صحافة التعليم

رحلة البحث عن الدكتوراة [الجزء الأول]

 أغلب من ينهي الماجستير يتطلع إلى الدكتوراة، ويبدأ البحث قبل نهاية الماجستير بقليل على الأقل هذا في ألمانيا، وكطالبة مجتهدة لديها كل المعطيات والخريطة فكان البحث أشبه بالبحث عن كنز!

كنت أود إكمال الدكتوراة في ذات المختبر ولكن لم يكن لدى البروفيسور شتيفان المال الكافي ولا مكتب إضافي لطالب دكتوراة جديد، لذلك أعطاني الضوء الأخضر لأجد نفسي في مختبر آخر وأزيد من قائمة خبراتي، حيث نصحني قائلاً: العالم الطموح لا بد له أن يتنقل في أماكن عمله، ليتعلم خبرات جديدة على الدوام ليس من الناحية التقنية فقط وإنما من مقابلة أناس جدد، فالتنويع كالحديقة المليئة بشتى الأنواع من الورود يتيح لك أن تتمتعي بكل ما فيها حتى السيء منها”.

وفعلًا بدأت أنظر وأفتح أذني جيدًا لأي فرصة دكتوراة في نفس المعهد لما له من سمعة عالمية وميزات رائعة لطالب الدكتوراة حيث يتميز فيها عن باقي أشكال الدكتوراة في أقسام الجامعة الأخرى.

في ذات الفترة عَرضت علي إحدى المختبرات التي لها تعاون مباشر مع شتيفان مكانًا للدكتوراة مع ميزات يتمناها أي طالب، حيث البروفيسور المسؤول عن هذا المختبر شاب طموح وعالم فذ، أثبت وجوده في ألمانيا و في الأوساط العالمية وله أبحاث في مجلات عملاقة، وسعدت كثيرًا بهذا العرض ولكن كان لا بد لي أن أستشير شتيفان، فهو ذو خبرة طويلة في هذا المعهد ولديه معرفة كافية بالأشخاص ـ وما خاب من استشار ـ ، فقابلته في مكتبه وطرحت عليه العرض وقال لي بعد تفكير عميق: أنا سعيد جدًا لحصولك على فرصة كهذه، ولكن أنتِ من يجب أن يقرر، وأنا سأقول لك بضع كلمات فقط عن هذا البروفيسور: إنه عالم ناجح جدًا وعملي جدًا ولكن لن ينظر إليكِ بعين الإنسان بل بعين الماكينة المنتجة على الدوام فقط، والعالم الذكي هو الذي يختار فرصته بعناية في المكان المناسب ليبدع وأيضًا بما يتوافق نوعًا ما مع ظروفه، فأنتِ أم ولديها أطفال فهل سيناسبك العمل مع شخص يحمل عينًا وقلبًا من حديد؟ تذكري يا علياء أن عقد الدكتوراة هنا هو عقد عمل والتغيير ليس سهلًا!

عدت إلى مكتبي أفكر بكلام شتيفان الذي يحوي بين طياته دروسًا كثيرة في الحياة لا بد أن أستفيد منها جيدًا، ولن أعلق نفسي بعرض لدي حرية قبوله أو رفضه. سألت زميلتي بجانبي – وكانت طالبة دكتوراة – بصوت خفيض: هل تعرفين هذا البروفيسور؟ وأشرت إلى صورة على الحاسوب،  نظرت إلي قائلة: آه طبعًا، من لا يعرفه؟! ولكنه متعجرف وليس إنسانيًا أبدًا في التعامل، والذين يعملون لديه كالماكينات علاوة على أنه شخص ناقد بشدة ولا يعجبه العجب.

أخذت أقول في نفسي: وها قد تطابق كلامها مع كلام شتيفان أيضًا، جيد أنني استشرت وسأكتب له لاحقًا اعتذارًا عن القبول، لن أستعجل ولا بد من ربط كل شيء بظروفي، حتى أعمل وأنا مرتاحة.

من خلال زميلاتي الأكثر خبرة  تعلمت خبرات جديدة خلال طريقي في البحث عن الدكتوراة، تعلمت البحث عن المنح المتوافرة للطالبات الأمهات وتوجد معلومات وافرة في مكاتب الجامعة، وكذلك للعالمات السيدات، مثل المنح المقدمة من اليونسيف وكذلك من جهات ألمانية أهلية مختلفة، حيث يوجد في ألمانيا اهتمام كبير بهذه الناحية وتعلمت أيضًا أن أزور المختبرات التي أهتم بالعمل بها وأن أتكلم مع العاملين هناك من طلاب وباحثين حتي أستطيع أن آخذ انطباعًا عن الجو العام للمختبر الذي سأعمل فيه عدة سنوات، ستؤثر إيجابًا أو سلبًا على مسيرتي العلمية في الإبداع، فالموضوع ليس فقط اصطياد فرصة دكتوراة فحسب، الفرصة لا بد أن تكون ذهبية لنفسي ولمشروعي وعملي لاحقًا، ولأن المراسلة عن طريق البريد الإلكتروني لا توفر الكثير من المعطيات غير ذلك الرد الجاف بالإيجاب أو الرفض، وهنا لا بد أن  أنصحكم إذا كانت  الزيارة مُتاحة فهي فرصة لا تعوض لتسويق النفس صوتا وصورة، حيث لغة الجسد لها مفعول كبير في  التنبؤ عن  الكثير من المعلومات التي لا يمكن إدراجها في السيرة الذاتية أو في الرسالة التحفيزية، فأنت عندما تتحدث وتناقش ويجد منك الطرف الأخر إصرارًا ومرونة وشغفًا يشع من عينيك، سيشجعه علي عرض فرصة للعمل مع إعطاء ميزات مغرية للقبول.

رغم كل ما ذكرته إلا أن طريق البحث ما زال في أول الخريطة التي لا أملكها وحدي، بل هناك العشرات ممن يمشون معي في نفس الطريق، والكنز سيكون من نصيب عدد محدود جدًا فقط.

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى