في الوقت البدل الضائع
تقترب المباراة من نهايتها ويضيف الحكم 4 دقائق كوقت بدل ضائع والنتيجة تكاد تكون قد حسمت لصالح الفريق الضيف بهدفين نظيفين ( 2 – 0 ) ولكن يحدو الجمهور أمل كبير واللاعبين بدرجة أقل في تعديل النتيجة في هذه الدقائق الأخيرة .. أما المدرب المدرك للوضع الراهن اقتنع أن الفريق لن يعود في النتيجة وانتابه شيء من اليأس والاحباط وعدم الأمل في فريقه الذي ضيع العديد من الفرص الحقيقية للتسجيل، فالمدرب لا يراهن على الوقت البدل الضائع والجمهور يرى عكس ذلك، أما مدرب الفريق الفائز فقد حصد ثمار تخطيطه وتحضيره الجيد.
هذا المشهد ما هو إلا نموذج للعديد من المواقف التي تمر بالكثير من الناس وتتكرر في حياتهم اليومية، والقليل من يدرك قيمة الوقت الذي ضاع بدون علم وعمل وتخطيط ودون فائدة، ولكن الغالبية منهم ما يزالون متشبثين بالوقت البدل الضائع.
مَثل الطلاب الجامعيين الذين يضيعون أوقاتهم طيلة السنة ثم عندما تبدأ الاختبارات يبدءون في استعارة المحاضرات والاستعانة بزملائهم من أجل المراجعة كمَثل جماهير كرة القدم التي تراهن على الوقت البدل الضائع لفوز فريقهم، وهذا الإحساس هو حالة فكرية تكون عند عامة الناس بحيث ليس لهم هدف واضح ولا بعد نظر، وبالتالي يقودهم هذا التفكير إلى إعمال عقلهم في أمور غير قانونية فيبتكرون طرق حديثة للغش من أجل نيل أكبر درجة ممكنة، وهذا ما يجعل من هذه الحالة مشكلة فكرية أخلاقية خطيرة يمر بها المجتمع.
أما الطالب الذي وضع هدفه نصب عينيه وخطط له وقام بالتحضير الجيد جعل من الامتحانات الباب الذي سيصل إليه غدًا فيكون على أتم الاستعداد، و يحصد ثمار الجهد الذي بذله فحتمًا ستكون النتيجة إيجابية مثل مدرب الفريق الفائز، و عندما لا يحضر جيدًا ويفشل في تخطيطه يدرك أن الوقت قد ضاع مثل مدرب كرة القدم الذي أدرك بأن فريقه حتمًا سيخسر ولن يعدل النتيجة في الوقت البدل الضائع، فهذا الطالب يحاول أن يعمل من أجل تخفيف الأثر السلبي لعدم التحضير، بوضع خطة بديلة لكن لن تؤدي للنتيجة التي كانت مأمولة.
هذه الحالة لم تتغير من سنة إلى أخرى، رغم حملات التوعية التي يقوم بها بعض الأساتذة والطلبة لجعل التخطيط مرحلة مهمة لابد من الطلاب أن يعتمدوا عليها، ثم الاعتماد على النفس والثقة في توفيق الله للمجتهد، و لكن مازالوا من يعتمدون على الغش يجتهدون فيه ويتحصلون على علامات مرتفعة ثم يتدرجون من مستوى الى مستوى الى أن يصبحوا مسؤولين في قطاعات حساسة، فهذا هو الواقع للأسف أصبح يختلف كثيرًا عندما تغيرت المفاهيم فأصبح السكوت عن الحق حكمة، وتجميل الغش والفساد جدارة وامتياز. قال المفكر مالك بن نبي رحمه الله : ” العلم دون ضمير ما هو إلا خراب للروح ” هذا يعني أن الأخلاق الإسلامية والإنسانية قد بدأت في التدحرج والاندثار لأن من ساهم في تعزيز هذا التدحرج هم أصحاب العلم وذوي المرتبة الفكرية المشهود لها بالزاد العلمي، لكن إذا غابت الأخلاق وتغلب الهوى يحدث ما حدث لنوبل عندما ساهم في صناعة القنبلة النووية ،وبالتالي قتل الآلاف من البشر، لكنه بعد ذلك ندم و تحول اسمه إلى رمز لجائزة ينالها من يفيد البشرية ،قال تعالى ” … و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون “(آل عمران 135).