تحقيقات زدني

حرمان التّعليم في “تعزّ”: كبح التّنمية وتلغيم مستقبل الطّلبة

            لم تنحصر أدوات الصّراع والعنف والانتهاكات الّتي زادت نسبتها خلال السّنوات الأخيرة في عموم اليمن، و”تعزّ” بوجه خاص على جانب معيّن، أو مشهد أحادي، ذات الأساسيات الرّئيسيّة لاندلاع الحرب سواء سياسيًّا أو عسكريًّا أو اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا أو عقائديًّا.

وبحسب التّقارير الحقوقيّة الصّادرة من مراكز الدّراسات والمنظّمات المدنيّة والتّربويّة والّتي حصل فريق “شبكة زدني” على نسخ منها، فقد أشارت التّقارير إلى توسّع دائرة الانتهاك الّتي دفعت بها الحرب الواقعة بالبلاد إلى رقم قياسيّ أعلى في غضون أشهر معدودة، بالنّسبة لمختلف الجوانب الحياتيّة والمعيشيّة وأدواته المحدودة لمقوّمات الحياة.

وكان للصّرح التّعليميّ نصيب الأسد من تلك الخروقات المتراكمة من حيث النّظر إلى أهميّة الجانب التّعليميّ والتّربويّ والأكاديميّ والحرمان التّعليميّ الّذي طال المدينة، وعمق المعاناة الّتي تعرّض لها الطّلّاب والآثار السّلبيّة الّتي تلقّوها وستواكب مسيرتهم العلميّة حاضرًا ومستقبلًا.

حرمان التّعليم في”تعزّ

يحكي الطّالب صفوان الّذي يدرس في المرحلة الثّانويّة قصّة حرمانه للتّعليم لمدّة عام كامل، وتفاصيل مراحله الّتي مرّ بها خلال تلك المدّة أثناء تغيّيبه عن التّعليم وعن المدرسة، إذ يتحدّث لفريق “شبكة زدني” بأنّه اضطرّ مع بداية اندلاع الحرب في”تعز” إلى النّزوح مع أسرته إلى قريته ومسقط رأسه، والّتي تبعد عشرات الكيلو مترات عن المدينة ومواقع الصّراع.

ويصف “صفوان” مراحل حياته خلال هذه الفترة بأنّه بدأ التّأقلم ومارس حياته بشكل طبيعيّ في بداية الأمر، إلى أن اندرج في حالة الشّعور بالملل والفراغ، حيث كان يحاول قتل الفراغ المملّ بالخروج في رحلات ونزهات لمرتفعات جبليّة في المنطقة مع رفاقه من القرية، فضلًا عن ممارسة كرة القدم ومشاهدة دوريّات العالم مع أهالي القرية.

لكنّ ذلك لم يدم طويلًا بحسب ما قاله الطّالب “صفوان”، فكانت تلك الممارسات مجرّد مسكّنات لا نفع لها، ولم تؤتِ أكُلها، بَيْد أنّها أصبحت روتينًا يوميًّا لا تتجدّد فيه الرّوح النّفسيّة ولا تعطي أيّ نتائج.

إذ يقول إنّه ومع الأيّام وتراكم الأشهر، وإطالة أمد الحرب غير المعلومة النّتائج والمعالم وصل حدّ الصّراع النّفسيّ، وبات يشعر بنوع من الاضطرابات، دون وجود أيّ حلول أو نتائج للخروج من تلك العزلة الّتي كان يندرج تحت وطأتها.

وصل الأمر بالطّالب “صفوان” كما أخبرنا بالبحث عن مخرج من القرية والبلاد، والذّهاب إلى الغربة للعمل، في ظلّ الوضع المضطرب، فكان لبعض من أقاربه أن يجد له عملًا في إحدى المدن اليمنيّة البعيدة عن معارك الصّراع، كنوع من إخراج شغف الاكتئاب، والاضطراب وقتل الفراغ المهوس لديه إلى أن تضع الحرب أوزارها.

إحصائيّة حديثة جديدة رصدها مركز الإعلام التّربويّ للدّراسات ضمن تقريره الصّادر منتصف أغسطس الشّهر الحالي ـ أي اليوم الفائت ـ وحصل فريق “شبكة زدني”على نسخة من ذلك التّقرير. تشير الإحصائيّة إلى أنّ ما يزيد عن مائتي ألف 200,000 طالب وطالبة توقّفوا عن التّعليم في محافظة “تعزّ” وحدها، وذلك بسبب القصف الّذي تتعرّض له المدينة وأحيائها السّكنيّة والمدارس والجامعات والمراكز التّعليميّة، وبصورة مستمرّة منذ أكثر من عام.

كما أنّ من بين تلك الإحصائية 50,000 ألف حرموا من آداء امتحانات الشّهادة الأساسيّة والثّانويّة، وأكثر من 60,000 ألف طالب وطالبة من التّعليم الجامعيّ والمعاهد العلميّة والتّنقيّة والمهنيّة حرموا من استكمال الدّراسة وآداء الامتحانات، إضافة إلى نسبة النّزوح في صفوف الطّلبة والّتي وصلت 80 %، منهم 50 % تمكّنوا من مواصلة تعليمهم في جامعات المحافظات الأخرى.

رئيس مركز الدّراسات العليا في جامعة “تعزّ” الدّكتور مجيب مصلح أشار في حديثه لفريق “شبكة زدني” إلى أنّ تداعيات الأحداث الأخيرة الّتي بدأت في مارس العام الماضي، أثّرت بشكل كبير على “تعزّ” وخاصّة في جانب التّعليم الأساسيّ والجامعيّ، بيد أنّ الحرب أدّت إلى انقطاع الدّراسة والعمليّة الأكاديميّة لعدد كبير جدًّا من الطّلّاب.

ويقول”مصلح” إنّ الضّرورة المُلحََّة لإيجاد حلول سريعة، تكمن في أنّ مدينة “تعزّ” تمتلك كثافة سكّانيّة عالية، ممّا يؤكّد ـ وبحسب قوله ـ بأنّ عدد الطّلّاب المنقطعين عن الدّراسة كبير، بالإضافة إلى أنّها المدينة الوحيدة الّتي انقطع فيها التّعليم بشكل كلّيّ، ممّا قد يسبّب العديد من المشاكل النّفسية لدى الطّلّاب في تأخّرهم باللّحاق بالعمليّة التّعليميّة، فضلًا عن عزوف الطّلّاب عن مواصلة الدّراسة، واتجاههم للبحث عن فرص عمل نظرًا للظّروف الاقتصاديّة.

الدّكتور”مجيب” أشار إلى أنّ نتيجة ذلك ستفرض ظلالًا كبيرة على الثّقافة والتّعليم في مدينة “تعز”، المدينة الّتي كانت تسمّى بالثّقافيّة والعلميّة، بيد أنّنا سنصبح لاحقًا أمام جيل غير متعلّم وغير مثقّف.

التّربويّون في دائرة الانتهاك

مركز الإعلام التّربويّ أشار في تقريره أيضًا إلى أنّ هناك 60 معلّمًا ومعلّمة تمّ قتلهم فيما أصيب العشرات بجروح متعدّدة، علاوة عن احتجاز جماعة الحوثي وصالح لعشرات التّربويّين والمعلّمين وإخفائهم قسرًا، واختطاف كثير منهم وهم يؤدّون واجبهم التّعليميّ، بجانب ذلك فإنّ هناك قرابة 60000 معلّم هربوا نتيجة الوضع المتدهور، فضلًا عن تشريد ونزوح المئات منهم إلى مدن وقرى ومديريّات بعيدة عن أماكن الصّراع والمواجهات.

الانتهاكات أيضًا وصلت حدّ الابتزاز بشتّى الأساليب المادّيّة والأخلاقيّة لاحتكار المعلّمين والتّربويين والأكاديميّين، من خلال إغلاق مكاتب البريد ووقف المرتّبات وحصرها ضمن نطاق سيطرة الحوثي وصالح، وهو ما أدّى إلى تعرّض موظّفي التّعليم للاعتقال والاختطاف أو الانتهاك المتعدّد من حيث الابتزاز، ومصادرة رواتبهم أو تقليصها، وفرض إملاءات خارج سياق التّعليم وإرغامهم على العمل بأساليب وطرق غير قانونيّة وخارج مسار الصّرح التّعليميّ المعتاد.

وبجانب ذلك فقد رفعت الجماعة سقف انتهاكاتها بنسف وهدم التّعليم، ومبادئه وذلك من خلال إبعاد عدد من المدرّسين والمدراء المعارضين لتوجّههم، وتعيين موالين لهم دون معايير أو كفاءة أو نزاهة أو تأهيل علميّ.

يروي التّربوي في المحافظة (م.ع.ص) تفاصيل اختطافه وكيف مارست جماعة الحوثي وصالح أشدّ أنواع التّعذيب والانتهاك بحقّه وهو ذاهب لاستلام راتبه، قائلًا: عندما ذهبت لاستلام راتبي وجدوا في هاتفي أناشيد وقرآن، حيث أخبروني أنّ هناك بلاغًا مقدمًا ضدّي وذلك بحجّة أنّني أتّبع المقاومة الشّعبيّة في المدينة.

ويقول التّربويّ الّذي تحدّث لفريق “شبكة زدني” وفضّل عدم ذكر اسمه لإجراءات أمنيّة أنّه قضى عدّة أشهر في أحد السّجون خارج “تعز”، حيث تمّ نقله لاحقًا إلى سجن العزل الاحتياطيّ، دون أن يرى الشّمس طيلة تلك المدّة، فضلًا عن أخذ الدّفاتر والأقلام من كلّ شخص أسير يملك تلك الأدوات.

ويصف معاملة الجماعة لمن خلف القضبان بالقول أنّه ليس هناك اهتمام بالتّغذية والنّظافة، بيد أنّهم كانوا يطعمون المختطفين جميعهم أغذية مكدّسة ومتعفّنة بالجراثيم، الأمر الّذي أدّى إلى إصابة الكثير من الأسرى بأمراض عديدة وسوء التّغذية.

ويضيف التّربوي (م.ع.ص)  وهو يصف الأحداث العصيبة الّتي عاشهاـ والّتي لا تحصى ولا تعدّ ـ والأساليب والطّرق المتعدّدة في القمع والتّعذيب قائلًا: ذات مرّة قاموا باستجوابي والتّحقيق معي وسألوني كم تحفظ من الأحاديث وسور القرآن؟ وعندما أخبرتهم بعدد حفظي للقران وللأحاديث انهالوا عليّ ضربًا بعدد تلك السّور والأحاديث وفي عدّة أماكن مؤلمة من الجسد.

كبح التّنمية وإعاقة المستقبل

انتهاكات جسيمة طالت الطّلبة وخصوصًا الأطفال، إلى أنّ وصل الأمر لارتكاب جرائم قتل بحقّ طلبة المدينة، حيث كان لقصف قوات الحوثي وصالح المتواصل على الأحياء السّكنيّة أن تخطف أرواح عدد من الأطفال والطّلبة، أو تعيقهم، وتحرمهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعيّ والنّظر إلى مستقبلهم الغامض، فضلًا عن كبح النّهضة والتّنمية بالنّسبة للتّعليم في المحافظة.

فهناك قرابة 500 طفل قتلوا الغالبيّة العظمى منهم في سنّ المدرسةـ من 6 سنوات إلى 14 سنةـ فضلًا عن إصابة وجرح ما يزيد عن  1000 طفل بعضهم أطفال في سنّ المدرسة، تنوّعت إصاباتهم بين البسيطة والمتوسّطة، أو المخاطرة الكبيرة من حيث الإعاقة وفقدان الحركة بشكل جزئيّ أو كلّيّ، علاوة عن تعرض عشرات الحالات للاحتجاز لدى جماعة الحوثي وصالح.

ولا يقتصر الأمر عند تلك النّقطة، بيد أنّ هناك أكثر من 2400 حالة فقدوا آباءهم وأقاربهم. وذلك بطبيعة الحال من وجهة نظر مدرّسين ومتخصّصين وتربويّين أنّه سيؤثّر بشكل سلبيّ على مستقبل الطّلبة والّتعليم في المحافظة وسيوسّع من نطاق جراحهم ومعاناتهم.

الطّفل “هاني” البالغ من العمر 9 سنوات وهو طالب في الابتدائيّة، تحدّث لفريق “شبكة زدني” أنّه أصيب برصاصة من بارودة قنّاص حوثي، في حارته الّتي لا تغفو وتفيق يومًا إلّا على أصوات القذائف ورائحة البارود ونهر الدم، نظرًا لقربها من موقع اشتباك ومواجهات. وهناك عدّة أحياء ومواقع مماثلة لتلك الواجهة المأساويّة.

حيث اخترقت الرّصاصة جسد الطّفل “هاني”، واستقرّت أسفل ظهره. والّذي شعر للحظة بأنّه فقد حياته ومستقبله وآماله وأحلامه، ورغم حركته نوعًا ما إلّا أنّه يحلم بالعودة الى الدّراسة بعد عام حرمان من مدرسته وزملائه، لكنّه تدريجيًا يصاب بالانكسار لعدم تمكّنه من تحقيق ذلك على الأقلّ في قادم الأشهر، إن لم يكن الأعوام القادمة، وهو ينظر إلى جراحاته الّتي تزداد ألمًا، ومعاناة قد تطيل مدة من ممارسة حياته المعتادة.

يقول الطّفل “هاني” الّذي يصاحب المستشفى وسط المدينة منذ عدّة أشهر، بأنّه خضع لعمليّتبن جراحيّتين، وهو بصدد إجراء عمليّة ثالثة، ويعاني من الآلام والجراح لعدم وجود الاهتمام والرّعاية الصّحيّة المطلوبة، ذلك نتيجة انعدام الخدمات الطّبيّة والمواد الأساسيّة، في ظلّ الوضع الصّعب والحصار الخانق الّذي تعيشه المدينة منذ أكثر من عام.

فقد غدا واقع الحال بالنّسبة للتّعليم ورواده في المحافظة شيئًا منعدمًا ومحرومًا، ومنقطع النّظير نتيجة الانتهاكات الصّارخة بحقّه، الّتي تقدم عليها جماعة الحوثي وصالح كوسيلة ومحاولة لإحداث تشظٍ في الحياة التّعليمية، وإعاقتها وخلق تمزيق في النّسيج التّعليميّ لدى المجتمع والطّلبة حاضرًا ومستقبلًا.

وهو ما أوضح من خلاله الدّكتور مجيب مصلح قائلًا: “تقدّم الشّعوب يقاس بجودة التّعليم واستمراريّته، وانقطاع عدد كبير عن الدّارسين يؤثّر بشكل كبير على عجلة التّنمية في البلد، ويؤدّي بشكل مباشر إلى مشاكل مجتمعيّة مختلفة.

هدم الصّرح التّعليميّ وتحويله لثكنة عسكريّة

وبحسب التّقرير الصّادر عن مركز الإعلام التّربويّ في المحافظة فإنّ هناك ما يقارب 400 مدرسة مغلقة في”تعز”، المحافظة الّتي تعدّ الأكثر حرمانًا من التّعليم مقارنة بباقي المحافظات، وهو الأمر الّذي دفع بالمدارس الخاصّة إلى تسريح الآلاف من معلّميها .

بجانب ذلك فقد تعرّضت 225 مدرسة منها 18 مدرسة لتدمير كلّيّ و 78 مدرسة لتدمير جزئيّ، وخصّصت 79 مدرسة لإيواء النّازحين من الأهالي، و 50 مدرسة أصبحت ثكنات عسكريّة ومواقع أعمال قتاليّة، إضافة إلى إغلاق 8 جامعات، وتضرّر 3 بشكل مباشر، ومنها جامعة “تعزّ” الحكوميّة إضافة إلى استخدام 5 معاهد تابعة للمكتب الفنّيّ تعرّضت للاقتحام وأصبحت مخازن أسلحة ومقرّات عسكريّة . وتضرّرت 7 مدارس لذوي الاحتياجات الخاصّة.

كما أنّ ما يعادل 90% من الجامعات الخاصّة ما تزال مغلقة رغم كثافة العمل الّذي تقوم به سلطة الأمر، الواقعة في “تعز” ممثّلة بالمقاومة الشّعبيّة، والتّمكن من عودة واستئناف التّعليم في المحافظة ولو بشكل تدريجيّ وفي إطار محدّد.

فريق “شبكة زدني” اطّلع على حجم الأضرار والآثار الّتي عصفت بالصّرح التّعليميّ، وذلك خلال زيارة الفريق الميدانيّة لجامعة “تعز” الحكوميّة، والنّظر إلى الانتهاكات بالجامعة كنموذج طال بالمثل بعضًا من المدارس والكلّيّات والجامعات الأخرى.

خلال سيرنا في مدخل جامعة “تعز” التقينا الطّالبعزالدين المجاهد الّذي يدرس جيولوجيا في الجامعة، وتجوّلنا سويًّا في أروقتها. ونحن نشاهد حجم الدّمار الّذي عصف بأقسام وكلّيّات وأحياء الجامعة. والآليات العسكريّة المتناثرة على الأرض، وكثافة الرّصاص والضّربات الّتي نخرت الأقسام، والتصقت بشحب ونهيد على وجه أطلالها.

قال ” عزالدين” ـ المجاهد الّذي يتابع سير الأحداث منذ بدايتها والأوضاع وخصوصًا في مسيرة التّعليم وجامعة” تعز”ـ :”إنّ الجامعة كانت لمدّة عام كامل عُرضة للاستهداف والقصف المتعدّد الجهات من الجوّ والأرض والجبال والثّغور، إذ حوّلتها جماعة الحوثي وصالح إلى ثكنة عسكريّة إلى أن تمّ تحريرها قبل أشهر قليلة.

هناك أقسام وكلّيّات تعرّضت لدمار كبير، حيث تعرّض مبنى المعامل في كلّيّة العلوم التّطبيقيّة إلى التّدمير الجزئيّ، وسكن الطّالبات هو الآخر تعرّض للتّدمير، وأيضًا إلى سرقة محتوياته. كذلك كلّيّة التّربية لم تخلُ من النّهب، وتتمركز إلى جوارها آلية عسكريّة قد تحطّمت. أمّا كلّيّة الحقوق فقد تمّ تدمير جميع محتوياتها والشّيء نفسه بالنّسبة لكلّيّة التّجارة.

إضافة إلى ما سبق ذكره من حجم الانتهاك والأضرار الّتي طالت كلّيّات وأقسام جامعة “تعز”، فقد تعرّض مبنى نيابة شؤون الطّلّاب للتدمير بشكل كامل، وكلّيّة الهندسة ومركز الحاسوب الآلي، فهما أيضًا طالتهما الانتهاكات والأضرار، فقد تعرّضا للسّرقة والنّهب لكلّ المعامل والمحتويات والحواسب الآلية.

استفسرنا من الطّالب “عزالدين” بخصوص الحديث عن وجود ألغام في الجامعة، فأخبرنا بأنّ لجنة خاصّة قد أجرت فحصًا شاملًا في محيط الجامعة، وذلك للتّأكّد من خلوّها من الألغام، وهو ما توصلت إليه اللّجنة حيث أكّدت خلو الجامعة من الألغام والأجسام المشبوهة في محيطها بنسبة 90%، في ظلّ عدم التّمكن من نزع عدد قليل من الألغام، وتمّ وضع حواجز وإرشادات بعدم المرور أو احتجاز تلك المواقع المحدّدة والمحدودة في الحرم الجامعيّ.

عدة حالات مماثلة لهذه الحالة، شهدتها جامعات ومدارس أخرى في المحافظة. بينما لا تزال هناك مراكز وكلّيّة ومدراس أخرى تحت نطاق سيطرة جماعة الحوثي وصالح في أماكن بعيدة عن المدينة. وبالتّأكيد فإنّها أضحت من مركز تعليميّ وأكاديميّ وتربويّ إلى ثكنات عسكريّة.

إعادة ترميم التّعليم

أدّى تدهور الأوضاع على المستوى التّعليميّ وأيضًا الميدانيّ والإنسانيّ إلى شحذ عزيمة المقاومة الشّعبيّة في “تعز”، واستشعارها بالعمل من أجل تجنيب جامعات ومدارس المدينة لخسائر وأضرار مضاعفة قدر الإمكان، ووضع حدّ لممارسة العبث والانتهاكات بحقّ أبناء المحافظة ومضاعفة معاناتهم… فعزمت على تحرير تلك المناطق خلال فترة الأشهر الماضية من أيدي جماعة الحوثي وصالح الّتي عرّضت بعض مراكز التّعليم في المنطقة للاستهداف العسكريّ.

ويقول الدّكتور “مجيب مصلح” إنّه وعلى الرّغم من وجود جهود كبيرة لحلّ مشكلة الانقطاع عن التّعليم في المؤسّسات المتواجدة في مدينة “تعز”، فقد قدّمت الكثير من الحلول الّتي عالجت بشكل جزئيّ هذه المشكلة، لكن يبقى تهيئة الأجواء من النّاحية الأمنيّة والنّفسيّة وإزالة عتبات الحرب والعنف، والحرص على ترميم الطّلبة لنسيجهم التّعليميّ والاجتماعيّ أمر سيخفّف من وتيرة الضّغط المتراكم منذ أكثر من عام على الطّلبة، ويجعلهم يتجاوزون صعوبات عدّة في هذا الاتّجاه.

التقى فريق “شبكة زدني” ببعض أعضاء المجلس الطّلّابي في “تعز”، الّذي يضمّ عددًا من الأكاديميين والطّلّاب وهيئة التّدريس، ويتمثّل نشاط المجلس التّعليميّ والمجتمعيّ في ترميم الجامعة وأقسامها، وإزالة آثار الحرب والدّمار، وحجب شعارات العنف، وحذف خلفية العبث والتمزّق، وهدم حاجز الخوف والبدء في استئناف التّدريس ودعوة الطّلّاب، وذلك لتهيئة وتوفير أجواء ملائمة وبثّ شعاع الأمل والتّفاؤل في أرواح الطّلبة.

الطّالب “عزّ

الدين المجاهد” العضو في هذا المجلس الطلّابيّ، قال إنّ أولويّتهم في الوقت الحالي تكمن في العمل لعودة البيئة التّعليميّة إلى نصابها قدر الإمكان وبمختلف السّبل والوسائل المتاحة، ليس على مستوى جامعة “تعز” فحسب بل على مستوى المحافظة ككلّ.

فقد كان من الصّعب تحقيق أبسط تلك العوامل من حيث جلب الطّلّاب، في ظلّ الوضع العامّ بالمدينة، بيد أنّ الخوف كان ما زال يخيّم على طلّاب وأكاديميّي ومعلّمي المحافظة من حيث الأحداث المتسارعة، وعدم تحسين الوضع الأمنيّ والقتاليّ والمعيشيّ بشكل كامل رغم تخفيفه نسبيًّا العام الماضي.

حيث قال الطّالب “عزالدين المجاهد” إنّ سبب الخوف لدى الطّلبة والأكاديميّين، يكمن في الحديث عن وجود مجموعة من الألغام في جزء بسيط من الجامعة.

وهو الأمر الّذي تخوّف منه الطّالب “هلال الحميدي” في قسم التّسويق أثناء حديثه لفريق “شبكة زدني” إنّه على الرّغم من التّخوّف الّذي يشعر به الطّلّاب تجاه ذلك، فإنّ مستقبل الدّراسة يتحسّن بشكل تدريجيّ. بيد أنّ العودة للجامعات وأيضًا المدارس أمر حتميّ بالرغم كل الصعوبات والظروف، والتي لا بد أن نواجهها بالتحدي والإصرار.

ومع خضم ذلك فهناك 25% من الطلبة تمكنوا من العودة إلى جامعاتهم ومدارسهم، وعلى الرغم من نسبة التقليل تلك في محافظة كتعز، إلا أنه ومع تدشين العام الدراسي ازدادت النسبة بشكل تدريجي، وكما تحدث عدد من الطلاب فإن الحياة بدأت تعود للجامعة وللمدارس وحضور عدد لا بأس به من الطلاب والدكاترة نتيجة كسر حاجز الخوف الذي كان يتربص بأرواحهم، إذ كان للمجلس الطلابي بحسب أعضاءه وكوادره، دورًا كبيرًا في تحفيز الطلاب بمختلف السبل والوسائل، وذلك في سبيل عودة نصاب التعليم إلى محافظة تعز.

راكان الجبيحي

كاتب وصحفي يمني من تعز- ومراسل متعاقد ومعد تقارير ومقالات وتحقيقات واستطلاعات واخبار لعدد من المواقع والصحف المحلية والخارجية.
زر الذهاب إلى الأعلى