رؤية مثقف

فنلندا – أدوات التعليم وحسب!

كنا قد ذكرنا في التغطية السابقة (فنلندا – مبادئ التعليم أولا) أن التعليم يسعى الى الصب في تنمية الإبداع، التفكير والفضول. وقد عرضنا كيف يحاول القائمين على التعليم هناك الى تنمية الفضول تحديدا من خلال جعل البيئة التعليمية بيئة طبيعية جدا وغير مصطنعة من خلال عدة اجراءات. 

كذلك فإن أحد أبرز الإجراءات التي سيستغرب منها القاريء لتنمية الإبداع، وذلك من خلال توسيع الإدراك والمعارف لدي التلميذ، يكون عبر حصص كاملة مخصصة للمطالعة. نعم في حصص التلامذة الفنلنديون هناك ما يسمى حصة قراءة، يجلس فيها الطلاب ليقرؤوا وحدهم وبأنفسهم.

قد يتساءل كثيرون على أثر هذا الشكل التي تظهر عليه المدرسة الفنلندية، مالذي يستدعي الذهاب الى ذلك المكان إذا؟ لن يكون هناك داعيا بالتأكيد الذهاب إلى مدارسنا في العالم العربي من باب أولى، وسيكون داعيا أكثر الحاحا للتساؤل حول طبيعتها، فنذهب بإرادتنا المخدوعة البحتة لنصطف في مسلخ يجردنا من الأحجار الإنسانية الثلاثة في التعلم: الابداع، التفكير والفضول!

يقول أحد مديري المدارس الفنلندية أن ما يستدعي وجودهم في الحقيقة هو إكساب التلاميذ الأدوات:  القراءة والكتابة وأساسيات الحساب، إذ أن هذا أمر لا بد منه.. ومن بعدها فإننا لا نتعامل مع نص بعينه، ولا معلومة بعينها، نحن نتعامل مع نص متغير، معلومة متغيرة. لهذا فإن المعلم يدرس تلامذته كيف يواجه هذا الجديد بقواه الذاتية وبالأدوات الأساسية التي أكسبناه إياها. كما أننا نعلمهم الاستفادة من البيئة المحيطة من خلال المهارات الاجتماعية، كيفية التفكير المجموعاتي في سبيل حل مشكلة ما، كيفية طلب المساعدة من الآخرين والاستفادة منهم، والعكس..

واعتمادا على هذا فإنه لا بد أن يسوقنا مثل هذا التوجه الى الاستفهام حول  نوعية المهام الملقاة على التلميذ كالوظائف والامتحانات التي يتم بها اختباره، فالمادة الى الآن أمر متغير ولا تدرس بعينها.. نوعية؟! المفاجأة الأكبر هي أن التلميذ الفنلندي المدلل هذا والذي يحصد أعلى العلامات في امتحان البيزا، لا يعرف شيء اسمه وظيفة وشيء آخر أكثر دبا للرعب اسمه “امتحان” ..!! اذا قد يتساءل البعض وكيف يتم قياس قدرات الطالب وهل فهم حقا؟ يعتبر القائمون على التعليم الفنلندي أن الامتحان هو وسيلة فاشلة في تقييم الطالب، لأنها تحول هدفه من الاستيعاب والفهم الى النجاح في الامتحان فقط. لهذا ففي المدرسة الفنلندية أيضا يرافق المدرس  تلميذه معظم تعليمه الابتدائي(حتى سن 15). وتتكون علاقة شخصية معه، يستطيع المدرس متابعة تلميذه وتقييم قدراته تقييما دقيقا، يعرف بها نقاط ضعفه ونقاط قوته، يحسن الضعيف وينطلق بمكنونات القوة..وهكذا. اذا سألت عن سر نجاح أي طالب في حياته هناك سيجيبك بطلاقة “معلمي” أو “معلمتي”. عدا عن أنه يتم تمرير منظومة كاملة من القيم داخل المدرسة تساهم في نجاح الطالب فعلا دون الوظائف والامتحانات والتي سنتناول الحديث عنها لاحقا. 



في الحلقة القادمة سأتناول قضية “المعلم” في المنهاج التربوي والتعليمي الفنلندي. تابعونا.. 

زر الذهاب إلى الأعلى