رأي زدني

فساد الباحث العلمي

خذ نفسًا عميقًا، فبإمكانك أن تعيش معنا الصدمة لو سمحت ? لا لكي ننصدم ونفغر فاهنا، بل لنعيد بناء أنفسنا من جديد بصدق العلم وأمانته.
ليس مهمًا حجم الكذب والتدليس والتغرير بالناس، وادعاء العلم والنجاح به والصعود على أكتافه، فموضة البحث عن الشهرة والمال سيطرت على كل شيء، حتى على العلم وأبحاثه، فانتزعت العلم والأخلاق معًا من جوف صدورنا وأكاديميات البحث العلمي… فَعَرَّتنا حتى الرمق الأخير . إنما المهم أن نستعيد الثقة بالباحث العلمي وإنجازه، ولن نفعل ولن نستطيع أن نفعل قبل أن نعرف حجم كذب السارق والمدلس وندق ناقوس الخطر، ويعلم الجميع أننا منتبهون ولسنا بغافلين.

هناك صورة مع أميرة أو ملكة أتملق بها للناس لأقنعهم أنني باحث علمي، وهنا أنا في عقر دار وكالة الفضاء ناسا، هكذا وفجأة، وبينهما لقد رُشحت لجائزة نوبل، أيضًا هكذا وفجأة، وفوقهما لقد دعمتني حكومة ألمانيا بنصف مليون لاختراعي بدلًا من دعم بروفيسوري المشرف على مجموعتنا البحثية، هكذا وفجأة، ربما أصبح سواد عيون العرب مغريًا جدًا، وقناة عربية مشهورة أو غير مشهورة يقوم عليها مدلسون آخرون هدفهم نجاح برامجهم يأتون بالمدلسين من الباحثين العلميين، بلا أي تورع من بيان أو أدلة، وبين المدلسين العلميين الذين يسوّقون أنفسهم والمدلسين الإعلاميين الذين يسوّقون برامجهم، ضاع العلم بين العرب ونجى الذين يعرفون كيف يسوقون أنفسهم بالكذب والتدليس من كل صوب، فغدونا في الحضيض أفقر وأحط1 وبين التدليس بالحجم الأكبر والتدليس بالحجم الأصغر: شهادة دكتوراه مسروقة!! شهادة ماجستير خلال أربعة أشهر من موقع معتمد من كامبردج!! اختراع عربي طبي يُفضي لقتل الناس والتسويق للحاكم..ونظريات وفرضيات وأبحاث ليست بالأبحاث تسجل برشوة!

وزدني تفتح الباب على كل هذا لا يعنيها الأشخاص ولا تعنيها الأسماء، وليسوا في نطاقها، وليسوا مهمين عندها، فمهمتها أرفع من ذاك ومنهم؛ فهي تسلط الضوء على فساد الباحث العربي أينما وجد لتقول كفى، وكفى هذه لا يقوم بها أحد سوى وعي المجتمع بما يحصل حوله.

فالبحث العلمي من المفترض أنه مُقدس يقوم به أخلص الناس، لخدمة مجتمعاتهم والإنسانية، أما المدلسون فإنهم الكارثة الوطنية والقومية والعالمية وعلينا أن نقف لهم بالمرصاد.

وفي قضية شهر شباط المعنونة بـ”فساد الباحث العلمي” تأتينا المقالات متوالية، فبحسب مقال “علماء بلا أخلاق: كيف يتلاعبون بالعلم؟” لعمر عاصي – ألمانيا، لم يعد السارقون يخفون سرقتهم، فقد غدت الدكتوراه للبيع، اذ يقول :”بالنسبة للدكتوراه، يكفيك أن تدخل إلى أي مُحرك بحث وتكتب “دكتوراه للبيع” لتجد وابلًا من العروض مع أرقام للتواصل بشكل علني. وبحسب موقع الأهرام فإن تكاليف شراء لقب “دكتور” في مصر يصل إلى حوالي 3500 دولار فقط، ويُمكن الحصول عليه بعد الثانوية العامة بثلاثة أشهر فقط!” هذا عدا اختراع المخترعين المزيف والتلاعب بالعلم، وهو يستشهد بمقالة الباحث السويسري بونو فراي ونتائج وما يقوله عن الضغوط التيتمارس  على الباحث العلمي أحيانًا مما يُحدث خللًا في كل مكان، ”وبالتالي لم يعد من الصعب أن توجد حقائق علمية مزيفة في مجلّات علميّة مثل Nature أو Science.”
وهنا حيث كان الطبيب العربي يتحدث وعلى قناة عربية مشهورة وكان كاذبًا، ما الذي تريد أن تقوله لنا الباحثة العلمية د. علياء كيوان – ألمانيا في مقالها الفساد العلمي بالألوان، عندما توجهت لعيادة هذا الطبيب وبفطنتها أدركت كذبه: ” جلست إلى مكتبه وطلبت منه توضيحًا للتقنية العلاجية التي يتبعها وإن كان لديه براءة اختراع أو أوراق بحثية منشورة عالميًا، وقد قلت له بصراحة إنني بحثت عن اسمك في أغلب قواعد البيانات العالمية…. “وتكمل مع د. علياء لتفهم أشياء لم تكن لتفهمها عن طبيعة الهيكل العام لكل مجموعة علمية، حتى لا يسهل خداعنا :”معلومة مهمة لا بد أن نعرفها وهي أن مدير المجموعة البحثية وعدد من علمائه هم من يحق لهم تقديم طلب الدعم من المؤسسات الكبيرة وليس الطلاب، فطالب الدكتوراة عادة بعد حصوله على نتائج بإمكانه التقديم لـ Prize لتدعيم بحثه ولا تتجاوز عادة الـ 10000 يور.”
أما الكاتبة هدى النمر -مصر، فتبين في مقالها: ” ظاهرة السرقة العلمية بين المبتعثين الأجانب: بواعثها وعواقبها وتجنبها” ماهية السرقة العلمية، أسبابها، وكيفية تجنبها خاصة لأولئك الذين لا يعلمون أنهم باقتباساتهم دون ذكر المصادر في عداد السارقين: ”وفي إذاعة “مينيسوتا” العامة، تم رصد طالب عربي، وقد قام بنقل فقرة كاملة على أنه هو صاحب الكلام. وعندما تمت مواجهته، بالأمر أجاب بعفوية: “أقسم أنني لم أكن أعرف [أنها سرقة منكرة]، ثم إنها مجرد فقرة، ولم أظن أنها قد تشكل أي فرق”. وطبعًا بالنسبة لمعايير الكليات الأمريكية، فإن هذا التصرف يعتبر جريمة أكاديمية يعاقب عليها القانون هناك”.

وفي مقالها المترجم بتصرف “الباحثون الأجانب في الغرب، وتزوير الدرجات العلمية!” توضح تسنيم النمر – مصر، تساؤل الكاتب عن أسباب الصمت على التزوير الحاصل من الطلبة الوافدين على الجامعات الغربية ويوضح بعض الأسباب فإذا كان من الأسباب الرئيسية للتزوير :”1- تزود الجهات العلمية القومية الكثير من الطلبة المبتعثين، بدرجات عالية وتقديرات وهمية، من أجل رفع نسبة فرص قبولهم في الخارج.”
“فإن الكثير من الاحصائيات دلت على أن عددًا كبيرًا من الطلبة الأجانب، مستعدون لدفع مبالغ طائلة، للدخول لجامعات مرموقة حول العالم، وقد يصل المبلغ لـ 60.000 دولار” وهذا ما يستدعي أحيانهم قبولهم.
أما الكاتب محمود ماهر – مصر في مقاله لماذا يذهب الباحثون العرب إلى الدول الغربية؟”، فهو يبين بالأرقام أن نسبة تمويل الأبحاث العلمية في الوطن العربي مجتمعة لا تتجاوز 0.2% في الألف من التمويل في الدول المتقدمة. فيحدثنا حينئذ من ثم عن هجرة العقول العربية الصادقة: ولذلك يهاجر باحث علمي صادق مثل نور الدين ميليكشي وهو اليوم :”واحد من 300 عالم في أنحاء الولايات المتحدة يعملون في مهمة مختبر علوم التاريخ الذي أشرف علي هبوط المسبار “كيوريوسيتي” على سطح المريخ بنجاح، بالإضافة إلى عدة مشاريع بحثية أخرى“. وفي هذا الصدد يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنه عند نهاية القرن العشرين سيوجد أكثر من مليون مهني عربي يعملون في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وهي المنظمة التي تضم دولًا مثل النمسا وبلجيكا وكندا وإسبانيا وألمانيا واليونان والعديد من الدول الأخرى في كافة بقاع الأرض.

“ومن الجزائر حيث كان الدكتور ميلكيشي الباحث الحر الذي هرب بعقله وأخلاقه للغرب والذي استطاعت الولايات المتحدة تقدير كفاءته تقديرًا لأبحاثه حيث أصبح اليوم نائب رئيس قسم الأبحاث في جامعة ولاية ديلاوير، والمؤسس والمدير التقني لمركز البصريات التطبيقية”
من بلد كالجزائر هذه تأتي تحقيقات زدني لتُبين كيف ترزح بجامعاتها تحت نير التزييف والسرقات العلمية، وإنما تعرض تحقيقات زدني هذا الجانب السلبي كنموذج على محطات جامعية عربية أخرى، كما يقف فيها أساتذة مخلصون كأستاذ القانون أحمد خالد بجامعة برج بوعرريج يحاولون الإجابة على سؤال: من لوث الصروح والمراكز العلمية بالسرقات؟ ولماذا يلجأ الأساتذة وطلابهم على السواء لهذا الخدش المخجل بحق العلم وصرحه وعلمائه وطلبته، ففي تحقيقين من الجزائر قام بهما الكاتب فيصل قنفود – الجزائر بعناوين السرقات العلمية في الجزائر (1): معضلة تؤرق الجامعات، والكاتبة وخديجة بودومي من الجزائر أيضًا بعنوان السرقات العلمية في الجزائر(2): كيف ضربت مصداقية التعليم؟ حيث تجدون الكثير مما يجب أن يُعرف لكي يعالج، فقد “ذهب رضوان جدي أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة المسيلة الذي يُحضر لنيل شهادة الدكتوراه بإحدى جامعات برلين الألمانية إلى أن”الظاهرة قد تكون امتدادًا للسرقات الموجودة في مختلف المجالات”. فهل هي فعليًا ظاهرة فساد تعم وتطم عالمنا العربي إلا من رحم الله.

لا بد من وقفة!!

اقرأ وتعلم معنا ألا يخدعك أحد. لا ببحثه، ولا بدكتوراه المزيفة، ولا (بنوبله)، ولا بأفخم استقبال له في أفخم مكان. ولنُعيد للعلم مجده مع محبيه وعاشقيه الحقيقيين . ولذلك نحن هُنا في زدني، وسنبقى في قضايا الشهر والتحقيقات نتحدث في الأعماق.

أروى التل

كاتبة أردنيّة. مؤسس زدني للتعليم. ماجستير دراسات إسلاميّة. أم لخمسة أبناء.
Back to top button