تقنيات متطورة تهدد مستقبل التعليم على كوكبنا
هناك الكثير من المهن التي تشكلُ اليدُ البشريةُ عمادًا وأساسًا لها كانت قد اندثرت وذهبت إلى غير رجعة مُسْلِمَةً نفسها لعجَلَة التطور السريع التي يشهدها العالم، وعلى الضفة الأُخرى ما زال هناك أكثر وأكثر تنتظر بترقب شبح التطور هذا، الذي بات يهدد وجودها وينذر بزوالها والتعليم واحد منها، وقد يقول قائل وأين المشكلة في هذا مادام التقدم يصب في مصلحتنا نحن البشر، ويُسهم في ولادة مهن أخرى تدور في فلكه أيضًا؟
نعم، أنا معك، ولكن جوهر التعليم يكمن في صفته الإنسانية، فأول شيء يتبادر إلى أذهاننا مع كلمة تعليم معلم وطالب، فكيف لنا أن نتخيل مهنة التعليم بلا معلم، والأخطر من هذا أين يكون التعليم بلا طالب أيضًا، فما هو البديل.
تعالوا معي في رحلة نحو المستقبل لنشاهد تقنيات متطورة تهدد مستقبل التعليم منها ما زال مجرد فكرة اعتلت أفلام الخيال العلمي، ومنها ما أمسك البشر بخيوطه في بعض الدول المتقدمة.
أولًا: الروبوتات
نعم، إنَّه الإنسان الآلي أو ما يعرف بالروبوت، فقد كان الهدف منه بدايةً استخدامه في الأعمال الشاقة والحربية الخطيرة، التي تسببت بوفاة الكثير من البشر، مما جعله طوق النجاة للحفاظ على حياتنا، ولكن استخدامه تخطى هذا بكثير، وأدى إلى الاستغناء عن الإنسان نفسه في كثير من المهن المختلفة التي حل الروبوت محلها، ولا أختلف معكم في ظهور مهن أُخرى تخدم هذه التقنية كمبرج أو مهندس روبوتات، ولكن مع ذلك فقد قلص استخدام الروبوت أعداد اليد البشرية، مما أحدث فجوةً في سوق العمل، وارتفاع نسبة البطالة، والتعليم كواحد من المهن المختلفة قد يقرع ناقوس الخطر يومًا بزوال اليد البشرية منه!
تخيل معي أنَّك دخلت لقاعة الدرس يومًا وبدأت بانتظار معلمك، وهي لحظات حتى تتفاجَأ بدخول إنسان آلي إلى قاعة الصف ليبدأ معك الدرس. نعم، يا عزيزي بعض الروبوتات كافية لتدير مؤسسةً تعليمةً كاملةً، وإعطاء جميع المواد المطلوبة منها وبنسبة خطأ 0%
ثانيًا: الذكاء الصناعي
لم نبتعد كثيًرًا عن الحاسوب والروبوتات في الذكاء الصناعي، ومن اسمه يعني أنَّه يقوم على محاكاة الذكاء البشري من خلال الآلات والبرامج المساعدة، التي تشرف على تصنيعها كبرى شركات البرمجة في الدول المتطورة، وخاصةً تلك التي بدأت تظهر في الأسواق والتي تعمل على أوامرنا الصوتية، وقد يقول قائل وما مشكلة الذكاء الصناعي مع مهنة التعليم.
نعم، لا تقل خطورة الروبوت عن الذكاء الصناعي في تهديد مستقبل التعليم، لا بل مستقبل العالم أجمع، فالروبوت لديه مهمة محددة وفي الغالب يشرف على تصرفاته علماء ومبرمجون، أمَّا مع تقنية الذكاء الصناعي فقد استغنت الآلات والروبوت عن الإشراف البشري بالكامل، وباتت تعلم نفسها بنفسها وتتطور من ذاتها تمامًا مثل العقل البشري، وقد حذر الكثير من العلماء من خطورة هذه التقنية إذا فقد البشر السيطرة عليها.
تخيلوا معي مدرسة كاملة للروبوت والآلات فقط، ويشرف على تعليمها وتطويرها آلات أكثر تطورًا وذكاءً منها.
ثالثًا: الواقع الافتراضي
تقنية متطورة بدأ ظهورها بنظارات تحاكي الواقع والخيال، فمن خلالها يمكنك التواجد بين أصدقائِك سواءً في المدرسة أو الجامعة، وأنت جالس في غرفة نومك لتبدأ حصتك التعليمية مع أستاذك الذي يجلس في بيته أيضًا، حيث يمكن مستقبلًا الاستغناء عنه ببرامج ذكية تحاكي الواقع، وتعطيك الدرس وكأنّ معلمًا حقيقيًا يقف أمامك.
رابعًا: النانو تكنولوجي
تقنية الجزيئات الصغيرة جدًا، وقد كان لهذه التقنية فائدةً كبيرةً في أغلب مجالات الحياة الطبية والصناعية وحتى العسكرية، ولكن يبدو أنّنا ذهبنا إلى أبعد من ذلك من خلال عدد من الأبحاث وأفلام الخيال العلمي، التي أظهرت لنا دمج هذه التقنية بالإنسان ليصبح نصف آلة ونصف بشر، ومن أخطر ما جاء فيها على مهنة التعلّم والتعليم زرع ذاكرة إلكترونية في الدماغ البشري تغنيك عن حفظ المعلومات ودراستها، وتذكرها بسرعة كلما دعت الحاجة، فبضعة ثواني كافية لتحميل مناهج علمية داخل هذه الذاكرة تغنيك عن المدرسة والجامعة، وقد يخرج علينا من يقول وأين تكمن المشكلة في هذا.
نعم، ولكن أخبريني أين التعليم بصفته الإنسانية هنا، وهل تعتقد أنّ مثل هذه التقنية لو طبقت على أرض الواقع ستكون بمتناول الجميع. لا يا عزيزي أنت مخطِئ، فحتى زميلك الكسول في الجامعة أو المدرسة، والذي ينتمي لعائلة غنية جدًا قد يسبقك في تحصيلك العلمي؛ لأنّه باختصار قادر على شراء تلك التقنية.
أخيرًا …
عزيزي القارئ كن واثقًا أنّي لا أختلف معك بأنّ عجلة التطور يجب أن تمشي نحو المستقبل، ولكن ما قيمتنا نحن البشر لو جاء يوم جردتنا فيه هذه التكنولوجيا التي صنعناها بأيدنا من صفة إنسان، وكيف لنا أن نجلس دونما عمل نكتفي بشرابنا وطعامنا ونومنا وإنجاب الأطفال فقط !؟