ماذا تحتاج لتقيم نشاطاً في الجامعة الأردنية؟
في عالم جميل يحترم التعليم والعلم وطلّاب العلم (وهو عالم ليس مثالياً جداً بالضرورة بل ممكن واقعياً)، سيكون من البديهي تشجيع الطلاب على طلب العلم بكافة الوسائل، وسندعمهم ليقيموا النشاطات المختلفة ونوفّر لهم كل ما يحتاجون من تجهيزات و”لوجستيات” لإيماننا بقدراتهم، وبأهمّية ما يفعلون، ولبناء شخصيات قيادية حقاً ومؤثرة بشكل إيجابي في المجتمع بين الناس. لكننا للأسف.. لا نعيش في هذا العالم، بل في عالم تعليمي منحطّ تحكمه المصالح الشخصية، والاستقطابات التافهة، والبيروقراطية، والمركزية المقيتة، ويسود فيه الجهل المقنّع بالوعي الزائف، ويتم السّعي فيه دائما لإحباط طالب العلم وتسطيح رؤيته لهذا العالم، ودفعه لكي يُحشَر في زاوية الدراسة التقليدية لكي “يمشي الحيط الحيط ويقول يا رب السّتر”، ووضع العقبات أمام أي إبداع أو نشاط لا منهجي يودّ إقامته وإفادة نفسه وغيره من خلاله. هذا رغمَ ما علّمونا من أنّ الجامعة عالم مفتوح للإبداع والعمل والفائدة! ورغم ما نسمعه ليلَ نهار من مسؤولينا عن دعمهم للطاقات الشبابية (خاصة في الجامعات) وإفساح المجال لأفكارهم بكل ديمقراطية وشفافية.. لكنها للأسف كانت وما زالت كذبة كبيرة! يدعون إليها علنا، ثم يحاربونها سرّا!
ماذا تحتاج لتقيم نشاطا في الجامعة الأردنية؟ يبدو السؤال سهل الإجابة! بعض الإجراءات المعتادة البسيطة وينتهي الأمر!
ليت الإجابة كانت كذلك!
في الجامعة الأردنية، الجامعة الأمّ في الأردن، إذا أردتَ أن تكون قانونياً وتسير وفق التعليمات، فستمرّ بتعقيدات هائلة وإجراءات طويلة لا داعي لها إذا فكّرت في تنظيم نشاط ما، وأعني أيّ نشاط مهما كان صغيراً أو كبيراً، أياً كانت فكرته واحتياجاته. لكنّك طبعا وللأسف تستطيع تجاوز كل شيء وتحقيق مرادك بواسطة واحدة، من شخص تعرفه!
رحلتك كطالب مع تنظيم أي نشاط يجب أن تبدأها مرغماً بالتفكير في متطلبات إجازة إقامته، ولو كان الأمر فقط في مسألة قبول الجامعة لهان، فمن حقّ بل من واجب الجامعة أن تراقب ما يُقام من فعاليات صغيرة وكبيرة، وأن تضع نظاماً للقبول أو الرفض (بما يتناسب مع قيمها وأهدافها)، كي لا يختلط الحابل بالنابل وتصبح الجامعة مسرحاً لكل فكرة حسَنة أو قبيحة. أقول لو توقف الأمر على مسألة القبول بحد ذاتها كمبدأ لهان الأمر، ولكن المشكلة الحقيقية هي في نظام الموافقة على تنظيم النشاطات، والتعقيدات في الخطوات الإدارية التي نتعرض لها كطلّاب من أجل إقامة حدَث أو نقاش بسيط لا يحتاج شيئاً ولا خوف ولا مانع لدى أي أحد فيه! ناهيك عن مزاجية التطبيق بحسب الشخص المسؤول، وبحسب ميولك وتوجهاتك الفكرية.. وهذه قصة أخرى أيضاً!
عليك في البداية أن تقدّم طلبا بنشاط لدى اتحاد الطلبة (وهو أمر لم يكن سابقاً، وعائق جديد أضافوه في وجه الطلبة بعد أن كان الأمر أسهل سابقاً)، وعليك أن تنتظر فترة لا تقل عن يومين وقد تزيد على أسبوع (عن تجربة الكثيرين) لكي يوافق الاتحاد عليها! وكأن الاتحاد يعمل لتعطيل الطالب لا لمصلحته!
ثم عليك أن تنتظر لكي يرسلها الاتحاد إلى عميد شؤون الطلبة ثم ليدور الكتاب بين العديد من مكاتب العمادة، ويدور ويدور.. ليدور معه رأسك (هذا إذا كنتَ تحمله بيدك، أما إن تركته لديهم ليقوموا بالمهمّة فستنتظر لأسابيع أو أشهر ربما!!)، وبعد أن تنتهي من كل ذلك الذي يمكن اختصاره بمكتب واحد متخصص فقط أو مكتبين للتأكيد، عليك أن تذهب للمسؤول عن المكان الذي تريد إقامة الفعالية فيه، وتأخذ منه موافقة على فراغ المكان في الزمان الذي تريده، وإن لم يحدث ذلك، فكأنّك لم تفعل شيئا، ولا تنال شيئاً بسبب سوء التنظيم والإجراءات البيروقراطية هذه! وكأنّ السبب هو أنت!
أنوّه مجدداً أن كلامي هذا يخصّ من يسير على التعليمات والقوانين التي وضعوها هم، أما أغلب ما يحدث فهو للأسف يتم بالواسطة وبـ”تسريع” الأمور من خلال المعارف والتجاوز عن القوانين، أو على الأقل بعدم معاملة طلبات تقديم النشاطات بعدالة وبالمعيار نفسه.
المثير للسخرية في كل هذا أنّ مثل هكذا أمر قد يتم حل مشكلته من خلال تخصيص مكتب واحد ونظام أكثر سهولة لقبول تنظيم النشاطات أو رفضها، بدل تعطيل الطلاب والفوضوية وخلط الأمور ببعضها. وهو الأمر الذي يبعث اليأس والنفور في نفس الطالب بدلاً من تشجيعه على العمل غير المنهجي والمشاركة في تنمية نفسه ومن حوله.
ليس من المعقول أن يلجأ طالب جامعي لمكان خارج الجامعة، لإقامة نشاط يستهدف فيه طلبة الجامعة أنفسهم بسبب تعطيل وتأجيل ومماطلة إجراءات الجامعة ومزاجيتها! وهو أمر يحدث كثيراً في هذه الأيام!
والمحزن جدّاً أيضاً في هذه الحالة هو الأثر الذي يتركه الواقع المُجرّب في ذهن وتصوّر الطالب، من أنّ كل شيء يريده قد يتحقق بالواسطة، ولا شيء يتحقق بالسير على القوانين والتعليمات. وهو ما سيعزّز المشكلة الكبيرة التي نعاني منها في بلادنا من تفشّي الواسطات والمحسوبيات، ويصيّرها مكوّنا في شخصية الطالب نفسه. فالفكرة ليست فقط في تعليمات وقوانين ميسّرة وواضحة، بل في عدالة تطبيقها على الجميع أيضاً.
إن المطلوب ليس أكثر من نظام عادل وواضح ويسير لطلبات تقديم النشاطات، بحيث يشجّع الطلاب على المشاركة ويعبّد الطريق أمامهم نحو المشاركة في تنمية مجتمعاتهم الطلابية بكافة الطرق الممكنة. وهو أساس حقيقي لإصلاح تعليمي وبذرة إصلاح مجتمعي عامّ أيضاً، وليس صعبَ التحقيق إن وُجدت النيّة الصادقة.
طالب جامعي
الجامعة الأردنية
كلية الطب