قصور الانتباه والحركة المفرطة لدى الأطفال: ما لا يفهمه الكثير من الآباء والمعلّمين ويحتاجون لمعرفته [الجزء الثّاني]
– كيف يتمّ تشخيص الأطفال باضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة، وهل هناك اختلاف بين الذكور والإناث؟ ما درجة دقّة وسائل التّشخيص؟ هل من السّهل أن يحدث خلط بين الاضطراب والقلق أو أيّ شئ آخر؟
– هناك عدّة أنواع مختلفة من الأدوية الّتي تُوصَف للأطفال المصابين باضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة. هل هناك دواء أفضل من الآخر؟ وكيف تعمل هذه الأدوية؟ هل هناك أعراض جانبيّة خطيرة لبعض من الأدوية الشّهيرة مثل: الريتالين Ritalin وكونسيرتا Concerta وأديرال Adderall؟
– هل هناك علاجات لا تعتمد على الدّواء وتنجح بالفعل؟
إليكم ردود “هالويل”، والّتي يحدّد فيها إجابات لكلّ الأسئلة السّالف ذكرها: خلافًا للاعتقاد الشّائع، فليس هناك اختبار مضمون للكشف عن اضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة. غالبًا ما يأتي النّاس إلى مكتبي ويقولون “تمّ إجراء اختبار لابني في الصّف الخامس وأظهر أنّه غير مصاب باضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة، ولكنّنا حاليًا في الصّف السّابع ولا تزال تعيقه أعراض عدم الانتباه والتّشوّش”. وهناك جملة مشتركة أخرى، هي “لقد أجرى الطّبيب النّفسيّ اختبارًا على ابنتي، وقال إنّ النّتائج غير حاسمة. لديها بعض أعراض اضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة، ولكنّ الطّبيب النّفسيّ لم يحدّد تشخيصًا نهائيًّا”. وهناك خطأ ثالث شائع، هو “إنّ طبيب الأطفال يقول إنّ ابني لا يمكن أن يكون مصابًا باضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة لأنّه يكون منتبهًا بشكل جيّد عندما يكون متواجدًا في مكتبه”. كلّ هؤلاء الأشخاص لديهم اضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة ولكنّه غير مُشخَّص. إنّ أفضل قياس لدينا في الاختبار النّهائي هو سيرة الشّخص المرضيّة، سواء كان بالغًا أم طفلًا، ذكرًا أم أنثى. السّيرة المرضيّة يجب الحصول عليها من مصادر عدّة، ففي حالة الأطفال يمكن الحصول عليها من الطّفل ومن الوالدين ومن المعلّمين في المدرسة، أمّا في حالة البالغين فيتمّ الحصول عليها من الشّخص والزّوج، وشخص آخر على معرفة به بشكل جيّد. السّبب في ذلك هو أنّ الأشخاص المصابين باضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة غير جيّدين في ملاحظة ذواتهم، ويرى المعلّمون غالبًا الطّفل أكثر ممّا يفعل الوالدان. إن كان الشّخص المعني لديه اضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة، فسيظهر ذلك في السّيرة المرضيّة. وعلى الجانب الإيجابيّ، فإنّ الخصائص الشّائعة تتضمّن بريقًا شخصيًّا أو كاريزما، وقدرة على التّركيز بشكل قويّ في حال الاهتمام، وفضول لا حدود له، وإبداع طبيعيّ وابتكار، ونزعة عقليّة إبداعيّة، وحدس فطن، وخيال خصب، وعقل نشيط بشكل دائم، وميل لاقتراح أفكار جديدة، وأيضًا مثابرة تصل حدّ العناد، والعزم على النّجاح. وعلى الجانب السّلبيّ، فهناك مشكلة في الإنجاز، والّتي ترقى حدّ الإنجاز المتدنّي، وتركيز عقليّ متنافر، وشرود عقليّ في حال عدم الاهتمام، ومشكلة في إدارة الوقت وميل نحو التّسويف، ومشاكل في تنسيق الكتب والفروض المنزليّة والأوراق، وكذلك مشاكل في ترتيب الغرفة وارتداء الملابس وتنظيف الأسنان واتباع الأوامر ذات المراحل المتعدّدة بشكل عامّ، وهناك أيضًا النّسيان والاندفاع ـ ولكن تذكّر أنّ الوجه الآخر للاندفاع هو الإبداع ـ والتّململ، وإثارة المتاعب، النّشاط الزّائد، المجازفة المتهوّرة، وعند البالغين أو المراهقين هناك الاتّجاه لتناول المخدّرات أو الأنشطة الإلزاميّة مثل المقامرة والجنس والإنفاق والإفراط في استخدام الأجهزة الكهربائيّة. إن كانت تشير السّيرة المرضيّة ـ المُستقاة من عدّة مصادر ـ إلى وجود اضطراب قصور انتباه وفرط حركة، فعادة ما يُجرَى اختبار نفسيّ عصبيّ. وأقول “عادة” لكونه باهظ الثّمن، وليس ضروريًا تمامًا للتّشخيص، إنّه مفيد جدًّا ويمنحنا الكثير من البيانات الكمّية المفيدة، ولهذا أجرّيه حال استطاعتي على كل مرضايَ. بالإضافة إلى ذلك، يجب الوضع في الاعتبار أنّه في حال خلُصت عمليّة الاختبار إلى أنّ الشّخص ليس مصابًا بقصور الانتباه والحركة المفرطة، ولكنّ السّيرة المرضيّة تظهر إصابته بالاضطراب، فيجب الانسياق مع السّيرة المرضيّة، فهي تفوق الاختبار. يتمكّن بعض الأشخاص ممّن هم ذوي معدّل ذكاء مرتفع أو ممّن هم مُحَفَزين للنّجاح في الاختبار ويبدون وكأنّهم غير مصابين بقصور الانتباه والحركة المفرطة، ولكن لدى خضوعهم للمراقبة في بيئة مفتوحة نجد أنّهم مصابون بالاضطراب. ونادرًا ما نرى اضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة وحده، فيمكن أن تصاحبه مشكلة في القراءة، كما حدث معي، فقد كنت مصابًا بعسر القراءة والفهم ولكنّي تخصّصت باللّغة الإنجليزية في الكلّية. أو يكون مرفوقًا بالقلق أو الاكتئاب، أو تعاطي المخدّرات، أو يسايره تاريخ لصدمة نفسيّة. وغالبًا ما يتواجد القلق أو الاكتئاب حال عدم علاج قصور الانتباه والحركة المفرطة. إنّه لمن الباعث على الاكتئاب ألّا تبذل ما تعلم أنّك تستطيع فعله بجودة، ومن الباعث على القلق ألّا تعلم ما سوف تنساه المرّة المقبلة. ولا يوجد فرق بين كيفية تشخيص الاضطراب عند الذّكور أو عند الإناث. ولكنّ الفتيات والسّيدات غالبًا ما لا يتمّ تشخيصه عندهنّ لأنّهنّ لسن مخرّبات أو مفرطات في النّشاط، فهنّ هادئات وساكنات، ولذلك يظهرن خجولات وبطيئات وحتّى مكتئبات. إنّ أكبر مجموعة غير مشخّصة في البلاد اليوم هي الإناث البالغات. إنّ ذلك عار، لأنّ العلاج يمكن أن يغيّر حياتهن بشكل كبير للأفضل. وواحدة من الأدوات الّتي نستخدمها هي العلاج بالأدوية. ولسوء الحظّ، فإنّ العلاج بالأدوية هو أكثر ما يُساء فهمُه، وهو الأكثر إثارة للجدل بين الطّرق الّتي نطرحها. يسألني النّاس في بعض الأحيان: هل تؤمن بالريتالين؟، وردّي هو أنّه ليس مبدءً دينيًّا، إنّه علاج، ومثل كلّ العلاجات، يمكن أن يكون مفيدًا أو ضارًّا، وهو مرتبط بكيفية استخدامه. عندما يُستخدَم العلاج بالأدوية بشكل مناسب، فإنّ الأدوية المُحفِّزة مثل”الريتالين والكونسيرتا والفوكالين والميتاديت والبروفيجيل والآديرال والفيفانس”، يمكن أن تكون مفيدة بشكل ملحوظ، وهي كالنّظّارات، تحدّد التّركيز ولكنّها لا تغيّر من الشّخص بأيّ طريقة. إنّ الأدوية لا تجعل منك أكثر ذكاءً، ولكنّها تساعدك على استخدام ذكائك بشكل أكثر فاعلية. وفي حال كان للأدوية أثر جانبيّ سلبيّ، فإنّك تتوقّف عن استخدامها على الفور. وهناك أثر جانبيّ عادة ما يظهر وهو قمع الشّهيّة، فطالما تتناول الطعام لا تفقد وزنك، فإنّ ذلك الأثر الجانبيّ يمكن قبوله. أما الآثار الممكنة الأخرى، بعضها خفيف والآخر شديد، فهي تسبّب تقليل الجرعة أو تغيير الدّواء أو التّوقّف عن تناول الدّواء تمامًا. وتتضمّن هذه أيضًا ارتفاعًا في عدد نبضات القلب أو ضغط الدّم، أو قلق أو اكتئاب أو الهوس بعقدة الاضطهاد أو أفكار وتصرّفات انتحاريّة، أو أرق أو اضطراب الهويّة أو الجاذبية الشّخصية، أو تشنّجات لا إراديّة أو تخدّر أو شعور تبدّد الشّخصية أو الشعور بالغضب أو السّلوك الفوضويّ. إنّه لمن المؤسف أنّ النّاس يخافون من الأدوية، لأنّه حال استخدامها بشكل مناسب، فهي يمكن أن تحوّل الحياة للأفضل بشكل ملحوظ، وتحوّل الفشل إلى نجاح في أي عمر، وهي تنجح بنسبة 80%. إنّي مصاب بقصور الانتباه والحركة المفرطة، والأدوية لم تؤثّر فيّ، ولذلك فأنا ضمن الـ20% الآخرين. ومن أجل أن تكون في أمان، وللحصول على أفضل الّنتائج، كن حريصًا على استشارة طبيب لديه خبرة طويلة في وصف الدّواء المنشّط. هناك أدوية غير منشّطة تُستخدَم لعلاج قصور الانتباه والحركة المفرطة، مثل”ستراتيرا Strattera وويلبوترين Wellbutrin وكابفاي Kapvay وإنتونيف Intuniv. يمكن لهذه الأدوية أن تكون مؤثّرة، ولكن سجلّها ليس قويًّا مثل تلك المحفّزة. ومع ذلك، فإنّ الشّخص الّذي لا يتحمّل الأدوية المنشّطةـ لأيّ سبب ـ ولا يفضل تناولها، فإنّ الأدوية غير المنشّطة تُعَدّ بديلًا ممتازًا. ضعوا في الاعتبار أنّ العلاج بالأدوية هو واحد ضمن وسائل أخرى للعلاج، ولا يجب أن يكون أسلوب العلاج الوحيد. وفي بعض الحالات ـ مثل حالتي ـ لا تُستخدَم الأدوية على الإطلاق. في حقيقة الأمر، أستخدم دواءً واحداً وهو “الكافيين” وهو يفي بالغرض. ولكن كونوا حذرين، فالكافيين يمكن أن تكون له آثار جانبية، فهو مُدِرّ للبول ومليّن (أي يجعلكم في حاجة لدخول دورة المياه)، ويمكن أن يرفع عدد ضربات القلب، ويتسبّب بذلك في عدم انتظامها، كما أنّه يسبّب القلق، ويؤدّي إلى صداع شديد إذا توقّفتَ عن استخدامه بشكل مفاجئ، ولكنّه يظلّ أفضل عقّار لتحسين الآداء في العالم. والتّعليم واحد ضمن طرق العلاج الّتي لا يُستخدم فيها الدّواء، وفي صدارة القائمة، وأنصح بقراءة كتبي، مثل: Delivered from Distraction أو Delivered from Distraction. هناك أيضًا موقع إلكترونيّ مذهل يُدعَى Understood.org. ينتقي موقع Understood أحدث المعلومات ويجمعها معًا في موقع سهل الاستخدام للآباء، ويساهم فيه أكثر من مئة خبير، شاركت ضمنهم. لقد خصّصت منظمات غير ربحية مبلغ 50 مليون دولار لبناء هذا الموقع، ولهذا فهو مُحدَّث وفي أفضل حلّة. الموقع ملائم للمستخدمين، فعلى سبيل المثال، إن كان لديكم طفل عمره 12 عامًا ومصاب باضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة وعسر القراءة، فيمكنكم زيارة الموقع وكتابة “طفل 12 عامًا مصاب بقصور الانتباه والحركة المفرطة ومشكلة في القراءة”، وستحصلون على كل المعلومات بالموقع ذات الصّلة بكم ودون الحصول على موادّ غريبة. إنّ موقع Understood.org إنجاز ضخم بحقّ، وهو مجانيّ بالكامل ومُنسَّق بشكل دقيق. واحرصوا خلال التّعليم، على شرح الحالة للطفل ـ وأنفسكم ـ باستخدام عبارات قياس القوّة، فعلى سبيل المثال:” لديك عقل كأنّه محرّك سيّارة فيراري، ولكن لديك أيضًا مكابح درّاجة”، وهي أفضل طريقة لتلخيص الأمر. أنت دينامو، ولكن علينا تعزيز هذه المكابح. لديّ أنباء سارة، هناك مختصّون في المكابح ـ مثلي ـ والّذين يمكنهم ضمان أن تصبح مكابحك أكثر قوّة، وذلك من خلال عمل ضروريّ. يمكنك أن تكون رابحًا ولكن إن بذلت المزيد من الجهد بمرور الوقت. لقد أثبت التّدريب أو التّدريس الخصوصيّ قدرته على أن يكون مفيدًا في تطوير المهارات التّنظيميّة والعادات الّتي تُصنَّف عادة تحت عنوان “ضبط النّفس”. إنّ المدرّب أو المدرّس المناسب هو الّذي يمكن أن يحقّق تغييرًا. الآباء مدرّبون ومدرّسون خصوصيّون بحكم الأمر الواقع، ولكنّهم غالبًا ما يفقدون تأثيرهم بسبب ما أطلق عليه “عامل التذمّر”. إن لممارسة الرّياضة البدنيّة تأثير إيجابيّ مذهل على العقل بصفة عامّة، وعلى اضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة بشكل خاصّ. لقد ألّف صديقي وزميلي “جون راتي” كتابًا حاسمًا بشأن ذلك الأمر يُدعَى ““Spark: The Revolutionary New Science of Exercise and the Brain“. وقد أثبت أيضًا التأمّل والتّدريب على اليقظة، أنّهما ذوي فائدة كبيرة، فيمكن للأطفال والبالغين المصابين بقصور الانتباه والحركة المفرطة أن يمارسوا التّأمّل… واعتمادًا على بحث أجرته في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، ألّفت “ليديا زيلووسكا” كتابًا ممتازًا حول ذلك الأمر لدى البالغين، وأسمته “The Mindfulness Prescription for Adult ADHD“. إنّني أوصي بشكل منتظم بتطبيق CALM، ومن الممكن تحميله وممارسة التّأمّل في غضون دقائق. وتُحدِث التّغذية فرقًا كبيرًا، فكلّما اقتربت من أن تصبح نباتيًّا (أعلم، فأنا أيضًا لا أستطيع ذلك) كلّما أصبحت أكثر صحّة، وهناك عدّة أشخاص مصابين باضطراب قصور الانتباه والحركة المفرطة، وجدوا أن نظامًا غذائيًّا خاليًا من مادة الجلوتين أو اللاكتوز تساعدهم كثيرًا. وبالتّأكيد، فإنّ المستقبل يسير في طريق العلاجات الّتي لا تعتمد على أدوية. فإضافة للطّرق السّالف ذكرها، يجري الآن تطوير لعبة كمبيوتر باسم “Atentiv”، وكنت مشاركًا خلال الخمس سنوات الماضية في جهود البحث والتّطوير للّعبة، وهي تعطي نتائج متساوية مع الأدوية، ليس فقط في تحسين النّتائج الأكاديميّة، ولكن أيضًا في مقاييس التّصنيف السّلوكيّ. ولكن مع ذلك يجب توخّي الحذر، فليست كل الألعاب وتمارين العقل تؤدّي إلى النّتائج المرجوة منها. هذه الألعاب والتّمارين لا تتسبّب في أذى (أكثر من أنّها تكلّف مبالغ مالية)، ولكنّها حتّى الآن لا تشفي أو تحول دون مرض ألزهايمر أو تحسين البراعة العقليّة مثلما تُظهر إعلاناتها. ورغم ذلك، فإنّي مقتنع بأنّ الأعوام المقبلة ستشهد تراجعًا للعلاج المعتمد على الأدوية في مقابل تطوير خيارات واسعة من التّدخلات غير الدّوائيّة. إنّنا نعيش في عصر مثير للغاية حينما يتعلّق الأمر بالرّعاية وتغذية العقل البشريّ.