رأي الوالدين

عالمة الفضاء الصغيرة…!

ربما كان يجب أن أكمل ما طرحته في الخاطرة السابقة ومغامرات مشرفي على زسالة الماجسير الدقيق جدًا، ولكن خلال انشغالي بترتيب هذه الخاطرة حصل حدث مسرحي أمامي جعلني أكتب شيئًا أخر وكأنها عصا سحرية جعلت من الحدث كلمات… 

بدأت إبنتي ذات الأربع سنوات تدور في صحن الغرفة، تفتح المظلات تصفها على الأرض بطريقة ما، تغيب باحثة وألحق بها دون أن تحس بحركتي وأجدها تدفن رأسها بين الأغطية تبحث عن شيء وتكلم نفسها قائلة: (هذا فاتح ولكنه ليس أزرق وهذا غامق ولكنه ليس أسود). 

عدت إلي مكاني خلف الكمبيوتر أتصنع التشاغل حتى لا أفسد عليها لعبتها المسرحية وبطولتها أغراض البيت كالعادة، ولإنني في البحوث دائمًا أعتمد على الملاحظة والملاحظة الدقيقة، بقيت فقط أراقب عن كثب. 

غطت المظلة الكبيرة بغطاء وأبعدت المظلة الصغرى وغطتها بغطاء أخر غامق وأخذت تدور حول الكبيرة بانتظام وتجلس وتقول: الأرض تدور حول الشمس، انتابتني الدهشة للحظات ثم قالت: الآن الشمس ستذهب إلى الراحة والأرض يجب أن تنام ( وتظاهرت بالنعاس )  ولكن القمر حان دوره ويدور حول الأرض، أنا الأرض سأنام. 

جلست وأشعلت ضوء مصباح الجيب بجانب المظلة الصغيرة التي غطتها بغطاء غامق ، ثم أخذت تحدث دبًا صغيرًا وضعته بجانبها قائلة: وعندما تتعب النجوم من إشعاع الضوء تتحول إلى ثقوب سوداء مخيفة والفضاء كبير جدًا يحتوي على كواكب أخرى وهناك مكانس فضائية وهناك… 

صمتت لإنها إنتبهت إنني أراقبها.

النجمة التي تعبت وأصبحت ثقبًا أسود

وهنا سألتها: وماذا تعرفين أيضًا؟ هل تعلمين إنكِ مذهلة وأحببت مسرحية الفضاء تلك وتعلمت منكِ كثيرًا؟ 

قالت: ولكنك عالمة ويجب أن تعرفي هذا كله! 

قلت: أنا عالمة أحياء وأنتِ عالمة الفضاء الصغيرة، الآن حدثيني من علّمك كل هذا؟ 

سألتني عندها: هل تعرفين فينوس ( الزهرة )؟ 

تظاهرت بالتفكير وأجبت: إنه كوكب يشبه الأرض. 

هزت رأسها نافية وقالت: إنه كوكب كبير ولا يشبهها، تعرفين لماذا؟

لإنه لا توجد فيه ماء ولا بشر ولا حيوانات ولا أشجار… وهو أيضًا حار جدًا لإنه قريب من الشمس.

ثم تابعت: لكن رجال الفضاء يبحثون عن كوكب أخر يشبه الأرض، لإن الأرض فيها كثير من البشر ومليئة بالبنايات والمصانع ولا يوجد الكثير من الأشجار، لإنهم يدمرون البيئة من أجل البناء ومن الأفضل أن يجد رجال الفضاء كوكب أخر… مثل الأرض… يعني ممكن المريخ لإن ( كريستينا ) قالت لنا إنهم وجدوا أثار للماء هناك…! 

سألتها عندها: كريستينا ( المربية ) علمتكم كل هذا؟ 

نظرت إلي وقالت: هي قرأت لنا قصة عن الفضاء ونحن مثلنا القصة مع الموسيقى، أنا كنت الأرض ومايكل هو الشمس وعندما تضيء كريستينا النور، أنا أدور حول مايكل وعندما تطفأ النور يحضر إيريك ومعه مصباح الجيب ويدور حولي! 

قلت لها بحماس : أها… يعني إيريك كان القمر ! 

قفزت قائلة:  نعم 

ثم إستطردت وفلان كان النجمة التي تعبت وأصبحت ثقبًا أسود ..!! 

سألتها: كيف مثّل ذلك؟ 

قالت : لبس رداء أسود ووقف جنب الحيط!

فن التعليم

 هذه قصة قصيرة كيف تعلمت صغيرة في عمر الأربعة سنوات عن الفضاء، ومثلها الكثير من القصص في فن تعليم العلوم والرياضيات عن طريق اللعب والموسيقى والتمثيل ، فما أجمل العلم عندما يعطى بحب وإخلاص وليس تكديسًا وحشوًا، أتساءل دائمًا: لماذا لا تعطى العلوم بمثل هذه الطريقة في مدارس بلادنا العربية ؟، فهذا لا يحتاج تقنيات وتكنولوجيا عالية وشاشات ذكية وأموال وغير ذلك، بل يحتاج إلى إخلاص وحب من المعلم، يحتاج إلى إبداع وبحث في طريقة عرض فكرة موضوع علمي ما باستخدام مواد أولية بسيطة غير مكلفة و في متناول الجميع.

الروضة… بين بلادنا العربية وألمانيا

يصيبني الحزن عندما أرى نظام التعليم للأطفال الصغار في بلادنا العربية لعمر الروضة وكم الكتب التي تتبع مناهج أجنبية تتبارى في اقتنائها المدارس من أجل الشهرة والمال، ويؤلمني أن طفلًا في عمر الأربع سنوات يحمل همّ الدروس والواجبات والإمتحانات وحمل الكتب الثقيل على كتفيه.

أليس من الأجدر أن ننظر بعين الرأفة إلى هذه الطفولة الصغيرة التي تذبل من أجل أن نقول أن أطفالنا يكتبون ويقرأون ويحفظون وباللغة الإنجليزية، أليس من حقهم الاستمتاع في طفولتهم كما يجب؟ فما الذي يمنع أن نعلم هؤلاء الأطفال العلوم والرياضيات والإنجليزية وغيره بحب وبتميز وباستخدام طرق بسيطة مثل اللعب والتمثيل واستخدام مواد أولية موجودة حولنا من الطبيعة.

في ذلك نحن نغرس في تربة خصبة الكثير والكثير بدون إجهاد الطفل وننمي لديه حب الطبيعة ونفتح في عقله شغف المعرفة والبحث.

هل تعلمون أن الأطفال في عمر الروضة والصف الأول في ألمانيا يعلمون أسماء الأشجار والأعشاب وأسماء العصافير بأنواعها، استغرب جداً في أي رحلة مع أطفالي في غابة أو أي حديقة أنهم يشيرون إلى عشبة ما على حافة طريق ذاكرين إسمها، وهي بالنسبة لي صراحة إسمها ( حشائش )  والعصفور الفلاني الذي أقول عنه إنه فقط (عصفور ) يكون له إسم معين معروف ويشيرون عليه أيضًا بإسمه، حتى الحجارة والأتربة لها تصنيفات وأسماء،  وهذا كله لم يحفظوه ( بالصم ) من كتب المدرسة!

بل تعلموه من خلال اللعب والجولات الخارجية مع مربيات الروضة للعب والتعلم معاً: كأن تقول لهم وهي تشير إلى أبو الحناء: أنظروا يا أطفال ما أجمل ذقنه الأحمر! وبالتالي تلقائيًا يتخزن لدى الأطفال أن هذا الطائر يدعى أبو الحناء وله ذقن ريشي أحمر. 

علياء كيوان

طالبة دكتوراة في الأحياء الجزيئية وناشطة اجتماعية. مقيمة في ألمانيا، أم لثلاث أطفال، أعمل في بحوث السرطان، هوايتي الكتابة والقراءة، همي هو النهوض بالمرأة العربية في المجتمعات الأوروبية ويكون لها بصمة ومكانة، أسست مجلة المرأة العربية في ألمانيا وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى