صـراع الإخـوة والأخـوات (1) : الأسباب والجذور
إنجاب المولود الأول من أسعد الأحداث في حياة الأسرة. لكن ما إن يأتى المولود الثاني حتى تدب الغيرة بين الصغيرين وينشب بينهما صراع يحول سعادة الأسرة إلى شقاء وهناءها إلى بؤس! وقد تزداد الأمور سوءًا إذا رزقت الأسرة بمولود ثالث. فعندها يتحول المنزل إلى حلبة مصارعة لا يكف الأطفال فيها عن التناحر والتناجز!
لماذا يتناحر الأخوة والأخوات؟! ولماذا يتحول لعب الأطفال البرىء إلى منافسة حامية الوطيس؟! ما دور الآباء والأمهات في هذه المشكلة الشائعة؟! وما هو الحل؟!
يقضي كثير من الناس شطرًا من العمر بحثًا عن الشريك في علاقة الزوجية. وهذا السعي الحثيث يعنى ضمًنا البحث عن نقاط التقاء ومواضع اتفاق تمهيدًا لإقامة العش المنتظر، وإذا كانت فرصة الاختيار متاحة أمام الكبار، فإنها غير موجودة أصلًا للصغار! فالطفل لا يختار أبويه ولا يختار إخوانه وأخواته.
وإذا كان الكبار يدركون أن التعايش مع الآخرين يتطلب درجة من رجاحة العقل وحسن التصرف وضبط النفس والمشاركة في الأعباء والأعمال، مع قدر من التغاضي والسماحة، فإن الأطفال لا يدركون شيئًا من ذلك كله. فالطفل مخلوق عاطفي تحكمه غرائزه وتوجهه انفعالاته.
من الضروري استحضار هذه الفوارق الجوهرية بين الصغار والكبار عند النظر إلى أي مشكلة يكون الأطفال طرفًا فيها. عندما ترزق أسرة بمولودها الأول يكون الوليد شغل والديه الشاغل، فهو أول ثمرة لهما في الحياة ومنبع شعورهما بمعنى الوجود، ومصدر إحساسهما بعاطفة الأبوة والأمومة، لهذا يحتل المولود الأول مكان الصدارة في حياة الأسرة فيكون محور الاهتمام.
وعندما يأتي المولود الثاني ينصرف اهتمام الوالدين إلى الوليد القادم، فيقل احتفالهما بالطفل الأول. هنا يدرك الطفل الأول أن الضيف الجديد سوف ينازعه مكان الصدارة في الأسرة، ويقاسمه عرش اهتمام أبويه ، فتنشأ الغيرة .
غيرة الطفل الأول من الطفل الثاني غريزة طبيعية لها مبرراتها، وفي أحيان نادرة يفلح الوالدان في ترويض هذه الغريزة بشيء من الحكمة والأناة وحسن التصرف، وفي أحيان أكثر ندرة، يتمكن الوالدان من إحلال عاطفة الحب والإيثار محل الغيرة ورغبة التفرد. لكن في الغالب الأعم، تتطور غيرة الطفل الأول من الطفل الثاني لتصبح نوعًا من المنافسة، عندما يكبر الطفل الثاني ويتعلم الحركة والكلام.
ومع استمرار الصغيرين في النمو تتحول المنافسة إلى صراع!
أسباب الصراع :
صراع الأشقاء له أسباب متعددة نُجْمِل أهمها فيما يلي:
١– عدم توازن القوى:
الطفل الكبير أقوى من الطفل الصغير، وهو لذلك أقدر على قَرْص الصغير وضربه، وخطف اللعب والحلوى من يديه. لكن ما إن يشب الصغير عن الطوق حتى يتعلم ضروبًا من الحيلة يثأر بها لنفسه. فتارة يبعثر ألعاب شقيقه الكبير ليفسد عليه لهوه ، وتارة يكسر تلك الألعاب أو يتلفها انتقامًا، وتارة ثالثة يصطنع دور المظلوم فيصرخ ويبكي ليستعدي والديه على شقيقه الكبير.
٢– اختلاف الجنس:
للصبيان ألعاب وأهواء مشتركة، مثلما للبنات. وعندما يكون الطفلان من جنس واحد، إنْ ذكورًا أو إناثًا، يكون في ذلك مدعاة للتقارب وتخفيف حدة الصراع – ولو لسويعات محدودة كل يوم . وعلى النقيض من ذلك اختلاف الجنس.
٣– تباين الطباع:
قد يكون الطفل الأول حيويًا متدفق النشاط لا يكف عن الحركة، وقد يكون الطفل الثاني هادئًا وديعًا قليل الحركة، وقد يحدث العكس فيكون الأول وديعًا والثاني مشاكسًا، وللوهلة الأولى يبدو أن الطفلين يتمم أحدهما الآخر، بينما حقيقة الأمر أن اختلاف الطباع سبب في نشوء صراع. فالطفل الحيوي لا يكف عن مجاذبة أخيه الوديع الذى يستسلم حينًا ويثور حينًا آخر. وقد يلجأ الطفل الوديع إلى الحيلة للثأر من شقيقه الذي لا يدعه لحاله!
٤– حب التملك:
من أهـم أسباب صراع الأشقاء الرغبة في الحصول على ما يملكه الأخ الآخر أو الأخت الأخرى، سواء كان ذلك لعبة أو قطعة حلوى أو حِجْر الأم أو صدر الأب! فما إن تحتضن الأم صغيرها حتى يندفع أخوه الكبير أو أخته الكبرى محاولًا إزاحته ليحتل مكانه! وقد يلتهم الطفل الكبير حلواه بسرعة ، ثم يندار إلى أخيه الصغير ليأخذ ما في يده من حلوى لم يتمكن من التهامها بنفس السرعة! وإذا أهديت لعبة إلى أحدهما، فلن يهدأ الثاني حتى يحصل على مثلها أو يغتصبها لنفسه من أخيه.
٥– التفضيل:
يشعر كل طفل في وقت من عمره أنه “ضحية”! وقد يكون لهذا الشعور ما يبرره من تصرفات الوالدين، وقد يكون شعورًا متخيلًا. أيًا ما كان الأمر فإن شعور طفل في الأسرة بأن أخيه أو أخته أفضل منه عند أبويه سوف يكون سببًا في كراهية الطفل المفضل، وبالتالى في خلق صراع لا ينتهي معه.
٦– العدوانية:
يتسم سلوك بعض الأطفال بالخشونة والفظاظة، ومثل هؤلاء الأطفال لا يتورعون عن سـب وضرب كل من يعترض طريقهم، صغارًا كانوا أو كبارًا.
هؤلاء الأطفال قد يشعلون فتيل شجار وعراك دون تحرش، وحتى دون سبب بالمرة.
٧– توتر جو الأسرة:
ينعكس جو الأسرة على الأطفال بصورة واضحة، فإذا كانت الخلافات والمناقشات الحادة بين الوالدين لا تنتهي إلا ريثما تبدأ من جديد، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الأطفال فلا تنتهى معاركهم الصغيرة!