المنطق يستغيث!
هل فكرت يومًا فى صحة ما تُقدمه من حجج لأفعالك وإن كانت منطقية أم لا؟
هل شككت من قبل فى أحد التبريرات التى تُقدَم أمامك او تُقدمها أنتَ، ولكنكَ عجزت عن اكتشاف الخطأ؟
ألم تشعر فى لحظة صفاء فكري أن الكثير من التبريرات التى نسوقها ونُلبسها لباس الأدلة ما هي إلا صيغة لما أردنا التبرير عليه ولكن بطريقة أخرى!
فكرت فى هذا أم لم تفعلْ هذا لا يُغير من حقيقة وقوع هذه الأمور وبشكل يومي تقريبًا.
المنطق غير الصورى:
فى سبعينات القرن المُنصرِم ظهر المنطق غير الصورى كمجال قابل للاستقلالية فى البحث مع أعمال كل من رالف جونسون وأنتونى بلير، والمنطق غير الصوري هو المنطق الذى يستخدمه المرء فى حياته اليومية؛ للمفاضلة بين الحجج، وتحليلها، وبيان مدى صحتها، وبعدها عن التلاعب اللغوى، أو الشّحن العاطفى.
إن وضع هذا المصطلح فى سبعينات القرن العشرين لا يعنى مُطلقًا أن المنطق بدأ يأخذ موضعه فى حياة العامة من ذلك الوقت، ولكن فقط تم التعامل معه كمبحث قائم بذاته، ومن أهم المُصطلحات المُرتبطة بهذا الفرع من المنطق ما يُطلق عليه المغالطات المنطقية.
المغالطة:
المغالطة هى مصدر من الفعل الرباعي غالط ويُقال غالطه فى الحساب أى أوقعه فى الغلط، وفى كلامه مُغالطة أى فى كلامه محاولة للإيقاع فى الخطأ.
وتعريفها فى المنطق لا يختلف عن تعريفها فى اللغة، فالمغالطة تُشير فى المنطق إلى شكل باطل من أشكال الاستدلال، وهنا نحن نصف الاستدلال لا القضية التى نستدل على صحتها، فقد تكون القضية صحيحة والاستدلال عليها مغلوط، وقد تكون قضية خاطئة والاستدلال عليها خاليًا من المغالطات.
إن الوقوع فى المغالطات إما أن يقع فيه المرء دون قصد، أو أن يكون مقصودًا لتضليل الطرف الآخر من الحوار.
من أشهر المغالطات المنطقية:
أولًا: المصادرة على المطلوب:
إننا حين نستخدم البرهان فذلك لأننا نُريد أمر أقوى وأكثر ثقة من الأمر الذى نُريد إثبات صحته، ومن خلال البرهان الصحيح نستطيع إزالة الشّك عن القضية المُراد البرهنة عليها.. وفى حالة المصادرة على المطلوب، يفترض المُحاوِر صحة المقدمة بناءً على صحة النتيجة، التى بدورها مُعتمدة على صحة المقدمة.
نقول: س صحيحة لأن ص صحيحة، و ص صحيحة لأن س صحيحة.
تبدو المغالطة واضحة تمامًا عندما يتم تجريدها، أما عند استخدام اللغة وشحنها بالألفاظ يبدو الأمر منطقيًا تمامًا.
ثانيًا: مُغالطة الحجة الشّخصية:
إن العامة فى مُختلف العصور عندما يعجزون عن تفنيد الرّسالة يقومون بقتل الرّسول!
تقع فى هذه المُغالطة عندما تحتج بشخصية صاحب القضية على صواب أو خطأ قضيته، ولهذه المغالطة عدة صور، منها ما يكون عن طريق العيب فى الخصم مباشرة، والطعن فيه، مُتوهمًا أنك تطعن فى القضية.
ومنها التّعريض بالظروف الشخصية للطرف الآخر، وأيضًا عدم محاولة تفنيد القضية نفسها أو المساس بجوهرها.
ثالثًا: الاحتكام إلى السلطة:
فى الاحتكام إلى السلطة يعتقد المرء بصحة القضية لا برهان عليها إلا سلطة قائلها، سلطة سياسية، دينية،…. إلخ.
وربما تكون سلطة شخص اكتسب القداسة فى مجال ما، ففى العصور الوسطى كانت فلسفة أرسطو عقيدة يُحرَم مناقشتها.
رابعًا: الاحتكام إلى العامة:
يقول ديكارت: ” إن موافقة الكثرة ليست دليلًا على الحقائق عسيرة الكشف، وإنه لأقرب إلى الاحتمال أن يجد الحقيقة رجل واحدًا من أن يجدها أمة بأسرها”.
إن الفكرة كيان مُستقل، صحتها أو خطأها ينبع من مدى منطقيتها، وهل يوجد سبيل للبرهنة عليها أو لا، فإيمان أغلبية الناس بالفكرة س ليس دليلًا على صحتها، وليس دليلًا على خطأها أيضًا!
إن المغالطات المعروفة (المُسماه) فى علم المنطق كثيرة، ودراستها هى جزء من دراسة المنطق، ولا تغنى عنه بالضرورة، ولكنها تجعلنا أكثر احتراسًا وحذرًا من الوقوع فريسة لبعض الحجج الواهية، التى يستخدمها أصحابها لجعل الناس يؤمنون بأفكارهم، كما أنها تُعلمنا تجريد الحجة من كل ما يحيط بها، سواء كان المنبع الذى خرجت منه، أو عدد أنصارها، أو حتى العبارات المشحونة التى يستخدمها الأغلبية؛ لإخفاء مدى ركاكة حججهم.
إننا لو نظرنا للمغالطات المنطقية سنرى أن السبب الجامع لها والمشترك بين مُعظمها هو عدم النظر لجوهر القضية، والبعد عن لُبها، والانشغال بما حولها، ومحاولة مدحه أو قدحه، ونظن أن الفكرة تابعة له بالضرورة، حتى وإن كان ما يحيط بالفكرة شىء حسن إذا نُظر إليه مستقل.
إن كل شىء -مهما بلغت محاسنه- إذا وُضع فى غير موضعه فهو خاطىء، ولا يعول عليه.