تحقيقات زدني

عمليات قتل وتهجير ممنهج تعرضت لها الكفاءات العلمية في العراق

تعرضت الكفاءات العلمية في العراق إلى أكبر حملة تصفيات منذ الغزو الأمريكي للعراق، حيث تمتْ تصفية المئات من أكبر الكفاءات والقدرات العلمية من قِبل جهات مجهولة، إضافة إلى مغادرة الآلاف إلى دول العالم المختلفة حفاظًا على حياتهم وهو ما أثر بالسوء على حركة الحياة العلمية في العراق وأوقف عجلة التعلم فيه، وتكمن وراء تصفية واغتيال الكفاءات العلمية إضافة إلى تهجيرهم من العراق أهداف ودوافع عدة، وإن كانت معظم الاغتيالات التي حصلت هي مجهولة، ولم يعرف دوافعها، وسجلت ضد مجهول.

المقدم في وزارة الداخلية العراقية أحمد علي في حديث له مع “زدني” قال فيه: “تعرض الكثير من أساتذة الجامعات والأطباء العراقيون إلى حملات اغتيالات بعد الغزو الأمريكي للعراق، وأضاف أن السنة الأولى من الاحتلال شهدت أكبر حملة تصفيات للكفاءات العلمية، حيث تم تسجيل أكثر من ٢٥٠ حالة اغتيال، شملت أساتذة جامعيين وأطباء وخبراء من مختلف الاختصاصات”، مبينًا أن هذا العدد بدأ بالتراجع بعد السنة الأولى والثانية من الاحتلال بسبب هجرة أغلب الكفاءات العلمية ومغادرتها للعراق، وأشار إلى أن هناك أسبابًا ودوافع عدة كانت وراء عمليات التصفية، منها أسباب سياسية وحزبية، ومنها طائفية وعشائرية، غير أن أغلب العمليات التي كانت هي ذات أسباب مجهولة، وقد تم تسجيلها في سجلات الوزارة ضد مجهول، لعدم توصلنا إلى معرفة الأسباب التي تكمن وراء تلك العمليات التي تستهدف الطبقة العلمية من العراق حصرًا.

أما مجلس الاستشاريين العراقيين فأصدر إحصائية تضمنت أعداد الأطباء الذين اغتيلوا وهُجِّروا من العراق منذ الغزو الأمريكي للعراق وجاء في تقرير المجلس كان عدد الأطباء في العراق قبل الاحتلال 34000، فيما بلغ عدد الأطباء الذين خرجوا من العراق منذ بدء الاحتلال نتيجة التهديد 20000، وجاء في التقرير أن عدد الأطباء الذين قتلوا منذ بدء الاحتلال 2000 طبيبًا وهي نسبة الأطباء الذين قتلوا من العدد الموجود داخل العراق %14، وهي تمثل طبيب واحد من كل سبعة أطباء.

ويمكن حصر الأسباب والدوافع التي تقف وراء تصفية وهجرة الكفاءات والقدرات العلمية في العراق إلى عدة أمور، وأهمها هي:

أسباب مجهولة

الدكتور محمد الدليمي بحديث مع شبكة زدني قال فيه: “تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال منذ الغزو الأمريكي للعراق، وكان آخرها إصابتي بطلق ناري في صدري مكثت بسببها أسابيع في المستشفى”، وأضاف: “اضطررتُ إلى ترك العراق والسفر إلى أوربا حفاظًا على حياتي بعد نجاتي من محاولة الاغتيال الأخيرة، مبينًا أنه لا يعرف الأسباب التي دعت تلك المجاميع إلى استهدافه ومحاولة قتله هو مجموعة كبيرة من الكفاءات والقدرات العلمية في العراق، مضيفًا أن الكثير من أصدقائه وزملائه تم تصفيتهم في العراق خلال السنوات الماضية دون معرفة الأسباب، وأشار أن هناك مخططًا تم رسمه منذ الغزو الأمريكي يهدف إلى إفراغ العراق من العقول العلمية من خلال قتلهم أو تهجيرهم خارج العراق، من أجل إبقاء العراق غارقًا في مستنقع الجهل والتخلف.

وقالت رابطة المدرسين الجامعيين العراقيين التي تأسست بعد احتلال العراق في إحصائية نشرتها في بغداد إن 250 أستاذًا قضوا برصاص الاغتيال والانتقام والتصفيات الجسدية خلال الستة عشر شهرًا الأولى بعد الاحتلال حيث شملت حملة الاغتيالات أساتذة من مختلف الاختصاصات. وهذا يدل بشكل واضح على وجود مخطط لتصفية العقول العراقية ومنهم استهداف الأطباء وأساتذة الجامعات وأصحاب الكفاءات العلمية بنحو استثنائي؛ حيث تم اغتيال عشرات الأطباء العراقيين الذين يعدون من خيرة الأطباء في العالم في مجالات اختصاصهم، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى الهروب خارج العراق، وخاصة بعد تفاقم ظاهرة خطف الأطباء ومساومتهم على فدية مالية كبيرة. وأشارت إحصائية رابطة المدرسين إلى أن الآلاف من الأطباء وأصحاب الكفاءات العلمية غادروا العراق هربا من الموت أو الخطف.

أسباب وأهداف سياسية

وبحديث آخر لشبكة زدني يقول الدكتور عبدالله محمد أنه تعرض لتهديدات ومحاولات لاغتياله لأسباب قال إنها تبين فيما بعد أنها سياسية، مبينًا هو ومجموعة من الأساتذة والأطباء كانوا ينوون تشكيل تكتل سياسي لدخول الانتخابات، وتخليص العراق من مأزقه السياسي، غير أن هذا التكتل لم يرَ النور بسبب قتل الكثير من أعضائه ومؤسسيه إضافة إلى تهجير الكثير منهم، مبينًا أنه يراد من هذه العمليات بقاء العراق بيد اللصوص والسراق وعدم السماح لأي كفاءة علمية الوصول مراكز السلطة وإنقاذ العراق؛ لكون هذا الأمر يؤثر على مصالح الأحزاب الفاسدة في السلطة على حد قوله.

أسباب طائفية

بعد سقوط النظام السابق بدأت موجة جديدة تنتشر من عمليات القتل الطائفي والعراقي؛ حيث جرت عمليات قتل واغتيال وتصفيات وحشية لرجال دين وعلماء ومفكرين وأطباء ومثقفين وإعلاميين لأسباب طائفية ومذهبية، حيث تعرض الكثير من الأساتذة والعلماء العراقيين إلى عمليات قتل على الهوية بسبب انتمائهم إلى مذهب معين، فبعد اندلاع الحرب الأهلية في العراق منذ العام ٢٠٠٦ تفرغت فرق وعصابات مسلحة لاستهداف العلماء والمفكرين العراقيين بينهم أساتذة جامعيون وأطباء على أسس طائفية ومذهبية، إضافة إلى قتل الكثير من علماء الدين وخطباء المساجد.

أسباب عشائرية

تعتبر القبيلة والعشيرة هي الفيصل في البت بكثير من قضايا المجتمع العراقي في كثير من المحافظات العراقية، حيث لا وجود للقانون في تلك المحافظات، ولا تستطيع أجهزة الأمن الحكومية أن تعتقل شخصًا ينتمي لقبيلة ما، بسبب ضعف تلك الأجهزة وسيطرة الأعراف والتقاليد العشائرية على تلك المدن والمحافظات.

الدكتور علي حسين يقول إنه اضطر إلى دفع فدية مالية بعد تهديده بالقتل من قبل إحدى العشائر بسبب فشله بإنقاذ حياة شخص تعرض لحادث سير، مبينًا بعد دخوله غرفة العمليات حيث كانت إصابته في الدماغ لم نستطع إنقاذ حياته؛ الأمر الذي أدى إلى وفاته، مضيفًا أن عشيرة المتوفى قد حملته مسؤولية وفاته؛ ما جعلهم يفرضون عليه مبلغًا من المال أو سيقومون بقتله ثأرًا لابنهم الراحل، وأشار أن هناك عملياتِ قتل تعرض لها أطباء وممرضون بسبب عدم مقدرتهم إنقاذ حياة أشخاص ينتمون لعشائر معينة، إضافة إلى مصادرة منازلهم وعقاراتهم من قبل تلك العشائر، مع عجز الحكومة العراقية عن حماية هؤلاء الأطباء وفرض القانون على جميع شرائح المجتمع العراقي.

أسباب مادية

عمد كثير من العصابات والجماعات المسلحة إلى تمويل أنفسها عن طريق عمليات الاختطاف والسطو المسلح على البنوك والمحال التجارية في العراق، التي لا تزال ناشطة حتى الآن، ولعل أبرز ضحايا الخطف والابتزاز هم طبقة الأساتذة الجامعيون والأطباء، وقد تعرض الكثير منهم إلى القتل بعد اختطافهم من قبل تلك الجماعات.

ويروي الأستاذ صالح محمود قصته بعد اختطافه لأكثر من مرة من قبل عصابات في العاصمة بغداد، يقول الأستاذ صالح أنه تعرض للخطف من قبل جماعة مسلحة طلبوا من خلالها دفع مبلغ أربعين ألف دولار مقابل إطلاق سراحي، مبينًا أنه بعد دفع المبلغ تم إطلاق سراحه بالفعل، لكنه قد تعرض للاختطاف مرة ثانية من قبل عصابة أخرى، وقد طلبوا منه مبلغًا ماليًا خمسة وعشرون ألف دولار، وأنه قام بدفع المبلغ وحال إطلاق سراحه قام بمغادرة العراق حفاظًا على حياته، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من الأساتذة تم قتلهم لأنهم لا يملكون مثل هذه المبالغ، إضافة لعدم كشفهم تلك العصابات حيث تتم تصفيتهم، وأن قاموا بدفع المبلغ.

الأضرار الناتجة عن هجرة الكفاءات

يُعتبر العراق من أكثر الدول تضررًا جراء هجرة كفاءاته العلمية؛ فبلد نامٍ كالعراق، وبتَعداد ساكني مرتفع فهو يحتاج إلى الكثير من الخبرات والكفاءات العلمية من أجل النهوض بواقعه المتردي، فهجرة هذه العقول تعتبر من أكثر الأسباب الرامية إلى تدمير المستقبل العلمي في العراق، فتهيئة الكوادر العلمية في بلد ما تحتاج إلى سنوات من العمل والتخطيط والبعثات إلى دول العالم المختلفة، فبلد مثل العراق قد خسر حصاد أربعين عامًا من العمل والتخطيط وإرسال بعثات دراسية إلى الخارج من أجل النهوض بالواقع العلمي والصحي فيه.

وبحسب متابعين تم تصفية وتهجير معظم هذه العقول التي استغرق بناؤها أربعة عقود، الأمر الذي أرجع العراق إلى نقطة الصفر، ومع غياب التخطيط الحكومي وعدم وضع برنامج من شأنه أن يعيد العقول المهاجرة، سيبقى العراق غارقًا في مستنقع الجهل والتخلف لسنين آخر ما لم تعمل الحكومة العراقية بإيجاد برنامج وحلول تنهي المأساة التي يتعرض لها العلماء العراقيون، وتعيد من هاجر منهم.

عمر الجبوري

عمر الجبوري كاتب ومراسل صحفي من مدينة الموصل ، اعمل بعدد من الصحف والوكالات العربية والعالمية ، تولد 1987 لدي مئات المقاﻻت والتقارير الصحفية خصوصاً في جريدة القدس العربي والعربي الجديد.
Back to top button