تعلم لغتين في ذات الوقت عند الأطفال.. هل يؤثر في إتقانهم لهما؟
مع زيادة معدل الهجرة في جميع أنحاء العالم، زاد عدد الأطفال الذين يكبرون ويتعرضون إلى لغتين، وهو أمر يوفر العديد من الفوائد، وبعض التحديات أيضًا، ونظرًا لأن مدخلات الأطفال المعرفية تنقسم بين لغتين، لغة الأغلبية في البلد الذي يقيمون فيه ولغة تراث أسرهم، يحصلون على مدخلات أقل في كل لغة مقارنة بالأطفال الذين يتلقون كل مدخلاتهم بلغة واحدة فقط. نتيجة لذلك يُطوِّر الأطفال الذين يتحدثون بلغتين كل لغة بوتيرة أبطأ؛ لأن تعليمهم ينقسم على اثنين.
يستغرق الأطفال مدة أطول لتعلم لغتين في وقت واحد مقارنة بلغة واحدة:
يقول أحد كبار علماء النفس وخبير تطوير اللغة بجامعة فلوريدا أتلانتيك:
“لا تقلق، حيث إنه من الطبيعي تمامًا أن يستغرق الأطفال ثنائي اللغة وقتًا أطول، لأنهم يتعلمون المزيد“.
أيضًا في مراجعة نشرت في مجلة “وجهات نظر تنمية الطفل“، درست “إريكا هوف“ أستاذة علم النفس ومديرة مختبر تطوير اللغة في “كلية تشارلز إي شميدت“ للعلوم في جامعة “الفاو“، بحثًا عن مسار النمو اللغوي المزدوج بين الأطفال في أسر المهاجرين، وركزت على الأطفال الذين تعرضوا إلى لغتين بداية من الولادة، وحددت كمية المدخلات ونوعية المدخلات واستخدام الأطفال للغة بصفتها عوامل تؤثر في نمو اللغة.
تظهر مراجعة هوف للبحث دليلًا قويًّا على أن معدل نمو اللغة يتأثر بكمية إدخال اللغة، حيث تتحدى نتائجها الاعتقاد السائد داخل وخارج الأوساط العلمية بأن الأطفال عبارة عن إسفنجات لغوية يمتصون بسرعة اللغة أو اللغات التي يسمعونها، وسيصبحون متحدثين بارعين في لغتين ما تعرضوا لكليهما في سن مبكرة.
وقالت هوف أيضًا:
“أحد الآثار الواضحة لدراسات الأطفال الذين يتحدثون بلغتين هو أننا يجب ألا نتوقع منهم أن يكونوا متميزين في آن واحد، حيث إنه سيطوِّر الطفل ثنائي اللغة قدرة تعلمه مثله مثل البالغ الثنائي اللغة أيضًا، وبالقدر الذي تتطلبه احتياجاته واحتياجات البيئة حوله“.
تشير النتائج إلى أن جودة التعرض للغة مهمة، وتجادل هوف بأنه يجب على الآباء المهاجرين استخدام اللغة الأكثر راحة في التحدث عندما يتفاعلون مع أطفالهم، ولا ينبغي إخبارهم باستخدام اللغة الإنجليزية لمجرد أنها لغة البلد المضيف، خصوصًا إذا كانت إجادة اللغة الإنجليزية الخاصة بهم محدودة. وأضافت أنه لدعم التطوير الثنائي اللغة بالكامل، يجب أن يأتي تعرض الأطفال لكل لغة من متحدثين ذوي كفاءة عالية.
يُظهر البحث أن الأطفال بحاجة أيضًا إلى استخدام لغة من أجل تعلمها، وفي البيئات ثنائية اللغة، يمكن للأطفال اختيار اللغة التي يتحدثونها، وعندما تكون إحدى اللغات أكثر شهرة من غيرها، فإنهم يختارون اللغة الأكثر شهرة، وبذلك يتعلمون واحدة أفضل من الأخرى، لذلك يعد من المهم دعم التطوير الثنائي اللغة عندما يتم التعرض للاثنين، وهو ما يدعو إلى تشجيع الأطفال إلى استخدام الاثنين. وخصوصًا أنه يحتاج أطفال الأسر المهاجرة إلى مهارات قوية في لغة الأغلبية للنجاح في المدرسة، ويكونون أيضًا بحاجة إلى مهارات في لغة التراث للتواصل بشكل جيد مع آبائهم وأجدادهم، ثنائية اللغة هي رصيد لأسباب شخصية، ومهنية، وإدراكية.
في النهاية تُشير النتائج إلى أن كفاءات الأطفال بلغتين، تعكس احتياجاتهم التواصلية، كما تعكس أيضًا كمية ونوعية تعرضهم لكل لغة، ولصنع توازن حقيقي بين الاثنين، يجب أن يتم تعريضهم لكلا اللغتين بذات الكمية، وهو ما يعني أن التحدث بلغة التراث في المنزل مهم جدًّا لفعل ذلك.
بعد أن عرفنا عن تعلم لغتين عند الأطفال، والتأثير الذي يمكنه أن ينتج عن ذلك، لنتطرق أيضًا إلى طريقة تعلم اللغة، ومراحلها، بحيث نفهم كيفية سير الأمر، ومن ثم العمل على تطويره، وفي جميع الأحوال، يجب ألا يقلق أولياء الأمور من تأثير تعلم أطفالهم للغتين في ذات الوقت، حيث إنهم سوف يستغرقوا وقتًا أطول فقط، وباتباع طريقة موزونة لفعل ذلك، سوف يتمكنون من إتقان اللغتين.
كيف يتعلم الأطفال اللغة؟
تعلم اللغة أمر طبيعي، ويتعلمها جميع الأطفال بالطريقة نفسها بغض النظر عن اللغة التي يتحدث بها آباؤهم، وهناك ثلاثة مراحل أساسية يُطوِّر فيها الأطفال لغتهم، وهي:
المرحلة الأولى: تعلم الأصوات
عندما يولد الأطفال يمكنهم إنتاج جميع الأصوات في جميع اللغات في العالم وسماعها، يبلغ عدد الأصوات حوالي 150 صوتًا في حوالي 6500 لغة، ولا توجد لغة تستخدم كل هذه الأصوات في ذات الوقت، وفي المتوسط تستخدم اللغة الواحدة حوالي 50 صوتًا، والبعض يستخدم أكثر أو أقل.
في هذه المرحلة يتعلم الأطفال الصوتيات التي تنتمي إلى اللغة التي يتعلمونها، وتسمى القدرة على التعرف على هذه الأصوات وإنتاجها “الوعي الصوتي“، وهو أمر مهم للأطفال الذين يتعلمون القراءة.
المرحلة الثانية: تعلم الكلمات
في هذه المرحلة يتعلم الأطفال كيف تتضافر الأصوات في لغة ما لتكوين معنى، على سبيل المثال، يتعلمون أن الصوت “ما–ما“ يشير إلى الشخص الذي يحضنهم ويطعمهم، وهي أمهم.
هذه خطوة مهمة؛ لأن كل ما نقوله هو في الحقيقة مجرد تدفق من الأصوات، ولفهم هذه الأصوات، يجب أن يكون الطفل قادرًا على معرفة أين تنتهي كلمة واحدة، وتبدأ كلمة أخرى، وتسمى هذه “حدود الكلمات“. ومع ذلك، فإن الأطفال لا يتعلمون الكلمات بالضبط، بل إنهم يتعلمون في الواقع أشكالًا معينة، والتي قد تكون أو لا تكون كلمات.
المرحلة الثالثة: جُمل التعلم
خلال هذه المرحلة يتعلم الأطفال كيفية إنشاء جُمل، وهذا يعني أنهم يستطيعون وضع الكلمات بالترتيب الصحيح، على سبيل المثال يتعلمون أنه باللغة العربية نقول “أريد قطعة من الحلوة“ تعني بأن هناك شخصًا يرغب في الحلوى بالفعل وأنه يطلب قطعة، وفي تلك المرحلة يكون الطفل قد تعلم الصوتيات، والكلمات، وأيضًا أصبح قادرًا على تمييز تواجدهم في أنماط مركبة تدل على معنى أكبر، وهي الجمل.
يتعلم الأطفال أيضًا الفرق بين صحة القواعد والمعنى، مثالًا على هذا لو قلنا: “الأفكار الخضراء عديمة اللون تنام بشدة“، سيعلم الأطفال أنه على الرغم من أن الجملة صحيحة من الناحية النحوية، إلا أنها غير منطقية وليس لها معنى. إنهم يعرفون أن اللون الأخضر لا يمكن أن يكون عديم اللون، ولا يمكن أن ينام بشدة.
تطور اللغة لدى الطفل وتأثره بالدماغ -الجزء الأول-
مراحل تطوُّر اللغة عند الأطفال
على الرغم من أن جميع الأطفال يتعلمون في المراحل الأساسية، إلا أن اللغة تتطور بمعدلات مختلفة لدى الأطفال المختلفين، وفي العموم معظم الأطفال يتبعون نمطًا مألوفًا، وتلك الأنماط هي:
1- الولادة:
عندما يولد الأطفال يمكنهم أن يستجيبوا بالفعل لإيقاع اللغة، يمكنهم التعرف على التوتر والسرعة وصعود وسقوط الإيقاعات.
2- من سن 4 إلى 6 أشهر
منذ أربعة أشهر يمكن للأطفال الرضع التمييز بين أصوات اللغة والضوضاء الأخرى، على سبيل المثال، يعرفون الفرق بين الكلمة المنطوقة والتصفيق.
مع مرور ستة أشهر، يبدأ الأطفال في التفاعل والتسلية مع الأصوات، وهذه هي أول علامة على أن الطفل يتعلم لغة، أصبح الأطفال الآن قادرين على صنع جميع الأصوات في جميع لغات العالم، لكن بحلول الوقت الذي يبلغون فيه عامًا، سيكونون قد أسقطوا الأصوات التي لا تشكل جزءًا من اللغة التي يتعلمونها.
3- عند سن 8 أشهر
يمكن للأطفال الآن التعرف على مجموعات الأصوات، ويمكنهم التمييز بين حدود الكلمات، على الرغم من أنهم يتعرفون على هذه المجموعات الصوتية على أنها كلمات، إلا أنهم قد لا يعرفون معناها.
4- عند 12 شهر
عند هذه النقطة يمكن للأطفال فهم معاني للكلمات، وبمجرد أن يتمكنوا من القيام بذلك، يمكنهم البدء في بناء المفردات، كما يبدؤون في محاكاة الكلمات الجديدة التي يسمعونها، وبحلول الوقت الذي يبلغون من العمر عامًا واحدًا، سيكونون قد جمعوا مفردات من حوالي 50 كلمة.
5- عند 18 أشهر
من أجل التواصل يجب أن يعرف الأطفال كيفية استخدام الكلمات التي يتعلمونها، في هذه المرحلة من تطور اللغة، يستطيع الأطفال التعرف على الفرق بين الأسماء والأفعال. وبشكل عام فإن الكلمات الأولى في مفردات الطفل في هذه المرحلة سوف تكون الأسماء.
6- عند 24 شهرًا
في هذه المرحلة يبدأ الأطفال في التعرف على أكثر من الأسماء والأفعال، واكتساب فهم بنية الجملة الأساسية، كما يمكنهم استخدام الضمائر، علاوة على ذلك يعرفون أيضًا الترتيب الصحيح للكلمات في الجملة، ويمكنهم إنشاء جمل بسيطة مثل “أنا الحلوى“، مما يعني “هل يمكنني الحصول على الحلوى؟“.
7- من 30 إلى 36 شهر
بحلول هذا العمر حوالي 90 في المئة من ما يقوله الأطفال يكون صحيح نحويًّا، والأخطاء التي يرتكبونها هي عادة ما تتعلق بالقواعد النحوية المعقدة، وغالبًا ما تكون الاستثناءات.
8- بعد سن 3 سنوات
مع نموهم يستمر الأطفال في توسيع مفرداتهم وتطوير لغة أكثر تعقيدًا، ومع ذلك يظل استخدام لغتهم لا يشبه تمامًا لغة البالغين حتى يبلغوا سن الحادية عشر تقريبًا، حتى يحل سن المراهقة، وتصبح لغتهم تامة ومكتملة، وهو ما يمكنهم من استخدام القواعد اللغوية المعقدة والاستثناءات اللغوية بشكل صحيح.
المصادر:
Children take longer to learn two languages at once compared to just one