تعرف على أهم عناصر العمارة الإسلامية، وكيف يتم استخدامها في الوقت الحالي؟
يمكن بسهولة تمييز العمارة الإسلامية من بين جميع الأنماط المعمارية، فلا يحتاج المرء حتى إلى خبرة أو معرفة واسعة بمجال الهندسة المعمارية ليتمكن من التعرف عليها.
وذلك يرجع إلى تميز العمارة الإسلامية بمواصفات خاصة بها مثل استخدام عناصرها والأشكال الهندسية والتفاصيل المعالجة للبيئة والمستوحاة من العقائد الإسلامية.
وفي هذا المقال نستعرض بعضًا من العناصر المهمة في العمارة الإسلامية، وتطوير المعماريين العرب وغير عرب في مشاريعهم في عصرنا الحالي.
المشربية
الظهور
المشربية واحدة من أهم عناصر التصميم في العمارة الإسلامية، فقد كانت نتاج تطوير الملامح البيئية والظروف الطبيعية.
تاريخ انتشار المشربية غير محدد، ولكن بالبحث نجد أنها انتشرت في العصر العباسي (750 – 1258)، وتطور استخدامها بشكل كبير في العصر العثماني (1805 – 1517). وانتشرت انتشارًا شبه كامل في العراق والشام ومصر والجزيرة العربية، ذلك لأنَّ استخدامها في مختلف المباني أثبت كفاءة عالية في الوصول إلى بيئة داخليَّة مريحة وفعالة بالرغم من الظروف الخارجيَّة شديدة الحرارة.
التسمية
تسمية المشربية مشتقة من فعل “شرب” وتعني في الأصل مكان الشرب، وكانت في الماضي عبارة عن فراغ به فتحة منخلية، توضع فيها أواني الماء الفخارية لتبرد بفعل التبخر الناتج عن تحرك الهواء عبر الفتحة، ومن هنا عرفت المشربية بهذا الاسم.
ويرى بعض الباحثين أنها سميت بالمشربية لصناعتها من خشب يُعرف بالمشرب، ثم اتسع مدلول هذا المسمى ليشمل كل الأجنحة الخشبية المنفّذة بطريقة الشكل، والتي نطلق عليها حاليًا الأرابيسك والتي كانت تُغطي بها النوافذ.
كما عرفت المشربية أيضًا في باقي الدول الإسلامية باسم الروشان أو الروشن وهي تعريب للكلمة الفارسية (روزن) والتي تعني الكوة أو النافذة أو الشرفة.
تتمثل قيمة المشربية فيما توفره من وظائف هامة، مثل التحكم في الضوء وتنظيم تدفق الهواء والتحكم في الرطوبة وتنظيم درجة الحرارة والخصوصية البصرية، لذلك تعتبر عنصر بيئي قوي في العمارة الحديثة.
تنظيم درجات الحرارة صيفًا وشتاءً
من أسباب ارتفاع درجات الحرارة في الفراغات المعمارية الداخلية هو الكسب الحراري من أشعة الشمس المباشرة، فكان تنفيذ المشربية بفتحات كبيرة في الحوائط يسمح بمرور تيار ثابت من الهواء عبر الفتحات إلى داخل الفراغات المعمارية، مما ساعد على خلق مناخ لطيف داخل المبنى.
كما أن تصميم قضبان وفتحات المشربية يسمح بدخول أشعة الشمس في الشتاء، وكان هذا يتم بأخذ المعايير التصميمة للمشربية، حيث تكون زوايا سقوط الشمس شتاءً أقرب إلى الأرض مما يزيد درجة الحرارة الهواء داخل الفراغ.
تنظيم تدفق الهواء
الفتحات الضيقة في المشربية تضمن تحقيق الخصوصية إلى جانب تقليل الإنارة في الداخل. ولكن مع تنفيذ الفتحات الضيقة، تم ملاحظة نقص تدفق الهواء. كان الحل هو تنفيذ فتحات واسعة في الجزء العلوي من المشربية.
من هنا ظهر تصميم المشربية المميز، فهي عبارة عن جزء سفلي يتكون من شباك فتحاته ضيقة وقضبانه دقيقة، والجزء العلوي يتكون من شباك عريض وقضبانه خشبية عريضة.
زيادة نسبة رطوبة تيار الهواء
ويتحقق ذلك من خلال وسليتين: الأولى وضع إناء فخاري ذي مسامية عالية في المشربية، وكانت تتم عميلة التبريد من خلال التبخير؛ بمرور التيار الهوائي فوق هذا الإناء الفخاري؛ فيؤدي إلى تبخر كميات من الماء الموجودة على سطحها بالتالي يبرد التيار الهوائي.
الوسيلة الثانية: من المعروف أن الأخشاب مكونة من ألياف عضوية تعمل على امتصاص كميات من الماء في حالة عدم طلائها بأي مادة، وكانت المشربيات تصنع دائمًا من الخشب لذا فإن المشربية تقوم بامتصاص رطوبة الهواء البارد المار فيها ليلاً، وفي النهار عند سقوط أشعة الشمس تسخن المشربية؛ فترسل هذه الرطوبة للهواء المتدفق من خلاله.
توفير الخصوصية
بالإضافة لتأثيراتها في الوظائف المناخية والبيئية، فالمشربية أيضًا توفر الخصوصية لمستخدمي الفراغ مع السماح لهم بالنظر إلى الخارج من خلالها. كانت المشربية تعطي بعدًا نفسيًّا؛ حيث إن المستخدم في الداخل لا يشعر أنه مفصول عن الخارج وفي الوقت نفسه لا يفقد العزلة والهدوء بالداخل.
المشربية هو عنصر معماري عربي، كان لديه دائمًا شيء سحري اجتذب انتباه المستشرقين الغربيين وتم إحيائه لاحقًا في العديد من مشاريع معاصرة. المشربية في نسختها التقليدية كان لها الكثير من الأهمية الوظائف البيئية والمعايير المحددة للتصميم من خلال الأنماط المعترف بها.
أصبحت المشربية أحد العناصر البيئية التقليدية والمعمارية الرائدة التي تم إحياؤها. وهذا يعني إعادة التركيز على دراسة مفهومها ووظائفها لتوظيفها من خلال نماذج أكثر فعالية، وبالتالي اعتمادها في المشاريع المعاصرة، باستخدام حل عالي التقنية للنموذج الأصلي، أو من خلال تنفيذ معاصر لنموذج الأصلي.
وعند هذه النقطة، من المهم الإشارة إلى أن المشربية يتم تقديمها من خلال التصاميم المعاصرة المستدامة بثلاث طرق:
أولًا: يتم تقديمها بأسلوبها التقليدي الأصلي، وذلك باستخدام الشكل والمواد التقليدية.
ثانيًا: يتم تنفيذ مفهومها من خلال حل عالي التقنية، حيث تكون الوظيفة الرئيسة تتحقق باستخدام الوسائل التكنولوجية المتقدمة.
ثالثًا: يتم تقديم حل معاصر للنموذج التقليدي بالاعتماد على الجديد من المواد والأنماط والميزات مع الحفاظ على مفهومها الأصلي.
فى هذا المقال يتم تقديم النسخ الحديثة من المشربية وفقًا لثلاثة أشكال بارزة، بما في ذلك: الشكل البدائي، والشكل المستدام، والشكل المقدم بتقنية متقدمة. يعتمد نطاق هذه الفئات على ثلاثة أمثلة الآتية:
TheMashrabiyaHouse للمعماري SenanAbdelqader فى فلسطين (التصميم البدئي)
يبدو مشروع بيت المشربية بشكل عام وكأنه مشروع بدائي، لأنه يستخدم مفهوم المشربية. لكنها لا تطبق المصطلحات الصحيحة التي تتعلق بوظائف وأنماط ومعايير التصميم التقليدية للمشربية.
إنه أقرب بكثير إلى تصاميم الذي يستخدم الطين والمواد المصنوعة من الطوب المخبوز.
مدينة المصدر فى الإمارات ( التصميم المستدام )
تحاول النسخة الحديثة من المشربية في مشروع مدينة مصدر محاكاة النسخة التقليدية بطريقة الوظائف البيئية، وذلك بفضل استخدام المواد الطبيعية في البناء.
بالإضافة إلى دراسة دقيقة للتقنيات التقليدية في التبريد كان واضحًا في مدينة المصدر، على الرغم من استخدام بعض الأنظمة التكنولوجية، ولكن كان دمج الأساليب مبتكرًا.
كما أن ثقوب الضوء والظل في المشربية الحديثة تستند إلى الأنماط الموجودة في العمارة الإسلامية التقليدية، ولكن باستخدام أقسام كبيرة الحجم ومسافات كبيرة.
أبراج المشربية في أبو ظبي (تصميم منفذ بتقنية عالية)
أما مشروع أبراج المشربية، فهو يحظى بشعبية واسعة في المجلات المعمارية، ولكن هل يعني هذا أنه مشروع مثالي؟
يجب ألا يعتمد تقييم أي مشروع على الشعبية وحدها، ولكن يجب أن يعتمد على صلاحيته وتطبيق معايير التصميم الصحيحة، بالإضافة إلى توفير الوظائف المطلوبة دون المبالغة في تكلفة البناء.
نجحت النسخة الحديثة من المشربية في هذا المشروع في الحد من ضوء النهار الوارد في جميع الأوقات والتحكم فيه حيث الهيكل الخارجي يبعد عن الهيكل الزجاجي للمبنى بمترين وصمم في إطار مستقل.
كل مثلث مطلي بالألياف الزجاجية ومبرمج وفقًا لحركة الشمس. ففي الليل تظل المظلات مطوية تسمح بظهور الواجهة الزجاجية الأساسية للمبنى.
وعندما تشرق الشمس في الصباح الباكر في المنطقة الشرقية من المبنى، تفتح المظلات المتواجدة في المنطقة الشرقية وكلما تحركت الشمس لتغطي المناطق الأخرى من المبنى تتبعها المظلات وتفتح وفقًا لحركة الشمس.
هذه المشربية الديناميكية، تخفض نسبة الأشعة الشمسية التي تدخل المبنى إلى النصف، وبالتالي توفر الكثير من الطاقة الكهربائية التي يستهلكها التكييف.
إضافة إلى ذلك فإن قدرة المظلات على توفير الظل للمبنى دفع المهندسين المعماريين للاستغناء عن الزجاج الداكن الذي يحجب الضوء الخارجي في جميع الأوقات، وذلك عمل على توفير الكهرباء التي تستهلكها الإضاءة في النهار.
ولكن على الوجه الآخر كانت نوافذ التظليل الديناميكية المستجيبة للطاقة الشمسية كانت مكلفة للغاية، بسبب التكنولوجيا المتقدمة، مقارنة بالنموذج التقليدي الذي يتميز بكفاءة عالية في الضوء والتحكم في الحرارة.
الألواح الهندسية
استفادت العديد من المشاريع الحديثة من مفهوم ووظائف المشربية دون ذكر اسمها الأصلي، وأطلق عليها الألواح الهندسية، مثل السوق المركزي في أبو ظبي، عيادة الغانم، مطعم مانيش، مترو منطقة الملك عبد الله المالية.
المحطة والفندق والبرج السكني في قطر. أشار مهندسو هذه المشاريع إلى أن إلهامهم لهذه الواجهات جاء من الثقافة المحلية التقليدية.
علاوة على ذلك، تم استخدام نفس الواجهات، مع الوظائف نفسها في دول خارج المنطقة العربية باستخدام نفس الاسم المختلف وهو (الألواح الهندسية) دون أي ذكر للثقافة العربية، مثل واجهات مكتبة برمنغهام في المملكة المتحدة من تصميم Mecanoo Architects.
المئذنة
المئذنة من الملامح والعناصر المعمارية المهمة في تصميم المساجد في العمارة الإسلامية، وهي عبارة عن برج طويل متصل بالمسجد يرفع فيه الآذان لتأدية الصلاة. معنى كلمة المئذنة في لغتنا العربية هو مكان تأدية الآذان والمناداة إلى الصلاة.
في بعض العصور كانت المئذنة ليها أهمية ووظيفة أخرى وهي إعلان بيانات الدولة وقراراتها التي يسنها الحاكم أو خليفة المسلمين، وفى بعض العصور الأخرى كان كثير من المآذن مزودًا بالقناديل المضيئة، مما جعلها منارات تهدي المسافرين في ظلمة الليل لذلك؛ فإن الباحثين العرب يطلقون على المآذن «المنارات».
ومع مرور الزمن أصبحت المئذنة عنصرًا معماريًّا أساسًا في بناء المساجد، واعتنى بها المعماريون عناية كبيرة، وأبدعوا في تصميمها وتنفيذها وارتفاعاتها، حتى إنها وصلت في بعض الأحيان إلى عشرات الأمتار.
كما أبدعوا في الشكل الجمالي وزخارف البناء والنقوش الإسلامية البديعة، وأخذت المآذن أشكالاً شتى ما بين مدورة ومضلعة ومربعة.
تتناسب قاعدة المئذنة طردًا مع ارتفاعها، وبداخلها يوجد سلم حلزوني يصعد من خلاله المؤذن إلى شرفة المئذنة ويقف وينادي للصلاة.
بداية ظهور المآذن و تصميمها؟
لم تُعرف المئذنة في عهد الرسول؛ فقد ظهرت للمرة الأولى في مدينة دمشق (الشام)، حيث أُذِّن للصلاة من أبراج المعبد القديم الذي قام على أنقاضه فيما بعد «المسجد الأموي» الشهير في دمشق، وكانت هذه الأبراج هي الأصل الذي بنيت على منواله المآذن الأولى في العمارة الإسلامية، لا سيما في مصر والشام وبلاد المغرب.
في بداية العصر الاسلامي كانت المآذن تنفذ بطريقة بسيطة؛ فكانت تأخذ شكل المربع حتى الشرفة الأولى، ثم تستكمل على هذا النمط، وجاءت أشكال مختلفة وتطور مراحل تصميمها على أنماط وأبعاد مختلفة. كانت تنفذ على شكل ثماني الأضلاع، وكان منها الدائري وفى نهاية قمتها قبة صغيرة.
من حيث المواد المستخدمة في تنفيذ المئذنة كانت تختلف من زمن لآخر ومن دولة لأخرى. فالشام والمغرب ومصر كانت تستخدم الحجر في بناء مآذنهم وذلك لتوفره في البيئة المحيطة، أما العراق فكانت تستخدم الطين والخشب في تنفيذ المئذنة.
تطوير المآذن في عصر الإسلامي
جميع العناصر المعمارية الإسلامية شهدت تطورًا من عصر لآخر ومن مكان لآخر، انطبق هذا بالتأكيد على المئذنة. فقد طورت بأشكال مختلفة على مر العصور.
على سبيل المثال أثناء العصر الأموي تم تشييد المآذن بشكل مربع يقع فوق المسجد، وفي العراق ومصر صممت المئذنة الحلزونية كما في مئذنة مسجد مدينة ( سامراء ) ومئذنة جامع أحمد بن طولون، وسمي هذا النمط بالمئذنة الملوية.
كما ظهرت المآذن ذات المسقط الدائري والمنجم والمصلفة أو المخروطية أو الأسطوانية، وفي الأناضول بتركيا كان نموذج المئذنة ذلك الذي يضيق لأعلى.
كانت «المئذنة» إحدى الملامح المهمة التي ظهرت فى العمارة الإسلامية، والتي أظهر فيها المعماري فنه وإبداعاته.
تطوير الإبداع فى تصميم المئذنة كان لمعماريي العرب وغير العرب، ومع تطور التكنولوجيا والتقنيات الحديثة أصبح استخدام المئذنة اليوم استخدام جماليًّا ورمزيًّا وليس وظيفيًّا، إضافة إلى أنها من أهم معايير التصميم بالمساجد الإسلامية.
وسنستعرض بعض المساجد التي قدمت المئذنة بتصميم عصري وحديث يتناسب مع التصميم المسجد والموقع العمراني التي قام فيه المسجد.
مسجد الجزائر:
تصميم: KSP Juergen Engel Architekten
تصميم وحجم المئذنة يجعلها فريدة في تاريخ الإسلام. يبلغ ارتفاع المئذنة حوالي 265 مترًا، وهي ذات أبعاد ناطحة سحاب، بينما تكون نحيفة للغاية مع 28 × 28 مترًا، تميزت بوجود الإضاءة الداخليه لجعلها منارة وعلامة مميزة الموقع
Central Mosque of Prishtina Competition Entry | Victoria Stotskaia, Raof Abdelnabi, Kamel Loqman | 2013
في هذا المسجد المميز تم دمج أكبر عنصرين فيها (القبة – المئذنة) حيث تم أخد ملامح تصميم المئذنة من القبة لتعطي روح معاصرة وحديثة وجعل الموقع العمراني أكثر تميزًا وكل هذا تم استيحاؤه من رقصة الدراويش.
Prishtina Central Mosque Competition Entry | TARH O AMAYESH
تصميم المئذنة بهذه النقوش الرمزية وتحرك التصميم المسجد بالكامل إلى السماء حيث الروحانية والصفاء.
المئذنة بارتفاع 103 متر. يوجد داخل المئذنة سلالم ومصاعد للصعود للاستمتاع بمنظر بانورامي للمدينة.
الفناء الداخلي
بداية ظهور الفناء الداخلي لأول مرة كانت في العمارة المصرية القديمة في المعابد والبيوت السكنية. تطور وازدهر الفناء الداخلي في العمارة الإسلامية وفقًا للمعتقدات الإسلامية، وحقق المعماري نجاحًا كبيرًا في تصميم الفناء الداخلي بمعايير متوافقة مع بيئة المبنى والظروف المناخية والظروف الاجتماعية في ذلك الوقت.
الفناء الداخلي واحدًا من أهم الحلول المعمارية التي ساهمت في مواجهة المشاكل المناخية خاصة في المناطق الحارة، وقد أوضحت الدراسات العلمية الحديثة أنه من المفيد مناخيًا استخدام الأفنية الداخلية في المناطق المحصورة بين خطي عرض 15-37 درجة شمال أو جنوب خط الاستواء.
كما أنه نجح كأسلوب معماري في مواكبة عصور مختلفة، فقد تطور بشكل يتلاءم مع العصر الحديث والتقنيات الحديثة بعصرنا.
تعريف الفناء:
الفناء هو ساحة مفتوحة يحاط بحوائط تقع داخل أو خارج المبنى، وتطل عليها بعض نوافذ الغرف ويستخدم كعنصر معماري في تصميم المبنى لتلطيف درجة الحرارة داخل الغرف لإضاءتها وتهويتها.
من الناحية المعمارية نجد أننا أمام تعريفين للفناء، هما:
أولهما: أن الفناء الداخلي عبارة عن فراغ من فراغات المباني في المناطق ذات الطبيعة الاجتماعية والبيئية التي تتطلب وجوده داخل المبنى؛ ليحقق أهدافًا بيئية ونفعية وتشكيلية واجتماعية، وهذا في مضمونه يعني ضرورة تواجد الفناء بأبعاد محددة مهما اختلف المبنى في الموقع.
ثانيهما: أن الفناء الداخلي عبارة عن جزء مشتق من الفراغ العام المحيط، وزعت حوله فراغات المبنى الداخلية، لتتوافق مع الظروف البيئية والنفعية والتشكيلية والاجتماعية.
ومن خلال مراجعة نماذج لمبان تحتوي على الأفنية الداخلية في العصور المختلفة وجد أن الفناء قد اختلف في الشكل وفي الحجم؛ وفقًا للظروف الخاصة بالموقع والمنطقة الواقع فيها المبنى، وهذا يعني أن الاحتمال الثاني هو الواقعي والمناسب للهدف من وجود الفناء الداخلي في المباني.
أنواع الفناء:
أنواع الفناء من حيث الخصوصية: تنقسم أنواع الفناء من حيث الخصوصية إلى:
فناء عام: يوجد في المباني الدينية كما في المعابد والمساجد، وكذلك الفناءات الرسمية السياسية للخطب والاستعراض العسكري.
فناء خاص: يوجد في المباني السكنية والمباني التجارية والفنادق وينقسم إلى داخلي وخارجي
خارجي: (مثال الحوش في المسكن في شمال السودان ووسطه).
داخلي: ( مثال الفناء الداخلي في المساكن أو الفنادق والمباني التجارية).
أنواع الفناء من حيث الشكل:
مفتوح: يمكن أن يكون مربعًا أو مستطيلًا أو مفتوحًا ليس له شكل محدد.
مقفول: يمكن أن يكون مستطيلًا أو مربعًا.
دراسة الفناء الداخلي من ناحية الوظائف المناخية التي يؤديها الفناء الداخلي:
لقد تعلم الناس في السابق غلق مساكنهم من الخارج وفتحها نحو الداخل بفتح أفنية داخلية أو ما يسمى صحنًا، وحوضًا، وفناء وسطيًّا، ويكون مكشوفًا إلى السماء.
يقلل هذا الوضع من درجة الحرارة بمقدار كبير في الليل المعتدل البرودة. ويتجمع الهواء المعتدل البرودة في الفناء في طبقات ثم ينساب إلى الحجرات المحيطة فيبردها.
في الصباح يبدأ كل من الهواء الذي تظلله جدران الفناء الأربعة وهواء الحجرات المحيطة يسخنان تدريجيًّا ويبطئ ولكن برودتهم تظل معتدلة حتى وقت متأخر من النهار حيث تسطع الشمس مباشرة داخل الفناء.
بهذه الطريقة يعمل الفناء الداخلي كخزان تبريد للهواء. فالفناء عنصر فعال في التهوية الطبيعية، وقد عمل كمنظم للحرارة من خلال ما يوفره من ظل وافر.
بعض العناصر المعمارية المستخدمة في تصميم الفناء الداخلي:
النافورة أو السلسبيل:
كان وجود النافورة في وسط الفناء الداخلي من العلامات المميزة في تصميم الفناء، وكانت تفتح عليها الإيوان وغرف المعيشة. تواجد النافورة في الفناء له سبب بيئي مهم حيث كانت قطرات الماء المتناثرة من النافورة تساعد على ترطيب الجو وتبريد الهواء عن طريق التبخير.
كما أن إيقاع صوت خرير الماء له تأثير نفسي هادئ ومريح مع ترطيب الجو والظلال.
يوضع السلسبيل داخل كوة في الحائط المقابل أو فضاء المعيشة، فعند جریان الماء على سطح الحوض المرمري يسهل تبخره ويزيد من رطوبة الهواء المحيط.
الأواوين:
وهي عبارة عن قاعات مسقفة على شكل عقود مدببة ترتفع على جسور خشبية متموجة بأقواس ثنائية أو ثلاثية التشكيل وقد ترتفع على مستويات أعلى من الفناء لتتحول لملقف.
ملقف الهواء:
برج يتوجه عادة باتجاه الرياح السائدة في أعلى الدار حيث يسمح بتمرير الهواء البارد صيفًا.
ملاقف الهواء هي الوسيلة الأهم لاصطياد الرياح وإدخالها إلى الغرف وذلك بتكوين مناطق ضغط متباينة ما بين الداخل والخارج فيدخل الهواء بعد تنقيته وترطيبه، ومن ثم إخراجه عبر فتحات أخرى.
توجيه الفناء الداخلي:
يتم توزيع الغرف حول الفناء الداخلي وفقًا لوظيفة كل فراغ، حيث وجه إيوان اتجاه الشمال ليشغل في الصيف ووجه إيوان اتجاه الجنوب ليشغل في الشتاء. وأيضًا استغل الأواوين كمناطق تظليل في الفناء.
أما عن الغرف الخدمية (الحمام – المطبخ – المخزن –…) كانت توجه إلى الغرب، وكانت الجهة الغربية من الفناء تعتبر الواجهة السيئة؛ لأنها تحتاج إلى تظليل تام في فصل الصيف، وذلك لأن ضوء الشمس المباشر يصلها في نفس الوقت التي تكون فيها درجة حرارة الهواء مرتفعة.
الشكل:
من المتعارف عليه أن شكل الأفنية الداخلية مربع أو مستطيل، ويتكون الشكل من توزيع الفراغات المعمارية ( الغرف) حول الفناء الداخلي.
الخصوصية:
يمتاز الفناء الداخلي بالخصوصية العالية لساكني الوحدة السكنية، ولا وجود للشرفية من قبل الدور المجاورة وهذا ما يتطابق مع مبادئ الدين الإسلامي وتقاليد المجتمع حيث الخصوصية الكاملة للإنسان في داره.
ونلاحظ أن تخطيط المدينة العربية القديم يتدرج من العام – شبه العام – شبه الخاص– الخاص، فيكون الدخول إلى المنزل من الجزء العام.
وهناك تدرج في الوحدة السكنية نفسها في الانتقال من العام “مدخل الدار“ وإلى شبه العام “البرانية“ ثم إلى شبه الخاص “الفناء الداخلي والمطبخ والمعيشة“ وأخيرًا إلى الخاص “غرف“.
طبيعة حوائط المحيطة بالفناء ومعالجة السطوح والأرضية:
تتميز حوائط الوحدة السكنية وكذلك الحوائط المحيطة بالفناء الداخلي بأنها سميكة قد يتراوح عرضها من ( 100 – 48 سم) ولكي تساعد في عزل حراري وصوتي جيد كانت تصنع مجوفة. وكانت العناصر الإنشائية للأفنية الداخلية عبارة عن مواد محلية كالطين والأحجار، أما عن الأرضيات فكانت تتميز بعزل حراري عال.
وبالنسبة للإضاءة الطبيعية للفناء والفراغات المطلة عليه فإنها تتأثر بخصائص مادة السطح فقط.
نستعرض معكم النسخ الحديثة من الأفنية الداخلية وفقًا لتحليل السابق، كمانستعرض أفكار المعمارين في استخدام الأفنية في مشاريعهم بتصميم عصري وحديث مستخدمين التكنولوجيات والتقنيات الحديثة:
مجمع برلمان FNC| ستيفن إرليخ |2010
مجمع البرلمان من المشاريع التي استخدمت الفناء الداخلي كعنصر معماري قوي وواضح في التصميم وتشكيل الكتلة والفراغات، ولكن على طريقة عصرية وحديثة مطبق بأعلى التقنيات.
حيث وضع كتلة البرلمان وسط بعض من المباني الخدمية وخلق الفناء الداخلي وقاعة البرلمان نفسها من الداخل بها ساحة كبيرة نفذها بروح إسلامي عصري وخلق فيها فناء داخلي يوحي بالهيبة والعظمة.
سوق أبو ظبي المركزي | فوستر |2014
خلق أفنية داخليه داخل السوق كان من أهم العناصر التي قام عليها المشروع، وذلك لما توفره الأفنية من خصائص بيئية لتطليف الجو لمتسوقين وزيادة فرصة بقائهم في المكان.
كانت الأفنية صممت بأشكال مختلفة سواء كانت مربعة أو مستطلية أو كانت مفتوحة أو مغلقة، وعلاوة على ذلك كانت تختلف وظيفة كل فناء عن الآخر حيث فناء كساحة انتظار أو نقطة تجمع أو فناء يعتبر جزءًا من مطعم أو فراغ خدمي.
الظل والنور أحد أساليب التعبير في العمارة الإسلامية:
الظل والنور أسلوب معماري تميزت به العمارة الإسلامية، وكان له تأثير بصري واضح في عناصر التشكيل الموجودة في الفراغ وتأثير نفسي في مستخدمي الفراغ.
فكانت إيقاعات الظل والنور تأتى متنوعة من عناصر مختلفة في الفراغ مثل المشربيات حيث الضوء المتسلل من فتحاتها، وأيضًا من الزجاج الملون والمفرغات الجصية والعقود والمقرنصات والقباب والتفاصيل المعمارية الإسلامية المتنوعة التي توجد في البيوت الإسلامية والوكالات والقصور والمساجد والمباني الإسلامية المختلفة.
كل هذه العناصر المعمارية تخلق نغمات الظل والنور على الأرضيات والجدران، ويزداد شدةً تباين الظل والنور وفقًا لحالة الطقس على مدار اليوم.
في حالة اعتبار أن الضوء عنصر إيجابي يصبح الظل هو العنصر السلبى المقابل له. الضوء يتمثل في سقوط أشعة الشمس على الأشياء، وتكوين مساحات الظلال ينتج من عدم نفوذ أشعة الشمس من الأجسام. ودرجة كثافة وزوايا سقوط أشعة الشمس على الأجسام في الفراغ يخلق إيقاعًا متناغمًا متنوعًا للظل والنور على الأرضيات والجدران، ويمد مستخدمي الفراغ براحة نفسية وبصرية.
الظل والنور عنصران مهمان في تصميم الفراغات في العمارة الإسلامية مما دفع المهندس المعماري لدراسة مصادر الإضاءة الطبيعية وكمياتها ومحاولة خلق نوع من التوازن بين عنصري الظل والنور.
خَلْق الظل والنور من بعض الوظائف المهمة
أولًا: الوظيفة الإنشائية:
شكلت العمارة الإسلامية الظل والنور من خلال تنظيم العناصر الإنشائية مثل الأعمدة والبواكي والعقود والنوافذ والقباب والمقرنصات وغيره على أساس أبعاد وتصميمات تتناسب مع المبنى بأكمله، ومن هنا خلق الظل والنور، وكان لهما قيمة جمالية متصلة بالنظام الإنشائي.
كان لتأثير الفتحات على تصميم الفراغ الداخلي للمباني الإسلامية دور كبير في خلق إيقاعات الظل والنور، ولم يغفلها المهندس المعماري حيث استغلها لخلق الجوانب الروحانية والهدوء النفسي لمستخدمي المكان.
ثانيًا: الوظيفة المناخية
المصمم المعماري في العمارة الإسلامية وفق في خلق الظل والنور عند محاولة تنفيذ الوظائف المناخية التالية:
التهوية والتشميس والإضاءة:
أشعة الشمس تمد الفراغ بالنشاط والحيوية والدفء، وتعتبر الفتحات هي المنفذ الوحيد والمتحكم في كمية الأشعة وصورتها التي تدخل الفراغ. وتختلف كمية الأشعة وحالتها طبقًا لساعات النهار المختلفة واختلاف توجيه المبنى وكذلك اختلاف المواسم أثناء السنة.
العزل الحراري
تعتبر الفتحات من المؤثرات المهمة في الوسط الحراري الداخلي لمباني المعمارية والتراثية بالأخص، فقد تتسبب الفتحات في زيادة حرارة الفراغات الداخلية إن لم تنفذ بتصميم يتناسب مع وظيفة المبنى.
لذا وباستخدام التكنولوجيا الحديثة يمكن رفع كفاءة الأداء الوظيفي لمقاومة الحرارة بغرض تقليل الإشعاع الشمسي المباشر للحد والترشيد من درجة الحرارة.
العزل الصوتي
لتحقيق العزل الصوتي، تم استغلال الفتحات كعنصر دفاعي للتقليل من الأصوات غير المرغوب فيها والمزعجة، وكانت تنفذ بدقة عالية في تصميم البيوت الإسلامية وبناء المساجد بالأخص، وذلك لشدة احتياج الإنسان إلى الانفصال عن العالم الخارجي ودخوله في حالة السكون والهدوء.
ثالثًا: الوظيفة الاجتماعية
كانت الفتحات مصدرًا أساسيًا للتواصل بين الفراغ الخارجي والداخلي وكانت تتيح الرؤية لمستخدمي الفراغ من خلاله كما كانت تجعله موصولًا بالخارج مع الحفاظ على الهدوء بالداخل.
الخصوصية كانت من أبرز معايير التصميم في العمارة الإسلامية وأشهر ما استخدم لتطبيق الخصوصية كانت المشربية. وعند استخدام المشربية خلقت نغمات الظل والنور سواء داخل حيز الفراغ أو خارج المبنى.
الوظيفة السيكولوجية والنفسية. .. أشار علماء النفس الى أنه عند الانتقال من الإضاءة العليا إلى الأقل منها وتدرج إيقاع الظل والنور المحيط بالفراغ وانعكاسات الألوان كل هذا يشيع الرضا والخشوع والهدوء والراحة والطمأنينة في النفس.
رابعًا: الوظائف الروحانية والقيم الجمالية
اعتمد مصممي العمارة الإسلامية الظل والنور في تنفيذ المساجد؛ نظرًا لأن الظل والنور يشيع في روح الزائر للمسجد الروحانيات والسكون والخشوع والطمأنينة؛ فلجأ المعماري إلى تطبيق عنصري الظل والنور في جميع تفاصيل المسجد من العقود والبواكي والقباب والمقرنصات والفتحات والأعمدة وغيره لتغمر الظلال والهدوء النفسي في رحاب المسجد.
قام المعماريون المعاصرون بالحفاظ على هذه الوظائف واستغلالها لتحقيق الظل والنور في مشاريعهم مع استخدام التقنيات والتطورات التكنولوجيا الحديثة وامثلة على ذلك:
متحف اللوفر في أبو ظبي
صمم متحف اللوفر في أبو ظبي من قبل المهندس المعماري (Ateliers Jean Nouvel) بهدف إنشاء عالم رحب يربط بين الأضواء والظلال.
يعتبر متحف اللوفر الجوهرة الأساسية في جزيرة السعديات – المنطقة الثقافية الجديدة للمدينة وقد صمم ليكون “مدينة متاحف” بمساحة 58 الف م2 كمركز للفن والمعارض، يضم عددًا لا يحصى من فراغات العرض المتجمعة تحت مظلة القبة الضخمة، مما يخلق مساحة حميمية واسعة.
يستند المشروع على أحد الرموز الأساسية للعمارة العربية: القبة، ولكنه يشكل هنا اقتراح عصري يجمع بين العمارة الحديثة ولمحات مستوحاة من تقاليد المنطقة.
يتألف سطح القبة من طبقة مزدوجة ويبلغ قطرها 180 متر، مقدمة أشكالًا هندسية مثالية لدخول الضوء حفرت في مواد منسوجة بطريقة أكثر عشوائية مما يخلق الظل التي تتخلله دفقات من أشعة الشمس.
ويشكل تصميمه مكانًا من الظلال خلال النهار، و“واحة نور” تحت قبة تزينها النجوم في الليل.
أصبح متحف اللوفر أبو ظبي الوجهة النهائية للتنزه في المناطق الحضرية وفي الحدائق على الساحل وملاذًا منعشة، وتأخذ القيمة الجمالية في الليل وظيفتها كملاذ آمن لأكثر الأعمال الفنية قيمة.
مسجد الجزائر
حقق المسجد الظل والنور من خلال تنظيم العناصر الإنشائية والزخرفية مثل الأعمدة والبواكي والعقود. على أساس تناسب محدد دقيق مع أبعاد المبنى بأكمله.
وقد جاء الظل والنور ليكون له قيمة جمالية تتصل بالإنشاء. حيث حلق الفتحات لتخفيف من النظام الإنشائي المستخدم والمقصود بها الأعمدة.
PrishtinaCentralMosqueCompetitionEntry|Taller301andL+CC
مشروع عبارة عن مسجد استخدم فيه الظل والنور بطريقة عصرية وباهرة وكان من خلال القبة التى صممت من أنابيب بابعاد مختلفة يدخل منها الضوء بكميات وقوة مختلفة. وأيضًا المقرنصات كان ليها دور كبير في خلق الظل والنور في المسجد.
مسجد الإصلاح في سنغافورة 2014
يعتبر مسجد الإصلاح من أكتر المساجد التي حققت عنصر الظل والنور في تفاصيل كتير من المسجد من خلال توزيع الأعمدة والمقرنصات وحجمها وأشكالها إضافة للفتحات وتصميمها المختلف والمميز.
كما حققت الوظيفية المناخية بشكل عصري وحديث وأفاضت جوًّا روحانيًّا هادئًا.
المراجع:
The Mashrabiya House / Senan Abdelqader
Central Mosque of Prishtina Competition Entry | Victoria Stotskaia, Raof Abdelnabi, Kamel Loqman
Prishtina Central Mosque Competition Entry | TARH O AMAYESH
Prishtina Central Mosque Competition Entry | Taller 301 and L+CC
Louvre Abu Dhabi Designed by Jean Nouvel Finally Opens this Week