تجربة دبلوم … وأشياء أخر
في يوم من الأيام أرسلت إحدى الإدارات التعليمية إلى المعلمين العاملين بها منشورا إداريا بأنه سيتم التسجيل في دبلوم التأهيل التربوي بجامعة (——)وذلك لرفع المستوى التعليمي والتربوي للمعلمين في عدد ستة عشر مادة تشتمل على فروع كثيرة من علم النفس التعليمي، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم نفس النمو، والفروق الفردية، وأصول التربية، وطرق التدريس الحديثة والوسائل التعليمية، والمناهج الدراسية، وأسس
بنائها وتطويرها، وأساسيات التدريس، وفلسفة التربية، والتربية المقارنة، والفكر التربوي، والتربية ومشكلات المجتمع، وتاريخ التربية على مر العصور، والأصول الاجتماعية والثقافية للتربية، والإدارة التعليمية الصحيحة، والتربية الصحية، والفكر التربوي الإسلامي، والتربية الإسلامية من الأصول والتطبيقات.
وبالفعل، تم تسجيل المعلمين الذين وصل عددهم إلى أكثر من خمسة آلاف معلم، وبدأت المحاضرات الدراسية أيام الخميس والجمعة والسبت من كل أسبوع، كل يوم به خمس أو ست محاضرات فأي عقل يستطيع أن يحصل ما يقرب من عشر ساعات من المعلومات والتركيز بنشاط! وتفضل السادة الدكاترة ورئيسي أقسام التربية بأعرق وأقدم جامعة وهي(—-) بالتدريس للدراسين.
غالبية الكتب يتراوح عدد صفحاتها بين المئتين والثلاثمائة صفحة. حضور المعلمين كان ضعيفا جدا لدرج أن المدرج لم يتجاوز الحضور
فيه في البداية أكثر من مئتي معلم وفي منتصف الدورة وصل إلى 500 وفي نهايتها ما يزيد على ال 4000 معلم، وللأسف كثير من المعلمين الذين يفترض فيهم القدوة والأمانة والصدق كان يحضر بعضهم ويغيب الآخر ومع ذلك يوقع الحاضر منهم فى دفاتر الحضور والانصراف للغائبين من زملائهم!
أما عن السادة الدكاترة المحاضرين في الدبلوم فقد أحسست أن كثيرا منهم يتعامل مع هذه الدورة على أنها مكافأة يأخذ من ورائها بضع آلاف من الجنيهات وفقط، لدرجة أن بعضهم كان يقول أن هذه الدبلوم لن
تفيدكم في شيء نظرا لكبر سنكم!
والنقطة الأخرى أن كثيرا من المحاضرين كان يحذف أكثر من نصف الكتاب أو ثلثيه بحجة أنه لا يريد أن يثقل على المعلمين الدارسين مع أن غالبية الكتب مكونة من وحدة موضوعية واحدة يرتبط كل درس أو باب أو فصل بالذي قبله وبعده، والمصيبة الأعظم أن السادة المحاضرين غالبيتهم أعطى بضع أسئلة لاتتجاوز الثمانية أو العشرة أسئلة قائلا: سآتي لكم بأربع أسئلة منها! وبعضهم بالفعل أعطى أربع أسئلة فقط جاؤوا بالامتحان!
أما عن أيام الامتحانات فأقسم بالله العظيم مر اليوم الأول منها
بدون مشاكل، ولكن اعترض بعض المعلمين على عدم ترك فسحة لهم في اللجان ليتشاور المعلمون مع بعضهم في إجابة الأسئلة! بمعنى أوضح يعترضون على عدم الغش! وبالفعل قام المدرسون بشحن كثير من زملائهم، وقاموا بالتظاهر في اليوم الثاني وعدم دخول اللجان اعتراضا على عدم الغش ولم يدخلوا امتحانات ذلك اليوم حتى جاء مندوب عن رئيس الجامعة وأجل امتحانات ذلك اليوم إلى نهاية الامتحانات ومن اليوم التالي مباشرة، ووعد المعلمين بتغيير من الغد.
لم يكن هناك إنسان منصف يستطيع أن يطلق على تلك اللجان أنها لجان امتحانات، فكثير من المعلمين الأفاضل يحمل في طيات ثيابه أوراقا صغيرة بها إجابات الأسئلة التي أعطاها لهم السادة المحاضرين، يخرجها ويغش منها، ويتناقلون تلك الأوراق فيما بينهم بدون أي رادع أو خوف من مسائلة في النهاية!
وبصدق، كم هي تجربة مفيدة لمن أخذها على محمل الجد ليتعلم ويرفع من مستواه التعليمي والتربوي، لينفع بها دينه ونفسه ووطنه وطلابه، وبالمقابل كم هي تجربة مريرة كشفت كما من العورات التي تكتنف مشروعنا التعليمي الحالي، وبعد كل ذلك، أي تطور تعليمي نرجوه؟ وأي مستقبل مظلم ينتظر أولادنا وأوطاننا؟
على كل حال تعليم يتدهور من سيء إلى أسوء.
اللهم خيب ظني في ذلك…
أستاذ في إحدى جامعات مصر العريقة