صوت الطلبةمن الجامعة

تعرف على أكثر المجالات العلمية ازدهارًا في عصرنا

واحدة من أهم السمات المميزة للعلوم هي أنها مُتجددة؛ فهي ليست مثل الأساطير والميثولوجيا القائمة على قصة وعبرة واحدة فقط يُبني عليها كل شيء، وإنما هي بحث أصيل يُحركه الرغبة في المعرفة أكثر، ويُسهِّل طريقة إلمامنا نحن البشر بوسائل قياس وأدوات استكشاف وتحليل أكثر دقة يومًا بعد آخر، وهو ما يضع العلم في مكانة من الأهمية يستحقها بلا أدنى شك لما يتركه خلفه من تطورات إيجابية ونتائج مثمرة في حياة البشر.

وبالرغم من ذلك فإن هناك مجالات علمية معينة تحظى بانتباه المُجتمع العلمي واهتمام مُحبي المعرفة، ويُتوقع أن يكون لها مستقبل مُشرق نظرًا لمدى احتياجنا لها، ونتائج تأثيراتها على مستقبلنا جميعًا.

في هذا التقرير سنتناول 4 مجالات علمية تُعتبر هي الأكثر ازدهارًا في العصر الحالي وسيُكتب لها في المستقبل مسار فريد بين مختلف العلوم الأخرى.

1- علم الوراثة

يُعتبر علم الوراثة من العلوم الحديثة نسبيًا، وهذا لأننا لم نفهمه جديًّا إلا في العصر الحديث ولم نستطع تحقيق إنجاز واضح فيه إلا مؤخرًا، فهو العلم الذي يدرس الموروثات (الجينات) وما ينتج عنه من تنوع بين (الكائنات الحية) وهو أيضًا العلم الذي سيُتيح لنا إمكانية تفسير العديد من الأمراض والمشاكل الصحية والطفرات الهائلة سواءً بنمطها الجيد أو السيء بأسلوب علمي وبشكل منهجي.

مستقبل علم الوراثة

في رأي الكثير من الأطباء والباحثين فإن “علم الوراثة“ سيصبح أحد أسس التشخيص والعلاج للأفراد في المستقبل، وهذا مما سيقلل من الآثار الجانبية للتشخيص غير الدقيق ويوضح حقيقة المرض أو العدوى في وقت مبكر جدًّا من الحالة وسيساعدنا أيضًا في حصر الطفرات البشرية والبحث عن علاج يمنع السيء منها، ويعطي المساحة للأفضل؛ لأن يظهر دائمًا.

ولكن كل ذلك مرهون بالتطور العقلي والعلمي في الأبحاث والدراسات الجينية وكذلك الاستثمار في هذا المجال وهو ما يحظى بالفعل في يومنا هذا بنمط مطرد من الاستثمارات المادية في عدد محدود من الدول حول العالم، بينما لا يكون له أي نصيب من الاهتمام في دول أخرى.

ويقول د.ديفيد ديموك (عالم وراثة – كلية الطب في ويسكونسن): “معظم الأمراض الشائعة مجرد مجموعة من الأمراض النادرة التي تصادَف أن يكون لها نقطة النهاية نفسها“، وبعبارة أخرى: فإن الظروف الشائعة هي اضطرابات نادرة الحدوث، ولكنها تحدث.

وتكمن المشكلة في المجال البحثي لعلم الوراثة في أنه مُكلِّف للغاية.

الأبحاث العلمية جميعًا ليست رخيصة، ولكن “علم الوراثة“ واحد من العلوم الأكثر تكلفة في نفقاته البحثية إجمالًا، وهو ما يشير لحجم التكلفة التي سيضطر المريض إلى دفعها للاستفادة منه فهو الآن يعدُّ عبئًا ماديًّا على المريض، ويمثل تكلفة مادية ضخمة على الدول التي تدعمه وسيظل كذلك لعقود، ولكن الأمر الإيجابي فيه هو أنه سيغير نظرتنا للأدوية ولطرق التشخيص والعلاج التقليدية.

جدير بالذكر قيام “ديفيد كاميرون“ رئيس وزراء المملكة المتحدة في عام 2014 بالإعلان عن مشروع بقيمة 300 مليون جنيه إسترليني لاستكشاف خريطة الحمض النووي للإنسان وبذلك تصبح إنجلترا على رأس الدول المستثمرة في هذا المجال العلمي الهائل الذي يُتوقع له مُستقبل مُشرق.

2- علوم الحاسب والذكاء الاصطناعي:

الذكاء الاصطناعي هو أكثر فروع علم الحاسوب انطلاقًا للمُستقبل فهو يدور حول فكرة إعطاء القدرة على التفكير والتقرير وهو ما يعني “الابتكار“ بمفهومه البشري، ويقصد بذلك تصميم آلة لديها سمات وخصائص معينة تُعطيها القدرة على مُحاكاة النشاط الذهني البشري ويتمثل ذلك النشاط في ثلاثة أسس غاية في العظمة ألا وهم: التعلم والاستنتاج ورد الفعل وهي الخوارزمية  أو النمط البرمجي الذي ستجعل الآلة تتحول من كونها مجسمًا ميكانيكيًّا ميتًا إلى آلة ذات ذكاء اصطناعي تمتلك القدرة على محاكاة عقل الإنسان بشكله العملي فقط.

يُعد هذا المجال أحد مظاهر التطور التقني والعلمي الذي نعيشه الآن الذي صنعناه أمس حيث إن قبل مئتي سنة فقط كان مفهومنا عن الآلة لا يتعدى فكرة القطار المتحرك بالفحم ولم يكن إدراكنا للبرمجة والخوازمية بأفضل حال فهو لم يتخطَّ فكرة الحاسبة الرياضية، وهو ما يوضح مدى الترقي والتطلع الفكري والعلمي للإنسان، الذي حدث تدريجيًا في العقود الأخيرة.

أشهر تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتوقع لها نجاح باهر في المستقبل القريب:

– القيادة الذاتية

لا يمكن أن ننكر أننا نشهد بداية عصر الذكاء الاصطناعي في يومنا هذا، وهو ما يتمثل في مشروع “القيادة الذاتية“ والذي يُعد أحد أكثر المشاريع التي حظيت باهتمام ملايين المتابعين حول العالم، ودعم استثماري مادي وبحثي ضخم للغاية، حيث إن تجربة جوجل وتيسلا وغيرهم للنماذج الأولية من تلك السيارات، يُعتبر خطوة البداية لأفق سيُكلل في يوم قريب بنجاح مُنقطع النظير حسب توقعات الكثير من الخبراء.

– الإنسان السايبورج

سايبورج هو تصور بُني عليه الكثير من أفلام الخيال العلمي منذ عشرات السنين وهو عبارة عن تصور لكائن أقرب للإنسان يتكون من مزيج من مكونات عضوية ومكونات بيو_ميكاترونية، وكثيرًا ما تُضفى على السايبورغات في الأعمال السينمائية والتلفزيونية قدرات جسدية وعقلية تفوق نظراءهم من البشر، كما قد يكون بعضها مزودًا بأسلحة داخلة في تكوينه الجسدي.

لكن هذا التصور ليس مجرد خيال فقط، بل إننا نشهد وضع حجر الأساس لهذا التطلع الخيالي بأساس علمي، ويتوقع العلماء والباحثون أن الذكاء الاصطناعي سيُحسن كثيرًا من وظائفنا وقدراتنا الجسدية باعتبار أن أجسادنا هي إحدى نقاط الضعف فينا، وبالتالي يمكن تعزيز ذلك عبر آلات وأنظمة مصممة لإطلاق العنان لقدراتنا نحن البشر، وخلق ما يُعرف بالإنسان السايبورج.

– العمل بالوظائف الخطرة

محاولة البشر استكشاف الطبيعة وتحديها ليست رفاهية على الإطلاق، فهي واحدة من الأنشطة التي ضمنت بقاءنا في رُتبة المُهيمنين عليها ولهذا التحدي خطورته أيضًا، فهناك الكثير من الوظائف والأعمال أصبحت غير إنسانية في عصر ما بعد حقوق الإنسان! كالعمل في المناطق الخطرة أو التعامل مع المخاطر المتوقعة مثل العمل في المناجم أو تفكيك القنابل وهنا تكمن أهمية الآلات ذات الذكاء الاصطناعي؛ فهي تضمن حياة البشر بمأمن عن أي خطر وفي الوقت نفسه تمكننا من القيام بالأنشطة الخطرة عبر استخدام آلات مؤهلة جسديًا لتلك الوظائف.

3- علم الأعصاب

علم الأعصاب هو مجال عريض من العلوم يشمل استخدام التكنولوجيا على مستويات متعددة لفهم الدماغ وتطوير العلاجات المحتملة للأمراض النفسية العصبية، ويُعد واحدًا من أكثر العلوم النفسية تعقيدًا نظرًا لكونه مجالًا بحثيًّا دقيقًا وخطرًا للغاية.

أهمية علم الأعصاب

حاول البشر منذ اليوم الأول فهم أنفسهم وتحليل أفكارهم بهدف معرفة كيف يفكرون بشكل صحيح، بدأ الأمر بالفلسفة للتفكير في أمور ثلاثة، كان من بينهم التفكير في الطبيعة وهو ما يُعرف منذ قرون وحتى يومنا هذا بـ(العلوم الطبيعية) بينما حل التفكير في ذواتهم في المرتبة الثانية، وتطور هذا التفكير ليشمل العديد من الأطروحات والتصورات المبنية على تفسير السلوكيات البشرية وصياغتها في نظريات مبنية على الملاحظة والنتيجة، وبزغ علم ما زال يُعرف حتى الآن بعلم النفس. كل تلك الوسائل لتفسير أمخاخنا وطريقة تفكيرنا كانت ولا تزال مجالًا علميًّا شديد الأهمية وذا أثر إيجابي ملحوظ على الطبيعة البشرية، ولكن مع ظهور “علم الأعصاب“ وتحسن آلياته التشخيصية بتطور أدواته البحثية حلَّت التفسيرات المبنية على أسس تحليلية مباشرة لوظائف المخ الكثير من المناطق المظلمة التي أضاع فيها علم النفس قرونًا من عمره لاستكشافها.

مستقبل علم الأعصاب

لم يستطع العلماء فهم الوظائف الدماغية على نحو دقيق إلا بوجود التكنولوجيا التي قامت عليها فكرة الرنين المغناطيسي الوظيفي، ومن ذلك اليوم تكشفت حقيقة المخ من كونه بناءً متعرجًا غير مبهم الوظائف إلى أقسام ووظائف ومناطق مسؤولة عن أنشطة معينة، وقد أدى ذلك إلى فهمنا الكثير عن عقولنا أكثر مما أملنا فيه يومًا ما.

ولهذا الأمر يعتبر الكثير من العلماء والباحثين في مجال العلوم الاجتماعية والبيولوجية أن “علم الأعصاب“ هو مُستقبل العلوم النفسية، نظرًا لأن الإنسان لن يتوقف أبدًا عن البحث في أغوار نفسه – كلما تصور أنه استطاع فهمها تمامًا فاجأته بسلوكيات وميول وأفكار ليس له عليها سلطان.

ويسعى الإنسان لمستقبل يصبح فيه قادرًا على حيازة النصيب الأكبر من كل شيء، الرفاهية، وملكة تسيير الطبيعة لصالحه، والإحاطة بكل شيء يمكن أن يُمثل خطرًا على وجوده.. وتتمثل أهمية تلك المجالات العلمية وغيرها في كونها وسيلتنا نحن البشر لتوجيه الطبيعة إلى صالحنا الأمثل.

المصادر:

Genetic sequencing is the future of medicine

UK to become world number one in DNA testing with plan to revolutionise fight against cancer and rare diseases

The future of Artificial Intelligence: 6 ways it will impact everyday life

Visions for the Future of Neuroscience

A Map for the Future of Neuroscience

مصطفى جمعة

مهتم بنشر المعرفة، وأتمنى أن أترك بصمة إيجابية في هذا العالم قبل الرحيل.
Back to top button