في “هندسة الطاقة” التحدي قولًا وفعلًا
رزق الله والديَّ بأربعة من الأبناء الذكور، وكنت البنت الوحيدة لهم؛ منذ صغري أحرزت التفوق والتميز في دراستي؛ حصلت دائمًا في مدرسة قريتي على الترتيب الأول على مستوى المدرسة؛ نعم لقد حدث ذلك لعشر سنوات على التوالي؛ وكم أشعر بالاعتزاز لقرية أوصرة الحبيبة التي تعد واحدة من المناطق النائية في الأردن.
لم يمنعني تفوقي في الدراسة عن ممارسة الأنشطة والرياضات؛ منذ الصف الثالث نشطت في الكشافة المدرسية، وشاركتُ في عدة مؤتمرات ومخيمات دولية وعربية وحصلت على جائزة “التفوق الكشفي العربي“ في الصف الأول الثانوي، في ذلك الوقت لم يتم افتتاح فرع علمي في مدرستي مما اضطرني إلى الدراسة في قرية مجاورة وبطبيعة الحال واجهتُ صعوبة في المواصلات، لكنني تحملت كل شيء من أجل تحقيق تحصيل علمي مشرف.
تمنيت من أعماقي دراسة الطب إلا أن ظروفًا قاهرة مرت بي حالت دون بلوغ هذا الهدف؛ اخترت جامعة مؤتة، وقدمت لعدة تخصصات، ثم حصلت على قبول في كلية “هندسة ميكانيك قوى حرارية وطاقة“؛ ولا أخفي أن والديَّ أبدَيَا تخوُّفًا من هذا التخصص؛ حينها رأيت في وجوههم، وكأن شيئا مأساويًّا حدث؛ حتى أنا نفسي لم أكن أدرك ماهية التخصص على وجه التحديد.
حاولتُ الاستفسار قدر المستطاع إلى أن تبين لي أن هذا التخصص يتعلق بالطاقة المتجددة؛ وأذكر أن أحد أعضاء الهيئة التدريسية آنذاك أخبرني مطمئنًا أن الأردن ينتظره مستقبل مشرق في قطاع الطاقة المتجددة، لا سيما أن بلدنا فقير بها؛ مما يعني أن فرصنا في العمل بعد التخرج ستكون كبيرة؛ وحينها امتلأتُ بالإيجابية والتفاؤل والإصرار على إكمال مسيرتي بنجاح.
بعد عامٍ من دراستي حاول والدي نقلي إلى جامعة اليرموك، رفضت، وتمسكت بحلم أخضر؛ كنت المهندسة الوحيدة في تخصصي مما شكل ضغطًا اجتماعيًّا؛ وقد حاولت التغلب على شخصيتي الخجولة والتكيف مع زملائي في الدراسة لا سيما في مشروع تخرجي.
طورت من مهاراتي على النحو المطلوب وفي الوقت نفسه لم أبتعد عن شغفي بالفعاليات؛ وبكل حب انضممت إلى فريق رواد وجوالة جامعة مؤتة، وكنت أشارك في عديد من المؤتمرات باسم الجامعة؛ وفي سبيل ذلك وازنتُ بين ضغط الدراسة ومشاركاتي الخارجية إلى أن واجهت صعوبة بسبب ضيق الوقت والمساقات الدراسية التي تحتاج إلى تركيز ودقة؛ لكني بذلت مجهودًا مضاعفًا حتى أحقق أفضل النتائج؛ كنت في بعض المواد أكتفي بفهم كامل تفاصيلها حتى لو لم أحرز علامات مرتفعة؛ ولطالما تخيلت نفسي “مهندسة طاقة متجددة“ تعمل في شركة كبيرة.
من الظروف التي لا تُنسى بالنسبة لي؛ أني كنت أقضي أسابيع دون أن أتمكن من رؤية عائلتي بسبب الظروف الجوية أو ضغط الامتحانات؛ كان الأمر مؤلمًا خاصة في فترة مرض جدتي؛ وما أقساها من لحظة عندما وردني خبر وفاتها أثناء تقديم امتحاناتي النهائية؛ تركت كل شيء خلفي حتى أودعها.
وحين حان مشروع تخرجي أردت أن أقطف ثمار تعب خمس سنوات عبر مشروع واقعي ويعبر عن حاجة اقتصادية لاستخدامه كي يتسنى لنا استخدام الطاقة الشمسية بديلًا عن الطاقة؛ والحمد لله بعد تعب أشهر نجحت بصحبة زملائي في بلورة فكرة مشروع تخرج لاستخدام بدائل الطاقة المتجددة؛ بعد التخرج عقدت عزمي أن أحظى بوظيفة جيدة ليتحسن الوضع المادي لعائلتي؛ كنت أنظر إلى نفسي بعين المسؤولية؛ وقتها لم أكن أجيد استخدام البريد الإلكتروني لإرسال السيرة الذاتية؛ وعوضًا عن ذلك تواصلت بشكل مباشر مع الشركات المعنية لكن لم تسنح لي أي فرصة عمل أو تدريب بالرغم من محاولاتي في إثبات مقدرتي على العطاء؛ ويا للأسف أن الجميع كان يفضل تشغيل مهندس وليس مهندسة؛ اعتقادًا منهم أن هذا العمل مناسب أكثر للرجل؛ وبعضهم الآخر كان يرفض بسبب أني أسكن في عجلون وقد تركزت شركات الطاقة وقتها بـ عمَّان.
زادتني تلك العقبات إصرارًا على إثبات نفسي فلم أتوقف عن البحث إلى أن حصلت على فرصة تدريب بــ هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن في عمان؛ من شدة حماسي في ذلك الوقت كنت أحضر قبل الموظفين؛ يدي لا يفارقها القلم والدفتر كي أسجل ملاحظاتي وأحاول اكتساب خبرة من فريق الهيئة؛ مما صقل خبرتي على يد أشخاص ترفع لهم القبعات.
مضيت في إثبات نفسي أمام كل من عارضني في قراري؛ وانطلقت نحو تنفيذ مبادرة بيئية من بنات أفكاري “كهربتنا من الشمس“ وهدفها نشر وعي الطاقة المتجددة لشرائح المجتمع كافة؛ كان الناس في ذلك الوقت يربطون فكرة الطاقة الشمسية بالسخان الشمسي؛ ومن جهة أخرى رغبت في مساعدة الأشخاص الذين يودون الالتحاق بدورات هندسية متخصصة في مجال الطاقة المتجددة؛ وبالتالي انضم عدد كبير من المدربين والمهندسين المتخصصين؛ وصارت مبادرتنا قادرة على عقد دورات هندسية مجانية على مستوى المملكة؛ وانضم إلى المبادرة ضباط ارتباط من كافة المحافظات؛ ليجمعنا هدف واحد وهو أن نكون رواد الطاقة المتجددة بالأردن؛ لقد صنعنا معًا قصة نجاح وكبرت فكرتي رويدًا رويدًا إلى أن أصبحت مبادرة وطنية استطعت عبرها توفير فرص تدريب وعمل للكثيرين من أفراد مبادرتي الحبيبة؛ توسعت حلقة نجاحنا في المملكة والخبر السار أننا تلقينا دعمًا من منظمات دولية للمشاركة بحملات توعية في قطاع الطاقة المتجددة وكُرِّمنا على مستوى المملكة من عدة جهات بصفتنا شبابًا رياديين.
بالمختصر أنا اليوم فخورة بروح التحدي والحب والعطاء التي تملؤني؛ هذه الروح ترافق النجاح، ولا تعرف الاستسلام.