تحقيقات زدني

بعد الحروب الأخيرة.. صعوبات التعلم “إعاقة خفية” يعاني منها أطفال غزة

وزارة التعليم: الطالب الذي لا يتقن الاستراتيجيات الأساسية يحول لصف المصادر.

مشرف تربية خاصة: المراكز الخاصة لصعوبات التعلم استثمارية والمعلمين غير مختصين.

معلمة متخصصة: صعوبة المنهاج والترفيع الآلي من أسباب صعوبات التعلم

أولياء الأمور ما بين رفض التشخيص والرغبة في تحسن صغارهم في المدرسة

“بنتك معاقة، هبلة، مش طبيعية“ تلك الكلمات القاسية وأكثر كانت تُلقَى على مسامع والدة الطفلة وداد عبد الفتاح -8 سنوات–  التي تعيش غرب قطاع غزة، حينما بدأ الجميع يلاحظ عدم انتباه صغيرتها، فبدلًا من الوقوف بجانبها ودعمها، دخلت الأم في حالة اكتئاب شديد وخشيت من إنجاب أطفال آخرين بسبب معاناة صغيرتها.

شهور قليلة حتى أفاقت والدة “وداد“ من صدمتها وقررت طرق أبواب المختصين لتشخيص وضع ابنتها، حتى أدركت أنها تعاني من صعوبات التعلم فألحقتها بمراكز مختصة جعلتها تدفع الكثير من المال في سبيل استيعاب ابنتها بعض الحروف والأرقام لكي تلتحق بالمدرسة“.

تقول الأم: “عند التحاق ابنتي بالمدرسة بقيت أتواصل مع معلمتها في صف المصادر، وأصبحت نفسيتي أفضل حينما شاهدت أطفالًا آخرين كحال ابنتي“، مضيفة: “الطفل الذي يعاني من صعوبات التعلم ليس شاذًّا عن المجتمع، بل يحتاج رعاية خاصة.“

حالات كثيرة تشبه معاناة الطفلة “وداد“ في استيعاب المنهج الفلسطيني، والتشخيص للجميع واحد هو صعوبات التعلم، فلم يكن يهتم به أحد قبل ذلك، لكون الأهالي والمعلمين كانوا يعتبرونه “ضعف تحصيل دراسي“ ليس أكثر، ويبقى الطالب ضعيفًا إلى أن يترك مقاعد الدراسة دون أن يميز بين الحروف والأرقام.

وفي الآونة الأخيرة زاد عدد الأطفال المشخصين بصعوبات التعلم، الأمر الذي أدى إلى الاهتمام بهذه الفئة ودعمها بشكل أفضل، لكن جملة من التساؤلات تطرح حول أسباب الزيادة في السنوات الأخيرة، وكيفية علاج تلك المشكلة والوسائل المستخدمة، عدا مدى توفر الإمكانيات المطلوبة في المدارس للارتقاء بالطفل الذي لديه صعوبات تعلم.

طرقت مراسلة “زدني“ باب وزارة التربية والتعليم لمعرفة دورهم في متابعة أطفال صعوبات التعلم، وتحدثت إلى خالد أبو فضة نائب قسم التربية الخاصة، في البداية ذكر أن طالب صعوبات التعلم من لديه مشاكل في القراءة والكتابة والحساب ناتجة عن خلل في العمليات النفسية الأساسية المتمثلة بالانتباه والادراك والذاكرة.

وأوضح أبو فضة أن الطالب الذي لا يتقن الاستراتيجيات التعليمية الأساسية لا يعاني من إشكالية في القدرات العقلية، لكنه بحاجة لتأهيل تعليمي وتركيز على استخدام المهارات الأساسية التي تنمي وتقوي المهارات التي قد تعيق مشاكل الانتباه والتذكر والادراك.

وعن الاهتمام الكبير الذي تبذله وزارة التربية والتعليم بغزة في التعامل مع أطفال صعوبات التعلم، أرجع نائب قسم التربية الخاصة ذلك إلى الدراسات المختصة التي كشفت عن ذلك في السنوات العشر الأخيرة؛ لذا أولت وزارته اهتمامًا كبيرًا كون العمل مع هذه الفئة يؤدي إلى نتائج بالمقارنة مع اقرانهم الطلبة ذوي الإعاقات الأخرى.

وذكر أن وزارة التعليم الوزارة انشأت غرف المصادر الخاصة وتعمل مع الطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم وعددها 55 موزعة على المدارس الأساسية للقطاع، مبينًا أن تلك الغرف تقدم خدمات التعليم الفردي والتركيز على تنمية الإستراتيجيات الأساسية في التعلم.

قطاع غزة الذي يحتوي على ما يقارب الـ 80 مدرسة من المرحلة الأساسية، لا يكفي له 55 غرفة للمصادر، وذلك وفق أبو فضة يعود إلى الواقع الاقتصادي والمادي الذي يعيشه قطاع غزة منذ الانقسام السياسي، لافتًا إلى أن قطاع التعليم يحتاج لغرفة في كل مدرسة، وكذلك لمعلم تربية متخصص في تأهيل أطفال صعوبات التعلم.

وبحسَب قوله فإن من بين الـ 55 غرفة للمصادر الخاصة، 13 فصلًا فقط مؤثث لما يتناسب مع الطلبة، على الرغم من وجود تواصل مستمر مع المؤسسات الداعمة، مبينا أن غرفة مصادر التربية الخاصة تحتوي على ألعاب ووسائل تعليمية خاصة يتم إعدادها وفق منهج معين.

وصفوه بالغبي والأعرج

في بعض الأحيان يرفض مديرو المدارس لا سيما المرحلة الأساسية تسجيل أطفال لديهم مشاكل في الاستيعاب، هنا حالة لطالب في الصف الرابع يدعى “أدهم جمال“ – 9 سنوات– يعاني من إعاقة ثنائية صعوبة تعلم ومشكلة حركية.

منذ التحاقه بالدراسة تنقَّل بين ثلاثة مدارس حتى قرر في النهاية ترك التعليم والبقاء وحيدًا في البيت، رفض الحديث أو التصوير لكن والدته التي يبدو عليها البساطة حيث يعيشون في منطقة شمال القطاع تقول: “دائمًا كان المعلم يوبخ أدهم لعدم قدرته على استيعاب دروسه، وكذلك الأطفال يعايرونه وينادونه بـ “الأعرج“ لم يتحمل ابني ذلك فكنت انقله من مدرسة لأخرى دون إيجاد مدرسة تستوعبه أو معلم يضع حدًّا للطلاب“.

وعند سؤالها عن وجود صف المصادر في المدرسة لاستيعاب حالات تشبه وضع ابنها، أكدت أن مدرسته لا يوجد بها معلم تربية خاصة، بل إن معلم ابنها دومًا ما كان يصفه بالغبي ويطالبها بتعليمه حرفة أفضل من التعليم.

نقل “زدني“ تلك المشكلة إلى أبو فضة الذي أكد على أن المدراس التي لا يوجد بها صف مصادر يحظر على مديريها إنهاء قيد أي طالب إلا بعد مراجعة التعليم، مشددًا على أن التسريب ليس مقبولًا لدى وزارته التي تحارب ذلك وتعيد الطلبة لمدارسهم.

وقال: “دومًا نقدم دورات متخصصة للمعلمين العاديين للتعامل مع الطلبة ذوي الإعاقة، وهناك حالات شاذة من المعلمين لديهم توجهات سلبية تجاه الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلم هذه القضايا تعالج بشكل فردي، والوزارة تتطلع عليها وتفتح أبوابها لأي مشكلة.

في بعض الأحيان يضطر مدير المدرسة لتحويل صف المصادر الخاص بطلبة صعوبات التعلم إلى حجرة فصلية للطلبة العاديين بسبب تكدس أعدادهم في المدرسة، ويعلق أبو فضة على ذلك: “من النادر حدوث ذلك فهو لم يحدث سوى بمدرستين من خلال متابعتنا، ولا يقدم المدير على استخدام المصادر للصفوف العادية إلا عند الاحتياج الفعلي، ويتم وضع بدائل أخرى بحيث يدرس معلم التربية الخاصة الطلاب في المكتبة او الفصول التي يتم تفريغها خلال اليوم الدراسي.

ووفق تقرير إحصائي أخير عرضه أبو فضة للفصل الدراسي الثاني 2017- 2018 فإن غرف المصادر على مستوى مديريات القطاع عملت مع 1889، تحسن منهم 1169، وعدد الطلبة الذين أنهوا الخدمة في تلك الفصول 715 طالب.

مدارس مختصة مخالفة

“يا زفت الطين“ هذه الجملة التي رسخت في عقل الطفل “عاصم“ بالصف الأول الابتدائي ليعود بها إلى أمه بعد يوم دراسي شاق، فهو يعاني من صعوبات التعلم اكتُشف ذلك عند تسجيله لأول مرة في المدرسة.

ظنت والدة “عاصم“ أنه سيعود لها بجملة مفيدة أو كلمات جديدة من مدرسته، لكن معلمته كانت توبخه وتنعته بصفات يجهل معناها، وبعد عدة ألفاظ مسيئة راجعت والدته معلمته، حيث إن الأخيرة بررت ذلك بعدم قدرتها على استيعاب طفلها في الفصل نظرًا لحركته المفرطة وعدم تمكنه من الاستيعاب كبقية زملائه.

نهاية العام الدراسي فوجئت والدته بشهادته المرفقة بملفه لمغادرة المدرسة، ومطالبة معلمته بوضعه بمدرسة تستوعب قدراته العقلية، لم تيأس الأم وطرقت أبواب المراكز الخاصة عل صغيرها يتحسن مستواه الدراسي.

تحكي أنه رغم الظروف المادية التي تمر بها إلا أن زوجها أصر على تعليم صغيره ووضعه في مدرسة خاصة برسوم شهرية تصل إلى 150 دولارًا، لكن دون استجابة ابنها، بل تدهور وضعه التعليمي أكثر، وبات لا يتكلم كثيرًا، ويقوم بحركات كالنقر على جسده أو التفريك بيديه.

في زيارة مفاجئة طرقت الأم باب المدرسة لتجدها تحتوي على طلبة يعانون من التوحد ومتلازمة الدوان، وليست فقط مختصة بطلبة صعوبات التعلم، حتى نقلت ابنها إلى مدرسة عادية تحتوي على صف المصادر ولاحظت بعد شهور قليلة تحسنًا ملحوظًا على ابنها.

مراسلة “زدني“ تواصلت عبر الهاتف مع المدرسة التي تتحفظ على ذكر اسمها لأخذ موعد لزيارتها، لكن بصرامة قوبل الطلب بالرفض القاطع، بحجة “الصحافة تسيء لمدرستهم“، لكن تمكنت من الدخول بصحبة ولي أمر أحد الطلبة وكان يوم “الثلاثاء“ الذي تحدده إدارة المدرسة لأولياء الأمور، وكان الواقع كما ذكرت والدة “عاصم“.

نقلنا ما جرى لوزارة التربية والتعليم، وأكد أن المدرسة مرخصة فقط لصعوبات التعلم، لكن بعد ذلك قام أبو فضة بإجراء مكالمة هاتفيه للتحقق، فجزم له من كان على الطرف الثاني من الهاتف أن فيها أطفال التوحد ومتلازمة الداون.

وأكمل قوله: “الوزارة تمنح ترخيص للمدارس الخاصة بالتعاون مع الإدارة العامة للتعليم العام، وهناك تشابك متكامل في متابعة تلك المدراس، حيث تقوم اللجنة المشكلة بزيارة المدارس للاطلاع على الكادر والوسائل التعليمية، والمبنى وإمكانية استقبال الطلبة فيها“، متابعا: “الوزارة لديها قرار بعدم خلط أطفال صعوبات التعلم مع الإعاقات الأخرى، وإن تم ذلك يكون بشرط عدم دمجهم في ذات الفصل لكون لكل طالب احتياجاته وأدواته“.

وأكد نائب رئيس قسم التربية الخاصة أبو فضة أنه تم إغلاق عدد المراكز التي خالفت قانون وزارة التربية والتعليم، ومن عدل وضعه والتزم بالقوانين أعيد فتحها من جديد، لافتًا إلى أن وزارته لا تألوا جهدا في متابعة هذه المراكز والمدراس ، وهناك زيارات مفاجئة إشرافية لمتابعة سير العمل فيها.

يمكنك الاطلاع على

فيلم “نجوم على الأرض” .. كيف تتعامل مع صعوبة التعلم؟

الحروب زادت أعدادهم

ليست المدرسة السابق ذكرها الأولى التي حاولنا طرق بابها، بل مراكز خاصة أخرى، رفضوا حتى الحديث عبر الهاتف بحجة خصوصية المكان، لكن بعد التحري تبين أن غالبية تلك المراكز هدفها الأول استثماري والمعلمون ليسوا متخصصين في التعامل مع أطفال الذين يعانون صعوبات التعلم.

وفي هذا السياق، يقول إياد أبو رخية مشرف التربية الخاصة في مديرية شرق غزة وهي الكبرى على مستوى الوطن، في الفترة الاخيرة زاد عدد المدارس الخاصة لاستيعاب أطفال صعوبات التعلم، لكنها في الغالب استثمارية وهدفها تجاري، عدا المشكلة الكبرى في المعلمين غير المؤهلين.

وبحسب متابعته فإن هناك مشكلة أخرى لدى تلك المدارس تكمن في عدم وجود منهاج تربية خاصة، مشيرًا إلى أن وزارته قبل منحها لأي ترخيص تتابع مدى تأهيل تلك المراكز وتطلع على الخطة التي تضعها، عدا متابعة وضع الطلبة هل يعانون فقط من صعوبات تعلم أم يصاحبها طيف التوحد أو إعاقة عقلية وحركيه.

وأكد أبو رخية أن من يخالف الشروط عند ممارسته للعمل يتم محاسبته حيث أغلق عدد من المراكز لعدم وجود خطة واضحة ومنهاج ومعلمين مؤهلين، موضحًا أن كل إعاقة وفق برامج التربية الخاصة لها منهاج متخصص، ودمج أكثر من إعاقة وتعليمها في ذات المدرسة والفصل لها خطورة كبيرة على الطفل نفسه.

ولفت إلى أن قلة الرواتب الشهرية التي تمنح للمعلمين في المراكز والمدارس الخاصة لصعوبات التعلم رغم الرسوم التي تُحصل من الطلبة، تدفعهم إلى عدم العمل بالكفاءة المطلوبة، وغالبًا ما يكون المعلمون من تخصصات كالفيزياء وغيرها يستغلهم أصحاب تلك المدارس لكونهم عاطلين عن العمل وبحاجة لأي فرصة.

وحول تحديد الطفل الذي يعاني من صعوبات التعلم ذكر أبو رخية أنه يكون لديه مشكلة نمائية بسبب تعرضه لسقوط أو حادث معين أو مشكلة أثناء الولادة وبالتالي يكون لديه نمو بطيء في المهارات الأساسية كالتمييز بين الحروف والأرقام، ويظهر ذلك في مرحلة “الروضة“، لذا يُنقل الطفل بعد فحصه إلى مركز خاص والعمل معه لفترة معينة لدمجه في المدرسة بسهولة.

وأرجع الأسباب التي أدت لزيادة أعداد أطفال صعوبات التعلم إلى الحروب الثلاث الأخيرة التي شهدها قطاع غزة التي أثرت بشكل كبير في المستوى التعليمي للأطفال وقدراتهم العقلية، مشيرًا إلى أن العام الحالي سجل 170 طالبًا جديدًا من صعوبات التعلم في الصف الأول الابتدائي.

ولفت أبو رخية إلى أن العام الماضي شهد تسجيل 60 لـ 70 حالة جديدة فقط، مرجعًا زيادة العدد العام الحالي إلى وجود الوعي لدي أولياء الأمور وثقتهم بمدرسي التربية الخاصة وفصول المصادر التي تعمل ضمن استراتيجية معينة.

وعن كيفية تمييز الطفل الذي يعاني من صعوبات التعلم عن الطالب العادي، أوضح أن هناك فريقًا متكاملًا يشمل مختصًّا في العلاج الطبيعي والمشاكل الحركية، وأخصائي تربية خاصة لمن لدية قدرات تعليمية ضعيفة، وأخصائي نطق وسمع، حيث يجرى الفحص وتقويم الطلبة عند تسجيلهم في شهر مارس من كل عام.

وبين أبو رخية أنه في شهر مارس من كل عام ترسل المديريات نشرات خاصة للمدارس ليتم فحص جميع الطلبة وتقويمهم، ومن لديه مشكلة في التعليم تقرر اللجنة تحويله إلى مدرسة عادية أو تحويله للمتابعة ضمن برنامج تربية خاصة حتى يتحسن ويعاد دمجه من جديد في المدرسة.

وتطرق مشرف التربية الخاصة إلى أن تأخر تطور طلبة صعوبات التعلم يرجع إلى الصدمة التي يتلقاها أولياء الأمور والرفض القاطع لتشخيص أبنائهم مما يؤثر في علاجهم في الفترة المحددة.

وفيما يتعلق بالشكاوى من قبل أولياء الأمور بسبب رفض المدرسين لأبنائهم، أوضح أن هناك أطفالًا لديهم إعاقات مزدوجة مما يصعب على المعلمين غير المؤهلين لاستيعابهم، لكن الوزارة دومًا تعقد لجانًا بشكل مستمر ودوري مع مؤسسات دعم الطفل لإعادته للمدارس لا سيما من يعانون من صعوبات التعلم ومشاكل أسرية أثرت في دراستهم.

يمكنك الاطلاع على

كيف تحقق النجاح في الحياة المدرسية مع اضطراب نقص التركيز وفرط الحركة (ADHD)؟

الأهالي يرفضون

ولأن فصل المصادر هو الملجأ الوحيد لاستيعاب أطفال صعوبات التعلم تم التنسيق لزيارة أحد الصفوف المجهزة في مدرسة التفاح شرق مدينة غزة، وكانت مشرفته حنان أبو صفية، تحدثت عن تجربتها في التعامل مع أطفال صعوبات التعلم، وذكرت أن المشكلة الأولى التي تواجهها هي نكران الأهالي عند إعلامهم أن ابنهم يعاني من صعوبات في استيعاب منهجه، وليس كبقية أقرانه.

وبحسَب حنان أبو صفية فإنها تعمل على امتصاص غضب الأهالي من خلال عرض الخطة المنهجية والأهداف التي تتبعها للارتقاء بالطفل، مشيرة إلى أن هناك بعضًا من أولياء الأمور يرفضون التعاون ويحاولون إخفاء الكثير من المعلومات حول أولادهم، الأمر الذي يبطأ في عمليه تأهيلهم للعودة الى صفوف عادية.

ورغم حالة الرفض لدى بعض الأهالي، إلا أن هناك زيادة كل عام في عدد طلبة المرحلة الأساسية للالتحاق في صف المصادر، وفق متابعة المعلمة، مُرجِعةً إياه إلى الوعي الذي بات يسود بين أولياء الأمور.

ولفتت النظر إلى أن هناك أطفالًا صغارًا يلتحقون بصف المصادر ذوي إعاقة مركبة “حركية وصعوبة تعلم“ وهنا يكون عملها معهم وفق استراتيجية فردية حتى تحقيق الهدف والتمييز بين الأحرف والأرقام المتشابهة.

قاطعتنا الحديث الطفلة “جنى“ ذات الثماني سنوات، على ما يبدو فهمت ما تقوله معلمتها عن وضع الأطفال الذين يدرسون في صف المصادر، ففجأة همست لمعلمتها: “أولاد عمي ينادون علي دبة وساقطة“.

اقتربت معدة التحقيق منها لتروي لها أكثر فقالت ببراءة: “لا أحد يرغب في اللعب معي، حتى بنات المدرسة يرفضن أحيانًا اللعب معنا؛ لأننا نتعلم في هذا الفصل“.

وبعد أسئلة بسيطة طرحت على “جنى“ للتعرف على طبيعة تقبل عائلتها لوضعها التعليمي قالت “بابا دائمًا يشجعني على الدراسة“، كما تحصل على علامة جيدة في حال أخبرتهم بموعد امتحانها، عدا أنها سعيدة داخل صف المصادر.

وعودة إلى المعلمة حنان أبو صفية، ذكرت أنها تعاني من بعض المشاكل، كأن تقوم المعلمات العاديات باختيار طالبات بشكل عشوائي دون التفريق بين بطئ التعلم والتأخر الدراسي والتخلف الدراسي.

وتحكي أن وصلتها حالة لطالبة في الصف الثالث بداية الفصل الدراسي، يئست معلمة الفصل في التعامل معها، ثم حولت إليها لتقويمها، لكن بمجرد إعطائها ورقة امتحان بسيطة قامت بحلها سريعًا دون مساعدة؛ ليتبين فيما بعد أنها طفلة عادية لكن مهملة من قبل أسرتها المفككة، فالأم توفيت والأب متزوج لا يهتم بصغيرته، تم التواصل معه، لكن كانت الاستجابة ضعيفة.

وروت أن الكثير من الأهالي يرفضون إلحاق أبنائهم في فصل المصادر خشية الفضيحة أو معايرته من قبل بقية الأطفال، حيث ذكرت أن إحدى الأمهات حينما قيمت اللجنة ابنتها واتضح بعد ذلك أنها تعاني من إعاقة عقلية وصعوبة تعلم وطيف توحد، رفضت ذلك قطعًا، ثم بعد ذلك انهارت وطلبت منها عدم التوضيح؛ فالأم بسيطة، وتخشى محيطها.

وأكدت حنان أن 90% من الطلبة الملتحقين في صف المصادر يستجيبون للمنهاج الخاص، وتحسنهم مرتبط بمدى اهتمام ومتابعة ذويهم مع المعلم وتطبيقه للأنشطة المنزلية، بالإضافة إلى أنه كل فصل دراسي يتم تخرج 2لـ 3 حالة للفصول العادية.

وبحسب قولها فإن مشكلة صعوبات التعلم “إعاقة خفية“ تعتبر خللًا وظيفيًّا بالدماغ، ساعد على زيادة أطفال يعانون منها الترفيع الآلي وصعوبة المنهاج.

في النهاية يبقى طالب صعوبات التعلم بحاجة لمزيد من الدعم التعليمي المتخصص ليلتحق في الفصول العادية؛ فالمدرسة وحدها ليست كافية لعلاجه بل لا بد من تقبل أولياء الأمور لوضع أبنائهم ودرء الحرج جانبًا، عدا ضرورة وضع عقوبات رادعة للمراكز الخاصة التي تستغل حاجة الأطفال دون تقديم شيء مفيد، بل تزيد الوضع سوءًا.

زر الذهاب إلى الأعلى