في غزة: توجيهي جديد… أزمة جديدة
تخشى الطالبة “هبة المقيد” من أن يتأثر معدّلها في الثانوية العامة بالنظام الجديد الذي أقرّته وزارة التربية والتعليم العالي الخاص بشهادة (التوجيهي)، وهي المرحلة المؤهلة للدراسة الجامعية، كوّنه ما يزال غامضًا للغاية في ظل وجود كثيرٍ من الملاحظات عليه من قبل المختصين.
وعلى الرغم من أن النظام الجديد الذي أقرّته حكومة “الوفاق الوطني الفلسطينية ” يتيح للطالب إمكانية تقديم الاختبارات بشكل إجباري في دورة شهر يونيو/آيار (من كل عام)، ومنحه فرصة لتحسين معدله أو إعادة المواد التي رسب بها في شهر أغسطس/آب (من كل عام)، فإنَّ عدمَ وضوح كثيرٍ من ملامح البرنامج واعتماده بشكل مفاجئ قد أثار بعض المخاوف والتحفظات.
نظام غامض
وتقول المقيد لـ ” فريق زدني “: إنّ النظامَ الحالي ما يزال غامضًا كوّنه سيطبق للعام الأول بعد سنوات طويلة من اعتماد نظام الدورة الأولى لتقديم اختبارات الثانوية العامة في الأراضي الفلسطينية مما يجعله غير واضح المعالم خلال الفترة الحالية أمام الطلاب.
وترى الطالبة الفلسطينية أنّ النظام الجديد للثانوية العامة سيخدم الطلاب أصحاب التحصيل الدراسي المتدني، فهو سيمنحهم الفرصة مُجددًا للتعويض في الدورة الثانوية بشهر أغسطس، وقد يؤثر على الطلاب أصحاب التحصيل المرتفع كوّنه سيقلص الفجوة إلى حد ما.
وتبين ” المقيد ” أن فئةً لا بأس منها من الطلاب والمجتمع الفلسطيني تعارض النظام الجديد الخاص بالثانوية العامة، والذي جرى إقراره من قبل وزارة التربية والتعليم والذي يمنح الطالب فرصة لتقديم الاختبارات على دورتين وإمكانية خوضه لتحسين المعدل.
فرصة للطالب
أما الطالبة “رهف صالح ” فعارضت زميلتها في رأيها بشأن نظام الثانوية العامة الجديد، ورأت فيه فرصة لتخفيف التعب والخوف والإرهاق الذي يتعرض له الطالب خلال تقديم الامتحان ويمنحه المجال للاستفادة من التقديم على دورتين وبشكل اختياري.
وتقول صالح لـ ” فريق زدني ” إن النظام الجديد يعتبر ممتازًا كوّنه قد يخفف الضغط على الطالب وشعوره المتزايد بالخوف والتوتر خلال فترة الامتحانات، وهذا يوفر للطالب فرصة جيدة لتقديم الاختبارات بهدوء وتركيز، خاصة أنها تتزامن مع شهر رمضان وفصل الصيف.
وتطالب الطالبة الفلسطينية “صالح” بأن يجري اعتماد البرنامج بشكله الحالي كونه يعتبر فرصة للطلاب من أجل الدراسة وتحصيل أعلى الدرجات بالإضافة إلى إمكانية تحسين المعدل حال تعرض الطالب لأيّ انتكاسةٍ خلال فترة تقديمه لاختبارات الثانوية العامة.
النظام الجديد وقواعده
ويعتمد نظام الثانوية العامة الجديد على تقليص الامتحانات لتصبح عبارة عن ثمانية امتحانات بدلاً من أحد عشر مقسمة لحزمتين؛ الأولى هي المواد الإجبارية الرئيسة، والثانية هي المواد الأساسية، أي ستظهر على شهادة الثانوية العامة الجديدة علامات المواد الإجبارية، وستظهر أيضًا علامات المواد الأساسية، لكن ما سيحسب في المعدل النهائي هو أفضل علامتين من المواد الأربع الأساسية، إذًا هناك ست مواد تشكل المعدل، وهذا هو المحور الرئيس في خفض الخوف.
ويشمل النظام الجديد ملفًا يسمى بملفات الإنجاز، وهو عبارة عن أبحاث صغيرة يجريها الطالب في الصف الحادي عشر والثاني عشر، توضع في ملف عليه اسم الطالب ثم تأتي لجنة من الوزارة، تتسلم وتقيّم هذا الملف الذي يخضع إلى واحد وعشرين معيارًا، ويعتمد التقييم على شكل الملف، وشخصية الطالب والبحث العلمي وقدراته الإدارية إضافة الى قدرته على إدارة الوقت، كما أن نظافة العمل وشكله مهمان في عملية التقييم أيضًا.
وشهدت الفترة السابقة جدلًا واسعاً بين وزارة التربية والتعليم في غزة ونظيرتها في رام الله على خلفية إطلاق نظام جديد للثانوية العامة دون التشاور معها في شكله ومزاياه وعيوبه، حيث ترى الوزارة في غزة بأن البرنامج سيكون مرهقًا ومكلفًا من الناحية المادية، في الوقت الذي تعاني به المؤسسات التعليمية في قطاع غزة من أزمات عدة.
تعديلات كثيرة
وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة الدكتور ” زياد ثابت” يقول: إنّ برنامج الثانوية العامة الجديد جرى التعديل عليه بعد وضع كثير من الملاحظات عليه من قبل الوزارة حيث كان في الفترة الأولى يجري فتح المجال لتقديمه على ثلاث دورات في يونيو وأغسطس ويناير.
ويوضح ثابت لـ ” فريق زدني” أن الإشكالية للوزارة هي فتح دورتين للتقديم مما سيؤدي إلى مزيد من الوقت والجهد، وهذا بلا شك سيضاعف العبء الذي سيتحمله المجتمع الفلسطيني والمعلمين ووزارة التربية والتعليم في القطاع المحاصر إسرائيليًا منذ عشر سنوات في ظل تأثر العملية التعليمية بالانقسام وعدم تحمل السلطة الفلسطينية لمسئولياتها بغزة.
ويضيف إلى أن هناك تعديلات تمت في وزارة التربية والتعليم عبر إجبار الطالب على النجاح في مادتي الكيمياء والأحياء، ثم رصد أعلى درجة منها واحتسابها في المجموع النهائي له بشهادة الثانوية العامة، فضلاً عن تعديلات أخرى لتقليل المرونة الكبيرة المسموحة للطالب.
تأثير سلبي
ويرى المسئول الحكومي بغزة بأن منح المرونة بشكل كبير للطالب يؤثر سلبًا على العملية التعليمية في فلسطين، فالتعديل الأخير قد يقلل الاهتمام والرغبة بدراسة المواد العلمية للطالب، حيث ستجعل الطالب يختار مواد دراسية بعينها ويهمل أخرى.
ويبين أن عدد المواد التي سيتقدم إليها الطالب هي 8 مواد دراسية سيخضع بعدها للاختبار، ثم يتم احتساب 6 مواد فقط في المجموع الإجمالي في شهادة الثانوية العامة، فضلاً عن أن النظام الجديد سيؤدي إلى فتح أقسام وفروع دراسية جديدة.
ويضيف أن الفروع الموجودة حاليًا هي الفرع العلمي والأدبي والشرعي، وسيتم إضافة فروع الإدارة والريادة والتكنولوجيا من العام الدراسي المقبل، وليس من هذا العام نظرًا لتأخر إعلان مجلس الوزراء الفلسطيني عن النظام الجديد بعد انتهاء العام الدراسي الماضي وصعوبة تسجيل الطلاب به.
ويشير ثابت إلى وجود صعوبة حقيقة تتمثل في افتتاح فروع جديدة كونه سيزيد الأعباء على وزارة التربية والتعليم بغزة، في ظل عدم وجود موازنات مالية للوزارة بغزة، نتيجة لعدم قيام السلطة الفلسطينية بمهامها تجاه قطاع غزة جراء الأزمة السياسية القائمة حاليًا.
إرهاق مالي
ويتابع ثابت:” النظام الجديد سيكون مرهقًا من الناحية المادية وسيؤدي إلى انشغال الوزارة في شهري(6-8 )، وسيكون هناك تقصير في التحضير للعام الدراسي الجديد الذي ينطلق نهاية أغسطس في كل عام، بالإضافة إلى إشغال المجتمع لمدة شهرين متتابعين ببرنامج الثانوية العامة”.
ويوضح أن وزارته عاجزة عن توفير مكافآت الثانوية العامة الخاصة بالمعلمين والمراقبين والمصحّحين، حيث لا تغطي الرسوم التي يدفعها الطلاب نصف قيمة هذه المكافآت، في الوقت الذي لا تقوم السلطة الفلسطينية والوزارة بالضفة الغربية بصرف هذه الأموال للمعلمين بغزة.
إلى ذلك، يري ثابت أن النظام الجديد الذي اعتمده مجلس الوزراء الفلسطيني للثانوية العامة لا يعتبر الأنجح أو الأفضل لتطوير البرنامج وعليه كثير من الملاحظات التي جرى الاستجابة إلى بعضها ورفض البعض الآخر منه بعد إجراء تعديلات جديدة عليه.
ويبين أن صعوبة النظام الجديد تكمن في أن الفروع الجديد المتمثلة في الإدارة والريادة لن تجد صدى كبير، وسيضطر الطلاب إلى التجمع في مدرسة وحيدة ضمن المديرية الخاصة بسكنه والتي ستزيد من المسافات عنه للالتحاق بهذا المجال، في حين من المتوقع أن يكون الضغط مرتفعًا على فرع التكنولوجية والذي سيزيد من الأعباء على المدارس والمؤسسات التعليمية بغزة.
وتعتبر شهادة الثانوية العامة في فلسطين موضوعًا مجتمعيًا كبيرًا يحظى باهتمام كبير، كونه يحدد مسار وتخصصات الطلاب والطالبات في المرحلة الجامعية حسب المعدلات النهائية التي حصلوا عليها في شهادة الثانوية العامة المتمثلة في المرحلة الثانية عشرة.
ماذا سيوفر النظام الجديد؟
من جانبه يقول أستاذ التربية في الجامعة الإسلامية بغزة ووكيل وزارة التربية والتعليم سابقًا “محمد أبو شقير”: إنّ النظام القديم للثانوية العامة كان عقيمًا للغاية، ويعتمد على الحفظ مما يؤدي إلى إرهاق الطالب ولجوء القائمين عليه إلى ترفيع الدرجات لتزيين المجموع الإجمالي.
ويبين أبو شقير لـ “فريق زدني” أن النظام الجديد سيوفر بعض المرونة للطالب عبر منحه فرصة تحسين المعدل بعد شهرين بدلاً من الانتظار لعام جديد بالإضافة إلى زيادة عدد المواد المسموح بإعادتها أمام الطلاب الراسبين لتصبح أربعة بدلاً من اثنتين.
ويضيف بأن التغير الحقيقي لنظام الثانوية العام يجب أن يكون بإلغاء بعض المواد الدراسية، وتغيير المسارات بشكل حقيقي، كل ذلك يعمل على تحسين العملية التعليمية وتطويرها بدلاً من بقائها على حالها بشكل يزيد من أعداد الخريجين في كل عام.
ويشدد أبو شقير على ضرورة القيام بتغيير شامل للعملية التعليمية، وأن تكون خطوة النظام الجديد للثانوية العامة مقدمة لتطوير الواقع التعليمي في الأراضي الفلسطينية ارتقاءً بالطلاب وفتح مجالات دراسية جديدة أمامهم تخفف من نسب البطالة المرتفعة.
ويوضح أن حجم الالتحاق في الفروع الدراسية ينقسم إلى 81 في المائة للفرع الأدبي و17 في المائة للفرع العلمي و2 في المائة فقط للفرع المهني، وهذا يوضح ضعف الإقبال على التخصصات العلمية والتكنولوجية في المرحلة الجامعية وارتفاع أعداد الخريجين العاطلين عن العمل.
ويرى أستاذ التربية والمختص التعليمي، بأن التطوير الحقيقي للعملية التعليمية لا بد أن يكون عبر توافق مشترك بين الجامعات الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم من خلال تحديد مجال الطلاب من المرحلة العاشرة والبدء بتدريسهم المواد العلمية.
ويتابع: “لا بد من الاستفادة الموجودة في دول العالم المتطورة عبر تحديد اهتمام الطلاب بشكل مبكر سواء كانت أدبية أو علمية أو مهنية، وتشجيع الطلبة على دراسة المواد العلمية وترغيبهم بشكل متدرج للدراسة العلمية الموسعة خلال المرحلة الجامعية وهو ما سينعكس بالإيجاب على العملية التعليمية”.
ويلتحق في كل عام نحو 80 ألف طالب وطالبة ببرنامج الثانوية العامة على اختلاف الفروع الدراسية التي يجري دراستها من قبل الطلاب في هذه المرحلة، وتصل نسبة النجاح في الأعوام الأخيرة إلى 70 في المائة من إجمالي أعداد الطلاب الملتحقين لنيل شهادة (التوجيهي) المؤهلة للدراسة الجامعية.