تحقيقات زدني

مافيا الدراسات العليا تستنزف طلاب مصر

كغيرها من الأحلام، أصبحت الدراسات العليا في مصر حلمًا بعيد المنال على الطلاب الذين يريدون الالتحاق بالدارسات العليا، ورفع مستواهم الوظيفي والعلمي، وذلك بسبب  ارتفاع تكلفة الدراسات العليا، فالجامعات المصرية  تتسابق في رفع الأسعار فضلًا عن تفشي الفساد والرشاوي  من خلال بعض الموظفين الذين يجبرون الطلبة على دفع مبالغ نقدية إضافية من أجل تسهيل دراستهم وإمدادهم بالأوراق والأبحاث المطلوبة.

وعلى الرغم من وجود استراتيجية في الجامعات المصرية للنهوض بخطة الدراسات العليا، إلا أن المال أصبح هو الأساس لنجاح الطالب وتميزه، وامتد الفساد إلى مناح عديدة مع صعوبة التكاليف، فضلًا عن الارتفاع غير المبرر في المصروفات السنوية، مما يعني إغلاق الطريق أمام الطلاب من شريحة المواطنين البسطاء.

ابتزاز الطلاب

وقد وصلت مصروفات الماجستير في بعض الجامعات إلى 4000 جنيه (266) دولار تقريبًا، و للدكتوراه 8000 جنيه (533) دولار تقريبًا للكليات النظرية، و 15 ألف إلى 30 ألف جنيه (1000 – 2000) دولار تقريبًا لكليات الطب والكليات العملية، مما يؤثر سلبًا على المنظومة العلمية في مصر.

فاطمة. م  طالبة ماجستير بكلية العلوم – جامعة الأزهر –  تروي لـ شبكة زدني تفاصيل معاناتها خلال  دراستها للماجستير، حيث  أكدت لها  إحدى  عضوات هيئة التدريس أنها سوف تنتهي من الماجستير في عامين فقط ، ولكن فاطمة  قضت  6 سنوات من الابتزاز والبهدلة والإهانة واستنزاف مادي وضغط نفسي وسوء معاملة لا يتخيلها أحد، مع أن المدة المسموح فيها قانونيًا لدراسة الماجستير وإنهاء الرسالة هو 5 سنوات فقط، إلا أن الدراسة  مدّت سنة إضافية أخرى بمبلغ مادي كبير تحملته فاطمة وحدها.

وتتابع فاطمة قائلة: إن كل مصاريف الرسالة قد تحملتها، ولكنني أصبحت أصرف على الدكتورة المشرفة على رسالتي وذلك بتقديم هدايا حتى ترضي عني ولا تهينيني، بالرغم من أني طالبة متفوقة جد|ًا وتخرجت من الكلية بتقدير، ولكن مصاريفي تجاوزت الـ 60 ألف جنيه مصري (4000) دولار تقريبًا وهو مبلغ كبير جدًا، وعندما كنت أعترض ترد المشرفة على رسالتي: أنا حرة أعمل اللي عاوزاه وماحدش يكلمني، حيث أنه لاتوجد سلطة عليهم تحاسبهم، إضافة  إلى أن غياب القانون الذي يحكم أساتذة الجامعات هو السبب الرئيسي في كل مايحدث.

وتؤكد فاطمة أن الدولة لا تنفق أي جنيه على طلاب الدراسات العليا، ولاتخصص أي دعم مالي لهم، بالرغم من أنهم مستقبل مصر وتفوقهم يعنى تقدمًا وتطورًا  للبلد، كما أن الجامعة لم تقم بتوفير أي فرص عمل أثناء الدراسة تساعد الطلبة  في توفير مصاريفهم الخاصة وتكاليف  الدراسات العليا.

وتتابع فاطمة قائلة: أنا  لا أعمل ولكني من أسرة ميسورة، دعمتني ماديًا وساعدتني، ولكنني أتساءل كيف سيتمكن أي طالب أو طالبة في سن صغيرة بدفع كل هذه المصاريف، عدا عن السنوات العديدة  التي قد تضيع من عمره، كل ذلك يؤدي لعزوف قطاع كبير من الطلبة عن متابعة الدراسات العليا.

جامعة القاهرة للأغنياء فقط

 تعد جامعة القاهرة من أغلى الجامعات في مصاريف الدراسات العليا، الأمر الذي يؤرق الطلاب، ويمنع معظمهم عن إكمال  دراسته العليا، حيث وصلت مصاريف تمهيدي الماجستير في كلية الإعلام لـ2500 جنيه (167) دولار، إضافة إلى  300 جنيه (20) دولار اختبار ” تويفل”  كشرط للتقديم، و 250 جنيه (16) دولار لفتح ملف واختبار القبول، إضافة لشراء الكتب والأوراق، أي تخطي المصاريف لـ 3000 جنيه (200) دولار، وتشترط الكلية دفع المصاريف دفعة واحدة عند التسجيل.

تؤكد كل هذه الأمور لشبكة زدني – سارة حسين – طالبة تخرجت من كلية الإعلام وقررت التقديم لتمهيدي الماجستير وإكمال دراستها ، إلا  أنها فوجئت بتعنت شديد في التعامل ،  وتحديد عدد الطلاب المتقدمين ، إضافة لغلاء المصروفات التي تعدت 3000 جنيه (200) دولار، واشتراط الحضور، مما اضطرها لتأجيل التقديم مؤقتًا حتى تتمكن من جمع المصروفات.

وتطالب سارة  وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بضرورة توفير دعم مادي لطلاب الدراسات العليا، مشيرة إلى أن مصروفات الدراسات العليا أقل في جامعات أخرى من جامعة القاهرة، ولا تدري ما سبب رفع المصروفات بهذا الشكل المريب.

ولا تنظر الجامعة لسخط الطلاب واعتراضهم على الأسعار، وتبرر ذلك بغلاء الأسعار في كل شيء،  فمن الطبيعي أن تزيد أيضًا مصاريف الدراسات العليا، حيث وصلت تكلفة الدراسات العليا في كلية التجارة إلى 8000 جنيه (533) دولار- بحسب حديث ” أحمد علي” إلى شبكة زدني التعليمية، أحمد هو أحد المتقدمين للدراسات العليا بالكلية، حيث قال: إن إداراة الكلية  قامت بزيادة المصروفات بنسبة 35%  دون أي مبرر لذلك، إضافة إلى تطبيق هذه الزيادة على الطلاب المقبولين قبل قرار الزيادة وإجبارهم على ذلك قبل بدء الدراسة بأسبوع.

٤٠ ألف طبيب بدون دراسات عليا

 تفاقمت أزمة الدراسات العليا للأطباء، حيث ألزمت الوزارة الطبيب بضرورة إكمال دراسته العليا، لرفع درجته الوظيفية من أخصائي لاستشاري ورفع راتبه،  لكن المشكلة تكمن  في زيادة تكلفة الدراسة لتصل إلى 50 ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم لا يستطيع أي طبيب في مقتبل حياته دفعه.

وبالرغم من قرار وزير الصحة رقم 146 لسنة 2014 بشأن تحمل وزارة الصحة مصروفات الدراسات العليا للأطباء من موازنة التدريب، إلا أن الوزارة لم تطبق هذا القرار، وقامت النقابة العامة للأطباء بإرسال أكثر من إنذار للوزراة،  لكن الوزارة مستمرة في تجاهل تطبيق القرار، بحسب موقع النقابة.

ويقول “محمد نور ” وهو طبيب امتياز – لشبكة زدني:  إن أزمة نقص فرص الدراسات العليا منذ عشر سنوات نتج عنها تراكم حوالي 5 آلاف طالب كل عام، لم يستطيعوا التقدم للدراسة، حيث يسعى حاليًا أكثر من 40 الف طبيب لإيجاد أي فرصة للتنمية العلمية والمهنية ولا يجدونها  بسبب ارتفاع تكلفة الدراسات العليا.

ويضيف: الدراسات العليا تعتبر أمرًا ضروريًا للطبيب وليس تكميليًا، تكملة الدراسة مهم جدًا لتقديم خدمة طبية متميزة للمريض، وإن الاكتفاء بدرجة البكالوريوس جريمة في حق المريض، ولكن هذه الزيادة في المصروفات تمنع الأطباء من استكمال الدراسة لعدم امتلاكهم المصروفات اللازمة.

ويطالب “د. محمد” وزير الصحة، واللواء  “سيد شاهين” رئيس قطاع الشؤون المالية والإدارية بوزارة الصحة، «وفقًا لما جاء بالقرار الجمهوري رقم 137 لسنة 2014 بتعديل القرار   أرقام 7-11 من القانون رقم 14 لسنة 2014، واللائحة التنفيذية المعدة من قبل وزارة الصحة فى نسختها الأولى، أن تلتزم الوزارة بتحمل المصروفات والرسوم اللازمة لحصول أعضاء المهن الطبية على الدراسات العليا، دبلوم، ماجستير، زمالة، دكتوراره.

غياب فرص العمل

ويشتكي حملة الماجستير والدكتوراه ممن أنهوا دراستهم العليا من عدم وجود فرص عمل لهم، ودائمًا ما يقومون بتنظيم وقفات احتجاجية أمام مجلس الوزارء للمطالبة بالتعيين في الوظائف الإدارية للدولة، مطالبين بضرورة تطبيق مواد الدستور والقانون وتعيينهم أسوة بزملائهم من الدفعات السابقة.

وتقول ” تقى أحمد ” لشبكة زدني – حاصلة على ماجستير إدارة الأعمال-:  لقد تحملت أعباء الدراسة التي تخطت 10 آلاف جنيه(666) دولار، والآن لا أجد أي فرصة عمل أو حياة كريمة تناسب مؤهلي الدراسي، وكل ما أطلبه هو المساواة، ولكن ما نجده هو تعيين البعض بالواسطة ومن يستحق العمل في الشارع.

وتضيف قائلة ” إن المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية بمجلس الدولة، قضت بإلزام الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة بقبول أوراق تعيين حملة الماجستير والدكتوراه، وترشيحهم للوظائف التى تتناسب مع مؤهلاتهم تمهيدًا لتعيينهم، وذلك تنفيذًا لموافقة مجلس الوزراء على تعيين حملة الماجستير والدكتوراه دفعة 2013.

خطة ممنهجة

ويرى المحامي والباحث القانوني ” أحمد صالح” أن رفع المصروفات الدراسية للدراسات العليا لم يأتِ من فراغ، ولكنها خطة ممنهجة من الدولة لتقليل عدد الحاصلين على شهادات الماجستير والدكتوراة، حتى لا تتحمل الدولة عبء تعيينهم، حيث ينص القانون المصري على أنه من حق حملة الماجستير والدكتوراه التعيين في إحدى الوظائف الحكومية، على حد قوله لشبكة زدني التعليمية.

ويضيف أحمد –  والذي يدرس دبلوم القانون العام بجامعة المنوفية-: إن مصروفات الدراسة تخطت الـ200 جنيه، وهو أمر مرهق جدًا في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تشهدها البلاد، ناهيك عن أسعار الكتب والانتقال للجامعة، إضافة إلى أن غالبية طلاب الدراسات العليا لديهم أعمال ويعيلون عائلاتهم ولديهم  أعباء مالية كبيرة.

ويتابع كل عام تزداد المصاريف الدراسية  عن العام الذي يسبقه، وهو ما يؤثر سلبًا على مستوى البحث العلمي في مصر لعزوف الطلاب عن إكمال دراستهم، وكأن الدولة تتعمد هذا الأسلوب حتى تقلل من  أعداد الباحثين والدارسين.

ويشير أحمد  إلى أن ارتفاع المصروفات بالتزامن مع الأزمات الاقتصادية الطاحنه التي تمر بها البلاد هو عامل منفر للطلاب،  والأجدر بالدولة أن تشجع على البحث العلمي والدراسة لكن ما يحدث هو عكس ذلك.

الحكومة تبرر

من جهتها تبرر الحكومة سبب رفع المصروفات الدراسية  للدراسات العليا، بأنها تقنن وتحدد الطلاب الذين يتقدمون للدراسات العليا، وأنها هي من يضع شروط التقديم مع رفع المصروفات وذلك لمنع من هب ودب للتقديم، مشيرة إلى أن مجانية التعليم ليست مفيدة في كل الحالات، وعلى من يريد التعلم أن يسعى ويدفع، بل أن بعض أعضاء هيئة التدريس يرون أن مجانية التعليم من أهم مشاكل التعليم الجامعي، بحسب بيان صحفي سابق لها.

وبعد وقفات احتجاجية عديدة لطلاب الدراسات العليا، مطالبين بخفض المصروفات الدراسية أعلن “د. أشرف شيحة ” وزير التعليم العالي في بيان صحفي أنه أصدر تعليمات بعدم تحصيل رسوم الالتحاق بالدراسات العليا من الخريجين الحاصلين على تقدير جيد جدًا، وأنه أصدر هذه التعليمات إلى رؤساء الجامعات بعدم زيادة العبء على المتفوقين ومراعاة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد حاليًا.

وجاء هذا القرار بعد تقدم 276 من طلاب الدراسات العليا بجامعات القاهرة وعين شمس وحلوان وأسيوط والزقازيق والمنصورة والإسكندرية، بمذكرة لوزير التعليم العالي، يطالبونه فيها بتخفيض رسوم التسجيل التي زادت مؤخرًا بنسبة 50%.

أحمد مصري

صحفي وناشط حقوقي مصري وباحث في الشأن التركي
Back to top button