثير من أولياء التلاميذ يختارون المدارس الخاصة وكأنها “الفردوس المنشود“ لأبنائهم لتحقيق نتائج إيجابية فكثيرون يعتقدون أن المدارس الخاصة أفضل بكثير من الحكومية إلا أن النتائج المحققة أثبتت عكس هذا؛ لعدة أسباب أبرزها التغييرات الدائمة في الطاقم التربوي والإداري“.

ويضيف مسعود لعمراوي: “إنه بسبب ضعف المستوى التعليمي للتلاميذ في المدارس الخاصة، طالب مسيرو هذه المؤسسات بامتحانات رسمية خاصة، لتضخيم النتائج في نهاية الموسم الدراسي وهو الأمر الذي رفضته جملة وتفصيلًا الوزارة الوصية، ويشير إلى أن بعضها تحولت إلى مؤسسات تجارية بحتة يسعى مسيروها لجني أموال طائلة، بالنظر إلى تكلفة التسجيل فيها، فوزارة التربية مطالبة في الظرف الراهن بإيفاد لجان تحقيق لهذه المؤسسات أو تعيين مستشار تربوي معتمد في كل مدرسة خاصة“ ويضيف مسعود لعمراوي: “إن الوزارة لم تنجح في تحديثها وإثرائها معرفيًا ومعلوماتيًا، والانتقال من المدارس التقليدية إلى ما يُسمى بمنظومة المدارس الذكية كما فعلت ذلك دول تعتبر رائدة عالميًا من حيث  ارتفاع مستوى التعليم بمختلف أطواره الثلاث، كاليابان أو السويد أو مقاطعة هونغ كونغ الصينية“.

ويؤكد أن الوزارة الوصية مطالَبة اليوم بفرض رقابة صارمة على المدارس الخاصة بهدف رفع نسب التعليم وتطويره، فهي عبارة عن تجارب فتيّة في الجزائر، بالمقارنة مع دول عربية أخرى سبقتنا في هذا المجال كدولة الإمارات العربية المتحدة أو لبنان.

نتائج الامتحانات الرسمية تفضح مستواها التعليمي:

ومن جهته يقول رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، هواري قدور، في تصريح لشبكة “زدني“ إن: “المدارس الخاصة في الجزائر هي حتمية الإضرابات المتكررة للأساتذة في المدارس العمومية، وحسب الإحصائيات التي تحوز عليها الرابطة فإن أكثر من 11 بالمائة من التلاميذ قاموا بالتغيير من المدارس الحكومية إلى الخاصة قبل تاريخ 23 فيفري/ فبراير 2018، رغم ضعف المستوى التعليمي”.

ويضيف هواري قدور أن: “نسبة النجاح في الامتحانات الرسمية في المدارس الحكومية أكبر بكثير من المدارس الخاصة فلا يوجد متفوقين فيها حققوا معدلات فوق معدل 15 /20، كما أن تلك المدارس الخاصة لا تتوفر فيها الشروط اللازمة للدراسة كالمساحة الضيقة والتهوية، ويبقى بذلك التلميذ حبيس أربعة جدران طيلة ساعات الدراسة، ويكشف هواري قدور أن أغلب المسجلين فيها هم مطرودون أو ضحايا التسرب المدرسي الذي تعاني منه الجزائر، وأيضًا أبناء العديد من المسؤولين في وزارات حساسة في الدولة وأبناء سياسيين ورجال أعمال”.

ويضيف المتحدث أن:

“كل المدارس الخاصة في الجزائر لا تخضع لأي رقابة من طرف الوزارة الوصية”.

زر الذهاب إلى الأعلى