خطط الإنجاز من الورق للتفعيل: 6 مفاتيح صغيرة لتنفذ خططك الكبيرة
فيما يلي 6 مفاتيح صغيرة، لمّا جربتها لمستُ أثرها الأكيد في تفعيل الخطط وتحريرها من حبس الأوراق:
1- تقصير المدى الزمني وتطويل الأمد الفعلي:
كان لمدرستي درج طويل جدًا يقطع الأنفاس، وكانت مهمة تسلقه يوميًا في الصباح الباكر مؤلمة في الصيف والشتاء على السواء، فكنت أتلهى عن ذلك باختراع لعبة مفادها: لا تفكري إلا في درجة درجة. وأصعده وأنا أنظر بالفعل للدرجة تحت قدمي دون أن أرفع بصري للمدى البعيد كل حين، أو أتوقف مع بقية اللاهثين لأرثي حالي وأعدّ ما تبقى بتململ.
ضع كل خططك طويلة المدى جانبًا، واشرع في وضع تصور لخطة “مصغرة” لزمنك الحالي. في هذه الخطة الحالية لا يزيد توقيت التخطيط على 3 أيام حتى 7.
لنقل إنك تتطلع لتعلم دورة لغوية أو مهارية تستغرق في التصور طويل المدى ثلاثة شهور فأكثر، ومرت سنة مع ذلك دون أن تنجزها. ذلك لأن التصورات الزمنية الطويلة تقوّي فينا شعور “طول الأمل” الذي ينتج عنه فعلان متضاربان:
التسويف: فأمامك ثلاثة شهور كاملة، بالتأكيد إن لم تسمع الدرس اليوم فغدًا، وما أكثر الغدوات المقبلة!
الاستعجال: كلما أخذت خطوة أو قطعت شوطًا استبطأت بقية المشوار الطويل وانقطع نفَسُك فعدت للتأجيل ريثما يعاودك النفَس فتنجز “أسرع”!
أما في الخطة المصغرة، فكل تفكيرك وتصوراتك منصبة على 3 أيام من الآن كحد أدنى أو 7 كحد أقصى (ولا تزد عن ذلك). هذا التصور الصغير يقطع عليك شعور التوهان والزمن الفضفاض، ويجبرك أن تركز في الآن الذي هو عصب ما يلي. أمامك 3 أيام، في كل يوم تسمع درسًا، هذا كل ما تفكر فيه وهذا كل ما عليك إنجازه. فإذا انتهت الأيام الثلاثة، بنيت عليها ثلاثًا بعدها، وهكذا إلى أن تنتهي من المهمة.
هذا كان مثالًا واحدًا فحسب، لكنه يطبق على خطة يومك كله بكل مهامّه وأوراده الأخرى.
2- تقسيم الورد بالكَمّ لا بالتوقيت الثابت:
قد يكون في خطتك أن تقرأ كتابًا في أسبوع، فتحدد لنفسك بكل جدية توقيتًا كل يوم لتنهي منه قدرًا، ثم تشرع في التطبيق بكل جدية لكن تفاجئ بأن التوقيت المخطط حان وأنت متعب أو مشغول أو جد فيه أي طارئ، فتضيع هذه المهمة لهذا اليوم. ثم يأتي الغد فتنجز فيه ما كان يفترض أن يكون حصة الأمس، ويأتي بعد غد فيتعذر الإكمال… إلى أن يمر الأسبوع وترى أن إنجازك متعثر، فتسأم وتحبط، وقد تترك الكتاب نفسه أو مجال المطالعة برمته، وتوطّن نفسك على أنك لم تُخلق لمثل هذا!
لو كان الأمر متعلقًا بهدف واحد لهان، لكن كثيرًا مما نود إنجازه حين نقسّمه يتعثر، لأننا نفاجأ أننا لا نملك أوقاتنا أو ما يقع فيها تلك الملكية التي توحي لنا بها دعايا التنمية البشرية وتراث الإداريات! فمن منّا كفرد يخلو عن كونه وسط جماعة أو بيئة يضطر لمواكبتها في كثير من شؤونه ليتعايش، فأنت على الأقل فرد في أسرة إن لم تكن قائمًا عليها، وعرضة للمشاوير والمستجدات وكل أنواع الطوارئ التي يخبرونك أن تقذف بها من الشباك أو تضرب بها عرض الحائط لتكون من الناجحين في الحياة!
وفي حين أننا لا نملك أوقاتنا ملكية تامة، فإننا نملك الالتزام بما نقرر الالتزام به متى حان وقت!
لذلك ببساطة وذكاء، حدد لنفسك قدرًا أو كمَّا من أي مهمة تود تقسيمها على مراحل، ثم التزم بالقدر في أي توقيت يلائمك، ولو كان متغيرًا يوميًا. ففي المثال أعلاه:
– حدد لنفسك عددًا من الصفحات تنجزه يوميًا سواء في أول وقت فراغ يتاح لك أو حتى بالتقسيم على مدار اليوم خاصة في الأوقات البينية (كأوقات انتظار).
– أو حدد زمَنًا لا توقيتًا: نصف ساعة إلى ساعة مطالعة، وليس بعد العصر أو قبل المغرب. قد تتاح لك نصف الساعة متكاملة أو تكون ربعًا وربعًا .
هذه التقسيمة مريحة نفسيًا وتعين على الإقبال على العمل دون ضغط أو توتر أو إجبار (فقد تحتاج أن تنام بعد العصر ولا تستطيع القراءة)، ومرِنَة زمنيًا، وستجد أنك تجمع بين إتمام المطلوب دون أن تقذف بالمشغوليات الأخرى من النافذة!
وليس من متطلبات تنفيذ هذه التقسيمة التشديد على وضع موعد انتهاء، بل المهم فيها أنك “عامل” وتمضي قدُمًا في إنجاز المطلوب، ثم يأخذ ما يأخذ من الوقت حتى ينتهي في حينه.
3- التهيئة النفسية المسبقة:
مع ما سبق ذكره من طبيعة التغير في مجريات أيامنا، فثمة قدر من الروتين أو التراتبية الثابتة لكل فرد بحسبه، يقوم فيها بنفس الأشغال في نفس التوقيت (وظيفة، توصيل أطفال، طبخ ..) ولو لفترة مؤقتة (حضور دورة تدريبية في مواعيد معينة، المحاضرات الجامعية).
ارصد الأوقات البينية مسبقًا وتهيأ نفسيًا لما يمكن أن تنجزه فيها. سر كثير من الهدر في أعمارنا ليس عدم وجود فراغ لنقوم بما نخطط له، بل عدم إفادتنا من الفراغات المتاحة لأننا تعودنا ألا نكون متاحين فيها حين تتاح وأنها ضائعة على كل حال!
مثلًا، إذا كان مشوارك لمحاضرة في الجامعة يستغرق نصف يومك، ما زال لديك نصف يوم، أو ساعة على الأقل يمكن أن تقوم فيها بشيء نافع ومثمر على المدى البعيد. ليس المطلوب أعمالًا شاقة لا تراعي إرهاقك أو تتطلب صفاء تامًا (وقليل من الأعمال ما قد يتطلب ذلك على الحقيقة)، وإنما المطلوب ألا تُهدر ما تبقى فيك من طاقة باللف في وسائل التواصل والإنترنت بلا غاية سوى “قتل” الوقت الباقي حتى يحين موعد نومك!
لديك قائمة روايات تطالعها، أو مرئيات تشاهدها، أو سلاسل دروس تسمعها، أو خواطر تدوِّنها .. كلها “مؤجلة” لوقت الصفاء الذي يندر أن يكون بذلك الصفاء أو الاتساع لكل هذا. قسّمها على مثل تلك الأوقات. وبتهيأة نفسيتك من البداية أنك في مثل تلك الأوقات “ستعمل” شيئًا، تتأقلم نفسك مع هذا وتتخفف من دراما “لا أستطيع” و”لا أقدر” ولن “أركز”.
على المدى البعيد ستكتشف أثر هذه النصيحة وستكون شاكرًا لها!
4- تخيّل منهجية التنفيذ:
لا تكتف بسرد الأهداف أو المهام، وإنما خذ دقيقة لتخيل كيفية التنفيذ العملي لها، ومن هذا التخيل تكون “المنهجية”. فإذا كنت تريد سماع دورة تسجيلية، اسأل نفسك: كيف سأسمعها؟ هل أحتاج للتدوين؟ هل سأفرغها كلمة كلمة أم أكتفي بخلاصات؟ وبالنسبة للمفاهيم أم المصطلحات الجديدة هل سأبحث عنها وأستزيد في حينها، أم أجمعها في قائمة ثم بعد انتهاء الدرس كاملًا أبحث عنها؟
لا تغرق في التخيل أو تطيل فيه لأن التجربة العملية تحسمه، لكن الداعي له أن تضعه في حسبانك الزمني والتنفيذي فلا تصاب بالإحباط حين تخصص نصف ساعة للسماع فتكتشف أنك استغرقت ثلاث ساعات، أو تصاب بحمّى الإنجاز والسلام فتتعجل في إنهاء المادة لتوافق التوقيت المذكور.
اعتن بجودة الأداء لا مجرّد الأداء، والوقت يمضي على كل حال، فأن يطول في أداء جيد خير من أن يطول في تكرار إنجاز تم بصورة سيئة في المرة الأولى.
5- دوِّن ولا تحلم:
لا بد من تدوين خطتك المصغرة ومهامها ومنهجيتها إتمامها. واحرص على مراجعته والنظر فيه أول اليوم ووسطه وآخره حتى يرسخ، ولا تركنه على الرف وتعتمد أنه في رأسك، لأن أدنى تشويش قد يدفعك للانجراف مع مزلق تمضية اليوم والسلام والتماشي مع التيار كيف سار. ثم تستحلي النفس غياب “الرقابة” عليها والمتابعة لها، فتعود للفجوة بين خطط الورق وتنفيذ العمل.
6- لا لانتظار التفرغ ونعم للانقطاع:
بعد التنبيه على وهم التطلع للتفرغ من كل شيء لإتمام أي شيء، ننبه على أهمية الانقطاع في أي وقت لأي مما تفعل، أي التركيز فيه وإفراده بانتباهك. إذا كنت ستطالع صفحة أو ستتصفح مقالة فافعل ذلك دون أي مشتتات أخرى من وسائل تواصل مفتوحة أو التفات خارج المادة كل حين. كلما انقطعت لما تفعل أنجزته أسرع وأحسن، فلا تشكو من الملل لأن صفحة الكتاب تستغرق معك ساعة وحقها 5 دقائق على الأكثر، ولا تشعر بالذنب لأنك تتلهّى بغير ما ينبغي أن تشتغل به الآن.
وما نصنّفه على أنه مشتتات أو ملهيات من وسائل التواصل ليست كذلك على الحقيقة، وإنما نحن من يزرعها وسط أشغالنا بما يشتتنا عنها لأننا نهرب بها من التركيز في الواجب والقيام بحق المسوؤلية. لذلك اجعل لها وقتها كذلك انقطع لها فيه بدون أن تتشتت عنها، فتتواصل مع من تتواصل معهم بجودة وراحة، وتتابع الأخبار دون شعور بالذنب والهروبية.
وبالجملة، تعطي كل ذي حق حقه، فتسعَد وتُسعِد.