غرفة العناية المركزة!
حين يذكر اسم “غرفة العناية المركزة” يأتي بمخيلتك لأول وهلة تلك الغرفة التي توجد في مكان مخصص بالمستشفى، ومسؤول عنها طبيب متخصص في رعاية المريض صحيًا ومتابعة حالته وتطوراتها سواء للأحسن أو للأسوأ ويلزم عليه إعطائه المقويات المناسبة، والعلاج في الوقت المحدد له وذلك لتحسين حالته وجعلها في أفضل حال؛ ولا قدر الله أصيب المريض بمضاعفات نتيجة لخلل بالمتابعة أو إهمال من الطبيب المسؤول –في الظروف الطبيعية- فإنه على الفور يخضع إلى التحقيق الإداري؛ ومن ثمَّ التحويل إلى القضاء بتهمة القتل –تهمة جنائية- وتوقع عليه العقوبات التي يقررها القانون سواء السجن أو الغرامة المالية أو كلاهما، وفي أبسط أحوالها تكون إيقاف إجباري للطبيب من مزاولة أي نشاط طبي للأبد.
هذا بالضبط أشبه بما يحدث داخل أروقة المؤسسات التعليمية مع الاختلاف التام في الإجراءات المتخذة تجاه كلا الأمرين .. فما يحدث هو أن الفصل الدراسي وبالأخص الفصل المدرسي في مراحل التعليم الأولى التي يؤسس فيها الطالب في العديد من أمور الحياة التعليمية وغيرها.
تحتوي الفصول المدرسية على عدد من التلاميذ، أو بمعنى أدق عدد من العقول الخام، والأدمغة التي بحاجة ماسة إلى عناية فائقة، وتأهيل صحيح لتنضج عقولاً واعية فاهمة، يتحكم في تلك العقول والأدمغة ذلك “المعلم” الذي بإمكانه النهوض بعقول هؤلاء التلاميذ واعطائهم ما يلزم عقولهم حسب المرحلة العمرية التي يمرون بها حتى تنضج ويصبحوا أسوياء.
أو الحالة الشائعة والتي أخص بها هذا المقال وهي أن يقوم المعلم مدركًا أو غير مدرك بالعبث بعقول الطلاب ويصل الحال إلى تخريب عقول جيل بأكمله بجهله بالأمور التربوية الأساسية والهامة في مرحلة التعليم الأساسي، وتهاون الوزارة – التربية والتعليم- في شروط الالتحاق بمهنة التعليم تجعلنا أمام أحداث يومية تشبه بعضها من أخطاء ناجمة عن جهل المعلم وتتعدد أمثلة ذلك الجهل الذي ندفع ثمنه أجيالاً وأجيال مثل التعليم عن طريق التلقين والحفظ وإلغاء وظيفة المخ الأساسية في التفكير الابداعي واستنتاج الأجوبة بعقله الذي ميزنا الله به عن باقي مخلوقاته، وأيضًا الكل يعلم أن العملية التعلمية أصبحت الآن عملية تحاورية بين المعلم والمتعلم وذلك للوصول إلى نتيجة معينة في آخر الدرس، ولكن ما يحدث هو أن بعض المعلمين يقعون في كثير من الأخطاء أثناء تحاورهم مع تلاميذهم ومن بين هذه الأخطاء هي (إتباع نمط معين من الأسئلة – عدم وجود عدالة في توزيع الأجوبة – عدم اختيار الوقت المناسب لطرح السؤال – الصياغة الغامضة للسؤال وتشعبه لمطالب كثيرة – قبول الإجابات باللغة الخاطئة والتهاون فيها- قبول الإجابات التي لا تكون على قدر السؤال – قبول الإجابات المبتورة – عدم التصرف بالشكل السليم في المواقف التي تحدث مع الطلاب لعدم إلمامه بها – عدم تنويع الأسئلة مما يجعل التلميذ يحجم عن الجواب – عدم مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ – الالتزام بطريقة تدريس واحدة في جميع الدروس – الاعتقاد السائد أن العقاب هو الطريقة المثلى للتحصيل العلمي – عدم إعادة شرح الدرس الغير مفهوم – حالات الغضب والعصبية الدائمين عند البعض – عدم تفريغ السبورة كليًا من النشاطات السابقة – التساهل مع التلاميذ وعدم ضبط الصف – طريقة التلقين والشرح الممل – عدم المحافظة على حق الأخوة وسمعة الزمالة أمام التلاميذ-…إلخ).
والكثير من الأخطاء الناجمة وبشكل أساسي عن عدم تأهيل للمعلمين وخاصة المبتدأين منهم على الأساليب التربية الصحيحة لإنتاج الطالب الناجح.
وما يحدث داخل الفصول المدرسية بمثابة جريمة قتل مكتملة الأركان من قبل معلم جاهل بمهام مهنته النبيلة التي هي وسام شرف على صدر مؤديها على أكمل وجه.
وما يحدث كرد فعل لما سميته -غير مبالغة في الأمر- “جريمة قتل” في هذه الحالة ليس الإحالة إلى التحقيق الإداري أو القضاء الجنائي كما يحدث مع الطبيب الذي أودى بحياة مريض نتيجة لإهماله بل يظل المعلم مستمرًا في أدائه للوظيفة بطريقته الخاطئة التي لا ينتج عنها سوى أجيال مدمرة ومقتولة فكريًا وكل عام يُخرج جيلاً جديدًا بنفس مواصفات الخيبة والفشل ولا محاسب ولا رقيب على العملية التعليمية كما هو الحال في “غرفة العناية المركزة”.