صحافة التعليم

مؤسس شركة مايكروسوفت “بيل جيتس”: تبنّ قضية من قضايا العالم واجعلها اختصاصك (الجزء الثاني)

في الجزء الأول من ترجمة خطاب “بيل جيتس” لمتخرجي جامعة “هارفارد”، دفعة 2007، ناقش جيتس مبدأ مسؤولية كل فرد أخذ شيئًا أو حاز ميزة أن يبسط يده بها في المقابل لمن لم يؤت مثلما أوتي. وفي الجزء الثاني يفصّل في خطوات عملية كيف أن العائق الحقيقي أمام التغيير ليس قلة المبالاة بل كثرة التعقيدات:

إن التنقيب وسط التعقيدات بحثًا عن حل يمر بمراحل أربع :

  1. حدد هدفك
  2. ابحث عن أكثر الوسائل فعالية وأوسعها أثرًا.
  3. ثم اعثر على الوسائل التكنولوجية اللازمة لتحقيقها.
  4. واستثمر بذكاء كل ما هو متوافر بين يديك بالفعل.

فلنأخذ الإيدز مثالًا: الهدف بالطبع هو القضاء عليه نهائيًا. أما أوسع الوسائل أثرًا فهي الوقاية. والتقنية المثالية هي المصل الواقي لمناعة مدى الحياة. ومن ثم فالحكومات وشركات الأدوية والمؤسسات تمول أبحاث الأمصال، لكن تلك الأبحاث تستغرق وقتًا قد يربو على العَقد، فلا يتبقى في الوقت الراهن إلا أن نعمل بما يتوافر بين أيدينا، وأحسن وسائل الوقاية الحالية هي أن يتجنب الناس التصرفات التي تعرضهم لخطره. ولا يَخفى أهمية تسجيل التقدم وإثبات الإحصائيات ليتعلم الآخرون من نجاح التجارب وفشلها، ولإقناع الحكومات وأصحاب الأعمال بالاستثمار فيها.

من جهة أخرى، لقد أدى ظهور الكمبيوتر الشخصي منخفض التكاليف لإنشاء شبكة قوية للتعلم والتواصل. والشيء الرائع بخصوصها أنها تطوي المسافات وتجعل من الكل جيرانك، وهي إلى ذلك تزيد عدد العقول النيرة التي يمكنها أن تعمل معًا على نفس المشكلة، فترتفع بالتالي نسبة الإبداع بشكل مذهل.

وفي الوقت ذاته، نجد في مقابل كل فرد يستطيع الوصول لهذه التكنولوجيا خمسةً محرومين منها، مما يعني أن هناك عقولًا مبدعة تترك خارج المعادلة، وهم أشخاص بنفس الذكاء والخبرة، لكن بغير التكنولوجيا التي تعينهم على شحذ مواهبهم والمساهمة بأفكارهم في العالم.

لذلك أتوجه بالسؤال إلى نخبة العقول المفكرة المجتمعة اليوم في ساحة هارفارد: هل ينبغي أن نوجه خيرة عقولنا إلى حل مشاكل العالم الكبرى؟ هل ينبغي على جامعة هارفارد أن تشجع كلياتها على تبني تحديات تقليص الفوارق الظالمة؟ هل ينبغي على طلاب هارفارد أن يعرفوا عن مدى الفقر حول العالم، وانتشار الجوع، وندرة المياه النظيفة، والفتاة التي حُرمت التعليم، والأطفال الذين يموتون بسبب أمراض نستطيع معالجتها؟ هل ينبغي على المتنعمين في العالم أن يعرفوا عن بائسيه؟ هذه ليست أسئلة بلاغية، وإنما إجاباتها أفعالكم.

إن أمي التي ملأها الفخر يوم قُبلت هنا لم تتوقف عن حَثي لأفعل المزيد للآخرين. وبعد أيام قلائل من زواجي أقامت حفلًا، وقرأت فيه علينا رسالة عن الزواج كتبتها لزوجتي مليندا. كانت والدتي مريضة بالسرطان وقتها، لكنها لم تضيع ولو فرصة واحدة أخيرة لتوصل رسالتها. وفي ختام الرسالة قالت : “مِن أولئك الذين أُعطوا الكثير، يُتوقع الكثير”.

حينما تتفكرون فيما أُعطيتم من مواهب وامتيازات وفرص، سيتبين لكم أنه لا حَد لما يَحِق للعالم أن يتوقعه منـا. لذلك أطلب من كل واحد منكم أن يتخير مشكلة أو قضية ويجعلها اختصاصه. وإذا استطعت جعلها تخصصك في مسيرتك المهنية فلسوف تصنع المعجزات، لكن ليس بالضرورة أن تفعل ذلك لتترك أثرًا، بل هي عدة ساعات كل أسبوع ستمكنك من استثمار الطاقة المتنامية للإنترنت لتزداد علمًا، وتجد آخرين يشاركونك نفس الاهتمامات، فتتناقشون في العوائق وكيفية تجاوزها. لا تجعلوا التعقيدات توقفكم.

فلتتبنَ قضية كبرى، وسترى كيف سيكون ذلك من أعظم تجارب حياتك، وإلا فإن ضميرك سيعذبك إذا أدرت ظهرك لمن كان يمكنك تغيير حياتهم بقليل من الجهد، أولئك الذين لا يشتركون معك إلا في الإنسانية. لديكم أكثر مما كان لدينا، لابد أن تعجِّلوا البدء، وتطيلوا الاستمرار.

انتهى الخطاب.

هدى عبد الرحمن النمر

كاتبة ومترجمة ومحاضِرة ، في الأدب والفكر وعمران الذات . محررة لغوية ومترجمة . حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز ، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها
Back to top button