انتحار التلاميذ وهروبهم في مدارس الجزائر .. الأسباب والحلول!
عاشت عائلة التلميذ (بودان عبد النور) القاطنة بمحافظة تيبازة غرب الجزائر حالة من الرعب؛ بعد أن أقدم ابنهم على الهروب من المنزل بسبب حصوله على معدل 8 من 20 في امتحان الفصل الأول بالعام الدراسي الماضي، حيث قضى ليلة كاملة بمسجد بمحافظة البليدة جنوب الجزائر، وانتقل إلى منطقة أخرى للبحث عن مسجد للمبيت، فتعرف عليه أئمة المسجد ونقلوه إلى بيته.
وبعد الحادثة اتصل “فريق زدني“ بالعائلة لمعرفة المزيد من التفاصيل، حيث قال خال التلميذ عبد النور لـ“فريق زدني“: “إن هذا الأخير متواجد في حالة جيدة بعد أن قدمت له العائلة كل الدعم المعنوي، وأنها تقف إلى جانبه مهما كانت النتائج التي يحققها في المدرسة، معترفًا بأن سبب هروبه من المنزل هو الخوف من والده الذي كان يحذره عدة مرات من ضَعف النتائج في المدرسة، مضيفا أن الوالد لم يكن يقصد تعنيف ابنه؛ وإنما كان موقفه عفويًّا نابعًا من رغبته في أن يحقق ابنه نتائج جيدة.“
بالمقابل قال خال التلميذ عبد النور لـ“فريق زدني“: “إن هذا الأخير وعد عائلته بعدم الهروب مرة أخرى، وأنه سيعمل كل ما بوسعه لإرضاء والديه“.
(شكيب) ينتحر بعد ساعات من إعلان النتائج الفصلية
قبل سويعات معدودة من بدء العطلة الشتوية لعام 2017 في الجزائر، التي يسبقها -كما هو معلوم- تسليم كشوف نقاط الامتحانات للأولياء، اهتزت محافظة عنابة شرق الجزائر -وتحديدًا (حي إليزا)- على وقع خبر صدم الكثيرين، بعد إقدام التلميذ (شكيب) على الانتحار شنقًا بسبب النتائج (غير المرضية) التي حصل عليها خلال الفصل الأول، حيث كان المرحوم يزاول دراسته في السنة الرابعة متوسط بمتوسطة (الشيخ الطاهر)، وبعد تحصله على كشف نقاطه كانت نتائجها سلبية، ونظرًا لتخوفه من ردة فعل والديه وعقابهما؛ قام بشنق نفسه بواسطة لباسه الرياضي بغرفته، هذه الحادثة الأليمة خلفت حالة من الحزن والأسى في أفراد عائلة الضحية (شكيب)، كما انتشر الخبر الذي أثار جدلًا واسعًا وحزنًا عميقًا في نفوس سكان الولاية، وكذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
13 حالة هروب بسبب نتائج الفصل الأول
حذرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان من تفاقم ظاهرة هروب الطلبة واختفائهم عن الأنظار بسبب الكشوف المدرسية، مشيرة أنها أصبحت ظاهرة متزايدة وبالغة السوء، ولا يقتصر أثرها على التلميذ وحده؛ إنما يتخطى ذلك ليصل للأسرة والمجتمع، وكشفت الرابطة أن نتائج الامتحانات تتسبب في تسجيل عدد غير قليل من حالات هروب التلاميذ الخائفين من رد فعل أوليائهم.
وأشارت الرابطة الحقوقية في تقرير مفصل حمل عنوان “الكشوف المدرسية تدفع بالتلاميذ إلى الهروب والانتحار“، -تلقى “فريق زدني“ نسخة منه- إلى أن هذه المشكلة لم تأتِ من فراغ؛ بل كان خلفها تراكم أسباب عدة، مما أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة، مما نعتقد أنه دليل واضح أنه لا يوجد أحد يعمل بشكل جدي لحل هذه المشكلة، حيث يختار الكثير من التلاميذ الهروب من البيت في فترة الإعلان عن النتائج المدرسية؛ خوفًا من مواجهة أولياء أمورهم في حال كانت النتائج سلبية ومخيّبة للآمال، حيث عرفت عدة ولايات من الجزائر على غرار تيبازة مستغانم سطيف الجزائر العاصمة حالات هروب التلاميذ تتجاوز 13 حالة بسبب نتائج الكشوف المدرسية التي جاءت في الفصل الأول من العام الماضي صادمة للتلاميذ، ومخالفة لكل التوقعات.
وفي هذا الصدد قال رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، (هواري قدور) لـ“فريق زدني“: “وزارة التربية الجزائرية قامت بإصلاح الجيل الثاني، ولكنها أهملت بشكل واضح مناهج التدريس، حيث أصبح الأستاذ غير قادر على فهم المناهج حتى يستطيع إيصالها إلى التلاميذ، زد عن ذلك ضغوطات المفتشين من أجل أن ينهي الأستاذ البرامج، وهنا تكمن المشكلة؛ حيث إنه في بعض الحالات لا يمكن إتمام الدرس في ساعة؛ بل أكثر، مما يجعل الأستاذ يضغط على التلميذ، وإلى جانب نقص الخبرة للأستاذ واكتظاظ الواجبات المنزلية وكثرتها، وعدم التكافؤ بين التلاميذ، وعدم مراعاة الفروق الفردية، حيث هناك فئة تقوم بالدروس الخصوصية وهناك أخرى ليس لديها ما تدفعه من أجل الدروس الخصوصية.“
وعلى ضوء هذا قال (هواري قدور): “على وزارة التربية إعادة النظر وأن ترفع تحدي نوعية التعليم في الجزائر، بتغليب مصلحة التلميذ وجعلها الهدف الأسمى في القطاع. كما أن على الأولياء عدم الضغط على أبنائهم وعدم تهديدهم بالعقاب؛ حتى لا يدفعوا بهم للانتحار، أو تبني خيار آخر؛ وهو الهروب من المنزل؛ بل يجب عليهم تفهم أبنائهم، ومحاولة معالجة الأسباب الكامنة وراء فشلهم ورسوبهم.“
أثر المعلم في نفسية التلميذ
نشر أحد أولياء التلاميذ صورة ملاحظة مثيرة كتبها معلم لتلميذه، هذه الصورة أحدثت ضجة وانتشرت انتشارًا واسعًا في شبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر في زمن قياسي، هذه الملاحظة التي تم تداولها بقوة؛ أثارت حالة استياء بين المعلقين؛ الذين اعتبروا أن بعض الملاحظات تحطم نفسية التلميذ أكثر، ولا ترفع معنوياته ليستكمل مشواره التعليمي، حيث وجه معلم الأجيال رسالة لولي التلميذ يقول فيها: “إن ابنكم لا علاقة له بالدراسة وعدواني في القسم“، ولم يضف له أي كلمة ترفع من معنوياته.
وبعد نهاية كل فصل دراسي، تشهد عدد من ولايات الوطن عددًا من حالات الانتحار وهروب للتلاميذ خوفًا من عقاب الأولياء حول نتائج المدرسة.
نتائج التحقيقات
بالمقابل توجد تحقيقات عديدة باشرت بها مصالح الأمن الوطني والدرك حول هذا النوع من الانتحار الذي يتعلق بأطفال قاصرين، تزامنًا مع الإعلان عن النتائج المدرسية، فتبين أن هذه الظاهرة لا تستثني أي منطقة، وهي متكررة؛ مما يستدعي تحركًا سريعًا لتطويقها. أما بخصوص طرق انتحار التلاميذ التي عاينتها مصالح الأمن والدرك، فتمثلت: إما بتناول أدوية أو مواد سامة أو مبيدات الحشرات، أو الانتحار شنقًا أو الهروب من المنزل، وذلك نتيجة الضغوطات النفسية الرهيبة التي يمارسها بعض الآباء، وكذلك تهديداتهم لهم في حال تسجيل نتائج دراسية مخيبة لآمالهم، أو بعد الفشل الدراسي.
مكانة “الروابط الأُسْرية“ في نفسية التلميذ
يعترف المكلف بالإعلام على مستوى نقابة عمال التربية الجزائرية (نبيل فرقنيس) بالانتشار الواسع لظاهرة هروب التلاميذ، حيث يقول لـ“فريق زدني“: “إن تفشي ظاهرة هروب التلاميذ أو الأطفال من المنزل هي نتيجة الخوف من مواجهة الأولياء بالنتائج الدراسية الفصلية أو السنوية، وهذا كله راجع لانسداد قنوات الحوار بين الأولياء والأطفال؛ لأن الأسرة المعاصرة فقدت كل تلك الروابط المعنوية بينها وبين الأولاد، وأصبحت تحكم تلك العلاقة بين الأولياء والأطفال روابط مادية، تقتصر على توفير الأكل والملبس وأساليب الرفاهية، كالهاتف النقال أو ما شابه ذلك.“
وحول الظاهرة يقول الأستاذ (فرقنيس): “يجد الطفل نفسه وكأنه مبرمج للدراسة، ونظرًا لكثافة البرامج وعدد الساعات؛ فإن تواجد التلميذ في المدرسة أكثر من تواجده بالمنزل، وعند عودته إلى البيت في المساء يجد نفسه بصدد واجبات التحضير وحل التمرينات، وهذا الفراغ بينه وبين الأولياء يجعله يبني عالمه الخاص، فلا يعير اهتماما للروابط المعنوية: كالاحترام أو العطف والحنان، تجده طفلا حادا، مما ينعكس على تفكيره ونفسيته، وبمجرد عدم حصوله على علامات جيدة أو إخفاقه في الدراسة؛ يشعر أنه سيتعرض للعقاب؛ فيلجأ أسهل الطرق للخلاص، من خلال الهروب من المنزل أو الانتحار؛ لأن الفراغ الروحي والعاطفي كانا سببًا لجعل الأطفال غير مكترثين بالروابط الأسرية، بالإضافة إلى عدم وجود ثقافة تربوية عند الأولياء -وهي غير المستوى الثقافي- التي تجعلهم غير قادرين على محاورة أولادهم، فقد تجده ناجحًا في عمله، ولكنه فاشل في تربية أطفاله.
“الطبيب النفسي“ ضرورة ملحة في مدارس الجزائر
وينتقد المكلف بالإعلام على مستوى نقابة عمال التربية الجزائرية غياب الأطباء النفسيين على مستوى المؤسسات التربوية، على اعتبار أن الطبيب النفساني يمكنه مراقبة التلاميذ ومتابعة حالاتهم في كل مراحلهم الدراسية، بمساعدة الأساتذة والمراقبين على أساس أن التلميذ يقضي معظم وقته في المدرسة.
وفي هذا الإطار يقول السيد (فرقنيس) لـ“فريق زدني“: “بدأت الظاهرة تنتشر في السنوات الأخيرة، وبإمكانها أن تزداد إذا لم نجد خططًا محكمة تَحُدُّ من هذه الظاهرة، عن طريق نشر الوعي عند الأولياء بالدرجة الأولى، ولابد أن ندق ناقوس الخطر، ولكوننا نقابات تهمنا مصلحة أبنائنا وتلامذتنا؛ لأن العقل السليم في الجسم السليم“.
محذرًا بالقول: “إذا لم نجد خطة ودراسات عميقة في دور الأسرة والمدرسة؛ ستكون نتائج هذه الظاهرة وخيمة، وقد تترشح للزيادة، وعليه فلا بد من التصدي لها، وهنا لا بد من تدخل المدرسة والأسرة، وحتى دور الشباب ونشر الوعي عن طريق حملات للمدارس، أو رحلات …“
الأسرة الجزائرية تميل إلى ثقافة العقاب
يُرجِع الناشط التربوي (كمال نواري) انتشار ظاهرة هروب التلاميذ إلى غياب ثقافة مرافقة الأولياء لأولادهم من بداية السنة الدراسية إلى نهايتها: نتيجة مستواهم الثقافي والتعليمي، وحتى الاجتماعي، قائلًا في تصريح لـ“فريق زدني“: “ثقافة العقاب سائدة في المجتمع، وغياب التشجيع والتحفيز بشراء جوائز“.
كما انتقد (كمال نواري) غياب مستشاري التوجيه المدرسي في المؤسسات التعليمية لمساعدة التلاميذ وتوجيههم، داعيا إلى ضرورة توظيف المزيد من المستشارين.
دعوة المؤسسة الدينية الجزائرية إلى أولياء الأمور
من جهته دعا الأمين العام لأول نقابة لأئمة المساجد بالجزائر، (الشيخ جلول حجيمي جلول) في تصريح لـ“فريق زدني“ أولياء الأمور إلى استعمال الطرق الهادئة والطيبة والمتزنة، بعيدا عن التهويل والترهيب في التعامل مع أبنائهم، مضيفًا:
“تربية الأبناء باتت أكثر صعوبة، خاصة مع سهولة اتصال الأطفال بالعالم الخارجي، ووجود محفزات تدفع بهم إلى الشارع ومختلف المشاكل، وإن كان ولا بد؛ فعقوبة غير مضرة، كأن يمنع عنه بعض الأشياء مقابل التحصيل الدراسي“، مضيفًا: “نحن الأئمة ننبذ العنف؛ لأنه ليس طيبًا على عمومه، وإن كان لا بد من التخويف؛ فالترهيب غير الزائد عن حده.“