في مصر.. مناهج التّعليم على مقاس النّظام
شهدت مصر، في 4 سنوات أكثر من 6 حكومات متتالية، ونظامي حكم بارزين، هما: النّظام الإسلاميّ بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، ثم أحداث 30 يوليو، أو ما بات يعرف في أوساط عدّة، بالانقلاب العسكري حيث أعادت الحكم برئيس عسكريّ للبلاد. في تلك الفترات، حاول كل نظام منهما أن يترك بصمته وأفكاره في المناهج الدّراسيّة بتاريخها وموادّها المختلفة.
أعدّت “شبكة زدني”، هذا التّحقيق الّذي بدأته بمناهج المرحلة الابتدائيّة، التّعليم الأساسيّ وهي “المرحلة الابتدائيّة والإعداديّة” في مصر، حول التّغييرات الّتي طرأت على مناهج: اللّغة العربيّة، والتّربية الدّينيّة الإسلاميّة، ومادّة الدّراسات الاجتماعيّة، الّتي تختصّ بدراسة”التّاريخ والجغرافيا” باعتبارها أبرز المناهج الدّراسية، الّتي يدور حولها الجدل، وتتمّ تعديلاتها وفقًا للنّظام السّياسيّ وأفكاره. عقب ثورة يناير وبالأخصّ عقب أحداث 30يونيو، “الانقلاب العسكريّ”.
دراسة: “أسلمة المناهج” ليس بخطورة ترويج الإعلام المصريّ
عقب ثورة 25 يناير، وبعدها بعام، تولّى حكم مصر أوّل رئيس مدنيّ منتخب، وهو محمد مرسي، وكان أحد الأعضاء البارزين بجماعة الإخوان. لبث في الحكم لعام واحد فقط، ثم انلقب عليه وزير الدفاع آنذاك، الرئيس المصريّ حاليًا “عبد الفتاح السّيسي”، عقب أحداث 30يونيو، خلال هذا العام وجّهت اتهامات للرّئيس “مرسي”، وحكومته بـ”أسلمة” الدّولة بمعني بثّ الفكر الإخوانيّ الإسلاميّ فيها، وكان ضمنها المناهج الدّراسية.
اطّلعت “شبكة زدني” علي دراســـة للباحثين المصريّين “معتــز عطا اللـّــه” المتخصّص في شـــؤون التّعليـــم، والباحثـــة فـــي تاريـــخ التّعليـــم الحديـــث فـــي مصــر “فريــدة مقـــار”، كانت قد صدرت في أغسطس 2014، واختصّت ببحث مناهج التّربية الوطنيّة والدّراسات الاجتماعيّة للمراحل الثّلاثة خلال فترة حكم “محمد مرسي” وبعدها بعام، لفتت النظر إلى أن “المناهج الّتي قيل إنّها تأسلمت، ليست بالخطورة الّتي أوحت بها التّقارير الإعلاميّة، حيث أثبتت الدّرا سة أنّه لم تكن الأمثلة قليلة العدد فحسب، بل إنّها كانت ضئيلة الشأن أيضًا”.
وتشير الدّراسة، إلى أنّ “معظم التّقارير المنزعجة من أسلمة المناهج، تتعلّق بكتب خارجيّة والمقصود أنّها كتب من إنتاج ناشرين غير حكوميّين، يتبعون القطاع الخاصّ. وتوحي أمثلة الأسلمة السّابقة، بأن تهديد الأسلمة لم يكن بالانتشار الّذي صوّرته وسائل الإعلام، وعلى الأقل ليس خلال العام الأوّل لحكم الإخوان المسلمين. ويتعزّز الوضع بصفة خاصّة بالنّظر إلى أنّ محتوى المناهج الدّراسيّة ظلّ على حاله ـ تقريبًا ـ دون تغيير”.
وتلخّص نتائج الدّراسة ـ بوضوح ـ التّعديل الواقع على المناهج الدّراسيّة، في تلك الفترة، كان بتعديل المعلومات التّاريخيّة المتعلّقة بمصر، وقادتها العسكريّين، وحذف ما يسلّط الضّوء علي الرئيس المصريّ المخلوع “حسني مبارك”، وإضافة تفاصيل أحداث ثورة يناير.
حذف شخصيّات دينيّة إسلاميّة:
خلال العامين الأخيرين، وبعد الانقلاب العسكريّ على حكم “محمد مرسي” وتولّي “عبد الفتاح السّيسي” شؤون مصر، أثير الجدل في الإعلام المصريّ، حول قصّة القائد الإسلاميّ صلاح الدّين الأيّوبيّ، والّتي تمّ حذفها من مناهج الصّف الخامس الابتدائيّ، في أبريل الماضي، باعتبار أنّها تحثّ علي الكراهيّة والعنف، وفق البيان الّذي أصدرته وزارة التّربية والتّعليم في مصر وقتها، بالإضافة لحذف ستّة فصول من قصّة عقبة بن نافع للصّف الأوّل الإعداديّ، بدعوى تنقيح المناهج من كلّ ما يحرّض على العنف والتّطرّف، وإخماد الأصوات الّتي تروّج جزافًا أنّ الإسلام انتشر بحدّ السّيف.
وطال الحذف أيضًا، الكثير من قصص الشّخصيّات الدّينيّة والتّاريخيّة فلم يقتصر الأمر على “صلاح الدّين الأيّوبيّ” و”عقبة بن نافع” بل كان لقصّة “عبد الرحمن بن عوف” و”أسماء بنت أبي بكر الصّدّيق” و”أسامة بن زيد” بالإضافة لخواطر إسلاميّة أخرى، نصيب كبير من الحذف في منهج التّربية الدّينية الإسلاميّة للمرحلتين الابتدائيّة والإعداديّة، وهذا رغم أنّ التّربية الدّينيّة، مادّة ليست ضمن درجات النّجاح للطّالب، فهو يقرأها فقط ولا يهمّه التّركيز فيها، لأنّها ليست بنفس أهمّيّة موادّ: اللّغة العربيّة، والدذراسات الاجتماعيّة.
تغيير وحذف التّاريخ:
في منهاج الصّف الثّاني الإعداديّ، وفي مادّة التّاريخ، تقرّر حذف واستبدال كلمة المدينة المنوّرة بـ”يثرب”، وتعديل صياغة الفقرة الأخيرة من ص54 من منهج التّاريخ، والّتي كانت تنصّ على توجّه الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم) إلى يهود بنى قريظة، وحصارهم، فحكم فيهم “سعد بن معاذ” بأن يقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم، وتقسّم أموالهم، فنفّذ الرّسول (صلى الله عليه وسلّم) حكم سعد (رضي الله عنه) فيهم، وبذلك تخلّص الرّسول من الطائفة الثّالثة لليهود بالمدينة، بسبب غدرهم وخيانتهم. لتصبح الفقرة بعد التّعديل”تخلّص الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من يهود بني قريظة بعد أن حكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه، وذلك بسبب غدرهم وخيانتهم” دون ذكر كيفية التّخلّص منهم.
كما طال مقصّ الحذف فقرات تتّهم إسرائيل بالإرهاب، في كتاب التّربية الدّينية للصّف الثّالث الإعداديّ، وكذلك عبارات تحكي عن تاريخ اليهود وإرهابهم مع مسيحيي “نجران”، عندما حفروا لهم الأخدود وألقوا بأكثر من عشرين ألف نصرانيّ في النّيران، ما يدلّ على ىتطرّف اليهود وإرهابهم الفكريّ، فيما برّرت الوزارة أنّ هذه الأجزاء من شأنها الحثّ على كراهية الآخر.
التّربية والتّعليم: التّعديلات تمت بلجان مختصّة.
“بثينة كشك” مدير مديرية التّعليم، بمحافظة “الجيزة “المصريّة، تقول لـ”شبكة زدني” إنّ هذه التّعديلات تمّت تحت إشراف لجان وزاريّة متخصّصة وعلي قدر من الخبرة، نافية أن يكون تعديل المناهج مرتبط بالنّظام السّياسيّ في مصر.
وأشارت “كشك” إلى أنّ المناهج الّتي تمّ حذفها، لم تكن مهمّة للطّالب، أو لم تكن في مصلحته، على حدّ وصفها، ولذلك فليس هناك أهمّية لإعادة طرحها ومناقشتها.
معلم مصريّ: حذفوا هويتنا وثقافتنا المصريّة.
ويختلف معلّم اللّغة العربيّة والتّربية الإسلاميّة بالمرحلة الابتدائيّة “عصام محمّد”، مع ما أفادته به مدير مديرية التّعليم، ويشير في حديثه مع “شبكة زدني” إلى أنّ “حذف هذه الأجزاء بعينها، هو اعتداء على التّاريخ، بل أنّه يمحي جزءً كبيرًا من هويّتنا وثقافتنا المصريّة والإسلاميّة، فهي تزرع القيم السّلبيّة، ولا تعطي للطّفل المعرفة الحقيقيّة والكاملة بالعدوّ الحقيقيّ له ولبلده.
ويشير “محمّد” إلى أنّ هذا النّهج بدا واضحًا، خاصّة عقب الانقلاب العسكريّ، في 30 يونيو 2013 بمصر، وفي ظلّ النّظام الحاليّ، فإنّ زعزعة القيم الثّابتة لدى كل مصريّ عربيّ مسلم، بشأن هويّته ودينه وقيمه الأساسية تبدو ممنهجة، وها هي تبدأ بالمناهج الّتي ندرّسها للطّفل، والّتي من المفترض ألّا ترتبط بأيّ نظام سياسيّ ولكن للأسف لا نملك مظلّة عامّة تحكمنا، فنحذف ونعدّل دون أساس.
حديث “محمد”، يؤكّده ما قام به النّظام الحاليّ حين أجري تعديلًا آخر في سبتمبر 2014، حين تمّ حذف أجزاء كبيرة من تفاصيل ثورة يناير بالمرحلة الابتدائيّة، وخاصّة في الصّف الخامس والسّادس الابتدائيّ، خصوصًا في موادّ اللّغة العربيّة والتّاريخ والتّربية الوطنيّة، واقتصر فقط ذكر ثورة يناير في فقرة أو فقرتين، وامتدّ الأمر للتّركيز على 30 يونيو (الانقلاب العسكريّ) وأنّها ثورة حقيقيّة رغم أنّ المصريّين لا يختلفون على ثورة يناير ولكن الاختلاف الحقيقيّ يدور حول أحداث 30يونيو.
الآيات والأحاديث لم تسلم من العبث بالمناهج:
ويكشف معلّم التّربية الإسلاميّة “عصام محمد”، تقليص الكثير من الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة الشّريفة، في المنهاج الخاصّ بالمرحلة الابتدائيّة، والتّرويج لذلك من قبل الوزارة، على أنّه تخفيف عن الطّالب رغم أنّها لم تكن كثيرة.
وتتبّعت “شبكة زدني” ما أفاد به”محمّد”، لتجد أنّه في 2014، أعلنت وزارة التّربية المصريّة، في بيان لها بشأن منهج الصّف الرّابع الابتدائيّ أنّ “كلّ الآيات والأحاديث القرآنية الواردة بنهاية الموضوعات هي للقراءة وليست للحفظ”، وهو ما يقلّل من أهميّة هذه الآيات والأحاديث، حتّى وإن لم يتمّ حذفها بشكل نهائيّ، لأن الطّالب ـ وبحسب “محمّد”ـ لن يضعها في اهتماماته ولن يلتفت إليها. ويشير “محمد” إلى أنّ الآيات الّتي طالها الحذف في المناهج الإسلاميّة في مرحلة الخامس الابتدائيّ، هي الآيات القرآنية الّتي تحكي قصّة سيدنا سليمان عليه السّلام والهدهد، وفي الصّف الثاّلث الإعداديّ حذف نصّ سفينة نوح عليه السّلام.
لا حديث عن الثّورات في المناهج المصريّة
“أميرة يوسف”، معلّمة مرحلة الإعداديّة، توضّح في حديثها لـ”شبكة زدني” بأنّ “الأمر لا يقتصر علي ذلك، بل إنّ التّعديلات الأخيرة بالمناهج، تثبت أنّ النّظام يريد محو كل ما له علاقة بالتّغيير أو الثّورة على أيّ نظام، أو كل ما يدفع الطّفل للتّفكير خارج المنظومة الموجودة حاليًا، بالإضافة لتقليص الآيات القرآنية بالمناهج الدّراسية”.
الدّليل علي حديث “يوسف”، كان في المناهج الّتي تتبّعتها “شبكة زدني”، وتمّ حذفها من المرحلة الابتدائيّة، بداية من الصّف الأوّل الابتدائيّ، حين أقرّت وزارة التّربية والتّعليم في مصر، مارس 2015، حذف درس “ثورة العصافير” بمنهج اللّغة العربيّة، الّذي يشير إلى غضب العصافير على سجنها وسجّانها، وخاصّة عقب وفاة أحدهم من الجوع ليتخلّصوا في النّهاية من العصفور الظّالم الحاكم.
وفي الصّف الثّالث الابتدائيّ، تمّ حذف درس “نهاية الصقور” من منهج اللّغة العربيّة، الّذي يشير لتوحّد صقور الغابة ضدّ الصقور الظّالمة والتّخلص منها.
أمّا في الصّف الخامس الابتدائيّ فتمّ حذف درس “الحيلة والقوّة”، والّذي يشير للمعني السّابق أيضًا، بذكاء أرنب مع باقي حيوانات الغابة في التخلّص من ملك الغابة “الأسد” بالحيلة والذكاء.
حتّى أنّ الحديث عن العدل، والمتمثّل في قصّة “الملك العادل” بمنهج اللّغة العربيّة للصّف الثاني الإعداديّ تمّ حذفها ـ هي الأخرى ـ وبنفس المنهج تمّ حذف “أدب المسرحيّة”و هي تتحدّث عن محاكمة وشهود ما يشير لمحاكمة النّظام السّابق.
الأنظمة السّياسيّة تروّج لنفسها على حساب التّعليم:
الخبير التّربوي، “كمال مغيث”، يشير في حديثه لـ”شبكة زدني” إلى أنّ”هناك ارتباط وثيق جدًّا، بين النّظام السّياسيّ ومناهج التّعليم في مصر، فالدّولة لديها أدوات للتّرويج لأفكارها والتّعليم أحد هذه الأدوات”.
ويضيف”مغيث” أنّ “الدّولة تختار الموالين للنّظام، وتوجّهاتهم، وتعقد معهم اتفاقًا ضمنيًّا على أنّ مناهج التّعليم لابدّ وأن تكون وفقًا لسياسات الدّولة، حتّى وإن كان ذلك على حساب التّعليم ومناهجه”.
ويوضح الخبير التّربويّ، بأنّ “هذا الأمر متّبع منذ ثورة 23يوليو 1952، فعلى سبيل المثال، ومنذ تاريخ هذه الثّورة، وحتّى مجيء الرئيس المصريّ أنور السّادات، لم يكن أحد يجرؤ على ذكر “محمد نجيب” كرئيس لمصر، وكان يقال إنّ جمال عبد الناصر، هو أوّل رئيس للبلاد، رغم أنّ “نجيب” حكم مصر عامًا ونصف العام”.
واستطرد “مغيث” قائلًا: “قبل ثورة يوليو، كانت لدى مصر قضيتان أساسيّتان، هما: الجلاء والإنجليز، والأخرى البرلمان والدّستور، وبعد الثّورة صارت القضيّتان قضية واحدة، فتمّ التّركيز على الاستقلال والجلاء، ومحو كل ما يخصّ البرلمان والدّستور، لأنّهما لم تكونا في صالح النّظام السّياسيّ وقتها.
ويستشهد”مغيث” على ارتباط المناهج التّعليمية في مصر بالنّظام السّياسيّ، بأنّه حينما جاء الرّئيس “أنور السّادات” ركّز على”نصر أكتوبر” باعتباره أبرز إنجازاته، وحينما تولّي “حسني مبارك” الحكم لخّص “نصر أكتوبر” فيما سمّاه “الضربة الجويّة الأولي”.
ويشير”مغيث” أنّه عقب ثورة يناير 2011، لم يحدث تغيير حقيقيّ بالمناهج، ولكن تمّت الإشاره فقط للثّورة وفساد رجال الأعمال والنّظام السّابق. وحاليًا وفي عهد “السّيسي” تتمّ الإشارة إلى أنّ الإخوان تولّوا الحكم وحاولوا إصدار إعلان دستوريّ ديكتاتوريّ وتجاهلوا مطالب النّاس بالحرية”.
ويرى “مغيث” بأنّه ومن المفترض أن تكون للمناهج الدّراسيّة قيم وأخلاقيات أساسيّة، علميّة ووطنيّة، بالإضافة للآليات الصّحيحة لكل مادّة علميّة، وإلّا تعارضت مع حقوق الإنسان الأساسيّة، مؤكّداً على أنّ ما يحدث من حذف وإضافة في المناهج، دليل على أنّه لدينا نظام سياسيّ يروّج لنفسه حتّى ولو على حساب التّعليم.
خبير تربويّ: منظومة التّعليم في مصر “عقيمة” بحاجة لتعديل.
يرى الخبير في شؤون التّعليم “أشرف فضالي” في حديثه لـ”شبكة زدني” أنّ التّعليم في مصر منظومة عقيمة، فالوزارات تعالج عرضًا وليس مرضًا، والتّلميذ لا يركّز إلّا على الحفظ، ولا يوجد إبداع أو فهم أو ابتكار في التّعليم المصريّ.
وبحسب “فضالي” فإنّ التّعليم في مصر يفرّق بين التّعليم الحكوميّ والخاصّ، ونذكر قوله:
“لدينا تفرقة في نظم التّعليم بين مدارس لغات دوليّة، وأخرى خاصّة، وأخرى حكوميّة، فليست كلّها بنفس المناهج، هناك أساسيّات وثوابت، لكن هناك اختلاف واضح في طرق التّعليم والمناهج الإضافيّة”.
وبخصوص المناهج التّعليميّة في مصر، يقول”فضالي”: إنّ كلّ ما يتمّ تعديله في المناهج، أو يتمّ إضافته لن يصبّ في النّهاية بمصلحة الطّالب لأنّ المنظومة كلّها بحاجه لتعديل”.