تحقيقات زدني

عراقيون يحملون شهادات أجنبية: خريجون مع وقف التنفيذ!

على الرغم من مرور خمس  سنوات على حصوله  على درجة البكالوريوس في تخصص هندسة النّفط، إلا أن عائلة الطالب العراقي ”  حسن سلمان ”  لم تشعر أنّ ابنها الخريج بات فعلًا يحمل هذا المؤهل العلمي،  والذي ترفض وزارة التعليم العراقي الاعتراف به كونه صادرًا من جهة تعليمية لا تنتمي لمجموعة ” الجامعات الرصينة الموصى بها للدراسات في الخارج”

 الظروف الأمنية الصعبة التي عاشها العراق خلال سنتي 2006 و2007  دفعت  “حسن سلمان” إلى اختيار الدراسة الخارجية من خلال مكاتب التسهيلات والقبولات الدراسية المنتشرة في العاصمة العراقية  (بغداد)، حيث أعجبته فكرة التخصص في المجال النفطي وحصل على الفرصة في جامعة “خاركوف الأوكرانية”، وهناك أمضى أربع  سنوات عاد بعدها إلى وطنه لتبدأ مشكلته التي يصر على وصفها بالأزلية. 

 ويقول سلمان لــــ“شبكة زدني“: أنفقت وبدون جدوى أكثر من 24 ألف دولار في الأقساط الدراسية والسكن والتنقل والمعيشة في أوكرانيا، فضلًا عن سفرتين رجعت بهما لزيارة عائلتي في بغداد، التي تحملت جميع هذه التكاليف الباهظة بالنسبة لحالتها المادية المتوسطة “.

شهادات بلا قيمة 

 وأضاف سلمان : “المصيبة بدأت في أول مراجعة لدائرة العلاقات والبعثات الدراسية في وزارة التعليم العالي، حيث أخبروني أن هذه الجامعة ليست ضمن المؤسسات التعليمية الرصينة التي توصي بها الوزارة طلبتها الراغبين بالدراسة في الخارج وعلى نفقتهم الخاصة، وبالتالي لا يمكنهم منحي شهادة عراقية مطابقة للمؤهل العلمي الذي أحمله“. 

ويتابع سلمان : “إن صاحب مكتب التسهيلات والقبولات أكدّ لي قبل السفر أن الجامعة التي حصل فيها على الموافقة هي من المؤسسات العريقة والمعترف بها من وزارة التعليم العراقية وعرض علي وثائق ومراسلات رسمية تثبت صحة كلامه، وهو الأساس الذي اعتمدت عليه في قرار السفر والدراسة “. 

كثرة المراجعات لمقر البعثات والعلاقات مكنّت سلمان من تكوين صداقات مع عدد آخر من الطلبة الذين يحملون مشكلات مماثلة أو بتفاصيل مختلفة جزئيًا ، ومن هؤلاء “نهى طالب العميري “  التي حصل مُعِدُّ التحقيق على رقم هاتفها من سلمان وتعرّف منها على حالة “انسجام الخلفية العلمية“، ويعاني منها عدد كبير من الطلبة العراقيين الذين درسوا خارج البلد وفي تخصصات مختلفة عن الدراسة الأولية التي درسوها في العراق. 

وتوضح  “نهى العميري” إنها حصلت على شهادة الماجستير في تخصص العلاقات العامة من معهد البحوث والدراسات في القاهرة،  ولكنها فوجئت بعدم منحها المؤهل العراقي المعادل لشهادتها المصرية، بسبب أن دراستها في العراق كان بتخصص الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام. 

 وقالت العميري في حديث هاتفي مع “شبكة زدني“: إنّ المسألة غريبة تمامًا وغير مفهومة ففي الوقت الذي تضم كلية الإعلام العراقية تخصصات الإذاعة والصحافة والعلاقات جنبًا إلى جنب، فإنّ المسؤولين في وزارة التعليم العالي  يرون في دراستها للعلاقات في الخارج بأنه غير منسجم مع خلفيتها العلمية السابقة وهي شهادة البكالوريوس في الإذاعة والتلفزيون “. 

وتطالب الخريجة الشابة المسؤولين في وزارة التعليم بوضع حدّ لمعاناتها وخسائر عائلتها المالية التي تجاوزت الــ19 ألف دولار، أنفقتها ثمنًا للدراسة في القاهرة وعلى مدى ثلاث سنوات وبوجود والدها ووالدتها معها ، مضيفةً أن“حالتها النفسية تضررت بشكل كبير جراء التفكير في ضياع الوقت والجهد والمال في عمل لا فائدة منه“.

إعلانات مغرية وشهادات مريحة

 تعترف  “سهام خالد البياتي”  بأن الإعلانات المغرية التي كانت تشاهدها  في الشوارع الرئيسية  في بغداد،  حركت بداخلها حُبّ المكانة الاجتماعية المميزة  وشجعتها على دفع نفقات الدراسة بالكامل لولدها من أجل الحصول على شهادة الطب والتي تقول أنها “بقيت معلقة بنسخة أجنبية موشحة بشريط أسود حزين إلى جانب صور تخرج فوتوغرافية في صالون منزلها دون تصديق ومعادلة عراقية“. 

 الأم “البياتي” والتي تعمل في أحد مصارف القطاع الخاص،  تشرح لــــ“شبكة زدني” قصتها التي بدأت بإعلان شاهدته عن إمكانية دراسة الطب في أوكرانيا ودون الحاجة لشهادة السادس الإعدادي “البكالوريا” وقبول حتى طلبة الفرع الأدبي، مما شجعها على إرسال ولدها الطالب بعد إكمال مرحلة الخامس. 

 وتضيف البياتي أن ولدها التحق بكورس تعليم اللغة في أوكرانيا وتم تصنيفه كعام دراسي أول وبعدها أمضى 4 سنوات في جامعة التخصصات الطبية في مدينة “ايفانوفرانكوسك”،  تخرج  بعدها حاملاً شهادة البكالوريوس في طب الأطفال ولكن فرحتهم لم تكتمل لأن الجامعة غير معترف بها ولا يمكن معادلة شهادتها في العراق”. 

 وإذا كانت والدة الدكتور تجرعت خسارة هذه النفقات والجهود والوقت وخيبة الأمل التي لحقت بها جراء عدم الاعتراف بشهادة ابنها، إلا أنها لم تعد تستطيع تحمل المزيد من كلمات السخرية والتهكم من قريباتها وزملائها في العمل بخصوص شهادة ابنها التي لا زالت مادة دسمة لهم لمزيد من الاستهزاء والشماتة، على حد قولها.

 معايير اعتراف العراق بالجامعات الأجنبية

وزارة التعليم العالي العراقية أنهت في مطلع شهر آب / أغسطس الماضي عملية التحديث الأخير لدليل الجامعات الموصى بها ” المعترف بها رسمياً ” مؤكدة على اعتماد التصنيفات العالمية في عملية الاختيار.

ولخصت الوزارة في تعميم صحفي حصلت “شبكة زدني”  على نسخة منه أبرز المعايير التي اعتمدتها في اختيار الجامعة، ومنها مدى التسهيلات الإدارية التى تقدمها الجامعة والبلد المضيف لها للطلبة العراقيين الدارسين هناك، ومعيار علمي يتضمن عراقة الجامعة و تاريخ تأسيسها، ونسب الأساتذة الى إجمالي الطلبة وترتيب الجامعات في التصانيف الدولية للجامعات.

 ولفتت الوزارة إلى أنها اعتمدت معيار أمني وتم وفقه استبعاد بعض الجامعات في بعض الدول من الدليل المحدث لسوء الأوضاع الأمنية التي تمر بها بعض المناطق في تلك الجامعات، واستبدالها بجامعات موجودة في مناطق أخرى آمنة، فضلًا عن تطبيق المعيار الاقتصادي حيث يؤخد بنظر الاعتبار تكاليف المعيشة ومستوى التضخم بعض المعايير الاجتماعية الأخرى كالمعيار الديموغرافي (الجغرافي السكاني) ومعيار البيئة المحيطة والذي له تأثير مباشر غير مباشر على المستوى المعاشي للطالب.

حلول جزئية

الدكتور صلاح فوزي العبيدي عمل في “لجنة تقييم ومعادلة الشهادات” التابعة لوزارة التعليم العالي العراقية يؤكد قيامهم بالكثير من الخطوات في سبيل حل هذه المشاكل ومنها إحالة خريجي الجامعات الأجنبية غير المعترف بها إلى لجان متخصصة في جامعة بغداد، وقامت  اللجنة بإجراء اختبار نهائي لحملة هذه الشهادات، و ضمن المناهج العراقية وتم منح الناجحين شهادات عراقية معادلة لما حصلوا عليه من تلك الجامعات.

ويشير العبيدي في تصريح لــــ “شبكة زدني“: إن هذا الإجراء تم تطبيقه في الشهادات الأولية بينما تم تحويل الشهادات العليا إلى فريق خبراء لدراستها وتقييمها وتم تطوير هذا الإجراء لاحقًا إلى أسلوب إعادة المناقشة للطالب الحاصل على شهادة عليا في جامعات أجنبية غير موصى بها، مبينًا أن هذه الخطوات كانت يتم العمل بها سابقًا وتماشيًا مع الظروف الأمنية القاسية التي عاشها العراق، وظروف عدم الاستقرار التي واجهتها الكثير من العوائل العراقية.

وبخصوص مشكلة عدم انسجام الخلفية العلمية أو انعدام التطابق في التخصص بين الدراسة الأولية والعليا، يوجّه الدكتور العبيدي الطلبة الذين يعانون منها بتقديم طلباتهم إلى دائرة العلاقات والبعثات، والتي تحيلها بدورها إلى لجنة الخبراء والذين يقومون برفع تقرير بالحالة إلى المختصين، وفي مقدمتهم  وزير التعليم في سبيل الحصول على الاستثناء من أجل الموافقة على طلباتهم وتمرير شهاداتهم.

 ومع إقراره بأن جميع هذه الحلول تبقى جزئية وغير شاملة لعموم المشكلة، فإن الدكتور العبيدي يحمل الطالب مسؤولية عدم التأكد من صلاحية هذه الجامعة الأجنبية أو تلك عند التقديم للدراسة في الخارج، مشيرًا إلى أن العديد من مكاتب القبولات والتسهيلات الدراسية يمارسون عمليات الاحتيال والتضليل بحق الطلبة من أجل الكسب المادي، داعيًا الطلبة إلى التعامل مع الوزارة والقنوات الرسمية الخاصة بهذا المجال وعدم اللجوء إلى هذه المكاتب.

البيروقراطية تدفع بالطلبة نحو المحتالين

يتفق صاحب ” مكتب ابن حيان للقبولات الدولية” ومقره في شارع الكندي بمنطقة الحارثية غربي بغداد السيد  “براء جبار الشمري” جزئيًا مع كلام المسؤول في وزارة التعليم  بخصوص وجود محتالين يمارسون عمليات غش وتضليل بحق الطلبة، ولكنه يرى أن الإجراءات الروتينية والخطوات البيروقراطية هي التي تدفع بالطالب نحو مكاتب القبولات والتسهيلات الدراسية في الخارج.

ويوضح الشمري أنه في الوقت الذي تكتفي الجهات الرسمية بفتح الملف الدراسي للطالب بعد الحصول على القبول في الجامعات الأجنبية وفي خطوات بطيئة تختلف نهائيًا عن مكتب القبولات، الذي يؤمن المقعد الدراسي والموافقات الرسمية وتأشيرة السفر والتذاكر، وبعضها يوفر خدمة الاستقبال في المطار وتأمين السكن ومتابعة حالة الطالب المستمرة وصولًا إلى يوم التخرج “.

ويضيف صاحب المكتب الدراسي في حديث مع “شبكة زدني” أن الطالب الراغب بالدراسة الخارجية يجب أن يكون على درجة من الوعي تمكنه من تمييز حالات التلاعب والغش، وذلك في خطوة أولى تتمثل بمتابعة قائمة الجامعات والمؤسسات التعليمة المعترف بها داخل العراق والصادرة من وزارة التعليم العالي، محذرًا من تصديق الحجج المكررة بأن الجامعة الفلانية قامت بتغيير معاييرها وستدخل ضمن القائمة خلال هذه السنة، أو أن هناك قرارًا رسميًا في طور الإعداد ينص على الاعتراف بها “.

ولتجنب الوقوع في فخ “المكاتب الوهمية” وحيلها، فإن الشمري يدعو جميع الطلبة العازمين على الدراسة الخارجية بعدم وضع ثقتهم بأي وثيقة أو نشرة تتحدث عن الاعتراف بالجامعات الأجنبية باستثناء الرسمية الصادرة من وزارة التعليم العالي العراقية، محذرًا من طريقة استيفاء دفعات مالية قبل المباشرة بالإجراءات لأن هناك مكاتب تقوم بتجميع مبالغ ضخمة من هذه الطريقة، وتقوم بردها بشكل أقساط إلى الطلبة بعد فشلها في تأمين المقاعد الدراسية، وتكون بهذا قد استفادت من المدة الزمنية في تشغيل هذه الأموال في مجالات أخرى.

أموال كثيرة من تجارة الشهادات

في ذات المكتب الواقع في ضاحية الحارثية،  يتواجد وبشكل يومي الشاب  “سلام الزهيري ” ويتولى منذ 3 سنوات مهام التنسيق مع الدوائر الحكومية، ومراجعة السفارات والممثليات وحجز التذاكر واستكمال الأوراق المطلوبة لسفر أي طالب يرغب  في الدراسة الخارجية.

ويبين الزهيري لــــ “شبكة زدني” أن العاصمة بغداد وحدها باتت تحتوي على أكثر من 80 مكتبًا وشركةً، يمارسون عمليات توفير القبولات الدراسية في الخارج ويديرون تجارة يقدر رأس مالها بملايين الدولارات في العام الدراسي الواحد، مستدركًا بأن عمليات النصب والاحتيال واردة ويمكن تنفيذها بسهولة مع مخاطر قليلة.

ويتابع الشاب الزهيري أن قلة الضوابط الرسمية والمتابعة الضعيفة توفر للمحتال بيئة مناسبة لتأسيس مكتب قبولات دراسية لن يكلفه  سوى شقة مستأجرة وأثاث، وعدد قليل من الشباب الأنيق الوسيم الباسم ، مع مجموعة ضخمة من الإعلانات المعلقة بقرب المدارس الثانوية والمؤسسات التعليمية وشبكة من العناصر الذين يبثون أخبارًا وحكايات تشيد بتاريخ وعمل الشركة المستحدثة.

ويضيف محدثنا إلى أن المحتال يمكنه تصفية كل هذه الأشياء في يوم واحد، والفرار مع غنيمة ضخمة من الأموال الحرام، وهنا يشدد على ضرورة التفريق بين هذا النوع من المكاتب والأخرى التي سبق للمعارف أن تعاملوا معها وحصلوا على نتائج إيجابية منها، أو التي لا تتقاضى أية مبالغ أو دفعات مقدمة، وتبدأ القبض بعد الحصول على حجز المقعد الدراسي، ويشرف عليها أشخاص من ذوي السمعة الطيبة والمعروفين في الأوساط الأكاديمية.

حلول مقترحة للمشكلة

يستغرب أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية “حكومية ” راضي رشيد الجبوري من الإصرار على الالتحاق بجامعات غير رصينة في وقت تعترف وزارة التعليم العالي بأكثر من 1500 جامعة تتوزع بين 57 دولة في القارات الخمس، وتحتوي على جميع التخصصات التي يرغب بها الطالب في حال اختيار طريق الدراسة الخارجية.

ويدعو الجبوري في حديث لــــ “شبكة زدني” جميع الطلبة الراغبين بالدراسة الخارجية إلى القيام بأول خطوة وهي مطالعة “دليل الجامعات الموصى بها” الصادر عن وزارة التعليم العالي، للتأكد من  احتوائه على اسم الجامعة الراغب بالدراسة فيها، وهو متوفر على شبكة الإنترنت ومن ثم زيارة دائرة البعثات والعلاقات، هي المؤسسة المعنية بهذا الموضوع للزيادة في الاطمئنان وبعدها يمكن المباشرة بالإجراءات الخاصة بالحصول على المقعد الدراسي من الجامعات الأجنبية.

ويؤكد الجبوري أن عدم الاعتراف الحالي بالجامعة الفلانية ليس نهاية المطاف بالنسبة للشهادة الصادرة منها، متابعًا أن معظم هذا الجامعات تعمل على تحسين المعايير الدراسية وتقوم بتطويرها المستمر من أجل ملائمة الضوابط المطلوبة في باقي دول العالم وخصوصًا تلك التي تشكل النسبة الأكبر من طلبتها الأجانب.

ويواصل الجبوري كلامه بالقول أن هذا التطوير ربما يستوفي شروط وضوابط وزارة التعليم وبالتالي تدخل هذه الجامعة  في دليل الجامعات الموصى بها ويتم الاعتراف بشهادتها، أو يتم اللجوء إلى طريقة تقديم الطلب الجماعي من قبل مجموعة طلبة يعانون من المشكلة ذاتها، وفي هذه الحالة سيتم دراسة الطلب من قبل لجنة مختصة، ويحال بعدها إلى المرجعيات الوظيفية العليا ومن ضمنها الوزير للحصول على جواب بخصوصها.

زر الذهاب إلى الأعلى