دراسة توثيقية عن تاريخ، ونشأة المدارس في مصر
قال تعالى “ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ (*) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ..”
هود 100-101
( التاريخ يموت بصعوبة ) .. “من أقوال مؤرخ بريطاني”.
المقدمة :-
سنحاول خلال دراستنا استعراض مُجمل السياقات التاريخية لنشأة التعليم في مصر منذُ عصر ما قبل نشوء الدولة في عصر محمد علي باشا الكبير، رأس الأسرة العلوية حتى مطلع القرن الحادي عشر؛ من خلال الدراسة ستكون محاولة لدراسة “تاريخ التعليم في مصر” وليس “التأريخ للتعليم” وهو ما ينطبق تحت مسمى “المعالجة التاريخية الثقافية والاجتماعية لنشأة المدارس في مصر”، وليس مجرد رصد وتسجيل زمني وتأريخي للأحداث والوقائع والأشخاص.
ومفتاح هذا المنهج هو “وعي التاريخ” من ناحية معرفة أثر حركة تبدل الأحوال، وتقلب الأزمنة في صناعة الواقع ومسببات تشكيله.
سيتم تناول نشأة المدارس، وتاريخ التعليم في مصر من خلال محاور محددة نجملها في تقسيم التاريخ إلى مجموعة من الحقب الزمنية ليسهل تفصيلها ودراستها ..
التحقيب المرحلي لمسيرة التعليم في مصر:-
الحقبة الأولى :-
– التعليم المصري في التاريخ القديم .
– التعليم في الحضارة الفرعونية القديمة.
– التعليم في المجتمعات البدائية والقَبَليَة.
– الحضارة المسيحية خلال العصور الوسطى.
– الحضارة الإسلامية، وعصور الخلفاء والسلاطين.
– التربية والتعليم في العهد الفاطمي والأيوبي.
الحقبة الثانية :-
– بداية تكوين الدولة (الأسرة العلوية) (1805 – 1842)
– دور محمد علي باشا في الاهتمام بالتعليم (الدولة الحديثة).
– فترة الاحتلال البريطاني عام (1882).
الحقبة الثالثة :–
– التعرف على معالم الفترة منذ مرحلة الاستقلال الذاتي بعد الاحتلال البريطاني (من 1923 إلى نهاية الثلاثينيات).
والتي اتسمت بما يسمى بــ “تعليم الفقراء”.
الحقبة الرابعة :-
– فترة الأربعينيات، وأثر الحرب العالمية الثانية حتى بداية الخمسينيات.
وكان أكثر ما يميز تلك المرحلة هو (الوعي الوطني بالتعليم).
الحقبة الخامسة :-
– مرحلة ثورة 23 يوليو حتى بداية السبعينيات.
– مرحلة تكافؤ الفرص من خلال التعليم.
– التعليم داخل مؤسسة الأزهر الشريف.
الحقبة السادسة:–
– مرحلة الانفتاح الاقتصادي، وهيكلته وما عرف بالخصخصة منذ بداية السبعينيات حتى بداية التسعينيات.
-الاستثمار والاتجار بالتعليم.
الحقبةالسابعة :-
– مرحلة العولمة، والاقتصاد الحر وأثر المتغيرات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية.
– عولمة التعليم، وتقانته.
– تداعيات العولمة في المجتمع المصري.
– تطوير التعليم في السياق العولمي.
الحقبةالأولى:- التعليم المصري في التاريخ القديم.
التعليم في المجتمعات البدائية، والقَبَليَة.
وما التعليم إلا تنشئة الأطفال حتى يبلغوا مبلغ الشباب والرجال؛ ويعد التعليم قضية تاريخية تتطور وتتغير ضمن مجموعة من العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية. وتقع مسؤولية التعليم على عواتق مختلفة حسب تعقد المجتمعات أو بدائيتها؛ فالوضع داخل المجتمعات البدائية والقبلية يختلف تمام الاختلاف عن الوضع في المجتمع الحديث بتعقيداته ومؤسساته؛ وتتسع دائرة المؤثرات حسب عوامل جغرافية وتكنولوجية واتصالية.
وكان الهدف من التعليم في ذلك الوقت – المجتمعات البدائية والقبلية – تدريب الأطفال على المهارات البسيطة وذلك من خلال استخدام أدوات بسيطة, ويمكن حصر وسائل التربية في تلك المجتمعات بالمحاكاة والتقليد. ونظرًا لأن المتطلبات الحياتية لم تكن معقدة وكثيرة فلم يكن هناك حاجة لمؤسسة معينة تقوم بدور التربية كالمدرسة، مثلاً.
فمثلاً نجد أنه في المجتمعات البدائية كانت الأسرة في نطاق القبيلة هي المسؤولة والمعلم الأول والمستمر لما تكون عليه شخصية الطفل وسلوكه وطريقة تفكيره حتى يصبح فتى مكتملاً في معارفه ليمارس حياته ويشارك أسرته وقبيلته وبيئته وكانت تلك المرحلة التربوية أو التأسيسية قصيرة جداً حتى يبلغ الوليد أشده لما تحتاجه البيئة من معارف ودراية قليلة بأحوالها.
وفي الحضارة المصرية القديمة :-
أهتم المصريون القدماء اهتماماً كبيراً بالتربية، وقد أوصى أحد الحكماء فقال: (افتح قلبك للعلم وأحبه كما تحب أمك فلا يعلو على الثقافة شرع) . وكان هؤلاء المصريون يرون أن المعرفة وسيلة لبلوغ الثروة والمجد.
ويمكن تحديد اهتمامات التعليم المصري القديم بثلاثة أبعاد:-
1-التدريب المهني: الذي كان يهدف على إكساب الفرد مهارات من فروع الحياة العملية.
2-تعليم الكتابة: حيث إن الكاتب كان له قيمه وأيضًا تعد الكتابة مهمة في ذلك العصر.
3-التوجيه الأخلاقي: فالمجتمع المصري القديم يهتم جدًا بالجانب القيمي والأخلاقي فكتاباتهم كانت مليئة بالأخلاق والحكم.
ومع ظهور الديانات القديمة قبل الميلاد، وما تلاها من ديانات سماوية، أصبح للمؤسسة الدينية دورًا هامًا بجانب مسؤولية الأسرة؛ ففي أوراق البردي الفرعونية نجد ما يشير إلى ما ينبغي أن يتعلمه الفرد من تقديس للآلهة مثل رع، وآمون، وأوز وريس وحورس وكذلك كان الشأن في الحضارة اليونانية القديمة حيث تجد تقديس الآلهة يعكس نوازعه الإنسانية من الحب، والجمال، و..
وفي الحضارة الرومانية حيثُ نجد قبل ظهور المسيحية ارتباطًا بين الإمبراطور والآلهة الذي يجب طاعته. وكانت مدارس التعليم ومراكزه تقتصر على الكهنة والمقربين من سدنة الفرعون أو الإمبراطور؛ باعتباره سيد الكون وملاذ البشر.
التربية والتعليم في مصر القديمة ( الحضارة الفرعونية) :-
نجد كل الحضارات على مدى العصور مارست التعليم بشكل أو بآخر ، وكان لابد لكل تربية فلسفتها ووسائلها وأهدافها ، التي أحدثت أثرها السلبي أو الإيجابي في مسيرة التطور الحضاري.
وبما أن أحدًا لم يكن معنيًا بتوثيق الأساليب التربوية التي مورست – لأنها لم تكن علمًا بعد – لذلك فنحن نجهل تمامًا كيف كانت تلك الحضارات تربي أبناءها وتعلمهم.
ولعل الحضارة الفرعونية من الحضارات القليلة التي كشفت عن أسرار هذا العلم الذي مارسته فالآثار التي تم اكتشافها في المقابر والأهرامات، وما وجد مكتوبًا على أوراق البردى، وما كان مرسومًا على الجدران، بالإضافة للأدوات، والمومياوات، فإنها أعطت صورة جدًا قريبة لما كان عليه التعليم في مصر القديمة.
ولقد بذل علماء المصريات أو الفرعونيات جهودًا جبارة لاستخلاص ما كانت عليه التربية في الأسر الفرعونية التي حكمت مصر على امتداد ألفيّ عام .
ولقد تم بناء تصور التعليم عند الفراعنة بناءً على مفهومنا الحديث عن التربية، ومستوياتها ووسائلها ، اعتمادًا على ما تم العثور عليه، ومقارنة بعضه ببعض، وبما أن التربية تعتني أول ما تعتني بالطفل منذ ولادته أو ما قبل ولادته ، وإلى أن يصبح عنصرًا فاعلاً في المجتمع . فإن التصور للحضارة الفرعونية قائم على هذا المبدأ.
أولاً :- العناية بالطفل وعلاجه من الأمراض :-
منذُ ولادة الطفل وهم يحيطونه بالرعاية الكاملة وما يرددون حوله من التمائم والكلمات السحرية حتى تحفظه من الآلام والأوجاع كما كانوا يعتقدون وحسب كتاباتهم الفرعونية القديمة.
كما أنهم قد تنبهوا لها وحاولوا علاج الأمراض التي تظهر على أطفالهم صغارًا، وهي لا تبعد كثيرًا عما يهتم به الأهل في هذه الأيام، وخاصة ما يتعلق بالبطن من مغص وألم، وما يتعلق بالعيون من رمد وغيره، وما يصاحب التسنين من ارتفاع في درجة الحرارة، وكانوا يستعملون العقاقير، والتمائم والرقى.
ثانيًا:- مرحلة الدمى والألعاب:-
تبين أن الفراعنة عرفوا أهمية اللعب والألعاب للأطفال، ولعل أهمها وأولها، هي الدمى التي كانت تصنع من الخشب والطين والجلد والحجر، وربما أيضًا من العاج، وهذه الدمى كانت تمثل أشخاصًا آدميين، وحيوانات، وقد صنع بعضها ليتم تحريكه، وإعطاءه الحيوية المثيرة لذهن الطفل ، فقد عثر على دمية تمساح خشبي يتحرك فكه الأعلى بخيط ، وكذلك لبؤة وضفدع.
ثالثًا:- دور التماسك الأسري في نشأة الطفل:-
وحينما يشب الفتى المصري، يجد نفسه في بيئة أسرية، وهذه البيئة متماسكة أسريًا، والأسرة متماسكة بأفرادها، الأب والابن والأبناء والبنات والجد والجدة والخدم، وكان على المربين أن يرسخوا في أبنائهم الحب والوئام، ففي إحدى البرديات وصية تقول { إذا عظمت إنسانيتك ، وتوفر لك من الثراء الواسع ، فارفع إخوتك إليك ليصبحوا مثلك } ، وقول (بتاححوتب) }كن طلق الوجه ما دمت حيًا{.
رابعًا :- التربية داخل الأسرة:-
الأب كما هو في كل المجتمعات مسؤول مسئولية مباشرة عن تماسك الأسرة، ودعم الاتجاهات التي يراها صحيحة، ويسيطر سيطرة تامة على زوجته وأولاده، ويوجههم ويزودهم بالمفاهيم الأساسية، وخاصة الدينية، ويجعل منهم أشخاصًا فاعلين في المجتمع، ومطيعين لقوانينه، ولقد كان للأب حقوقًا على أبنائه أولها الطاعة والاحترام، وإن لم يفعلوا فعليه أن يستخدم الشدة والضرب.
خامساً:- التربية خارج الأسرة:-
تبدأ هذه التربية حينما يسعى الأب لأعداد ولده لكي يكون تابع له في عمله، لذلك فإنه يعهد به إلى مُرَّبِين، وهؤلاء المرَّبِين يُمكن تسميتهم بالحُكماء، والذين ينقلون خلاصة تجربتهم وثقافتهم وتأملاتهم، لأولادهم، أو طلابهم، ومن هؤلاء الذين ذكرهم التاريخ ( حور ددف )،(وبتاححوتب )، و( خيتي )، و(سحتبإب رع )، والوزير ( أحمس ).
ولا يدعي هؤلاء الحكماء بأن هذه النصوص من عند الله، وليس من دور للآلهة في صياغتها، وبالتالي فهي غير مقدسة، كما هي الكتابات التوراتية عند العبرانيين، ويمكن لأي واحد أن يأتي بمثلها إذا امتلك القدرة، ابتداءً من الوزير ( خيتي ) والوزير ( أحمس ) وانتهاءً بأبسط الناس.
وتتميز وصاياهم بالأمور التالية– :
– إنها ليست ذات مصدر إلهي.
– إنها تجمع ما بين الفلسفة والحكمة.
– إنها لا تعتمد التلقين، بل على الإقناع العقلي.
– لم تكن تعليمات مشددة.
وكانوا في ممارساتهم للتعليم يعتمدون على الأسلوب الشرطي في المنطق، من خلال الربط بين المقدمات والنتائج، فإن كانت المقدمة صحيحة فالنتيجة صحيحة، وما ورد في تعاليم (خيتي) لولِيّ عَهْده {قل الحق في بيتك يخشاك عظماء الأرض، والأليق بالسيد أن يكون قويم السريرة }، وقوله }سلاح المرء اللسان، وقد يكون الكلام اللبق أكثر فاعلية من أي عراك{.
ومن وصاياهم أيضًا إيثار الصمت على الثرثرة غير المجدية إذ قال الحكيم ( أبو كايجمني) { دع سمعتك تزكو وفمك صامت }، وقال ( امنموبي ) { إن التمساح لو ترك الصياح يظل مخشي البأس عن يقين{
ولعل هذه التعليمات كانت في سياق تهيئة الناس للتعامل مع رؤسائهم ومرؤوسيهم، ومن هذه الوصايا في هذا المجال { ترفق حينما تسمع حديث الشاكي، ولا ترفضه حتى يفضي بوجيعة جوفه}، { إن الإنصات الجميل يثلج الفؤاد}، وقال (بتاححوتب) { الرزق وفق إرادة الرب، والجهول هو من يعترض على إرادته }، وقال (خيتي) {إذا طعمت بثلاث كعكات وشربت قدحين من الجعة ولم تقنع معدتك، فقاومها ما دام غيرك يكتفي بالمقدار نفسه{.
سادسًا:- التربية الرياضية:-
عرف الفراعنة أهمية الرياضة للأطفال، وأثرها على النمو العضلي والنفسي والسلوك، سواء كانت هذه ألعابًا فردية أم جماعية، وقد صورت بعض الرسوم صبية يلعبون، وقد كانت هذه الألعاب تمارس إما داخل البيوت أو خارجها، وخاصة بيوت الموسرين التي كانت مساحة أفنيتها واسعة، كما أنها كانت تمارس في المدارس والساحات العامة.
وكانوا يدركون الفرق بين ألعاب الصبية وألعاب البنات، وكان لكل منهم ألعابه الخاصة، فللأولاد ألعاب القوة ورفع الأثقال والسباق والقفز والمصارعة والمباريات الأخرى، كما وجد أيضًا ألعابًا تمثيلية وألعاب بهلوانية، وألعاب عنيفة مثل الملاكمة والمصارعة ورفع الأثقال كما كانت مباريات قتالية بالعصي.
أما الألعاب العسكرية فهي فنون القتال بما فيها التسلق وألعاب المهرجانات والأعياد، كما مارسوا الألعاب الذهنية وألعاب التسلية
سابعاً:- الكتـــــــابة :-
عرف المصريون الكتابة في الألف الرابع قبل الميلاد ، وخلقوا حول الكاتب هالة من الإكبار والتقديس فجعلوا للكتابة ربة هي (سشات) وجعلوا للكاتب رائدًا سماويًا هو (تحوتي) إله العلم والمعرفة، وافترضوا لأربابهم الكبار كتبًا، وكتبة مقدسين في السماء يعملون لخدمتهم، وتمنى فراعنتهم منزلة الكتابة في آخرتهم.
أهم الدوافع للتعليم في الحضارة الفرعونية:-
ويمكن حصر دوافع التعليم في مصر في ثلاث دوافع هي:-
– الانخراط في سلك الهيئة العامة.
– لخدمة المطالب الدينية واكتساب نصيب من العلم الديني الشخصي.
– التقدير الكبير للعلم.
* إن الرغبة في الالتحاق بسلك الهيئة الحاكمة، لا يحتاج إلى كثير من العلل، فهو فطري فلا أحد يكره أن يكون ذا سلطة ما، أو حظوة عند الحكام، ومن الواضح أنه لا يتسنى له الوصول إلى تلك المكانة إلا بالتعليم والإعداد المسبق، ذلك أن الفئة الحاكمة هي فئة متعلمة، قادرة ثرية وسلطاتها مطلقة والتقرب منها يحتاج إلى جهد كبير، فالمجتمع المصري مكون من طبقتين، طبقة الحكام التي هي بما هي عليه وطبقة محكومة فقيرة معدمة تعمل بالسخرة ، بائسة لا طاقة لها على التعليم أو على تطوير ذاتها.
لذلك كان الحث على التعليم قويًا لاكتساب مزايا استثنائية ومن هذه الوصايا { اعمل على أن تكون كاتبًا، يتم بدنك، وتصبح كفك لينة، وحتى تخرج بحلة بيضاء، وتبجل، وحتى أهل البلاط يحبونك وحينئذ أذا التمس ( قوم ) رجلا كفؤًا وجدوك }، وكذلك ما جاء بهذه الوصية { … لاحظ، ما من مهنة تخلو من مهيمن، فيما عدا الكتابة، فهم أنفسهم المهيمنون}، { اعمل على أن تصبح كاتبًا، فذلك يعفيك من الكد، وتتقي كل عمل يدوي، وحتى لا تصبح خاضعًا لموالي كثيرين، أو خاضعًا لرؤساء عديدين}، وبقدر ما تضمن له مهنة الكتابة العيش الرغيد فإنها تعفيه من أعمال السخرة.
– التعليم من أجل الدين والمعتقدات؛ ذلك أن الكهنة بحاجة إلى أن يتعلموا العقائد ويعلموها، ويصلّوا بها، ويقيموا الشعائر، بالإضافة إلى طائفة أخرى تقوم بكتابة النصوص الدينية على جدران المعابد وعلى المقابر وعلى سطوح التوابيت، بالإضافة إلى من كانوا يكتبون المتون الدينية على صفحات البردي.
– أما الذين يتعلمون من أجل العلم؛ فهم في هذا شأنهم شأن الفلاسفة والعلماء والمثقفين، الذين ينقطعون للدرس والتأليف، ويجدون متعة خاصة في ذلك، ويحققون فيها ذاتهم، ولقد افتخر هؤلاء بتخصصهم هذا، إذ عبر أحدهم عن ذلك بقوله { إني من جعله يراعه مشهورًا } وفعلاً فقد نال كتبتهم كما نال العباقرة في كل زمان ومكان الخلود، مثل( حور ددف )، و( ايمحوتب ) وقد نالوا الشهرة في زمانهم، ونالوا الاحترام الكافي.
ثامناً:- المراحل التعليمية:-
من الطبيعي أن يكون هناك مراحل تعليمية، وتدرج تعليمي تقتضيه الموضوعات، و المراتب الدينية والسياسية والاجتماعية، كما تقتضيه المراحل العمرية للإنسان.
ويمكن أن نراها في المستويات التالية:-
– مرحلة تعليمية أولية في مدرسة متواضعة بمعبد أو بيت المعلم.
– مرحلة نظامية يدرس بها الطلاب بشكل جماعي في مدرسة.
– مرحلة تطبيقية، ويكون تعليمًا على أيدي إداريين أو مختصين في الإدارة والسياسة والجندية والدين، بمعنى أن هذا المستوى تتكفل به الجهات التي بحاجة إلى موظفين.
– مرحلة الثقافة العامة، وهي خاصة بالأمراء وأبناء الخاصة والمتصلين بالبلاط.
– ثقافة عالية، ويعهد بها إلى ما كان يسمى دار الحياة.
تاسعًا:- مناهج التربية والتعليم:-
مقدمة:-
من خلال المهاجاة – فن الهجاء – التي سطرها (حوري) والتي أعلن فيها تفوقه على خصمه في المجالات التالية:-
– اتقان الكتابة.
– حفظ جانب من الأدب القديم مثل تعاليم حور (ددف).
– إجادة أدب التراسل وقواعد النحو وكتابة التقارير.
– تقدير أرزاق الجنود وتقسيمها بدقة على أسس حسابية سليمة.
– الإحاطة ببعض المدن في داخل القطر، وطائفة من البلدان الخارجية .
– التخلق بحظ من الشهامة ونصيب من الثقافة العسكرية.
من خلال هذه القدرات المعرفية والمهارات الإدارية التي ينسبها لنفسه، والتي تدل على ما يجب أن يكون عليه المثقف.
الموضوعات التي يركز عليها المنهاج التربوي:- فهو يتقن الكتابة ويحفظ الأدب ويعرف بالإدارة، وماهر في الرياضيات، وملم بالجغرافيا، ومطلع على الأمور العسكرية، بالإضافة إلى ما هو عليه من خلق قويم، ومن هنا نعرف ما كان المنهاج التربوي يقدمه للطالب وما كان يركز على تعليمه، وبالتالي ما هي المناهج التعليمية المتبعة.
ونستطيع أن نفصل هنا بين المناهج المختلفة، في اللغة والرياضيات والطب.
منهاج اللغة:-
– دروس في الخط والهجاء، كان التلاميذ يؤدونها بالخط الهيراطيقي، وقليلاً ما وجد بالخط الهيلوغريفي.
– دراسة قواعد اللغة.
– دروس في الآداب القديمة وخاصة تعاليم (خيتي)، و (امنمحات) ، ونشيد النيل.
– تعاليم أدب الرسائل، وتتضمن رسائل إدارية ورسائل إخوانية ورسائل وعظيه، وهذه كانت تدرس في المراحل المتقدمة.
– الأخلاقيات، وتهدف إلى اختيار السبيل السوي في السلوك وتنظيم سلوك الفرد مع نفسه وربه.
منهاج الرياضيات:-
ويتضمن منهاج الرياضيات ما يلي..
– عمليات الحساب البسيطة، جمع، طرح، ضرب، قسمة.
– وجد في كراسة (أحمس) معالجة المكاييل ومضاعفاتها وأجزائها.
– مسائل ذات صبغة جبرية ومعادلات من الدرجة الثانية.
– مسائل هندسية مثل مساحة المستطيل والمثلث الناقص والدائرة، واستخراج الزوايا والارتفاعات، ومسائل الحجوم للمكعب.
وفي حدود ما توصل له أهل العصور القديمة من المعارف والتطبيقات الرياضية يتضح أن هذه الكراسات تمثل منهاجًا مقبولًا لتكوين الجانب الرياضي في ثقافة الكاتب والمتعلم.
الموسيقى والرقص:-
رغم مكانة الموسيقى التعبيرية في الحياة المصرية القديمة، إلا أن منهاج تعلمها وتعاليمها ليس واضحًا ، وربما كان الكهان يقومون بهذه المهمة بتعليم الفتيات، ويبدو أن الرقص هذا كان صعبًا.
دراسة الطب:-
من المؤكد أن التحنيط يلزمه معرفة دقيقة بأجزاء الجسم، وموقع كل عضو، ووظائفه وكيفية عمله، ويستلزم ذلك أيضًا معرفته بالتفاعلات الكيميائية وصناعة الأدوية والعقاقير، ولم تكن هذه العلوم موجهة بشكل رئيس للتحنيط، إنما تم اكتشاف فعالية هذه المواد في عملية التحنيط، إذن فمعرفتهم بالأدوية والأمراض وأجزاء الجسم وعلله، كانت معمقة وواسعة، وكانوا أيضًا يعرفون التخصص الطبي، وكان من أشهر مدارس الطب التي عرفها المصريون تلك التي كانت في مدينة ( سايس ) إحدى عواصم مصر القديمة.
التلمـــيذ:-
كان التلاميذ من أبناء الطبقة العليا من الأمراء وحكام الأقاليم وكبار الموظفين، وكانوا يذهبون للدراسة في سن الخامسة، وكانوا يقضون يومًا كاملًا في المدرسة، ولكن أحدًا ما لم يخبرنا إن كانوا يقدمون امتحانًا سنويًا ـ أو امتحانًا عامًا عند التخرج، ولكن من الواضح في بعض البرديات أنهم كانوا ينالون توصية خاصة إلى مسؤولين معينين.
أدوات الكتابة:-
– القرطاس :- وهو مأخوذ من نبات البردي، الذي ينبت على ضفاف النيل، وقد ثبت أنها أصلح ما يكون للاستعمال قبل اختراع الورق، وأن هذه البرديات حفظت جانبًا كبيرًا من معتقدات وأفكار وحضارة الفراعنة، ولقد اقتصر استعمال أوراق البردي في المراحل العليا من التعليم.
– اللخاف والشقف :- وهي ألواح من الحجر الأبيض المسطح، أو الفخار، وكانت تؤخذ من بقايا العمائر، ومصانع الفخار.
– الدواة والمقلمة :- وهي أداة واحدة من الخشب أو العاج، مركبة من جزأين وبها للمداد عينان، واحدة للأسود والأخرى للأحمر، وبها صندوق مستطيل لحفظ الأقلام، وكان الحبر الأسود يصنع من “السبيداج” المخلوط بالصمغ، ويستخدم للتسطير العادي، أما الحبر الأحمر فيصنع من مادة ترابية حمراء تسمى مغرة، ويكتب بها العناوين.
– اليراع :- وهو القلم؛ ومصنوع من القصب، ويذكر أحد الخبراء أن القلم لفظة معربة للكلمة اليونانيةCALAMOS كلموس.
- التعليم في الحضارة المسيحية خلال العصور الوسطى :-
التربية المسيحية في العصور الوسطى كانت تهدف بشكل أساسي إلى إحياء الجانب الروحي عند الفرد، ومن أهم سماتها إعداد الإنسان المؤمن بتعاليم الدين المسيحي والاعتقاد بوحدة الجنس البشري, وقد برزت في التربية المسيحية في القرون الوسطى بعض التيارات الفكرية وهي:-
الرهبنة:- وهي تكريس النفس للعزلة والتأمل بعيدًا عن الحياة المادية وغايتها أن تسمو بروح المرء استعدادًا للحياة الآخرة.
الحركة المدرسية:- هدفت هذه الحركة إلى الاستعانة بالعقل في الدفاع عن الدين المسيحي وكذلك دور العقل الإنساني في الوصول إلى الحقيقة، وكان ذلك عن طريق المدارس حينها.
الفروسية:- وكان هدف الفروسية إعداد الإنسان الفارس ليلعب دوره في التقاليد كما أنه يتدرب على مبادئ الحب والدين والسلوك المهذب.
مع ظهور المسيحية لجأت إلى مقاومة الاضطهاد الروماني عن طريق إنشاء الأديرة ومراكز الرهبنة؛ حيث أصبحت المسيحية في أوائل القرن الثالث الميلادي الديانة الرسمية.
وهنا غدت الكنيسة الكاثوليكية مسؤولة عن بناء المدارس وتحديد الأساقفة الذين يعملون بها ومن يتعلمون فيها ويمكن القول بأن الكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها كرسي البابوية في روما كانت نوعاً من السلطة المركزية المطلقة في شؤون التعليم .
والوضع ذاته كان في الكنيسة الشرقية والمرقسية والأرثوذكسية؛ وكانت التعاليم التي تقدمها تلك المدارس في سياق ديني ومذهبي لكل مدرسة والكنيسة التابعة لها .
وغدت المدارس تتنوع موزعة بين هيئات دينية مختلفة ومشتبكة مع ملاك الأرض والمتبرعين من بقايا الإقطاع من ناحية وبين الطبقات الوسطى ولا سيما المدن من ناحية أخرى وفي جميع الأحوال كانت الجمعيات والهيئات الدينية تقوم بإنشاء المدارس لأولئك الذين ينتمون إلى مذاهبهم أو لنشره عن طريق التبرعات من الأفراد أو الهيئات من الأغنياء.
بالإضافة إلى أن التربية قبل الإسلامية كانت في ظل المجتمع العربي يسوده كثير من القيم الخاطئة مثل الخمر ولعب الميسر وغيرهما.
وكانت للتربية ما قبل الإسلام عدة عوامل تحكمها أهمها على سبيل المثال
– العامل الاجتماعي:-
كان المجتمع قبل الإسلام مجتمع طبقيًا يتفاوت فيه الأفراد من حيث الحقوق.
– العامل السياسي والاقتصادي:-
والعامل السياسي هي الحروب التي كانت تقام على أتفه الأسباب, أما العامل الاقتصادي حيث اعتمدت القبائل على الرعي والتجارة وقد كانت بعض القبائل تعتمد على النهب والسلب.
– الجانب الديني:-
اتسم المجتمع قديمًا بالتدين وتعلقه بآلهة متعددة.
وبشكل عام كانت أهم مظاهر التعليم قبل الإسلام تعتمد على المحاكاة والتقليد ونقل التراث من جيل إلى جيل وكانت عملية التربية عملية تطبيع لمثل وقيم القبيلة سواء كانت صواباً أم خطأً.
- التعليم خلال العصور الإسلامية وعصور الخلفاء الراشدين والسلاطين :-
في سجل الحضارة العربية منذ ظهور الدعوة الإسلامية كان يتم التعليم في المساجد؛ حيث تجري فيها حلقات الدروس تقديماً وشروحاً لأمور العقيدة والشريعة.
ومنذ قيام الخلافتين الأموية والعباسية وبدأ التعليم بالانتشار في المساجد والجوامع وما عرف بدور العلم؛ ومن ثمّ بدأ تسمية المدارس وبنائها لتلقي العلم .
مع تنوع المذاهب والتفسيرات الفقهية تولدت المدارس والمساجد المرتبطة بتلك المذاهب المختلفة، وكان لذلك الانقسام تداعياته .
كذلك استفحل الخلاف بين السنة والشيعة، وأدى ذلك إلى ظهور حركات شيعية ظلت تعمل وتدرس تحت الأرض في سرية تامة حتى استطاعت تكوين ولاياتها الصغيرة في المشرق والمغرب .
وفي مصر نجح الفاطميّون في إقامة دولتهم ومن ثمّ بناء الجامع الأزهر لتدريس المذهب الشيعي ومن ثمّ جاءت الدولة الأيوبية بعدهم فعطلت الدراسة في الأزهر لأكثر من سنة، وأعادت تدريس المذاهب السنية الأربعة المشهورة وأكثروا من بناء المساجد ودور العلم التي يدرس فيها علماء الأزهر وفي هذه المرحلة زادت الخصومات السياسية وظهرت فيها ظاهرة تسيس التعليم ووصلت في بعض الحالات إلى اضطهاد العلماء وهدم مدارس وبناء أخرى وحرق كتب ومكتبات.
التربية في الحضارة الإسلامية:–
تعرف التربية الإسلامية بأنها ” إعداد المسلم إعداداً كاملاً من جميع النواحي في جميع مراحل نموه ، للحياة الدنيا والآخرة في ضوء المبادئ والقيم وفي ضوء أساليب وطرق التربية التي جاء بها الإسلام ” ولا تختلف عن التربية المعاصرة إلا أن ثمة اختلافًا جوهريًا بين التربية المعاصرة حيث أنها تعتمد على الخبرات الإنسانية أما التربية الإسلامية مصدرها رباني, ويمكن إيجاز نظره التربية الإسلامية نحو الإنسان والحياة والكون على النحو التالي:
1- الإنسان: مخلوق مكرم خلق من أجل عباده الله وهو يتحمل كامل مسؤولية أعماله.
2- الكون: مخلوق لله خاضع لله وحده وهو مسخر للإنسان وخدمته.
3- الحياة: هي دار اختبار يعيش فيها الإنسان حياة مؤقتة.
من أبرز سمات التربية الإسلامية في ذلك العصر:–
1- التربية الإيمانية –:
إن الغرض من التربية الإيمانية عقد الصلة بين الإنسان وخالقه مما يجعل لحياة الإنسان معنى في هذه الدنيا.
فتسمو أخلاقه وتتنامى دوافعه مما يؤهله لخلافه الله في الأرض.. وإيمان الفرد يزيد بكثرة الطاعات لله، وينقص بارتكاب الفرد المعاصي والآثام
2- التربية العلمية -:
اهتم الإسلام بالجانب العلمي وتنمية العقل وشجع عليه فالعلم نور والعلم عباده فعلى كل فرد أن ينمي ويغذي عقله بالعلم النافع الذي يفيده ويفيد مجتمعه.
3- التربية العملية -:
إن ثمرة الإيمان العمل؛ لذلك يُذكر العمل في كثير من آيات القرآن الكريم والتأكيد على أهميته؛ فالعمل ليس فقط مقتصرفي هذه الحياة وإنما على الإنسان أن يوازي بين أعماله الدنيا وأعمال الآخرة وأن لا يغفل عنها، ويجب على المسلم أن يتقن عمله قال الرسول (ص) إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.
4- التربية الاجتماعية :
إن التربية الإسلامية تسعى إلى تنمية القيم الاجتماعية في الفرد المسلم حتى يصبح مقبولًا ومندمجًا في المجتمع المسلم وأن يتحلى بالصفات الحميدة والتعاون والتكافل والإيثار والعدالة.
5- التربية الخلقية :
تستهدف التربية الخلقية إلى بناء إنسان على خلق قويم وقيام مجتمع تسوده مجموعة من القيم الحميدة والمثل العليا والقيم والأخلاق الإسلامية تتميز بأنها واقعية بمقدور الإنسان أن يتخلق بها وأن يلتزمها.
من الأساليب التي استخدمت في التربية الإسلامية:-
1- أسلوب الترغيب والترهيب.
2- أسلوب القصص القرآني.
3- أسلوب الأمثال وأسلوب الحوار.
ومن أهم الأساليب التي استخدمها الرسول (ص) في تغيير المجتمع هو أسلوب الحوار.
الوسائط المستخدمة في التربية الإسلامية:-
تعددت وسائط التربية وأماكن التعليم ويمكن اعتبار الأسرة من أهم هذه الوسائط؛ كما في المسجد في التاريخ الإسلامي لعب دورًا هامًا في التعليم والتربية حيث انطلقت من المساجد حلقات العلم سواء كانت لتعليم الكتابة والقراءة أو المخصصة للعلم الشرعي ..
التربية والتعليم في العهد الفاطمي والأيوبي:-
دخل الإسلام مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كعقيدة ومنهج حياة، وكان من واجب المسلمين الفاتحين أن ينشروا الدعوة ويعمقوا الدين بين المسلمين، وبما أنهم لم يكونوا أصحاب تعليم ولم يؤثر عنهم أي تعليم في الجاهلية، لذلك فإنهم لم يخطر ببالهم إنشاء نظام تعليمي، ولم يستفيدوا من بقايا النظم التعليمية في العهد البطليمي رغم أهمية ذلك العهد لما فيه من الكثير من النظم التي من الممكن الاعتماد عليها، بالإضافة إلى أن اهتمام المسلمين كان منصبًا على الفتوحات، وكانت كل الإمكانيات مُسخرة في هذا الاتجاه.
لذلك فإن ابتداء التعليم الإسلامي في مصر كان تلقائيًا ، وتم بأبسط الأدوات وأسهل الوسائل المتاحة.
– الكُتّاب :-
ووجد أول ما وجد لتعليم القرآن الكريم في المسجد، بمعنى أن الكُتّاب كان ملحقًا بالمسجد، ولكن الكُتَّاب استقل فيما بعد عن المسجد، وأصبح في مكان منفصل.
– المسجد :-
وهو مرحلة أرقى من تحفيظ القرآن الكريم للمبتدئين، إذ أصبح مكانًا لتداول الآراء الفقهية، وتدريس الحديث والتفسير والوعظ وغير ذلك للبالغين، وقد تطورت هذه المهمة إلى التثقيف السياسي.
– المدرسة :–
لم يعرف المسلمون المدرسة إلا بعد ثلاثة قرون من دخولهم مصر، وبعد انتشارها في بلاد إسلامية أخرى.
وهنا بإمكاننا أن نعرج عن بداية المدارس في العهد الإسلامي بشكل عام
فقد ارتبط العلم وحلقات العلم في التاريخ الإسلامي بالدِّين، كان الدين والعلم وجهان لعملة واحد.
بدأ العلم في صورته الأولية في المجتمع المسلم عن طريق الأسئلة الفقهية والإجابة عليها من قبل المتمكنين من أصحاب رسول الله عليه السلام.
أول المصنفات في الحديث كانت في حقيقتها كتب فقه وليست كتب حديث، موطأ الإمام مالك، مصنف الصنعاني.
في منتصف القرن الثاني للهجرة مع بداية الدولة العباسية حدث جدل كبير وأكثر هؤلاء كانوا في العراق وكان هؤلاء يسمون “أهل الرأي”.
أبو حنيفة كان من مدرسة أهل الرأي، والمذهب الحنفي ولد في هذا الجو في المقابل كان هناك من يؤمن أن الدين يجب أن لا يترك للرأي.
سُمي من آمن بأن الدين يجب أن لايترك للرأي بأهل الحديث، أبرزهم في القرن الثالث الهجري بن حَنْبَل، يحي المديني،ويحي بن معين، وقد ولد مصطلح أهل السنة لوصف هؤلاء العلماء وطريقتهم.
حدثت فتنة خلق القرآن، وما رافقها من صراع في هذه الفترة تحول التعليم فيها إلى حلقات أكثر وضوحًا.
وأصبح لا خلاف أن الحديث مصدر رئيسي كبير للفقه. الفقه الذي أسس الشافعي لأصوله (وهو أستاذ ابن حَنْبَل) في كتابة “الرسالة”، أسس الشافعي كتابه ليستمد الفقه أصوله من القرآن أولًا ثم الحديث ثم الاجماع ثم القياس.
– مع منتصف القرن الثالث الهجري، بدأوا يتلقوا الحديث وينقلونه، وأصبح كثير من الأحناف مُحدثين مع إنهم في الأصل أهل رأي.
في عصر أبو حنيفة لم يكن هنالك طبقة علماء متخصصة بقدر ما كان المرء مثلًا تاجرًا أو حدادًا وفي نفس الوقت عنده اهتمام بالفقه.
في بداية القرن الثالث بدأت ملامح التخصص للعلم وظهر أشخاص كرسوا حياتهم للعلم مثل ابن حَنْبَل ومن حوله.
كان يمكن للعالم أن يعقد حلقته في دكانه، لكن بعد قليل بدأ يختفي هذا الأمر، وبدأ الامر يأخذ منحى التخصص.
هذه الفترة بالفعل كانت بداية طبقة العلماء، والعلماء في الحقيقة كان يوصف به أهل الفقه وأهل الحديث، لأن الذي انتصر في المعركة كانوا أهل الحديث، الذين أسسوا للعلم، ما هو الفقه؟ وما هو الحديث؟
التخصصات الأخرى لم يكن لها حلقات ولم تأخذ هذا الطابع، كالطب والفلك والفلسفة، كان الكندي فيلسوفًا ولكنه لم يكن صاحب حلقة.
الباحث جورج مقدسي في بحثه على الحنابلة، تبين له طبقة العلماء بدأت تتشكل في القرن الثالث والرابع والخامس الهجري.
في القرن الرابع والخامس أصبح قليل من العلماء لديهم مهنة أخرى، وغدا العالم يُكرّس حياته للعلم.
كما حدث في عصر الجويني والشيرازي وبداية عصر الغزالي، وانتقل التعليم من الحلقة إلى ما هو أعقد من ذلك.
أخذ الجويني شرف من دون أقرانه، لقب إمام الحرمين، لأنه درّس في مكة والمدينة وعقدت له حلقتي علم فيهما.
بدأت ملامح التعليم الإسلامي تتضح، كان من أهمها أن التعليم الاسلامي عبر التاريخ كان حُرًا.
الملمح الأول حرية المشاركة في الحلقات من المتعلمين مهما كان العمر، ما دامت الرغبة والشغف متوفرين لدى المتعلم.
تغيرت ملامح التعليم وانتقل نقلة نوعية بعد أن حُسم الصراع التاريخي لصالح أهل السنة إثر تشرذم واختلاف في العصر العباسي.
تطور التعليم تطورًا هائلًا بعد ذلك في زمن السلاجقة على يد الوزير الشافعي للسلطان “ألب أرسلان” “نظام الملك”.
– أراد “نظام الْمُلْك” أن يتبع سياسة جديدة، وكان له الدور الأكبر في تنظيم عملية التعليم في تاريخ الإسلام.
إذًا بدأت المدارس فقهية ثم حديث ثم قرآن.
كان التعليم حُرًا بكل ما في الكلمة من معنى، حُرًا من ناحية عمر المتعلم، ووقت انجاز المادة، وحرية اختيارالشيخ أو تبديله، أو الوقت الذي يحتاجه الطالب لصرفه في المادة، فقد يدرس الطالب باختياره وما يرغب به “أحياء علوم الدين” في ستة أشهر عند عالم، وآخر ينهيها بنسبة أقل، وقد يدرس طالب آخر المستصفى ثم لا ينسجم مع المادة فينتقل بكل سلاسة إلى حلقة أخرى وهكذا دون تعنت أو إرهاق، أنت تختار شيخك ومدرستك، ما تريد أن تدرسه، وما لا تريد، أن تواصل التعليم أو لا تواصل، أن تكرس حياتك للعلم أو لا تكرس.
الكُتّاب في العهد الفاطمي:-
بعد أن انفصل الكُتَّاب عن المسجد، أصبح إما في مكان ملحق بالمسجد، أو في بيت منفصل، وكان يقوم على هذا الكُتَّاب معلم، لم يأخذ قسطًا وافرًا من التعليم، وهو أدنى المراتب التعليمية، وكانت مهمته تقتصر على تعليم الكتابة وتحفيظ سور من القران الكريم، وكان التلقين هو الأسلوب المفضل عند المعلمين، ولم يكن يأخذ مخصصات من الدولة، أما الطالب فكان يرسل للكتاب في سن الخامسة، ويظل فيها إلى سن الرابعة عشرة، وكان يقضي جل نهاره في الكتاب، من الصباح وحتى صلاة العصر، يهدف التعليم في هذه المرحلة إلى إعداد الفرد للمراحل التعليمية التالية، وتسليحه بقدر من المعرفة والمهارات اللغوية والكتابية والحساب، إلى جانب التربية الدينية، ولم يكن هناك تربية في مجال الرياضة البدنية أو الصحية أو العلمية وكان المعلمون يلجؤون للعقوبات البدنية، وكان على الطالب أن يظهر الطاعة والامتثال والسكون.
ومن أشهر مدارس العهد الفاطمي تلك التي أسسها الحاكم بأمر الله مدرسة (دار العلم) وعرفت (بدار الحكمة) وقرّر لها المدرسين وألحق بها مكتبة وكانت تقليدًا لما فعله المأمون في بغداد وبلغ عددها الـ 20 مدرسة، وزاد عددهم إلى 25 في العهد الأيوبي.
المسجد:-
المسجد هو مرحلة متقدمة في مسار التعليم، وأول جامع انشئ هو مسجد عمرو بن العاص، وقد أصبح مدرسة كبرى، يتلقى فيه الطلاب العلوم الدينية من فقه وتفسير وحديث، والعلوم اللغوية من نحو وبلاغة وأدب، وكان القاضي أو الفقيه ينتحي بطلابه ناحية من المسجد ويتحلق حوله طلابه، ويلقي عليهم دروسه، ودعي هذا المكان بالزاوية، ومن ثم أصبحت هذه الزاوية تسمى باسم منشئها، مثل زاوية الشافعي والزاوية الجدية، والزاوية الصاحبية، والزاوية الكمالية، وغيرها، وكلها نسبة لمؤسسيها.
وتكون الدراسة في المسجد على مراحل ثلاث، الابتدائية لحفظ القرآن الكريم، والثانوية ويقوم بها مدرسون أكثر علمًا وكفاءة، ونهائية، حيث يدرس بها أمهات الكتب.
المنــــــاهج :-
أما من ناحية المناهج فقد تم تدريس علوم البلاغة والنحو والجغرافيا والرياضيات والمنطق والفلسفة والآداب، ولكن العلوم العقلية هذه قد تم الاستغناء عنها، أما تدريس الطب فكان يدرس في المارستانات وهي – بيوت المرضى- واقتصرت فيما بعد على علاج المجانين. وكان كل مارستان ينقسم إلى عدة تخصصات في الأمراض المختلفة بالإضافة إلى تصنيع الدواء وأول مارستان أنشئ في مصر كان في عهد ابن طولون عام 259هـ وجُعل للأوقاف شريطة معالجة العامة فقط فيه دون الجنود أو الطبقة الحاكمة. وتلى ذلك إنشاء عدة مارستانات إلى أن اندثرت في العهد المملوكي 648 هـ 1250 م .
أما عن أسلوب التدريس فكان يعتمد أولاً على الإملاء ثم الشرح والمناقشة، وهذه المهمة كان يقوم بها معيد ليجيب عن الأسئلة التوضيحية ويشرح النقاط الغامضة، ولم يكن الطلاب يدفعون أجورًا لقاء تعلمهم في المسجد، بل كانوا يوهبون أعطيات تمكنهم من إكمال دراستهم.
دور العلم:-
كان من الطبيعي أن تتطورأمكنة التعليم وترتقي مع ازدياد الطلب على التعليم، لذلك تحولت الكتاتيب إلى مدارس، وتحول المسجد إلى جامعة.
المدارس والتعليم في عهد صلاح الدين الأيوبي:-
أنشأت المدارس في عهد صلاح الدين الأيوبي، وذلك بهدف توسيع نشر المذهب الشافعي، ومناوأة وطمس المذهب الشيعي، وقد اشتق اسم المدرسة، من المدرس، وهي رتبة أكبر وأعلى من المعلم، ومن هذه المدارس، المدرسة الناصرية والمدرسة القمحية، والمدرسة الصالحية والمدرسة الفاضلية، وكانت هذه المدارس بالإضافة لتعليم الفقه الشافعي والمذهب السني، فإنها تعلم النحو والفلسفة والعلوم الطبيعية ، وكان يساعد المدرس معيد، وكان في كل مدرسة مكتبة خاصة بها، تحتوى على المراجع اللازمة، وكان السلاطين يوقفون وقفًا لينفقوا من ريعه على هذه المدارس.
وشهدت تلك المرحلة – عهد صلاح الدين الأيوبي – ازدهارًا كبيرًا في علوم الدين.
والمدارس التي بناها صلاح الدين في مصر هي:
- المدرسة الناصرية: بناها صلاح الدين في مصر (الفسطاط) سنة 566هـ/ 1170م مكان سجن المعونة، وكان في ذلك الوقت وزيراً، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي.
- المدرسة القمحية: بناها صلاح الدين في أثناء وزارته، وجعل الدراسة فيها على المذهب المالكي.
- المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين بعد أن انفرد بحكم مصر، بجوار قبر الشافعي بالقرافة، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي.
أول من درس بها الفقيه الزاهد نجم الدين الخبوشاني (ت:587هـ/ 1191م) له في كل شهر أربعين ديناراً عن التدريس. وعشرة دنانير عن النظر في أوقاف المدرسة، ورتّب له من الخبز في كل يوم ووقف ستين رطلاً، ورواتين من ماء النيل. ووقف عليها حمّاما بجوارها. وحوانيت بظاهرها وجعل فيها معيدين.
- المدرسة السيفية: أسسها صلاح الدين بعد أن أصبح ملكاً لمصر، جعل التدريس فيها على المذهب الحنفي، وعيّن للتدريس فيها الشيخ مجد الدين محمد بن محمد الجيني . ورتّب له في كل شهر أحد عشر ديناراً. وباقي ريع وقفها. يصرفه على ما يراه لطلبة الحنفية المقررين عنده.
وقد جعلت هذه المدارس من عهد صلاح الدين عهداً مشرقاً سواء في مصر أو بلاد الشام، إذ أصبحا محور استقطاب العلماء من جميع البلدان الإسلامية، لما كان يلاقيه الفقهاء من كريم العناية والرعاية، ولما كان يغدقه صلاح الدين عليهم من أُعطيات ومنح كثيرة، فقد بلغت المرتبات للفقهاء والمدرسين بدمشق في عهده حوالي ثلاثمائة ألف دينار، وكان عددهم حوالي ستمائة مدرس وفقيه.
ولكي يضمن صلاح الدين دخلاً ثابتاً للمدارس التي يُنشئها، كان يوقف عليها أوقافاً تكفي للإنفاق على الفقهاء (المدرسين) والدارسين هُيئت لهذه المدارس كل أسباب الراحة ووسائل العيش، ليتفرغ الدارسون والمدرسون تفرغاً كاملاً للعلم.
وقد هدف صلاح الدين من إنشاء المدارس التي شيّدها إلى مقاومة المذهب الشيعي، عن طريق تعليم فقه أهل السنة.
ولاسيما مذهبه الذي كان يعتقده وهو المذهب الشافعي، بالإضافة إلى أنها كانت مراكز لتثقيف الناس وتعليمهم لغتهم وأمور دينهم، وتبصيرهم بما يُحيق بهم من مخاطر تهدد وجودهم، فعملت على إثارة روح الجهاد في الناس، مما جعلهم يلتفّون حول زعيمهم، مما مكنه من تحقيق انتصارات باهرة على الصليبيين، حيث تمكّن من فتح أغلب معاقل الصليبيين التي كانت منغرسة في بلاد الشام.
الحقبة الثانية :- بداية تكوين الدولة (الأسرة العلوية) (1805 – 1842).
بعد التطورات في التعليم في عهد صلاح الدين الأيوبي تلاها في تاريخ المجتمع المصري بدأ تكوين الدولة القومية مع محاولات محمد علي باشا الكبير الاستقلال عن الدولة العثمانية وسلطتها حين استأثر بولاية الحكم في مصر عام 1805 إلى عام 1842 وكانت أهم أهدافه هي بناء جيش قوي يرهب به أعدائه واتجه في سبيل ذلك في تطبيق نظام تعليمي حديث للنهوض بقدراته الحربية ومن ثم أرسل البعثات للتعلم في الخارج في فرنسا وايطاليا لإعداد القوة البشرية المنافسة لقوات العدو والنهوض بالدولة بجميع مناحيها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها؛ في ذلك الطريق أهمل التعليم في الأزهر والكتاتيب وكان ذلك خارج نطاق اهتمامه؛ فكان اهتمامه بالمقام الأول بنظام التعليم الحديث.
مع هزيمة محمد علي أمام قوى التحالف الأوربي تم تقليص الجيش وعليه تم غلق العديد من المدارس إلا ما كان قائماً في الجاليات الأجنبية التي كانت تقدم المنح والتسهيلات.
وفي عهد الخديوي إسماعيل وسعيه المستمر في جعل مصر (قطعة من أوروبا) أعاد فتح بعض المدارس، وأنشأ بعض المدارس الجديدة، وتم إنشاء أول مدرسة للبنات في عهده حيثُ بدأ تعليم الفتاة عام 1832م عندما أنشأ محمد علي مدرسة الولادة، ثم بدأ التعليم الوطني للفتاة في عهد الخديوي اسماعيل – متخلفًا حوالي 40 عامًا عن اتاحته للفتى -، و افتتحت أول مدرسة حكومية في يناير 1873م وهي مدرسة السيوفية.
وكذلك ارتبطت نهضة التعليم بالرغبات الشخصية للحكام، وطموحاتهم الشخصية وذلك كان وضحًا في تطلعات وطموحات محمد علي في بناء إمبراطورية له ويرثها أبنائه من بعده.
بالإضافة إلى تنحية التعليم الديني جانباً .. وفي هذا الجانب ظهر دور علي مبارك في الاهتمام بالمؤسسات التعليمية الأهلية في تنظيم لائحة 1868م – تلك اللائحة التي كانت تسمى بلائحة إصلاح التعليم وسميت بـ (رجب 1868م)- التي تم وضع المدارس الأهلية تحت إشراف وزارة المعارف، وبنصوصها أدخلت الكتاتيب في الهيكل التعليمي للوزارة.
والاشراف المباشر على التعليم في الفترة العلوية كان من قبل الحاكم مباشرة؛ أما التعليم الأزهري فظل كما هو الاشراف عليه يكون من قبل نظام الأوقاف في إدارته وتمويله.
- فترة الاحتلال الأجنبي (البريطاني):-
في الاحتلال البريطاني عام 1882م كانت سلطة التعليم في الإدارة البريطانية متجسدة في شخصية دنلوب لإعداد الموظفين وصغار الكتبة في مؤسسات الاحتلال لذلك كان نطاق التعليم محدوداً للغاية كان يسمى التعليم (بالقطارة) .
تم دخول لأول مرة اللغة الانجليزية في الدراسة وتم فرض مصروفات للتعليم وذلك حتى لا يستطيع اللحاق بالتعليم من هم من الطبقات الفقيرة أو الغير قادرة واقتصاره على أبناء التجار وكبار الملاك.
وتم التشديد من قبل الاحتلال على المدارس ونشر التعليم في وسط الطبقات الفقيرة في مرحلة الاحتلال لارتباط التعليم بالحركة الوطنية.وأخذت تنشط حركة إنشاء المدارس الحرة لتعليم أبنائهم وانتشرت ظاهرة المدارس المصرية الحرة في عهد الخديوي إسماعيل.
في جميع الأحوال استمر الاشراف الأجنبي على التعليم المصري طيلة فترة الاحتلال؛ وفي ظل ذلك تمكنت الحركة الوطنية من إنشاء أول جامعة أهلية في 21 ديسمبر 1908م وذلك من خلال حماسة الزعيم مصطفى كامل، والاستجابة العامة للتبرعات والهيئات من مختلف فئات الشعب وطوائفه.
- ثورة 1919م والمطالبة بالاستقلال :-
تحت شعار (العلم نور) نشطت تيارات سياسية وفكرية تجلت في كتابات الصحافة والآداب والفنون الداعية إلى نشر التعليم حتى تتحرر مصر وتحصل على استقلالها الذاتي؛ في حينها صدر قانون التعليم الإلزامي في فبراير 1924م لتنتشر المدارس الإلزامية المجانية للتعليم التابعة لمجالس المديريات. وفي تلك المدارس يتم تعليم أبناء الفلاحين والحرفيين تعليماً محدوداً يمكنهم من المشاركة في الانتخابات النيابية ويتيح لهم قدراً من الاستنارة لمعايشة المجتمع، والمشترك الوحيد في العديد من مراحل التعليم هو التوظيف السياسي له حسب السياقات السياسية المختلفة.
التعليم في عهد محمد علي:-
جاء محمد علي على رأس جيش من ألبانيا إثر خروج نابليون من مصر في أوائل القرن التاسع عشر، وكان في ذهنه مخطط سياسي وحضاري لرفع مستوى مصر إلى مصاف الدول الأوروبية، والاستقلال بمصر عن الخلافة العثمانية، ووجد محمد علي النظام التعليمي لا يفيده في مشروعه الذي يخطط له ، لذلك كان عليه أن يرسل بعثاته إلى فرنسا لكي يتعلموا العلوم الحديثة التي لا تدرس في الجامع الأزهر ولا في غيره، هذا مع العلم أنه لم يكن يثق بالأجانب في إدارته، ويريد الاعتماد على أبناء مصر.
وكانت أول بعثة أرسلها محمد علي إلى فرنسا عام 1828 م وكانت مكونة من 40 طالبًا ليدرسوا الموضوعات التالية؛ الإدارة والقانون والحربية والعلوم السياسية وهندسة حربية وهندسة ملاحية ومدفعية وطب وزراعة وتاريخ وري وصنع أسلحة وسكب معادن وطباعة وحفر وكيمياء.
ومن الواضح أنها تخصصات هامة تدل على وعي كامل بالمشروع الذي يريده. ولقد استتبع هذه الخطوة الجريئة والفريدة حركة ترجمة واسعة للكتب المهمة في جميع الميادين المطلوبة.
ومن الملاحظ ان محمد على لم ينشئ إدارة تعليمية تشرف على التخطيط والإشراف على التعليم، ورسم سياسته، بل أوكل هذه المهمة لديوان الجهادية، وربما يرجع ذلك إلى النمط المركزي الذي أخذه محمد على من النظام الفرنسي.
ملامح عن التعليم في أواخر العهد العثماني “حكم محمد علي” :-
في تلك المرحلة من التعليم في العهد العثماني والسياق التاريخي الذي وقعت فيه أحداثه حيث أجريت عشرات الدراسات على تاريخ التعليم والعلماء في العصر الإسلامي، ونشر أغلبها باللغة الإنجليزية. الواضح أن ما يمكن قوله أن المؤسسة التعليمية الإسلامية أخذت في التطور منذ القرن الهجري الأول، ونضجت واكتسبت ملامحها الرئيسة في القرن الخامس، أي العهد العباسي – السلجوقي، سيما بعد أن أقام الوزير نظام الملك سلسلة المدارس النظامية في نيسابور، بغداد وطوس.
التعليم الإسلامي في جوهره مؤسسة حرة، فليس هناك قيود على السن، أو خيارات الطالب، ولا مركز نفوذ رسمي يضع المناهج. وكان بالإمكان أن ينتهي المتعلم إلى أن يصبح عالماً أو تاجراً أو رجل دولة، أو أن يكون عسكرياً أصلاً ولكنه رغب في تلقي العلوم. واستند التعليم الإسلامي في كليته إلى مؤسسة الوقف، وليس إلى سلطة الدولة وعطاياها. وإن أخذت دور مؤسسة العلماء في الاعتبار، كونها الطبقة التي حملت لواء الشريعة، مدرسين ومفتين وقضاة ومحتسبين، إلخ، يمكن القول بأن التعليم الإسلامي التقليدي كان المؤسسة التي احتضنت وشكلت وحمت خطاب الجماعة المسلمة وتماسكها الاجتماعي ووعيها وتقاليدها عبر العصور. وربما يمكن النظر إلى القدرة الهائلة للمدينة الإسلامية على البقاء، بالرغم من الحروب والاجتياحات والدمار، لتقدير ما كانت تعنية طبقة العلماء وما كان يعنيه التعليم الإسلامي.
الذي حدث منذ بداية التحديث الإسلامي في منتصف القرن التاسع عشر، أن الدولة استعارت نموذج التعليم الغربي الحديث، بطبيعته المركزية، المتحكم بها من قبل الدولة، والمدار من الدولة، نظاماً ومناهج.
صحيح أن التعليم الحديث أدخل موادًا دراسية جديدة، وأخرج مهنيين جدد، ولكن الصحيح أنه كان نظامًا متحكم فيه، يخدم تصور الدولة للعالم، وأن نهوضه وتدهوره اعتمد على نهوض وتدهور الدولة.
القول بأن التعليم التقليدي لم يكن له هدف ولم يستند إلى تصور واضح، هو انعكاس للجهل بطبيعة التعليم التقليدي الحرة والمستقلة عن الدولة، والجهل بالكيفية التي تطور بها التعليم عبر القرون.
انتقل التعليم بذات الطريقة في العهد العثماني وكان متميزًا حتى بداية ما يعرف بالتحديث العثماني، حيث تأثر التعليم العثماني بالنمط الغربي في بدايات القرن العشرين، فلقد كان التعليم حتى عام 1840م، يمتاز بملمحه الرئيسي وهو الحرية.
ورغم كل ماعلمونا إياه عن الانحطاط العثماني وبداياته في1600-1650هجري وفي أشدت تجلياته كان التعليم أفضل مئات المرات من أيامنا.
ففي دراسة مقارنة على التعليم في القاهرة اليوم مع التعليم فيما أطلق عليه زمن الانحطاط العثماني، تفوق الزمن العثماني، حيث أن نسبة المتعلمين أيام العثمانيين في القاهرة أكثر بكثير من أيامنا هذه في القاهرة نفسها، مع الأخذ بعين الاعتبار بالطبع النسبة والتناسب بين عدد المدارس ونسبة السكان والمتعلمين.
تأثر العثمانيون بذات النمط وبدأت تنتشر المدارس الرشدية في أنحاء الدولة العثمانية ثم الإعدادية والعليا وهي التي سميت بالملكية.
كانت المدارس الرُّشدية العسكرية تُخرج ضباط في الجيش، والرُّشدية المدنية تُخرج موظفي الدولة، وكانت المدارس العليا أو الملكية تُخرج إداريين للدولة.
المدرسة الحديثة مثل المجتمع الصناعي الحديث، قائمة على: التسلط والانضباط والطاعة والرقابة، فحجم اختيار المتعلم في المدرسة الحديثة معدوم، ويزيد قليلًا في الجامعة، أما الاختيار الحقيقي فبالكاد في الدراسات العليا، في الوقت الذي كان يمكنك الانسحاب من حلقة عالم أصولي مثلاً لم تعجبك طريقته وتسافر وتدرس على يدي آخر.
مع مرور الوقت منذ 1840م بدأ النظام القديم ينسحب، وولد نظام التعليم الحديث، بعض المناهج ناجحة وكثير منها غير ذلك.
ولابد لنا اليوم من العودة للوراء قليلًا والاستفادة من النظام القديم، والاستفادة من أجواء الحرية للمتعلم.
ومن أهم ملامح التعليم قديمًا أن يتلقى التلميذ عن شيخه وليس عن الكتب، حتى يصبح لديه أدوات كافية للأخذ من الكتب.
كان العلماء يفتخرون بعدد شيوخهم، اذا وصل عدد الشيوخ الى 20 شيخًا لا يكتب إجازة وإنما فهرس، كان الفهرس يتضمن تسجيل لشيوخ التلميذ الذين تلقى عنهم وشيوخ شيوخه وهكذا، وكان هذا جزء من مصداقية العالِم.
ويمكن تلخيص حقبة التعليم في عهد محمد علي فيما يلي :-
– إن أهداف التربية والتعليم كان في معظمه لإعداد الأفراد للعمل في الجيش المصري، ودواوين الحكومة، ولم يكن يهدف إلى نشر مبادئ العلم للأهالي
– إن ارتباط التعليم بالتجنيد استلزم إشراف الجهادية على التعليم ولم ينشأ ديوان المدارس( وزارة التعليم ) إلا عام 1837م.
– إن العسكرية كانت سمة واضحة في داخل المؤسسات التعليمية في عهد محمد علي، ويكفي التأكيد على هذه الحقيقة بما يلي- :
– كان المعلمون يعطون رتب عسكرية والطلاب كذلك .
- خضوع المدارس للنظام العسكري، إذ يعيشون في ثكنات.
- نظام عقوبات عسكرية صارمة.
- بدء انتشار التعليم الأجنبي وافتتاح المدارس الأجنبية، وكانت هذه المدارس والإرساليات مرتبطة بالاستعمار الأجنبي.
– تجميد التعليم الديني، إذّ عمد محمد علي إلى إهمال دور الأزهر والكتاتيب والمدارس لأنها لا تؤمن له القوى البشرية المطلوبة، وعمل على إضعافها من خلال التضييق على أموال الوقف المرصودة لها، ومصادرة الأراضي التابعة له، وتقليل عدد الطلاب.
لقد كانت بداية جديدة في مسيرة التعليم في مصر والبلاد العربية رغم الهيمنة المركزية على التعليم الذي أدى إلى هيمنة أجنبية عليه فيما بعد في العهد الخديوي.
ولقد امتدت المسيرة التعليمية مبنية على هذه الأسس التي أرساها محمد علي، في عهد من خلفوه من الخديوية، وقد اعترت هذه المسيرة كثير من الصعاب، وكثير من النكسات، ولكن في النهاية كانت مسيرة ناجحة إلى حد ما، فالتعليم مشروع لا يمكن أن يقف عند حد، ومازال ينمو ما دامت به حياة تعينه على النمو.
الحقبةالثالثة :- التعرف على معالم الفترة منذ مرحلة الاستقلال الذاتي بعد الاحتلال البريطاني (من 1923 إلى نهاية الثلاثينيات).
والتي اتسمت بما يسمى بــ “تعليم الفقراء”.
تلك المرحلة التي تم تحديدها بين عام 1923م مع حصول مصر على استقلالها الذاتي في اطار الاحتلال البريطاني حتى نهاية الثلاثينيات ولم تشهد هذه الفترة تغيرات ملحوظة في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية؛ وانقسم المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين أحدهما غاطسة وأخرى طافية وبينهما شريحة رقيقة من المدرسين والمهنين.
كانت السيادة والسلطة في ذلك الوقت للشراكسة والأجانب وكانت تتبع أسلوب الاستغلال مع الفلاحين والعمال وسميت الحالة الاجتماعية حينها بـ (النظام الإقطاعي الأوروبي).
في ذلك الوقت انتشر ثالوث (الفقر – الجهل – المرض) وكان التعليم الشعبي في عام 1925م مقتصرًا على كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم إلى جانب التعليم في صحن الأزهر وحول أعمدته ومشايخه وعلمائه.
بالإضافة إلى التعليم المدني بمراحله الابتدائية والإعدادية والثانوية ومصروفاتها المحددة وفي عام 1925م تم تحويل الجامعة الأهلية إلى مؤسسة حكومية باسم (الجامعة المصرية).
حيث يعد عام 1925م علامة مميزة من علامات الاهتمام بالتعليم؛ بإنشاء الجامعة المصرية الحكومية اكتمل نظام التعليم الحديث في مرحلته الأولى شكلاً وبنية، هرماً منظماً بعد المرحلة التي أرسى دعائمها محمد علي باشا الكبير.
وكان التعليم الإلزامي بسنواته الأربعة يتحسن في صورة المدرسة الأولية، ليكون تعليماً مستقلاً في إدارته، وتشرف عليه مجالس المديريات حسب إمكاناتها في حين تشرف وزارة المعارف العمومية على المدارس الحديثة في التعليم الحديث الابتدائي، والثانوي، والجامعي ،والذي كانوا معلمو التعليم الإلزامي إما من خريجي الدراسات الأزهرية أو معاهد المعلمين الأولية ثم إنه تعليم مستقل لا يمتد إلى التعليم الحديث أي إنه طريق مسدود لا يمكن أن يلتحق خريجوه بأي مراحل التعليم الحديث اللاحقة أضف إلى ذلك مناهجه كانت تقتصر على تعليم القراءة والكتابة والحساب، وعلى كتب (المطالعة الرشيدة) التي تحكي عن بعض الأعمال الفلاحية أو الحرفية أو عن بعض الحيوانات، ومن أبرز تلك المعالم هو موضوع قراءة رشيدة حول الفيل والذي يدرس كمنهج بالمدرسة الإلزامية والذي ورد فيه ..
- هل رأيت الفيل يا خليل ؟
- نعم هو هذا يا سعيد الفيل كبير الجسم وله نابان طويلان – ولم يكن التلاميذ على دراية بالفيل أو مشاهدين له أو حتى من المهتمين به أي لم يكن له وجود في خبرة التلاميذ إلا من خلال رسم كئيب مظلم لصورة الفيل مرفق بالدرس-.
والعكس صحيح في موضوع قراءة رشيدة عن (الحمار من دواب الحمل، يحمل الأثقال، وله أذنان طويلان وذيل طويل، وهو من ذوات الأربع ) وكان تلاميذ الفصل يعلمون عن الحمار بأكثر ما يقوله الكتاب .. وصفاً وتوظيفاً !
وشهدت تلك المرحلة انكماش واضح في التعليم الأجنبي إثر معاهدة الاستقلال عام 1936م وإلغاء امتيازات 1937م.
الحقبة الرابعة :- فترة الأربعينيات، وأثر الحرب العالمية الثانية حتى بداية الخمسينيات.
وكان أكثر ما يميز تلك المرحلة هو ..(الوعي الوطني بالتعليم).
وهي حقبة أواخر الثلاثينيات والأربعينيات والتي كانت تعج بالتيارات السياسية والصراع الحزبي فيما بينها وبين الملكية من أجل الاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية. في ذلك الوقت لم تتوقف الحركة الوطنية عن مطالبتها بالقضاء على الاستعمار الذي حرص على إضعاف التوجه الوطني نحو الصناعة التي كان يسيطر عليها الأجانب .
وشهدت هذه الفترة نمواً ملحوظاً في حجم الطبقة الوسطى من الموظفين والمثقفين كنتاج للتعليم الحديث بصفة خاصة.
غالباً في أي صراع يكون بين طرفين فكانت تلك الحقبة يحتدم فيها الصراع بين الثقافة الأوربية والثقافة الإسلامية التراثية، أو بين الفرنجة العلمانية وبين العودة إلى التمسك بتعاليم الدين الإسلامي، وذلك الصراع الذي يسمى أيضاً الصراع بين التحديث والأصالة وقد شارك في ذلك الجدل الكتاب والمفكرون من أمثال محمد حسين هيكل وطه حسين وسلامة موسى وعباس محمود العقاد وغيرهم من رواد الفكر في تلك الحقبة امتداداً من الثلاثينيات، وكان التعليم العصري من أبرز هموم تلك الحقبة كما تمثل في كتاب (مستقبل الثقافة في مصر) لطه حسين عام 1938.
وفي ذلك السياق المجتمعي ظهر دور الطلاب في الحركة الوطنية وكانوا في تلك المرحلة من أكثر فئات المجتمع اهتماماً بالشؤون السياسية وقضايا الاحتلال البريطاني، كما انعكس في احتجاجاتهم خلال عصور التاريخ المصري، سواء في مواجهة الظلم المملوكي من قبل علماء الأزهر أو أثناء الحملة الفرنسية ثم في فترة الاحتلال البريطاني وما تلاها من حركات سياسية فيما يمس حرية الوطن والمواطن .
وفي خضم تلك المتغيرات التي اضطرب لها المجتمع المصري خلال حقبة الأربعينيات قبيل قيام ثورة يوليو 1952 ازداد الوعي بدور التعليم وأهميته السياسية من قبل الدولة والمجتمع.
ومع أن قضية التعليم كانت من بين الصيحات التي ترددت منذ بداية الحركة الوطنية والتفكير في عمليات الإصلاح الاجتماعي منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومصطفى كامل ومحمد فريد وقاسم أمين ومحمد لطفي السيد وطه حسين وغيرهم من المفكرين والكتاب والشعراء، ولم تقتصر مرحلة الوعي ومظاهره على الطبقة العليا بل تغلغلت إلى فئات وشرائح المجتمع المختلفة حتى الطبقة الوسطى والعمالية؛ وأدى هذا الوعي بدوره إلى نموٍ في الجانب الاقتصادي والخدمي. وكان الاطار التعليمي لهذه الحقبة – والذي كانت تداعياته الحرب العالمية من أقوى متغيراته – (الوعي الوطني بالتعليم لحنه المميز) مما يعني أن الطلب عليه كان من كافة شرائح، وفئات الشعب.
ونلخص أبرز معالم تلك الحقبة فيما يلي :-
- صدور القانون المعروف باسم (قانون مكافحة الأمية ونشر الثقافة الشعبية) رقم 110 لسنة 1944في الوقت الذي كانت تضع فيه الحرب العالمية أوزارها ووصل فيها تعداد الأمية إلى 85% عام 1937 وهو ما يعادل 9.8 مليون، وتصل النسبة حالياً إلى حوالي 40 % .
- في تلك الفترة التي شهدت نمو الطبقة الوسطى ونمو الوعي بالتعليم وأهميته أصدر أحمد نجيب الهلالي وزير المعارف عام 1943 التشريع الخاص بإلغاء المصروفات في مراحل التعليم الابتدائي بسنواته الأربع عام 1944 وبذلك فتحت الأبواب لنمو أعداد الطلاب في المرحلة الابتدائية وأيضاً شهد عام 1945 إلغاء مصروفات المرحلة الثانوية حين كان طه حسين وزيراً للمعارف .
- منذ عام 1946 وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية أيضاً برز الاهتمام بالتعليم في مرحلته الجامعية، وبخاصة لدى الطبقة الوسطى للالتحاق بالجامعات بالإضافة إلى ارسال البعثات إلى الجامعات البريطانية والفرنسية والأمريكية للتخصص في مجال العلوم المختلفة (الطب- الهندسة – التجارة – القانون – الآداب – العلوم الاجتماعية – التربية – اللغات المختلفة – …).
شهدت تلك الحقبة إلى جانب جامعة الملك فؤاد الأول (القاهرة) إنشاء جامعة الملك فاروق الأول (الاسكندرية) عام 1942م، ثم صدور المرسوم الملكي بإنشاء (جامعة أسيوط) عام 1949م وبدأت عملها في عام 1957م، ثم جامعة إبراهيم باشا (جامعة عين شمس) عام 1951م.
- يلاحظ في هذه الفترة كذلك عدم توفر المباني المدرسية، والإمكانيات المالية لدى وزارة المعارف، والتي لم يتجاوز نصيبها من الموازنة العامة ما بين 5-6 %، قد ضيق من حدود تطبيق كل من قانون محو الأمية والتعليم الإلزامي الإجباري كما اقتصر التعليم على (أبناء الذوات) كما يقال ولذلك فإن الالتحاق بهاتين المرحلتين من التعليم ظل أسير القدرة على دفع المصروفات، وعلى سبيل المثال فقد تراوحت المصروفات المدرسية بين 40 جنيهاً في كلية الطب، 30 جنيهاً في كلية الحقوق، و20 جنيهاً في كلية الآداب وقد كان ثمن الفدان الخصب الصالح للزراعة في ذلك الوقت يتراوح ما بين 40 – 50 جنيهاً وكان مسموحاً لأقل من 10% من طلاب الكليات الالتحاق بالمجان شريطة أن يكونوا من أوائل البكالوريا (الثانوية العامة) وممن يثبتون أنهم فقراء بشهادة فقر رسمية!
- كما شهدت تلك الحقبة ظهور المدارس العسكرية والتي كانت متمثلة في (الكلية الحربية) التي ترتب إنشاءها على معاهدة 1936م حيث كان الالتحاق بها مقتصراً على عدد محدود من الطلاب من الأسر الغنية.
وأيضاً (مدرسة البوليس) أو (كلية الشرطة) التي سنحت الفرصة بعد ثورة 1952م من إنشاءها وإتاحة التحاق الطبقة الوسطى بها بعد أن كان الالتحاق بتلك المدارس محرم عليها.
الحقبة الخامسة :- مرحلة ثورة 23 يوليو حتى بداية السبعينيات.
– مرحلة تكافؤ الفرص من خلال التعليم.
– التعليم داخل مؤسسة الأزهر الشريف.
قبل أن نستعرض وقائع تلك الحقبة الممتدة من ثورة 23 يوليو 1952 إلى نهاية السبعينيات، نرى ضرورة الإشارة إلى أنه خلال حقبة الأربعينيات وحتى نهايتها عاش المجتمع المصري في خضم تيارات متلاطمة من أفكار وأيديولوجيات متصارعة وخيم عليها الفساد الملكي تحت نير مؤامرات الاحتلال البريطاني وتدنى المستوى المعيشي متمثلاً فيما عُرِفَ بثالوث الفقر والجهل والمرض.
وساد الاحتقان والتذمر واليأس من ضغوط الحياة السياسية على الوطن والمواطن مما أدى إلى حريق القاهرة عام 1951م الذي كان نذيراً لتولد أفكار وتيارات إصلاحية مختلفة.
هذا إلى جانب الشعور الأليم بالهوان ومرارة ما جرى من هزائم الجيوش العربية المتلاحقة؛ في هذا الوقت قد تهيأ الوضع لقيام ثورة 23 يوليو 1952م بتدبير طلائع الجيش مع مجموعة من الضباط الأحرار معلنة رسالتها في مبادئها الستة من القضاء على الملكية الفاسدة والاستعمار وأعوانه وعلى سيطرة الاقطاع ورأس المال على الحكم، إلى جانب تكوين جيش وطني قوي وإقامة حياة ديموقراطية سليمة.
تلت تلك المرحلة اضطرابات وتغيرات كثيرة فضلاً عن التوسع في إنشاء الوحدات الصحية المجمعة في الريف إلى جانب التوسع في الخدمات التعليمية وغيرها من الإجراءات في المرحلة الأولى من الثورة؛ مما جسد كثيراً من المكاسب الشعبية وانطلاقة هامة في تعبئة من عرَّفتهم الثورة بأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية، واستمرت مسيرة الثورة في سبيل إصلاح أحوال المواطنين وتحقيق حلم اللحن الثوري الاشتراكي العربي الذي رغم ما أصابه من نشاز بين الحين والأخر إلا أنه كان القاعدة الأصلية للتعبئة. وقد ظلت الصحافة ومختلف المطبوعات الرسمية والمؤلفات والأفلام السنيمائية والفنون المسرحية وغيرها من قوى التأثير الثقافي والتعليمي تعزف ذلك اللحن في تناغم واضح ومؤثر.
حدثت العديد من الإصلاحات على الصعيد الداخلي والخارجي والعديد من المكاسب التي حصلت عليها الجماهير؛ لكن في سبيل ذلك ظهر ما هو سيء من تقييد لحرية الصحافة وحرية التعبير عن الرأي وكان الاعتقال مصير من له رأي مخالف للأيديولوجيات الدارجة، ولحقت الأضرار بأساتذة الجامعات فمنهم من تعرض للفصل بسبب عدم التزامه بخط الثورة.
واجهت الثورة العديد من التحديات على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية ولابد من التأكيد على أن تلك الحركة الثورية كانت لها أثراً واضحاً على نظام التعليم وفي تعامله معها وبها أهدافاً وبنية ووسائل وفي ذلك الوقت كان المجتمع بمؤسساته وسلوكياته كان (المجتمع المعلّم) أو التعليم العرضي اللانظامي من خلال الاحتكاك والتفاعل اليومي مع الجماهير.
تقررت قوانين وصدرت تشريعات وكان أهمها قرار مجانية التعليم والعمل بمبدأ تكافؤ الفرص وأصبح التعليم في المرحلة الابتدائية مجاني بعد أن كان بمصروفات، واستمر تعليمها المفتوح مؤدياً إلى مدرسة التعليم الثانوي التي ألغيت مصروفاتها عام 1951م؛ لكن ظهرت الثنائية الفارقة في ذلك الوقت وهي التي بين التعليم المدني الحديث والتعليم الأزهري.
مع أن مطلب توحيد التعليم في المرحلة الابتدائية قد جرى الحديث عنه قبيل الثورة .. إلا أنه لم يتحقق بصورة فعلية إلا منذ عام 1953م.
تم الحديث عن توحيد المرحلة الابتدائية من التعليم – حيث كانت هناكَ مرحلة التعليم الأولي، وهناكَ مرحلة التعليم الابتدائي تم دمجهم – ومن بعدها يُخير الطالب في أي مكان يستمر حتى يكون هناك تكافؤ فرص والتمتع بحق التعليم الموحد؛ حينها حدثت تغيرات أهمها إلغاء تعليم اللغة الإنجليزية أثناء المرحلة الابتدائية وذلك لظهور أراء تركز على خطورة تدريسها في المرحلة الابتدائية مع الحماس والوعي الوطني بتدريس اللغة العربية.
وتلتها تغيرات بعد الشكوى من عدم كفاية الأربعة أعوام لتدريس القراءة والكتابة والحساب والتربية الدينية والتربية الصحية والنشاط الرياضي تم تمديد فترة الدراسة بالمرحلة الابتدائية إلى ست سنوات.
في صدد تلك التغيرات تجدر الإشارة إلى القرار الصادر عام 1957م الذي يقرر تقسيم المرحلة الثانوية إلى قسمين أحدهم يسمى المرحلة الاعدادية ومدته ثلاث سنوات يبدأ فيه تدريس اللغة الإنجليزية وتنتهي بامتحان عام على مستوى المحافظات؛ ثم يليها المرحلة الثانوية ومدتها ثلاث سنوات تنتهي بامتحان عام على المستوى المركزي، الذي تعقده وزارة المعارف والتي أصبح اسمها وزارة التربية والتعليم .
ومنذ بداية الثورة وتم الاهتمام بمرحلة التعليم الاعدادي وتقسيمها إلى قسمين مرحلة التعليم العامة ومرحلة التعليم الفني بفروعها التجارية والصناعية والزراعية، واعدادية تعليم البنات (الاقتصاد المنزلي) أثارت تلك التقسيمة العديد من التساؤلات حول عدم جاهزية الطفل لاستيعاب التعليم المهارى في تلك المرحلة بالإضافة إلى عدم الطلب عليه من سوق العمل فتقرر إقرار هذه التقسيمة في مرحلة التعليم الثانوية وليس المرحلة الاعدادية.
وتجيء الثورة وقد ألغت المصروفات المدرسية مما خفف الأعباء الكثيرة من على كاهل الأسرة وزيادة أعداد الطلاب وزيادة الاقبال على التعليم الجامعي أو ما يسمى بالتعليم العالي الذي شهد نقلة نوعية .
كانت أهم التغيرات في مرحلة التعليم الجامعي في حقبة الثورة هي معالم مجانية التعليم في تلك المرحلة عام 1961م مع بداية التوجهات الاشتراكية وما ترتب عليها من تعدد الفرص أما طالب الثانوي من الالتحاق بالمعاهد المختلفة أو الجامعات.
وقد تغيرت أسماء الجامعات التي كانت قائمة بشكل رئيسي على ثلاث جامعات قبيل الثورة؛ فأطلق على جامعة فؤاد الأول (الجامعة المصرية، 1925م) جامعة القاهرة، وعلى جامعة الملك فاروق الأول التي أنشأت عام 1942م جامعة الإسكندرية، وعلى جامعة إبراهيم باشا (جامعة عين شمس 1950م) أما جامعة أسيوط التي تم التفكير فيها عام 1946م فلم تفتح أبوابها إلا عام 1957 وتلتها إنشاء الجامعات الإقليمية لمواجهة الأعداد المتزايدة من الطلاب ولاعتبارات التوزيع الجغرافي لتيسير الالتحاق بالجامعات لطلاب الأقاليم وتم إنشاء جامعتي طنطا والمنصورة عام م1972 وجامعة الزقازيق عام 1974م، وجامعة حلوان عام 1975م، وجامعة المنيا، وجامعة المنوفية عام 1976م، وجامعة جنوب الوادي عام 1975م، وإلى جانب الجامعات التي أنشئ عدد من المعاهد العليا الفنية التابعة لوزارة التعليم العالي في مجموعة من التخصصات الصناعية، والتكنولوجية، والتجارية.
وقد رافق إنشاء الجامعات مجموعة من القوانين والقرارات التي سعت لتنظيم العمل الجامعي، بغية الاشراف المركزي على كل كبيرة وصغيرة داخل الجامعة .
ولعل من أوائل تلك القرارات هو تأسيس الحرس الجامعي منذ عام 1954م وجرت على القانون تعديلات عدة صادرة عام 1954م، 1956م، 1958م، 1961م كل ذلك من أجل السيطرة على الجامعة بكل نشاطاتها بشكل مركزي.
منذ ذلك الحين وظلت اشكالية استقلال الجامعة أسيرة لضمان الاستقرار والضبط للعملية التعليمية وللطلاب، ولإحكام الأمر بعد توسع الطلاب واندماجهم في الأنشطة السياسية .
ومن أهم معالم تكافؤ الفرص في تلك الحقبة هو ظهور نظام التنسيق للقبول بالجامعات بعد المرحلة الثانوية وتم إنشاء مكتب التنسيق عام 1935م يعتمد معيار القبول والتوزيع بين مختلف الكليات على معدل الدرجات التي يحصل عليها الطالب في امتحان اتمام شهادة الثانوية.
وبذلك قضى هذا التنظيم على ما كان يحدث من قبل من تدخل الوساطة والمحسوبية واستخدام السلطة والنفوذ من أجل الحاق أبنائهم في الجامعات ومعاهد التعليم العالي.
ملخص لتلك الحقبة التي شهدت تغير ثوري كبير أنها شهدت توسعاً هائلاً في أعداد الطلاب الملتحقين بمراحل التعليم المختلفة نتيجة للنمو السكاني ولزيادة الوعي بأهمية التعليم.
كما أن البيان الذي نورده فيما يلي يوضح أرقاماً مقربة لأعداد الطلاب في مختلف مراحل التعليم ما بين عامي 1953م أي بداية حقبة الثورة حتى نهايتها عام 1970م؛ لقد بلغ عدد الطلاب المقيدين في التعليم الابتدائي عام 1953م (1.3 مليون) تلميذ زاد عددهم إلى 4 ملايين عام 1970م وفي الإناث قفز العدد من 500 ألف إلى 1.5 مليون تلميذة.
وبالنسبة للتعليم الإعدادي من 340 ألف إلى مليون وبالنسبة للإناث من 72 ألف تلميذة إلى 340 ألف تلميذة .
وفي التعليم الثانوي العام من 92 ألف تلميذ إلى 321 ألف تلميذ وفي الإناث من 13 ألفاً إلى 103 ألف تلميذة.
أما في التعليم الثانوي الفني من 19 ألف إلى 298 ألفاً.
وعن التعليم العالي من 43 ألفاً إلى 152 ألف طالب وبالنسبة للإناث من 4 ألاف إلى 72 ألف طالبة، وفي الدراسات العليا الدبلوم والماجستير والدكتوراه من حوالي ألفين إلى حوالي 228 ألف طالب وطالبة.
وفي تلك الحقبة أيضاً لا نغفل دور مؤسسة الأزهر التعليم ..
- مؤسسة الأزهر :-
بني الأزهر عام 970 وافتتح للصلاة عام 972م كمسجد يرسخ وجود الفاطميين وسلطتهم، ولكنه تحول إلى مكان للتدريس المرموق حينما قام الوزير يعقوب بن كلس عام 980م بتدريس الفقه الشيعي فيه، وفي عام 988م طلب الوزير بن كلس من الخليفة العزيزبالله أن يعين به جماعة من الفقهاء للتدريس في كل جمعة، وكان له ما أراد إذ تم تعيين 37 فقيهًا.
أما بعد أن تولى الأيوبيون الحكم فإن مكانة الأزهر تراجعت سيما وأنه كان من مهماته نشر المذهب الشيعي، وأن الأيوبيين من السنة، وعلى المذهب الشافعي، فقد باتت مهمته غير مرغوب بها، فقل عنه الدعم والتأييد، ولكن بعد سقوط بغداد على يد التتار هاجر كثير من العلماء على مصر، مما رفده بمجموعة من العلماء والفقهاء مما أعاد إليه نشاطه ومكانته كمركز إشعاع علمي وديني.
ويستمر أيضاً الحديث عن مؤسسة الأزهر حيث يعتبر كجامع يُعتمد من أشهر المساجد الإسلامية، كما أنه كجامعة من أقدم الجامعات التي تدرس فيها العلوم الدينية، وارتبطت مصائره وأحواله بالتيارات السياسية والمجتمعية بشكل عام.
وبعد إنشائه بثلاث سنوات بدأت تعقد فيه حلقات لنشر الدعوة، والفقه الشيعي وارتبطت بالنظام السياسي للدولة الفاطمية ومع الدولة الأيوبية السنية تم تعطيل الدراسة فيه كجامعة لمدة مئة عام حتى لا يتسرب إليه الفقه الفاطمي كما تم بصفته جامعًا إبطال صلاة الجماعة فيه ومع استقرار العهد الأيوبي عادت إليه الدراسة التي غلبت عليها العلوم الدينية واللغوية واستمر في رسالته خلال عصر المماليك كما استقطب مجموعة من العلماء خشوا من طغيان المغول في المشرق خلال القرن الثالث عشر أو انهيار دولة الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر، وظل علماء الأزهر يناصرون قضايا الشعب ورفع تظلماته لحكم المماليك ولهم دور مشهور في هذا الصدد.
ومع الحملة الفرنسية 1798م ظل علماء الأزهر يمثلون الطبقة العالمة من زعماء الشعب والذين حاول الفرنسيون استرضاءهم فشكل بونابرت ديوانًا لحكم القاهرة أعضاؤه من كبار علماء الأزهر على رأسهم عبد الله الشرقاوي.
ومع الاحتلال البريطاني وثورة عرابي التي كان زعيمها من خريجي الأزهر ومن أشهر أنصارها الإمام محمد عبده ومع ثورة 1919م واشتعال الثورة الوطنية بقيادة سعد زغلول الأزهري ضد الاحتلال البريطاني، فكان الأزهر وعلمائه وطلابه من أهم القوى المحركة ضد الاحتلال الأجنبي والمظالم الداخلية.
وهكذا كان الجامع الأزهر بتنظيم كلياته الثلاثة: أصول الدين والشريعة واللغة العربية ملتحمة بقضايا الحكم والسياسة والمجتمع واستمر الحال كذلك مع قيام ثورة 1952م واختيار احد علمائها وزيراً للأوقاف والشؤون الدينية.
واستتبع تحديث جامعة الأزهر إدخال كثير من مجالات النشاط الجامعي الرياضي والثقافي والفني ونشاط الرحلات والمعسكرات إلى جانب التربية العسكرية .
ومع تنظيم الجامعة الأزهرية تم تنظيم المعاهد الأزهرية الابتدائي (4سنوات) والاعدادي (4سنوات) والثانوي (4سنوات) .
وقد عدلت هذه السنوات في أواخر التسعينيات المعاهد الابتدائية (6سنوات) ،والاعدادية (3 سنوات) والثانوية (3 سنوات) لتتساوى مع التعليم المدني.
وقد سعى (قانون 1961م) إلى أن يخف مدّ التباين والثنائية بين التعليم الديني والتعليم، وقد أقرّ القانون جواز انتقال الحاصلين على الشهادات العامة في التعليم الأزهري بما فيه الجامعة إلى ما يناظرها من مستوى التعليم المدني، بيد أن هذا القرار قد ألغي منذ التسعينيات حتى القرن الماضي.
دار الحكمة:-
أنشأ دار الحكمة الحاكم بأمر الله الفاطمي، لتكون أفضل من بيت الحكمة في بغداد عام 359هـ وحمل إليها الكتب من خزائن القصور ومن مصادر متعددة ، فاحتوت مكتبتها كتبًا نفيسة في مختلف العلوم.
وكانت دار الحكمة جامعة بالمعنى الحديث، وكان من بين أساتذتها ابن يونس المنجم، والحسن بن الهيثم وعلي بن رضوان، كما جذبت هذه الدار أعلامًا من المشرق، مثل الرحالة ناصر، والحسن بن الصباح.
لكن أمير الجيوش بدر الجمالي أمر بإغلاقها لأن رجلين اعتنقا المذهب السني، ومن هنا ابتدأ المصير المؤلم لهذه الدار، إذ أعطيت الكتب بدل الرواتب المتأخرة للجند، الذين كانوا يتلفونها أو يبيعونها، وفي مرحلة لاحقة حينما لم يجدوا من يأخذ الكتب، استعمل العبيد والإماء جلود الكتب نعالا، وظلت تتدهور إلى أن هدمها صلاح الدين الأيوبي.
الحقبة السادسة :- مرحلة الانفتاح الاقتصادي، وهيكلته وما عرف بالخصخصة منذ بداية السبعينيات حتى بداية التسعينيات.
– الاستثمار والاتجار بالتعليم .
تتسم هذه الحقبة من (1970م–1980م) بالتحول من النهج اليسار السياسي إلى نهج اليمين، أي من الأيديولوجيات الاشتراكية وسيطرة الدولة على موارد المجتمع إلى انتهاج الطريق الرأس المالي واتضح ذلك في الانتقال من دولة ذات علاقات وثيقة في المقام الأول في الاتحاد السوفيتي ودول عدم الانحياز إلى دولة ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية وبدول الغرب الأوربي ومن دولة تعتبر إسرائيل عدوًا يجب مواجهته من خلال حرب الاستنزاف إلى دولة تقيم معاهدة صلح معها وتعترف بوجودها بعد معارك أكتوبر المجيدة عام 1973م.
ومن أهم التغيرات في تلك الحقبة هو ظهور نظام الاعارة ويشار في هذا الصدد إلى أن إعارة المدرسين إلى أقطار النفط كانت تتطلب تقديرات الامتياز في من تقبل إعارته، هذا إلى جانب فتح باب الإعارة على مصرعيه إلى أساتذة الجامعة إلى فترة عشر سنوات بعد أن كانت تقتصر على أربع سنوات.
وشهدت تلك الحقبة أيضاً في مجال التعليم تحولاً حادًا في سياسة التعليم من حيث الاندفاع في استثمار القطاع الخاص في إنشاء المدارس الخاصة وخصوصًا فيما عرف بمدارس اللغات التي اعتمدت على اللغة الأجنبية.
وقد أدى الرواج المالي واستمرار الطلب على التعليم إلى زيادة هائلة في أعداد المقبولين في المدارس الحكومية مع توسع محدود في المدارس الجديدة لاستيعابهم، مما أدى إلى ظاهرة تكدس الفصول وتشغيل المدارس على نظام الفترتين الصباحية والمسائية والتوسع في الاستثمار في المدارس الخاصة والحرة.
وقد كان لبرامج البعثات نصيبًا وافراً من الاهتمام متماشياً مع التوجه السياسي الجديد حيث تزايدت أعداد البعثات الطويلة أو القصيرة إلى أوربا أو الولايات المتحدة الأمريكية سواء البعثات الحكومية أو المنح الوفيرة التي أُتيحت لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات من برنامج المعونة الفنية الأمريكية أو مؤسسة فورد أو غيرها من المؤسسات الدولية غير الحكومية، وذلك بعد انقطاع الإيفاد الى الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية في أوروبا.
والخلاصة التي تمثلها حقبة السبعينيات في تطوير التعليم نتيجة لسياسات الانفتاح الاقتصادي والسياسي وتشجيع الاستثمار الخاص المصري والعربي والأجنبي، وقد رافقها اندفاع الاستثمار في التعليم الخاص في مرحلة التعليم قبل الجامعي سواء أطلق على تلك المدارس أسماء أعلام مصريين أو مسميات دينية أو مسميات أجنبية، وبرز على وجه الخصوص نمط جديد من التعليم الخاص عرف باسم مدارس اللغات من الحضانة إلى نهاية المرحلة الثانوية بمصروفات تتفاوت في قيمتها لكنها تضمن ربحا مجزيًا لأصحاب تلك المدارس وقد دعا الاقبال على هذا النمط من المدارس الخاصة إلى تنافس وزارة التربية والتعليم معها بتكلفة أقل من نظائرها الخاصة.
الحقبةالسابعة :- مرحلة العولمة، والاقتصاد الحر وأثر المتغيرات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية.
– عولمة التعليم، وتقانته.
– تطوير التعليم في السياق العولمي.
في هذه الحقبة التاريخية الممتدة من أوائل الثمانينيات حتى الآن بدأ يتبلور الوعي المصري بتأثيرات النظام العالمي الجديد، وما اصطلح على تسمية تجلياته اختصاراً بظواهر العولمة، وما ارتبط بها، سبباً ونتيجة، من المتغيرات العلمية والتكنولوجية والاتصالية والمعلوماتية، ويكمن جوهر العولمة في أيديولوجية الليبرالية الجديدة، ومكوناتها التي تعتبر امتداداً للنظام الرأسمالي القديم في أقنعة ودعاوى وشعارات، تبدو كما لو أنها تنحو إلى طريق العالمية الإنسانية في القرية الكوكبية، وكثيراَ ما يتردد في أجوائها وتوجهها الملايين من البشر في شتى أنحاء العالم من أجل حياة أفضل بل وللتخفيف من حدة الفقر من خلال اقتصاد حر وديموقراطية وتبادل ثمرات التقدم التكنولوجي.
– تطوير التعليم في السياق العولمي.
إن كل التحديات العولمية، ومخاطرها وتداعياتها في الأوضاع الداخلية والخارجية للمجتمع المصري قد كانت تأثيراتها وتداعياتها مباشرة وغير مباشرة العاجلة والآجلة في السياسات التعليمية، ومن ثمّ ضرورات تطويره تكيفاً وتكييفاً في مسيرته خلال تلك الحقبة التاريخية التي تواجه (العولمة وتقانتها).
انعكست تيارات العولمة وتحدياتها في صدور مجموعة من الإعلانات السياسية والوثائق والتقارير والمؤتمرات المتصلة التي أبرزت أهمية التنمية البشرية في مواجهة العولمة، وانطلاقاً من مبدأ البشر غاية للتنمية وأداتها الرئيسية وفي القلب من سياسات التنمية البشرية الدور الحيوي للعملية التعليمية الذي يعد مجتمعاً ساعياً على امتلاك أسباب المعرفة في شأن تطوير التعليم؛ومن التقارير الرسمية الهامة ما صدر عن لجان المجالس القومية المتخصصة، ومجلس الشورى، والمؤتمرات القومية لتطوير التعليم الابتدائي (1993م) والتعليم الإعدادي (1994م) وإعداد المعلمين وتدريبهم (1996م) وتعليم الموهوبين (1998م) والمؤتمر القومي لتطوير التعليم العالي (1999م).
هذا بالإضافة إلى تطوير علوم المستقبل مثل الرياضيات والعلوم الطبيعية والبيولوجية واللغات الأجنبية على رأسها الإنجليزية.
ومن المعالم الرئيسية التي ميزت تلك الحقبة منذ الثمانينيات حتى يومنا هذا والتي اتسمت بتأثيرات العولمة والسوق والثورات المعرفية التي اضطرب لها العالم كله منذ ذلك التاريخ؛ لذلك وصف التعليم في تلك الحقبة بأنه نمط تشيع فيه توجهات (العولمة والتقانة).
- مسيرة التعليم المصري بين الماضي والحاضر والمستقبل :-
يتضح للمستقرئ للنظام التعليمي الحديث عبر مسيرته الطويلة، خلال نصف القرن الماضي امتدادًا تراجعيًا إلى ما وراء ذلك من حقب تاريخية منذُ إنشائه.
أن هناكَ من يقول أن التعليم مثقل بعبء التاريخ ومعطر بقليل من عبقه وأنه ما أن يتحرك خطوة إلى الأمام إلا وتقبع فيه ترسبات الماضي، وأن تطويره غلب عليه فقدان المناعة من التوظيف السياسي من نظام الحكم في الداخل أو الرغبات في تقليد الخارج أو ضغوطه، دون أن تتاح مقومات النمو والتغير من داخله وبتأثير فواعله من العاملين فيه من مدرسين وأساتذة وباحثين، وأن ما يحدث له من تطوير يمثل إضافات وجزئيات وإصلاحات تؤخذ على علاتها دون تقييم لآثارها الفعلية في نواتجه.
وهناك من يقول أن التعليم الحديث في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، سواء تلك التي أنجزت فيها حركة التحديث على يد رجال دولة تحديثيين مسلمين أو على يد الإدارات الاستعمارية، لا علاقة له بالماضي، والقول أن التعليم الحديث مثقل بمواريث الماضي هو جهل كبير.
جوهر العملية التعليمية، نظاماً وأدوات ومناهج وهدفاً، تغير كلية منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، سواء في القاهرة أو غيرها من بلدان العالم الإسلامي. وإن كان هناك ما يمكن قوله أن التعليم الحديث في بلادنا، بعد أكثر من قرن ونصف القرن على وجوده، يعاني من إخفاق كبير، وأن الإخفاق يزداد تفاقمًا. أحد الأسباب أن التعليم أصبح أداة في يد الدولة، الثاني أنه لم يستطع أن يوائم بين المناهج المستوردة والضمير اللغوي للعرب، والثالث أن مركزي، متحكم فيه، بحيث إن لم يستطع ابن السادسة أن يبدأ الصف الأول، وأراد دخول المدرسة وهو في العاشرة، مثلاً، فإن الأمر يصبح مستحيلاً أو شبه مستحيل.
عولمة أو غير عولمة، التعليم الحديث هو أحد أدوات الدولة الحديثة للسيطرة على شعبها، وإعادة إنتاج منظومة السيطرة والتحكم.
وتظل الأهداف في معظم الأحوال تتكرر من حين إلى حين، وإن اختلفت صياغتها، كما تظل الفجوة تتسع قليلاً أو كثيراً بينها وبين السياسات والممارسات والنواتج، بين الخطاب الرسمي وتطبيقاتها في الواقع العيني.
هذا لا يعني دعوة للعودة إلى النظام التقليدي بحرفيته، ولكنها دعوة للنظر إلى إيجابيات التعليم التقليدي ومحاولة استلهامها من جديد، مثلاً، نظام السيمنار الصغير (tutoring)، الشائع في الجامعات الغربية الرئيسية، يستند في الحقيقة إلى الحلقة التقليدية.
لهذا النظر بعين منصفة إلى كل حقبة من حقب التعليم وكل مرحلة بمميزاتها وسلبياتها على أن تؤخذ الإيجابيات من كل منها للنهوض بالمرحلة التالية.
(المراجع)
- سعيد إسماعيل علي : تاريخ التعليم في مصر، دار الهلال.
- سامي سليمان السهم : التعليم والتغيير الاجتماعي في مصر في القرن التاسع عشر، الهيئة العامة للكتاب، 2000.
- حامد عمار : مواجهة العولمة في التعليم والثقافة، الدار العريق للكتاب، القاهرة 2000 .
- حامد عمار : السياق التاريخي لتطوير التعليم المصري مشاهد من الماضي والحاضر والمستقبل، مكتبة الدار العربية للكتاب، 2005 .
- أحمد فؤاد الأهواني : التربية في الإسلام، القاهرة، دار المعارف 1967 .
- بعض المراجع عن نشأة التربية في الإسلام والمسيحية ومترجمات قديمة.